السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

هكذا يظل سلامنا أبدا مكلفا وباهظ التضحيات بقلم آدم خاطر

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
8/4/2005 2:49 م

ما من مواطن في السودان أو مراقب لأوضاعنا يختلف على تعقيدات حياتنا السياسية من واقع تركيبة مكونات مجتمعنا ومحيطنا الجيو بوليتيكى ، ولكن إشكالاتنا تتعقد أكثر على مدى عقود طويلة إما بفعال ساستنا وأحزابنا وإرادتنا التي تقف في كثير من الأحايين عاجزة عن إيجاد مخرج لما الناس فيه من تطاحن لا مبرر له ، أو جراء التدخلات الخارجية إقليمية كانت أم عالمية في شاننا الداخلي لتباين المصالح والتقاطعات مع مجريات السياسة والأوضاع الإقليمية والدولية التي أضحت في تغير مستمر يحتاج لقراءة وتفاعل وانفعال على غير ما كنا ندير ونسيس به أمورنا لتجاوز هذه الأنفاق التي تعترى مسيرتنا . تواجه بلادنا العديد من المشاكل والأزمات والاختلالات في شتى مناحي الحياة ، ولكن سجال الحرب والسلام كان راس الرمح في كل تبعات إشكالاتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية منذ استقلالنا ، ومثار صراعات جديدة بعضها محوره السلطة وفى شكل منه البقاء دون أن يكون لصالح الوطن وأجندته و دون إيجاد معادلة سودانية قومية تستقر عليها ماكينة التداول السلمي للسلطة حتى فجر الإنقاذ التي أخذت المبادرة بالانقضاض على النظام الديمقراطي وقتها شكلا ، الفوضوي واقعا و منهجا وسلوكا ، فأحكمت قبضتها على مجمل الأوضاع لفترة ثم أعادت طواعية برؤيتها مسار الحكم إلى طبيعته تدريجيا بفصول متباينة وظروف ضاغطة لكنها لم تفرط منذ عهدها الأول والى يومنا هذا في مدرسة السلام وتياره وتحقيق معانيه وغاياته وفق منهجها وآلياتها بما فرضه التحدي يومها من ضرورات ومواجهات لا فكاك منها ، حتى وقفت البلاد على ما تقف عليه الآن من مرحلة هي بداية لحقبة جديدة تؤذن بميلاد وطن متجدد . فقادت الدولة مؤتمرات الحوار الوطني حول قضايا السلام كأول رؤية فكرية سياسية وطنية جريئة تخاطب هموم الوطن مباشرة دون مواربة وتشخص داء البلاد بمشاركة كافة ألوان طيفنا السياسي ، لتصوغ منها خيارات المستقبل السلمي للبلاد وتلج بها الحوار المباشر مع عدو الأمس صديق اليوم وشريك السلام الماثل الحركة الشعبية لتحرير السودان وجيشها وقائدها الشهيد الدكتور قرنق . فحاورت الإنقاذ خصمها والسلاح والقتال ظل يمضى بضراوة والتضحيات الجسام تقدم ، والمال والموارد تستنزف ، والثروات تعطل والدمار والخراب يعم كل المدن والقرى والأرياف وصورة الشهداء والجرحى والأسرى والمفقودين والأشلاء والدماء التي سالت ، ولكن قدر السلام في وطننا كتب أن يرسم كل ذلك في لوحته حتى يدرك الناس قيمته ويمسكوا به فيجسدوه واقعا ، حتى ولجت الأطراف اتفاق المبادىء ودلفت إلى الملفات والقضايا المطروحة فطويت جميعها الواحد تلو الآخر وأعلن الوقف الشامل لإطلاق النار ومن قبله وقف العدائيات حتى بلغنا البروتوكولات و الاتفاق الشامل لسلام الجنوب مطلع هذا العام لنسدل أول ستار للحرب التي طال أمدها واستهلكت خيرة أبناء الوطن وثرواته .
فالذي ينظر إلى هذه الخلفية يدرك أن الحرب كانت في الجنوب مبتدى ولكنها كانت حاضرة أيضا في جبال النوبة والنيل الأزرق وكردفان ودارفور والشرق والوسط والشمال ، كانت الحرب موجودة في كل بيت وتأثر بها كل أهل السودان من كان في صفها صناعة وتحريضا ومن كان يبتغى السلام والأمن والاستقرار في خوض غمارها المكتوب أزلا ، بل كانت في كل إقليمنا وجوارنا بمعسكرات اللاجئين والنازحين والمشردين والضحايا ، وكانت امتداداتها عالمية بهول انخراط الدول والمنظمات والكنائس والغوث والتدخل الخارجي والتآمر الاجنبى وصراع المصالح والارادات. وبمثل ما شغلت الحرب البلاد وإنسانها وحكوماتها بكل مأساتها وويلاتها وكوارثها كان لابد من أن تقود هذه المعاناة إلى طريق آمن تستقر فيه البلاد من عنتها ومسيرها الشاق ، كان جزءا من فاتورة هذا المسير المرهق أن يمضى سليل من الشهداء والأخيار إلى ربهم اصطفاءا ووفاءا لهذا الوطن وترابه وهويته إما بنار الحرب المباشر وطلقاتها وألغامها وترسانتها الثقيلة وحوادثها المفجعة بهول المعارك والغارات والكمائن والاشتباكات والقصف والتدوين أو سقوط الطائرات أو بوسائل وطرق ومقاصد لها علاقة وصلة مباشر بالحرب وتداعياتها ، فكان بول ريث وأبو قصيصة واحمد الرضي جابر ومحمد احمد عمر وكاربينو وسعاد طمبل وصبيرة ومساعد ووليم نون وأبو فاطمة وموسى سليمان ومختار محمدين ومصعب إبراهيم السنوسى واروك طون وعثمان حسن احمد البشير وكوكو ودرمان وإبراهيم شمس الدين وسيف الدين مضوى وياسر كرم الله وكان سيد الشهداء الزبير والوليد عبد السلام وابودجانة وعبد الخالق الترابي وبولاد وتية وغيرهم من النماذج والسحنات والقبائل والتمثيل ، كان الطلاب والعمال والزراع والحرفيين والوزراء والمهندسين والمحامين ورجال الأعمال وقادة الفكر والزعماء والساسة والأدباء والكتاب وأرباب الشرطه والجيش والأمن ومن هو دونهم من عامة الناس وسوادهم .
هكذا كانت الحرب وحصادها لا يأخذ إلا من سما عوده وزكى عرفه لكي يولد السودان من جديد بدماء أبنائه وعزيمة صناع السلام ومفجروه ، مضى كل أولئك برمزياتهم ودلالاتهم لكي يصار إلى هذا السلام الذي أنجز من نيفاشا وتكتب فرحته وابتسامته على وجوه كل أهل السودان فتضمد جراحهم الغائرة جرائها ويستقبل بميلاده احد صانع السلام الدكتور الراحل قرنق في مشهد فريد و في عرس بهيج بالساحة الخضراء يومها ، تناسى فيه الجميع مرارات الماضي واستشرفوا مستقبلا واعدا ملؤه الأمل والتفاؤل ، هربا من أيام فتكت بهم واحتفاءا بهذا الذي تحقق وتقديرا ووفاءا لكسب أصيل لهذا الرجل فيه وشهادة عرفان منهم بسهره عليه وجديته باتجاهه ، فيتوجه الدكتور الفقيد الذي انتهج الحرب بالسنوات لكي تكتب إرادة السلام ، وما أن تكلل ذلك في اتفاق شامل وتأطر من بعد في قالبه القانوني وسياقه الدستوري وبدأ المواطن في قطف الثمار لكي تنطلق صافرته بالتنفيذ والتطبيق ولم تمضى أيام على تسلمه مهامه الدستورية إلا وتتدخل الإرادة الربانية والمنية بيدها قدرا ، والتي بمثلما أوجدت من بهجة السلام وطعمه أرادت أن تعيد الحزن والكآبة إلى مشهد المسيرة والاختبار بالبلاء ، فيخطف القدر شريك السلام الراحل في جبال الاماتوج التي طالما تسلقها هواية وارتكازا وردد مفرداتها إبان التفاوض بصعود الجبل وعبور التلال ونزول سطحها ، فتصدم الأمة السودانية مرة أخرى وتفجع لفقدان قائد ورمز لنضال طويل ومرير قد يتفق حوله الناس ويختلفون ، ولكنهم لا يكادوا يتجاوزوا حركته وجيشه وقادته وخطابه وأدبه وفكره ونهجه ومدرسته وشخصيته وعلاقاته وامتداداته التي أصبحت جزءا من تاريخ السودان وارثه في ميثاق السلام وصرحه الذي يشيد بجهد وطني وإرادة صادقة وعزيمة ثبورة سطرها حضوره في كتابة هذا السفر الذي نسميه السلام ، وارتقى في سلمه اسم الدكتور قرنق ليلج البناء القومي بسجل حافل ارتكز إلى اعمار طريق السلام وإنارته بعد يأس وظلام فكانت نهايته هذه الشهادة على قسوة ألمها .
لذلك كان طبيعيا أن يكون دعاة السلام وصناعه من طراز خاص وسليل متفرد من عناصر الوطن وخاماته النادرة كالذي كان عليه فقيد الوطن والسلام الدكتور قرنق بكل الذي قيل و يقال عنه وعرفه الناس به بعد مصرعه البطولي ، والذي يقرأ لي يعي اختلافي معه جذريا ومناهضتي له وحركته ورجاله معارضة خصم دون فجور يحب الوطن وقضاياه في سلم بمثل ما كان حبهم له عبر فوهة البنادق والخنادق فكانت منازلتى ضدهم يومها قبل ميلاد السلام واستقامة عوده كالتي راؤا وقرأوا ، ولكني وبمثل ما رايته بالأمس في ميدان الحرب وتبعاتها عرفته في مسيرة السلام والحوار وشواهدها الحاضرة وما أزال ، أراه وقد غادر دنيانا أراه يشيد و يرسم مع إخوته خارطة السلام ويضع معالم مستقبلها بعد إرساء هذا الأساس المتين كان لزاما على أن اقر بفضله واثبت سهمه الذي كنت أتوق أن تتطاول به السنين والأيام ليرى حصاد يده و ثمار غرسه تينع ، ولكن إرادة الخالق قدرت أن لا يرهن السلام بالأشخاص والقامات مهما كبرت حتى ولو كانت بمثل ما بذرالزبير وشيد قرنق . بهذه القيم والمعاني بدأت مسيرة سلام البلاد وقطعت الأشواط وجابهت التحديات كل يوم تزداد كلفتها ويغلى مهرها ويسمق عودها بأمثال هؤلاء العظماء من بناة السلام ودعاته من خالدينا، فأخذت فاتورة السلام واصطفت ولم ترتاح البلاد من شقاء الحرب ولم تودعها والايادى الخربة والنفوس الصدئة ترى هذه التضحيات الجسام قد سبقت ليشهر السلام و يبنى ‘ فتدشن حربا وفتنا أخرى لا تأخذ بعبر التاريخ وأشواق العباد وتوقهم للطمأنينة والرخاء ، كان قدر وطننا أن يقدم هذه الرموز وبهذه الكلفة الباهظة والمهر الغالي فدية وغربانا لغاية وحلم كبير بكبر امتنا وارثها وتاريخها الطويل ، ولكن ضعاف النفوس يريدون المتاجرة والتبضع حتى والبلاد تجرح هذا الجرح الغائر يريدون أن يضيفوا لسجلهم الاجرامى وعداوتهم للسلام وتياره أن يكون في حضرة التعبير عن حزننا العميق لفقدان احد أعمدة السلام وأركانه أن تضرم النيران وتزهق الأرواح وتنتهك الحرمات ويتعدى على الممتلكات وتعم الفوضى وتدخل البلاد في أتون الحروب الأهلية واستعار نعرات العرق والحميات ، فعوضا من أن نتمسك بكتاب السلام ونضال قادته تعبيرا سلميا قوميا راشدا يليق بمقامهم ، وفاءا لقادة السلام نسلبهم الفرحة حتى في مثل هذا اليوم من تخليد ذكراهم ، لك الله أيها الوطن وأنت تحظى و تزخر برجال بقامة الشهداء قرنق والزبير الذين التقت أرواحهم في السلام والطائرات ليصنع الاستقرار والأمن لبلادنا ، اللهم أنت من أوجدت هؤلاء لأجلنا وأخذتهم إليك محبة وحكمة تعلمها لا نملك الاعتراض عليها أو التبرم منها ،والبلاد أحوج ما تكون إليهم ، أخذتهم منا في مسيرة أحبوها وكابدوا لأجلها واستشهدوا فيها كل على طريقته حتى يعلوا شان الوطن ويسمو إنسانه، فأكرم ربنا نزلهم وأعلى من شانهم بما هم أهل له ، وأبدل أهل السودان من يعوض فقدهم ويسد ثغرتهم ويسهر على المضي قدما ببنائهم الذي أرسوه ، وقيد له من يكمله و يحميه من نائبات الدهر وغاشياته انك على ما تشاء قدير ، أنت ولى ذلك والقادر عليه ولا حول ولا قوة إلا بالله .،،،،،

للمزيد من االمقالات
للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved