ابوطالب تيلك تيو
لقد كان واضحا ان الحركة الشعبية بعد توقيعها للاتفاق و بداية تنفيذه لم يكن لها استراتيجية امنية واضحة لحماية نفسها. فقد تعاملت مع الامر بروح السودانيين الافريقيين البسيطة المتسامحة و المحبة للسلام و التى تثق فى غيرها ثقة عمياء و لم تضع حدا للتحزيرات التى ذكرناها من قبل و ذكرها غيرنا ، بل كان هنالك مقالا كاملا منشورا على صفحات سودانيز اون لاين يفيد بان هنالك مخططا لاغتيال الدكتور جون قرنق دى مبيور.
فقد ذكرنا لهم بأنهم قد وقعوا اتقافا مع مجموعة لا تقدر على المقاومة المباشرة لذا اصبح التامر والغدر و الخيانة سمة من سماتها، و قدكان عليهم لزاما وضع الامر موضع الجد و التعامل معه بحسم. و قد تخيلنا ان تدخل الحركة الخرطوم باستراتيجية امنية واضحة حتى تأمن نفسها من شرور شريكها المتامر دوما و ذلك باستعادة توازن القوى داخل الخرطوم، و خاصة ان اتفاقية السلام تشير الى ذلك.
ففى الجانب الاخر ان الجبهجيون داخل حزب المؤتمر الوطنى يعتمدون على اجهزة امنه اعتمادا كليا فلو لا ذلك لما بقيوا فى الحكم طيلة هذه الفترة. فالمؤتمر الوطنى له اجهزة امن على المستوى العام و المستوى الخاص. فأما على المستوى العام فقد استطاع حزب المؤتمر الوطنى تجنيد انصاره فى الامن العام الذى يشرف عليه الدكتور نافع على نافع. فالدكتور نافع هو الرئيس الفعلى لهذا الجهاز. و اى منصب تبوءه انيط بهذا المنصب المهمة الامنية ان كان على راس جهاز الامن مباشرة كما حدث فى التسعينات من القرن الماضى او كان وزيرا للزراعة او وزيرا فى ديوان الحكم الاتحادى او الناطق الرسمى و ربما الامين العام لحزب المؤتمر الوطنى قريبا. و لانه سيكون الرجل الاول فى الحزب خلفا للدكتور ابراهيم احمد عمر، يعنى ذلك ان مهمة الحزب فى المرحلة القادمة مهمة امنية بحتة. و قد قام الحزب مؤخرا بفتح مكتب فى القاهرة و ربما تكون مهمة هذا المكتب مهمة امنية و ذلك بمعاكسة و ملاحقة السودانيين المتواجدون فى القاهرة بأعتبارهم اكبر تجمع للسودانيين خارج السودان و خاصة المناؤين للحكومة.
اما على المستوى الخاص، فللمؤتمر الوطنى امنه، اى امن الحزب، و الذى يشرف عليه الدكتور عوض الجاز و زير الطاقة و التعدين المكلف او وزير مالية السودان الفعلى الذى تتكدث اموال البترول و تقع تحت تصرفه. فالدكتور الجاز يوظف اموال البترول فى تسيير اعمال الحزب الامنية و تمويل المسائل الارهابية كما حدث فى محاولة اغتيال الرئيس حسنى مبارك كما تشير اصابع الاتهام.
فلو تلاخظون ان الدكتور وزير المالية الفعلى قد علق قبل فترة فى لقاء معه فى الصحف بان الحركة الشعبية ليس لها الحق فى التعاقد مع الشركات للتنقيب على البترول فى الجنوب، و قد علق الدكتور جون قرنق على ذلك الحديث بان المسائل المتعلقة بالبترول و سياساته هى من اختصاص مفوضية البترول و ليس وزارة الطاقة. فوزير الطاقة وزير فنى لا يحق لوزارته التعليق فى الامور المتعلقة بسياسات انتاج البترول او حفظ اموال البترول او التصرف فيها فهذا من اختصاص وزارة المالية و ليس وزارته. و لكن الشاهد ان هذا الوزير يكدث اموال البترول و يتصرف فيها دون علم الوزارة المختصة لصالح امن حزبه و ذلك لاستخدامها فى الرشوة و شراء الزمم و فى تنفيذ المهام الارهابية.
كما انه على مستوى الجيش و القوات النظامية الاخرى فقد تخلص المؤتمر الوطنى من الضباط الذين يناوؤنه و استعاض عنهم بضباط يميلون له كما انه قد قام باستمالة ضباط اخرين الى جانبه لذا فالمؤتمر الوطنى يسيطر على الجيش سيطرة كاملة فالجيش اوامر يصدرها القادة و ما على الجنود الا تطبيق الاوامر لذا لا يستحى المؤتمر الوطنى من تجنيد افراد من النوبة او الفور او الجنوب لاستخدامهم ضد بنى جلدتهم مستغلا الطاعة العمياء للجنود الافراد لقادتهم حتى و لو كانوا يخالفونهم الرأى.
