السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

تنمية مستدامة بحجم السلام.. بقلم محمد يوسف حسن

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
8/7/2005 5:35 ص

محمد يوسف حسن
[email protected]

تنمية مستدامة بحجم السلام

بعد أن توصلنا الى اتفاقية السلام الشامل فى الجنوب وبدأنا نعيد جسور التواصل مع العالم الخارجى وبدأت بلادنا تستقطب المستثمرين من رجال الأعمال والشركات الأجنبية حق لنا أن نتساءل: أى تنمية نريد تحقيقها فى بلادنا؟ أهى المشاريع الاستثمارية التى يريد معظم أصحابها تنفيذها فى الخرطوم؟ أم هى التى تسعى الدولة لتحقيقها وسط الغبش فى الأقاليم حتى يبقوا قريبين من ماشيتهم ومزارعهم وفرقانهم؟! ما هى جهود وزارة الاستثمار من ناحية توجيه الاستثمار نحو الريف وابطاء مشروعات التنمية حول المدن الكبيرة الى حين أن تجد المناطق النائية وقليلة الحظ فى التنمية نصيبا من اهتمام الدولة والمستثمرين الوطنيين والأجانب؟ وحتى لا تكون وزارة الاستثمار هى فقط صاحبة القرار الوحيدة فى تشكيل خارطة التنمية وتوجيهها فانه يتطلب ذلك قدرا أكبر من مشاركة المؤسسات الأخرى حتى يتم الاحاطة بالعملية التنموية من زواياها المختلفة. وفى تقديرى أن هناك ثلاثة وزارات أخرى ستطلع بدور كبير فى رسم خارطة التنمية فى المرحلة القادمة وهى وزارة المالية ووزارة التعاون الدولى ووزارة الشؤون الانسانية. وهناك نوعان للتنمية أولهما الذى يجئ فى قلب اهتمام الدولة وخططها لتحقيق التنمية فى أنحاء البلاد ويقع تمويل مشروعات هذه التنمية ضمن ميزانيتها السنوية والاقتراض من المؤسسات التمويلية الدولية وآخر خارجى يتمثل فى مساعدات المجتمع الدولى التنموية ضمن التزاماته فى تعزيز اتفاقية السلام خاصة ما اتفق عليه فى مؤتمر المانحيين فى أوسلو بالنرويج فى منتصف مارس الماضى. كما أن مساهمات المجتمع الدولى تقع فى اطارين أحدهما يتمثل فى مشروعات العائد السريع (quick impact projects) والتى تشكل خدمات المياه والصحة والتعليم أهم معالمها وذلك لخدمة العائدين من النازحين واللاجئين ثم المشروعات طويلة الأمد التى تساعد على ايجاد تنمية متوازنة فى مناطق كثيرة من أنحاء البلاد ولكن المناطق التى تأثرت بالحرب ستكون هى الأوفر حظا من هذه المشروعات.
ان التنمية التى نريد والتى نرى أنها تناسب السودان بمساحاته الشاسعة وتنوعه المناخى والعرقى والثقافى، وظللنا نكتب عنها منذ عام مضى، هى التنمية الريفية التى تعمر الريف لتعيد اليه الحياة وانسانه الذى ابتلعته المدن ولكنها لفظته على أطراف أسوارها وأبقته على هامش اقتصادها فلا هو حقق طموحاته فى المدينة ولا هى وجدت فيه مؤهلات اقتصادياتها الحديثة.. أوكما يقول المثل "لاهو مشى مشية الغراب ولا رقص رقصة الحمامة". ولأن تنمية الريف ينوع مداخيل وموارد وصادرات الدولة كما أنه يخلق بيئة آمنة مع نفسها بدلا من بيئة متصارعة فى أزقة وهوامش المدن. وتنمية الريف تحتاج الى التركيز على البنيات القاعدية فى هذه الأرياف بما يطور نوع النشاط الاقتصادى والاجتماعى والثقافى. فالمناطق التى يغلب عليها ممارسة حرفة الرعى على الدولة أن توفر كل بنيات هذا النشاط القاعدية من توفير البذور للمراعى وحفر الحفائر والاهتمام بصحة الحيوان بتوفير المستشفيات البيطرية والدواء فى صيدليات قريبة من هذه المراعى وقيام المحاجر الصحية والمسالخ والثلاجات المبردة ومدابغ ومصانع الجلود..