ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أحداث الخرطوم، مكامن الخطر وسبب النزاع بقلم سارة عيسي
لم يتخيل احد في يوم من الأيام أن تنتقل الحرب إلي شوارع الخرطوم، وان تكون حوادث النهب والقتل والسرقة التي ابتلي الله بها أهلنا في دارفور لمدة ثلاثة أعوام سوف تكون عنوان الحياة في الخرطوم والتي أرادها ( الصعيدي ) المتعافي أن تكون عاصمة للثقافة العربية، والخرطوم ألان أشبه بموسكو عاصمة القياصرة الروس في عهد آل نيكولاي الخامس في القرن التاسع عشر، عمارات شاهقة ودور واسعة للأثرياء من محاسيب الدولة وفقر مدقع وتهميش للغالبية العظمي من أهل السودان، علينا أن لا ندفن الرؤوس في الرمال وأن لا نناطح السحب وهي في كبد السماء هناك غبن اجتماعي معتمل في نفوس العديد من أهل السودان وإذا لم تحل أسباب هذا الغبن فسوف نجد أنفسنا بعد أيام نغرق في نفس الوحل الذي خلفته مياه هذا المستنقع الآسن، قسمت اتفاقية نيفاشا السلطة والثروة ولكن لم يتطرق أحد إلي موضوع المظالم التي جرت في عهد الإنقاذ وما هو مصير الذين قتلتهم أو رمت بهم في مزبلة الصالح العام، فالشرطة السودانية والفوات المسلحة قبل يونيو 89 كانتا قادرتين علي بسط الأمن وهيبة الدولة في كل بقاع السودان فيا تري ما الذي جري لهاتين المؤسستين في عهد الإنقاذ، أصبحت القوات المسلحة والشرطة السودانية محل ريبة وشك واتهام بالتحيز واستغلال الحصانة وهذا هو الذي فسر عدم استخدامها للرصاص من أجل وقف أعمال السلب والنهب التي وقعت في الخرطوم في اليومين الماضيين، كان شغل النظام الشاغل هو حماية نفسه فقط ولا تهمه الممتلكات التي أتلفت أو الأرواح التي أزهقت لأن هذه الثورة ليست ضد النظام ولكنها ضد المواطنين في ما بينهم، في عام 89 قتلت الجبهة الإسلامية الشهيد البشير الطيب البشير والتاية أبو عاقلة وسليم أبو بكر وأعقبهم مقتل الشهيد طارق محمد إبراهيم وكل هولاء القتلى من أبناء الشمال الزاهر بالعروبة ولكن الأجهزة الأمنية لم تتردد في اصطيادهم وهم آمنين داخل حرم جامعة الخرطوم، ان الأزمة تكمن في النظام الحاكم ولا علاقة لها بثورة الجنوبيين أو ردة فعل الشماليين الغاضبة، النظام تردد في استخدام الرصاص ضد الذين قاموا بهذه الفوضى لأنه يخشى من (لاهاي) ثانية تضاف إلي رصيده الكبير من الجرائم التي قام بها في إقليم دارفور، وقد لجأ النظام إلي استخدام العناصر الأمنية وجعلهم يلبسون زى الشرطة ولكن هذه الحيلة لم تنطلي علي الجميع، فوجد رجال الشرطة وهم في أتون هذه الأزمة يتعاملون مع ضباط لا يعرفونهم وهذا هو الذي أدي إلي نشوء هذه الفوضى الكبيرة، وأصاب الشلل تحرك قوات الشرطة وأخفق جنودها في القيام بالانتشار السريع ولم تكن الأزمة أزمة جنود بل أزمة قادة فالوزير الداخلية الجديد السيد/العاص أصبح مشغولا بحمامات الساونا وتصفيف الشعر ولا يجد الوقت الكاف لمعالجة هذه الأزمة، ومنذ نعومة أظفارنا كنا نسمع بحرب الجنوب وعن قدمها وكيف أنها أصبحت لغزا حار كل أبناء السودان في حل طلاسمه، ومن ثقافة المجتمع عرفنا ان حرب الجنوب هي السبب في تخلف شمال السودان والرجوع به بعيدا إلي دنيا التخلف، ولكنني تساءلت إذا كانت حرب الجنوب هي السبب في تخلف الشمال فلماذا نحارب أهل الجنوب ؟؟ ولماذا لا نتركهم في غاباتهم وأحراشهم حتى ننعم بالعيشة الهادئة في أحياء الخرطوم، وأنا كغيري من أهل السودان أجهل حقيقة ما يجري في جنوب السودان لأن هذه المنطقة عاشت علي العزلة والتعتيم منذ أيام الاستعمار الإنجليزي، وأول مرة يفتح فيها الجنوب أمام كاميرات العالم كان بعد توقيع اتفاق نيفاشا، وعندها عرفت أن كارثة الحرب أخذت من الجنوبيين أعز ما يملكون وهو الاستقرار الاجتماعي، بدأ الجنوب لنا بعد اتفاق نيفاشا أشبه بالأرض المهجورة، وتحس من الطرقات والمساكن المبنية من القش انك في عهد العصور القديمة، عصور ما قبل التاريخ وقبل أن يكتشف الإنسان المركبات ووسائل الاتصال الحديثة، ولا يعرف السكان سيارات المر سيدس أو عجلات الدفع الرباعي المظللة والتي تحيل عز أيام الصيف إلي شتاء بارد، كانت وسائل الانتقال بين القرى هي رياضة المشي بالرجلين أو امتطاء صهوات الحمير العنيدة من اجل اختراق الغابات الكثيفة، لا اثر للحضارة أو المدنية الحديثة في أرض الجنوب ولا يشكو المواطن من انقطاع خدمات الكهرباء والمياه والهاتف لأن كل ذلك لم ينعم به المواطن الجنوبي أسوة بإخوانه في الشمال، كان الدكتور جون قرنق متفائلا عندما دعي إلي بناء الحياة في الريف بدلا من المدينة فهو كان لا يعلم أن المنايا له بالمرصاد وأن هذا المشروع لن يري النور علي يديه، وبدأ قرنق رحلته مع عودة الحياة إلي الجنوب وبناء ما دمرته الحرب فكان أول مشروع هو ترميم مدرسة رمبيك الابتدائية للناشئة الصغار وقال ( ان هذه كانت مدرسة مدام ربيكا في السابق )، وسار جون قرنق ومعه سيدة الجنوب الأولي السيدة روبيكا بين صفوف التلاميذ المتراصة، وقد حرصت السيدة ربيكا علي تقبيل الصغار الناشئة في جو لا يخلو من السعادة والأمل، كان قرنق وفيا لشعبه ووفيا لزوجته وفضل ان يبدأ مشروع البناء من مدرستها الابتدائية، هذه هي صورة الجنوب الآن والذي بدا في الانطلاق من نقطة الصفر، عاش أهل الجنوب تحت العزلة التامة أيام العهد البريطاني وفي عهد الحكومات الوطنية في الشمال لم يجدوا الوقت الكافي من أجل التأمل في ماضيهم أو التفكير في مستقبلهم، وكانت أهداف حرب الجنوب متنوعة ومختلفة بالنسبة لحكومات الشمال المتعاقبة من عسكرية بحتة إلي مدنية متشدقة بالديمقراطية، في عهد الأزهري كانت حربا ضد من وقف في وجه الشرعية، وفي عهد عبود كانت حربا من أجل بعث العروبة وعلو الدين، وفي عهد النميري كانت حربا من غير سبب لأن النميري ألغي الميثاق وقال ( ان اتفاقية أديس اببا لم تكن إنجيلا أو قرآنا ) ووجدت الجبهة الإسلامية فرصتها فحاربت الجنوبيين باسم تطبيق الشريعة الإسلامية، وفي عهد الصادق المهدي