كما ان للمؤتمر الوطنى جيش احتياطى يتمثل فى الدفاع الشعبى. و معظم هؤلاء من انصار المؤتمر الوطنى و هم الجيش الاحطياطى الحقيقى للجبهة. فهذا الجيش الاحتياطى مسلح تسليحا كاملا و يحتفظ افراده بالسلاح فى حين ان الجيش النظامى فى القوات المسلح الذى غالبا ما يكون من ابناء النوبة او الغرب عموما او بعض الجنوبيين لا يحتفظ بسلاحه الا عندما يكون فى الخدمة. و هولاء الافراد فى الجيش قد جندوا خصيصا للدفاع عن غيرهم و ذلك فى استخدامهم فى القتال فى الغرب حاليا بعدما توقفت الحرب فى الجنوب و جبال النوبة و النيل الازرق. فأن كان لنا ان نعذر هؤلاء الجنود فى السابق فقد حان الوفت لمحاسبتهم فيما يقومون به ضد بنى جلدتهم عندما يستغلهم العنصريون داخل حزب المؤتمر الوطنى لضرب ذويهم او لتأجيج الصراع فى الغرب و الشرق باستخدام هؤلاء الغافلون فى اهداف هم هدفها الاول. فمثلا لا يمكن ان تدعى الحكومة ان الصراع فى السودان بين العناصر العربية و الافريقيين و فى نفس الوقت تستخدم الافرقيين فى القوات المسلحة لقتل بنى جلدتهم.
فعند الثامن من يوليو عندما كان زعيم الحركة فى طريقه للخرطوم امر قائده عبدالعزيز ادم الحلو بقيادة 1500 جندى من قوات الحركة كانت فى الشرق للتوجه للخرطوم لتكون بذلك نواة للجيش السودانى حسب ما جاء فى الاتفاقية، الا ان هذه القوة قد تم حجزها فى كسلا بدون اسباب مقنعة. فحجز هذه القوة كان مؤشرا الى عدم حسن النوايا. فعتاد القوة الذى قيل انه عتاد لاكثر من 15000 جندى قد كانت تكون اضافة و ليس خصما لحفظ الامن داخل الخرطوم بحفظ التوازن بين القوى المتناظرة. فأن دخلت تلك القوة الخرطوم لما تجرأ احد للقيام باحداث اى اخلال بالامن. و لكن تأخير دخول هذه القوة قد عجل بالتامر على رئيس الحركة الشعبية و اغتياله و جعل مسئولى الحركة الذين وفدوا الى الخرطوم تحت رحمة اجهزة امن حزب المؤتمر الوطنى الحاكم. فقد قام المؤتمر الوطنى بتجنيد عناصر فى امنه لمتابعة تحركات قادة الحركة فى الخرطوم بل هم الذين يقومون بوضع البرامج و يحددون لقيادة الحركة فى الخرطوم مع من يجتمعوا و مع من لا يجتمعوا، كما ان تلفونات قادة الحركة فى الخرطوم غير مستعدة لاستقبال اى مكالمات من خارج حدود السودان، خاصة من امريكا و الدول الاوربية الاخرى و ذلك لسيطرة الامن عليها.
فمثلا القائد/ عبدالعزيز ادم الحلو عندما كان فى نيروبى كان يسهل الاتصال به فى كل الاوقات للتفاكر و التشاور و تبصيره ببعض مكامن الخطورة لتفادى ذلك، و لكن ما ان وطأت قدماه السودان حتى تعزر ذلك تماما و لم يتم الاتصال به حتى هذه اللحظة لان تلفوناته مراقبة من قبل اجهزة امن المؤتمر الوطنى و هى التى تتحكم فى المكالمات التى تاتيه. ان هذا الوضع الشاذ يعتبر تفريطا امنيا مخلا. فقد كان يجب على الحركة ان تعتمد على امنها و ليس امن خصمها الذى مازال يتعامل معها بعقلية ما قبل التوقيع على الاتفاقية، فى حين انها، اى الحركة تتحرك بعقلية بعد التوقيع على الاتفاقية. فالفتوى التى اصدرتها مجموعة ضالة من الائمة و موظفى المؤتمر الوطنى و صمت المؤتمر الوطنى بعدم التعليق فى هذا الموضوع سلبا او ايجابا ما هو الا دليل على مباركة المؤتمر الوطنى على تلك الفتوة. فالذين ارادوها فتنة لم يساءلوا امام القانون حتى الان و لا الحركة الشعبية تناولت ذلك الامر سياسيا بجد و حزم، الا ذلك البيان الذى اصدرته الهيئة الاسلامية للحركة الشعبية، و خيرا فعلت ذلك.