الخ بجانب توفير الخدمات الأساسية من صحة وتعليم ومياه شرب ودور رياضة وأندية اجتماعية. كما أن المناطق الزراعية تحتاج الى شق قنوات الرى وتوفير التقاوى المحسنة والاهتمام بخصوبة التربة ومحاربة الآفات بتوفير المبيدات وطائرات الرش وتجهيز المخازن والصوامع ومصانع التعليب والتغليف وتوفير المعاهد والكليات الزراعية وتعبيد الطرق والسكك الحديد وبناء المطارات لايصال الانتاج الى الأسواق المحلية والدولية وفتح المصارف (البنوك) لتمويل الدورات الزراعية بابتكار صيغة مشاركة بين هذه المصارف والمزارعين. وهكذا فى تطويرنا لكل مهنة وحرفة حتى تحقق لأهل الريف الاستقرار فى مناطقهم لممارسة الحرف التى يتقنون بدلا من التسكع فى المدن والاشتغال ببيع السجائر ومياه الشرب وتوزيع الصحف وكل أنماط الأعمال الهامشية مما ينعكس سلبا فى الشعور بالغبن ويسبب الانفلات الأمنى والممارسات اللا أخلاقية. يجب أن تخدم التنمية عندنا السواد الأعظم من المواطنين باستيعاب طاقاتهم وتدريب قدراتهم لتمكينهم من الاسهام بدور أفضل وأن نمكنهم من الاستمتاع بعائدات مشروعات التنمية الاقليمية منها والقومية النفطية أوغير النفطية بتوفير المدارس والمعامل وديور العبادة والرياضة وتوصيل الخدمات الاذاعية والتلفزيونية الى الريف وألا نجعل من اقتصادنا اقتصادا رأسماليا يشجع بناء العمارات الزجاجية الكبيرة المظللة والمصانع الاستهلاكية الكبيرة ويترك القرى والأرياف فى ظلام دامس وماء شحيح وملاريا قاتلة ويركز المال فقط بين فئة قليلة من المجتمع (حتى لا يكون دولة بين الأغنياء منكم) كما جاء فى كتاب ربنا. هذا هو منطق الأشياء.. حينما ننظر الى صورتين احداهما ما يجرى فى اطراف السودان شرقه وغربه والحديث عن التهميش ورفع السلاح لمحاربة الدولة وتخريب عدد من المشاريع واستهداف قوات الشرطة والأمن والجيش وهو ما ظل يعبر عنه النائب الأول لرئيس الجمهورية الراحل الدكتور جون قرنق فى خطابه السياسى بضرورة نقل المدن الى القرى. والصورة الأخرى المتمثلة فى الأحداث المأساوية التى عاشتها العاصمة وعدد آخر من مدن السودان خلال الأيام الماضية والتى هددت أمن المواطن وممتلكاته وأدخلت التعايش السلمى بين أطياف المجتمع فى مغامرة كادت أن تعصف به بعد أن أسكتنا أصوات المدافع الداوية لأكثر من عقدين من الزمان باتفاقية السلام التى شرعنا فى انفاذها باجازة دستور الفترة الانتقالية وتشكيل رئاسة الجمهورية، وقد نبهت فى مقال فى يناير الماضى، وأنا أعبر عن فرحتى باتفاقية السلام، أن للسلام استحقاقات منها العمل على احتواء الأحتكاكات والانفلاتات الأمنية المتوقعة بسبب التعبير المستفز لبعض المجموعات فى نشاطها الدينى أو الاجتماعى خاصة فى قلب العاصمة وأطرافها وقلت بضرورة ابتعاد المواطنين عن أخذ القانون بأيديهم وواجب الشرطة فى تكثيف دورياتها فى الأحياء لمنع مثل هذه الاشتباكات.