كانت حربا ضد من عارض الديمقراطية والبرلمان وطلب اللواء أبو كدوك من الصادق المهدي أن يسمح له باستخدام الغاز الحارق من أجل ابادة الجنوبيين، وفي عهد الإنقاذ بدأت الحرب الحقيقية حيث أمتزج الدين بالعرق فكان عنوان الحرب هو الجهاد ضد المسيحيين الذين تقف من ورائهم القوي الصهيونية العالمية، برع أهل الشمال في صوغ مبررات حرب الجنوب ولكنهم في ثورة الغضب التي تنتابهم الآن يطالبون بالانفصال الفوري ونسوا ان حكومتهم قد صوتت بالإجماع علي هذه الاتفاقية، أين كانوا عندما رقص الجميع تحت قبة البرلمان وهللوا وفرحوا باتفاقية العمر التي تجعل (سلوي ومن) الأموال الغربية تتدفق علي مؤسسات النظام المالية في السودان، وان إسقاط هذه الاتفاقية يبدأ من البرلمان المعين وليس من أعمدة الصحف الرطبة أو من خلال صيحات الاستغاثة بقناة الجزيرة، كانت الحرب الأخيرة كارثة علي أبناء الشمال والجنوب علي حد سواء وقد كانت من أبشع الحروب التي مر بها هذا البلد الممزق الأوصال، عند ارتفاع أسعار الوقود والسكر والدقيق في الشمال تساءل المواطن لماذا هذا الارتفاع الجنوني في الأسعار وأين دعم الدولة لهذه السلع ؟؟ فيرد عليهم د.عبد الرحيم حمدي بكل بساطة: (أن الدعم قد ذهب إلي غاية اسمي وأكبر فقد حررنا لكم الكرمك وتوريت وكاجو كاجي والجكو )، تحولت مدن الجنوب الساقطة إلي نجوم إنجاز في صدر الإنقاذ وتبريرا سمجا لسياستهم الفاشلة في الاقتصاد ولكن لم يسألهم احد ما هي الخطوات التي قمتم بها من أجل تطوير المواطن الذي يعيش في أحضان هذه المدن التي تحررت، واقع الحال يقول لا شئ، وفي الأخير تحولت حرب الإنقاذ إلي هدف ثمين آخر عندما تم اكتشاف الذهب الأسود في أرض الجنوب، زادت الحرب ضراوة وشراسة ووظفت الدولة خيلها ورجلها في خوض هذه المفاصلة المدفوعة الثمن، الإنقاذ تريد الذهب الأسود من أرض الجنوب ولكن يتوجب عليها تطهير المنطقة من سكانها الأصليين كما فعلت أمريكا مع الهنود الحمر في بدايات القرن السابع عشر، واضطرت الإنقاذ من أجل الاحتفاظ بحقول النفط القوية إلي تكوين جيش آخر من أبناء القبائل المناوئة للحركة الشعبية، ابتكرت الإنقاذ ما يسمي بسلام الداخل والذي أتي برجل المليشيا الجاهل اللواء فولي ماتيب في زى القوات المسلحة السودانية وهي تسترخص منصب اللواء وتمنحه هدية لشخص لا يجيد التخاطب حتى مع أبناء الجنوب وعليه اصطحاب مترجم فوري في كل المقابلات، واللغة الوحيدة التي تجمعه بنظام الإنقاذ هي الدولارات الأمريكية حيث يدفع لضباط ماتيب رواتب تصل إلي ألفي دولار شهريا، وذلك غير الهدايا والمنح ويصل تعداد هذه القوات إلي خمسين ألفا وهي تمرد محتمل سوف نري وميض برقه في سماء السودان بعد سنوات قليلة، يستطيع الجنرال فاولو ماتيب أن يسيطر علي كل حقول النفط في ثوان وهذه احدي هبات أهل الشمال لإخوانهم في الجنوب، يستطيع فالو ماتيب بخمسين ألف جندي مدججين بالأسلحة من مخلفات الجيش السوداني من قيادة حرب ضروس ضد الحركة الشعبية، وهذه حرب لا تهم الشمال فهي بين أبناء البيت الجنوبي ولكن الحصاد سوف يكون ملكا لأبناء الشمال عندما يفني أهل الجنوب بعضهم بعضا في هذه الحرب، ان الأزمة في السودان لم تبدأ عندما أقدم عدد من المتظاهرين علي تخريب الممتلكات العامة وقتل بعض الناس الأبرياء في شوارع الخرطوم، ان الأزمة تعود إلي نصف قرن من الزمان والسؤال ما الذي أتي بالمواطن الجنوبي إلي أطراف الخرطوم ؟؟ ويقول مجيب علي السؤال أن الجنوب كان مضطربا والشمال أمنا فلذلك نزحوا إلي الشمال ؟؟ ولماذا كان الشمال أمنا والجنوب مضطربا ؟؟ وهذا هو السؤال الذي يجعل حمار الشيخ يقف في العقبة، لا احد يجيب علي هذا السؤال، وسؤال آخر يطرق مخيلتي بعنف لماذا تم إبقاء هولاء الناس في مجمعات معزولة ولم يتم توزيعهم جغرافيا علي امتداد الأحياء الجديدة حتى ينصهروا ويتمازجوا مع المجتمع ؟؟ والسبب وفقا لروايات أهل الشمال هو ضمان تدفق المعونات الغذائية علي هولاء النازحين !! إن الذي يعيش بين إطراف العاصمة لمدة تزيد عن 25 عاما لا يعتبر نازحا في عرف المواطنة وأنا أعرف لاجئين من إرتريا وتشاد تحولوا إلي مواطنين سودانيين من الدرجة الأولي في كسلا والجنينة والفاشر ونيالا وفترة نزوحهم إلي السودان كانت أقل من عشر سنوات ، وقناة الجزيرة ألان مشغولة بالتطبيل للانقلابيين في موريتانيا وغابت لساعات عن المشهد السوداني وما يهمها ليس الخبر الصادق بل الإثارة حتى ولو كان الثمن هو الدم السوداني ، فأحداث غضبة الحليم التي قام بها بعض أبناء الشمال ضد أبناء الجنوب واستخدمت فيها منابر المساجد من أجل الحشد والتهييج كانت تجاوبا طبيعيا مع دعاية الإثارة والتحريض التي قامت بها قناة الجزيرة ، في يوم الثلاثاء سقط 46 مواطنا قتلي من إجراء هذه الأحداث ولكن حصيلة يوم الأربعاء التي تصل إلي 31 قتيلا تتحمل وزرها قناة الجزيرة ، واضطرت الفوات المسلحة إلي إذاعة بيان رسمي من أجل نفي شائعة بثتها الجزيرة موبايل حيث زعمت أن رجل المليشيا فولي ماتيب تعرض لعملية اغتيال ، ولكن لا زال هناك من يطبل لهذه القناة ويهلل لها ويعتقد أنها الحلم الذي يراه في منامه ويتمني أن يتحقق لأنها تدغدغ مشاعرهم الأليفة كالمخدر وتبث في نفوسهم نشوي الانتصار الكاذب من غير أن تشعرهم بفداحة الثمن المدفوع ، إن دماء السودانيين وأمنهم الاجتماعي هو مسؤولية أهل السودان ومن يريد ذلك عن طريق التعلق بثياب القطريين فعليه الرحيل عن السودان وترك الأمور للذين اكتووا بنارها ومن يده في النار لا يماثل من يده في العجين ، وعندما وقعت تفجيرات مدريد في أسبانيا هرع الشعب إلي صناديق الاقتراع وأطاح بحكومة ماريا اثنار وما يحدث في السودان ان الكوارث تصبح مادة إعلامية يتهندم لها المسئولين السودانيين وهم يدللون بأسباب فشلهم الذر يع ، ومن يعجز عن إسقاط عبد الحليم المتعافي عن منصبه في ولاية الخرطوم لا يستطيع أن يفرض علي أهل السودان الوحدة أو الانفصال .