ان الافراط الشديد فى الجانب الامنى من ناحية مسئولى الحركة الذين توجهوا الى الخرطوم كان ثمنه باهظا بفقدان رجل عظيم لم يتكرر فى قامة الدكتور جون قرنق دى مابيور. فالامن هو الذى يحدد مكامن الخطر و يتفاداها. فالحركة قد اصبحت مكشوفة بعد توقيعها على الاتفاقية فى حين ان حزب المؤتمر الوطنى مازال يحتفظ بكامل سريته و مكامن الخطر فيه و هذا يتطلب من الحركة عملا كبيرا . فعلى الحركة معالجة هذا الوضع الامنى المشوه بسرعة اليوم و ليس الغد و الا دفعت اثمانا باهظة لذلك لاحقا، و ربما فقدت معظم او كل قاداتها الموجودون فى الخرطوم من اجل انفاذ الاتفاقية ان سارت الامور على نحو ما هى عليه الان.
الملاحظ دائما ان الجبهجيون داخل المؤتمر الوطنى يريدون ان تكون الساعد الايمن للرئيس البشير ضعيفة او يكونوا هم شاغليها. فقد تخلصوا من نائبه الاول القوى الزبير محمد صالح كما تخلصوا من اقوى رجال كان يساند البشير و هو ابراهيم شمس الدين و الان فقد البشير اقوى ساعد ايمن كان سيفيده كثيرا الا و هو الدكتور جون قرنق دى مبيور. فالهدف القادم ربما يكون البشير نفسه عندما تشعر الجبهة داخل المؤتمر الوطنى بضعف الساعد الايمن للبشير حتى يتسنى لها حكم البلاد مباشرة. فالبشير مازال يسد امامها الطريق و لم يعطيها فرصة. اما على مستوى الحركة ربما يكون عبدالعزيز ادم الحلو اول المستهدفين و يليه مالك حقارو يليه ادورد لينو و يليه باقان اموم و يليه نيال دينق نيال و اخيرا ياسر عرمان حسب هذا الترتيب، لان المؤتمر الوطنى يعتبر ان هذه الكوكبة هى التى تحمل افكار الدكتور جون قرنق و هى مازالت قيادات شابة امامها الطريق. و فى اسوأ الفروض سيقوم المؤتمر الوطنى بمحاولة رشوة هؤلاء او جزء منهم بمحاولة استمالتهم او ترغيبهم او ترهيبهم ان شعر بضعف امنهم.
على مسئولى الحركة التحرر من امن المؤتمر الوطنى و الاعتماد على انفسهم بأمنهم الخاص و ان يكونوا قادرين على وضع برامجهم بأنفسهم و ليس عن طريق امن المؤتمر الوطنى الذى مهمته الاساسية هى جمع معلومات امنية بحته من مسئولى الحركة المتواجدين فى الخرطوم و التعامل مهم كل حسب المعلومات التى جمعت عنه. فرجال امن المؤتمر الوطنى الذين اختيروا لملازمة قيادى الحركة فى الداخل ملازمة الظل خطرين على ارواح مسئولى الحركة. فعلى مسئولى الحركة الاستفادة من تجارب الذين سبقوهم خاصة اولائك الذين وقعوا على ما يسمى باتفاقية جبال النوبة للسلام. فهؤلاء و خاصة قائدهم محمد هرون كافى قد تعرض لابتزاز شديد من قبل رجال امن الجبهة فى ذلك الوقت و الذى تفنن فى التوقيع به مما ادى الى ان يخرص الى الابد، بل تحول فى اخر المطاف و اصبح مؤتمر وطنى بعد ان كان قد نصب انفسه مدافعا عن قضايا النوبة. و هذه التجربة وارد تكرارها فى عناصر الحركة الموجودون فى الخرطوم الان ان ترك مسئولى الحركة انفسهم يحرسون بواسطة امن الجبهة و يسكنون فى داخليات الامن فى القرين فلج.
فالسؤال المطروح او الاسئلة المطروحة الان هى، اليس للحركة امنها الخاص؟ و اين هذا الامن؟ و لماذا لم يأتى مع قادتهم لحمايتهم؟ و ما هو المنطق فى ان تحمى امن الجبهة مسئولى الحركة فى الخرطوم؟ و الاهم من ذلك لماذا وافق مسئولى الحركة على هذا الوضع الشاذ؟ ام هم ذهبوا للخرطوم للمشاركة فى الحكومة و ليس تكوين حكومة؟
ان مسئولى الحركة فى الخرطوم مطالبون بأتخاذ اجراءات امنية و ادارية عاجلة تتمثل فى الاتى:
1-توظيف ال 1500 جندى للقيام بالمهام الامنية و حماية مسئولى الحركة فى الخرطوم.