أما الشق الآخر للتنمية فهو ذاك الذى يساعد فيه المجتمع الدولى فى مستوييه فى برنامج الأثر السريع لفترة الستة أشهر الأولى والبرنامج طويل الأمد الذى يمتد عبر الفترة الانتقالية المحددة بست سنوات حيث يكون للمنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية دورا كبيرا فى تنفيذ هذه البرامج نيابة عن الدول والمؤسسات المانحة. ويجب الاسراع فى تنفيذ برامج الأثر السريع وعدم تعطيله بأى سياسة من سياسات الدولة الروتينية المتباطئة لأنه يعين على استيعاب العائدين من النازحين واللاجئين الى قراهم ومناطقهم دون كثير معاناة ولا يتركهم يتلهون ببيع البسكويت الفاسد فى مواقف مراكب النقل ولا يجدى فى ذلك استيعابهم فى قرى السلام حول المدن أو ادخالهم فى الخطة الاسكانية لأننا بذلك نكون قد غيرنا من طبيعة نشاطهم الأصلى وحرفتهم التى يتقنوها فى موطنهم الأصلية فان توفر لهؤلاء السكن فانه لن يتوفر لهم العمل أو الخدمات المناسبة. وبذلك تكون خطط اعادتهم لمناطقهم هى الخيار الأول والأفضل ومن أراد منهم أن يعود طواعية للعيش فى المدن فهذا حقه كمواطن ولكن ذلك لا يدخل ضمن مسؤولية الدولة فى أن تشجعه فى نزوحه الاختيارى بان تخصه بالسكن والخدمات دون سواه. وهنا يكمن دور وزارة الشؤون الانسانية التى يجب أن تشرف بصورة لصيقة على عودة هؤلاء النازحين الى مواطنهم الأصلية والتأكد من توفر الخدمات الأساسية لهم حتى لا يدخلوا فى دوامة نزوح أخرى تهدد استقرارهم وتعطل قدراتهم واسهاماتهم فى التنمية فيظلوا يقتاتون بفتات المنح والهبات. ولان عجزت المدن الكبيرة فى امتصاص هذه الشريحة من أبناء الوطن بصورة طبيعية ومريحة فان المشاريع التنموية فى الأقاليم هى الأقدر على منح معظم هؤلاء الوضع المناسب فى ممارسة الحياة الطبيعية والامتزاج بالمجتمع المحيط به لأن النازح يستطيع فى مثل هذه المشاريع من ابراز موهبته وتقديم خبراته والتعامل مع مجتمع أقرب فى بساطته وانفتاحه الى مجتمعه الأصلى وشاهدى على ذلك مشروع الجزيرة الذى ظل يمتص ويستوعب فى تعايش سلمى فريد لعدة عقود قدوم وهجرة ابناء السودان من مناطق الشايقية ومن قبائل اقليم دارفور المختلفة والى ما وراء دارفور من دول الجوار حيثوا عملوا بالزراعة فى مشروع الجزيرة وشيدوا منازلهم من القصب وقش المحريب على أطراف القرى الكبيرة وتداخلوا اجتماعيا مع أهل هذه القرى والفرقان حتى تلاصقت قطاطيهم هذه وأصبحت أحياء من هذه التجمعات السكنية فبعد أن كانت تطلق عليها أحياء فلاته أو غيرها اشارة الى القبيلة التى ينحدر منها هؤلاء غدت تسمى بحى كذا أى أن عملية الدمج الطبيعى المتدرج قد تم بعد أن أثبتت كل من الثقافتين القادمة والمقيمة أنهما يتعايشان جنبا الى جنب كما هو الحال فى ديم فلاته الذى اندمج فيه أبناء الهوسا، الذين اشتغلوا بالزراعة فى بدء انتقالهم، بالسكان القدامى فى حى الدباغة بمدينة ودمدنى أو اندماجهم فى قرية العزازة ريفى المسلمية وأصبح تجمع هؤلاء جزءا من مجتمع القرية تشمله خدمات القرية وتستوعب أبناءهم مدارس القرية وأطلقوا على حيهم "حى كاتنقا" وقس على ذلك فى قرى الحصاحيصا وفى مشروع الفاو وقراه المتنامية وفى مشروع الجنيد وامتداداته السكنية. فهجرة هؤلاء أصبحت هجرة ايجابية تأخذ وتعطى بكل حقوق المواطنة والتعايش السلمى غير المنقوص.
ويصبح فى فترة الانتقال هذه الاحتياج الى استمرار مساعدة المجتمع الدولى متمثلا فى المنظمات الدولية ضرورة، بالرغم مما يصاحب ممارسة بعض هذه المنظمات من سلبيات، وذلك لعظم حجم اسهامات المانحيين التى تنفذ عبر هذه المنظمات وما يصحبها من تكثيف اعلامى وضغوط برلمانية وشعبية فى البلاد المانحة لوضع حد لمعاناة المواطنين المحليين، خاصة فى اقليم دارفور، ولكن التخطيط غير السليم لم يجعل هذه المساعدات الكبيرة تظهر للعيان. وعلى الجهات السودانية المسؤولة أن توفى ببعض الاستحقاقات تجاه هذه المنظمات أو تجاه الخدمة المدنية كالجوانب الفنية والمتابعة ورسم خطط توزيع هذا العون وأن تكون للدولة استراتيجية محكمة ومتوازنة فى هذا الأمر وأن تستعين فى ذلك بخبراء وطنيين عملوا فى منظمات الأمم المتحدة أو منظمات اقليمية أو أهل تخصصات داخل الوطن ويمكن أيضا الاستعانة فى هذا المجال بالخبرة الأجنبية عند الضرورة، وأن تعمل الدولة على تشجيع دور المنظمات الوطنية وأن تسعى لتوطين النشاط الانسانى الوطنى حتى تتمكن منظماتنا من احلال هذه المنظمات الأجنبية ولكن بهدؤ وروية وازالة الشكوك التى تدور حول بعض هذه المنظمات الوطنية والعمل على كسر حاجز الجفوة بينها وبين السلطات الرسمية لمزيد من التكامل والتنسيق خدمة للمجتمع فى هذا الظرف التاريخى العصيب الذى يحتاج الى كل جهد أبنائه.
وتظل اسهامات المانحين غير متأكد من الوفاء بها، كما سبق أن حدث فى تيمور الشرقية والعراق وكوسوفو، وفى هذا يجب أن نقف متحدين عند كل نازلة حتى نخرج منها، بتضافر الجميع، أكثر قوة وأحسن تدبيرا وهذا ما أرى تباشير تحقيقه فى تعاملنا مع الأحداث الأخيرة التى شهدتها بلادنا والتى حركت المجتمع بكل منظماته المدنية وادارته الأهلية للمضى قدما فى ارساء قيم التعايش السلمى لأنه أساس التنمية الحقيقية. وواجب كل صاحب جهد ألا يضن به على وطنه حتى يضحى وطننا مثل مائدة رمضان فى ساحات القرى يتجمع الناس كل بما يملك من زاد فتكون مائدتهم أكثر تنوعا وثراءا يجد فيها كل صائم حاجته...

للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved