دعونا أولا نعبر الجسر
تلك جملة سيلفا كير‚ الرجل الذي ستسوقه الأقدار إلى حيث كان يجلس جون قرنق نائبا أول للرئيس السوداني‚ في القصر الرئاسي في الخرطوم‚
جملة سيلفا كير‚ جاءت ردا على سؤال‚ في أول مؤتمر صحفي‚ بعد انتخابه بالاجماع زعيما للحركة الشعبية التي كان قرنق مهندسها وقائدها التاريخي‚
أجل‚ قبل الإجابة عن السؤال‚ ما إذا كان سيلفا مع وحدة السودان أم مع الانفصال‚ لا بد من عبور الجسر: جسر الأحزان على الرجل (الوحدوي) الذي قاتل ـ أول ما استل كلاشينكوفه قبل حوالي ربع قرن ـ الانفصاليين في الجنوب!
ما هو محزن‚ ان الجسر الذي تحدث عن ضرورة عبوره ـ أولا ـ سيلفا كير‚ لم يكن فقط جسرا للأحزان‚ وإنما هو جسر لنظرية المؤامرة‚ تلك التي هيجت الجنوبيين‚ مباشرة بعد مقتل قرنق‚ وأدت إلى اندلاع عنف مخيف ليس فقط في مدن الجنوب‚ وانما حتى في الخرطوم ومدن شمالية أخرى‚
ما حدث من عنف جنوبي‚ تسببت فيه تلك النظرية الشائهة والمشوهة‚ ليس مخيفا فقط على الصعيد الأمني‚ وإنما هو مخيف على مستقبل الثقة بين الشمال والجنوب‚ تلك التي كان يراد لها ان تتعزز باتفاق السلام‚ لتصبح الأرضية الثابتة التي ينطلق منها السودانيون شماليون وجنوبيون ـ نحو الوحدة الطوعية‚‚ ونحو السودان الجديد‚
عبور هذا الجسر: جسر نظرية المؤامرة ليس بالعبور السهل‚ بالنسبة للجنوبيين‚‚ ومن هنا يبقى على قادتهم في الحركة الشعبية الذين لم يتشككوا لحظة في ان مقتل قرنق كان نتيجة حادث‚ وليس مؤامرة‚ أن يبذلوا ما استطاعوا من جهد للأخذ بيد الجنوبيين البسطاء‚ للعبور بهم إلى حيث الحقيقة‚ واعادة بناء الثقة‚
بالطبع‚ تعقيدات ومضاعفات تلك النظرية الشائهة كانت مخيفة بالنسبة للشماليين‚ في الشمال والجنوب معا‚‚ هذا ما تقول به الشوارع التي تضرجت بالدم‚‚ وهذا ما تقول به المحلات والسيارات التي أحرقت‚ وهذا ما تقول به المتاجر التي نهبت‚‚ وليس من سبيل للخروج بالشماليين من آثار هذه التعقيدات المؤلمة إلا بالوعي‚ والمزيد منه‚‚ وهذا بالطبع لن يتأتى إلا بجهود حثيثة‚ يتكاتف من أجلها المسجد والمذياع والتليفزيون والصحيفة‚‚ وتتكاتف من أجلها كل مؤسسات المجتمع المدني‚ وكل مؤسسات الدولة‚
ما حدث من غنف‚ بعد مقتل قرنق‚ يريده أعداء السلام‚ وما أكثرهم من شماليين وجنوبيين‚ على حد سواء‚‚ وهو ما يريده أعداء وحدة السودان‚ وما أكثرهم أيضا من شماليين وجنوبيين‚ وليس من سبيل ـ بالطبع ـ لقهر هذه الإرادة الشيطانية‚ إلا بضبط النفس‚ والمزيد من الوعي بالمخططات التي يريدها أعداء السودان للسودان‚ ومن بين هؤلاء الأعداء سودانيون للأسف!
السلام‚ شيء عزيز جدا‚‚ وهو ما كان ليتحقق إلا بوعي وإرادة الشجعان‚ ومن الحماقة ـ بالتأكيد ـ أن يفرط السودانيون في هذا السلام العزيز‚ بفعل أهوج أو بردة فعل لا تقل هياجا‚ هذا ما أدركته القيادة‚ تلك التي حققت أخيرا السلام! القيادة في الشمال وفي الجنوب‚‚ وهذا ما دفعها للتعبير عن استيائها من أعمال العنف‚‚ وهذا ما دفعها للتأكيد على التزامها بالسلام‚‚ الآن الآن‚‚ أكثر من أي وقت مضى‚
ليعبر السودانيون‚ إذن‚ الجسر أولا: جسر الأحزان ونظرية المؤامرة‚ وحين يتم العبور‚ يمكن لسيلفا كير ان يجيب عن السؤال: هل أنت مع الوحدة أم أنت انفصالي كما يشاع عنك كثيرا!