2-على مسئولى الحركة فى الخرطوم التحرر فورا من قبضة امن الجبهة و الاعتماد على امنهم الخاص فى تحركاتهم و تصريف شئونهم.
3-على مسئولى الحركة فى الخرطوم الخروج فورا من داخليات امن المؤتمر الوطنى فى قرية القرين فلج و السكن متفرقين مع ذويهم او فى فنادق خمس نجوم فى قلب الخرطوم.
4-بعد الاحداث الاخيرة على مسئولى الحركة المطالبة بنزع السلاح الذى فى ايد انصار الجبهة فى الخرطوم و جعل الخرطوم منطقة خالية من السلاح الا لدى الجيش و القوات النظامية الاخرى.
5-لا بد من تعيين رئيس الجنوب الجديد نائب الدكتور جون قرنق دى مبيور القائد سلفا كير نائبا اولا خلفا للدكتور قرنق فورا لسد تلك الفجوة الدستورية مع الاصرار على تشكيل حكومة المؤتمر الوطنى فى الزمن المحدد لذلك وهو التاسع من اغسطس الجارى.
ان التأخير فى تشكيل حكومة الوحدة الوطنية فى الموعد المضروب له سيؤدى الى فراغ دستورى و بالتالى الى اخلال كبير فى الامن و ربما انفراط امنى مع احلال كارثة فى البلاد و هذا ما لا نريده ان يحدث. فالحكومة الحالية حكومة مكلفة لا تستطيع البت فى امور كبيرة و معقدة كما هى جارية الان امامهم. فقد شلتهم الاحداث و جعلتهم لا يستطيعون التصرف او هم يقصدون ذلك بعد ان اعتقدت ان السلاح الذى بحوزة انصارها فى الخرطوم كان سببا كامنا فى عدم التدخل السريع من جانب الحكومة للحيلولة دون وقوع مجزرة عنصرية فى الخرطوم مذكرة لنا بذلك الاحداث التى حدثت فى رواندا عندما قامت الحكومة بتوزيع السلاح لانصارها و السماح لهم بالقيام بمجزرة فى حق التوتسى.
و لكن الحكومة لا تعلم بان الوضع هنا يختلف عن رواندا لان الذين فى حوزتهم السلاح لا يجيدون التعامل مع هذا السلاح بالقدر الكافى و ربما ارتد هذا السلاح الى نحورهم ان تازمت الامور اكثر فاكثر فالعبرة ليست فى من يملك السلاح و لكن العبرة فى من هم وراء هذا السلاح؟
فالحكومة ان تعاملت مع الحدث بشفافية من اول مرة و جعلت الشعب يكون على علم اول بأول بالذى حدث لما اشيرت اصابع الاتهام الى تورطها فى اغتيال الدكتور جون قرنق و لما خرج الشعب للشارع بتلك الصورة و لتعامل مع الامر كأنه قضاء و قدر حتى و لو كان ورائه فاعل. و لكن الان حتى ولو كانت الحكومة بريئة مما حدث فبتصرفها ذلك بالتستر على الحدث تعتبر شريكا لا محالة فى الذى حدث.
6-ان لم يستطع قادة الحركة الشعبية فى الخرطوم تقويم الامر بأتخاذ الاجراءات المذكورة بعاليه، عليهم ان يلملموا اطرافهم فورا و الخروج من الخرطوم و الا ستكون التكلفة باهظة و هذا ما لا نحتمله.
فعلى مسئولى الحركة فى الخرطوم ان يتذكروا كلمات الدكتور جون قرنق فى اخر زيارة له لامريكا قبل الذهاب للخرطوم حيث ذكر بانه ذاهب للخرطوم لتكوين حكومة و ليس للمشاركة فى حكومة. و هنالك فرق واضح بين تكوين حكومة و المشاركة فى حكومة. و يبدوا ان مسئولى الحركة فى الخرطوم على وشك الوقوع فى فخ الاخيرة ان هم غضوا الطرف عن النقاط الجوهرية التى ذكرناها لهم لاتخاذ قرارات عاجلة بشانها. بل هم قد وقعوا فيها فعلا عندما قبلوا ان يحرسهم امن المؤتمر الوطنى لذلك يكونوا قد شاركوا فى الحكومة و لم يساهموا فى تكوين حكومة اذا ان الاخيرة تتطلب منهم الاستقلال التام من اى شى متعلق بالمؤتمر الوطنى.
ابوطالب تيلك تيو
واشنطون دى سى
الولايات المتحدة الامريكية
2 اغسطس 2005م