دخل قرنق الخرطوم وأعاد إلى وجوه الشعب السوداني نصيبها المفقود من الأمل وارتسمت الفرحة العريضة على ماسحي الأحذية الذين تشع من أعينهم مادة الذكاء فرحت أطراف الخرطوم و اطمأن قلبها انشرحت صدور المثقفين و أهل السياسة بوجود قرنق في القصر الرئاسي خرج منها فأشعلت نيرانها وثار غضبها نعم فلتثور الخرطوم ولتنتحب ولكنها لا تنسى أنها تبكى بطل السلام بطل المبادئ ولا تنسى هوامش الخرطوم أن قرنق رجل الحواشي و المتون ليس وقفاً على قبيلة الدينكا أو أبناء الجنوب فقط و إنما لعموم السودان فمن كان يؤمن بمبادئه و مقتنع بفكره فليبكي وليحزن على طريق ربيكا التي قالت : لا نريد لأي أحد أن يموت بسبب جون قرنق ، ونريد أن نحتفل بالسلام، وسندعم سلفا كير». وفي أدب البكاء رأينا من خلال قراءتنا للأدب الجاهلي كيف بكت الخنساء أخاها صخر بكته بالوعة والأسى وزرف الدموع ليس بالعويل وزر الرماد وحلق الرأس كما كانت تفعل النساء والأرامل في الزمن الماضي .
أعيني جودا ولا تجمدا ألا تبكيان لصخر الندا
ألا تبكيان الجرئ الشجاع ألا تبكيان الفتى السيدا
القربان الذي نقدمه لروح الفقيد الطاهرة هو السلام والتعايش ليس ذبح الآخرين على خلفية اللون والعرق لم تكن تلك هي المبادئ التي ناضل من أجلها جون قرنق الذي جاء إلى الخرطوم ليؤسس فكرة التعايش و ليحطم أسطورة الشمال والجنوب دخل القصر الجمهوري من أجل كافة أبناء السودان وعلقت عليه آمال من مختلف شرائح الشعب السوداني سوى أن كانت أحزاب أو مؤسسات. لم ينعم قرنق بثمرة مجهود نضاله ولكن هذا ليس هو غايته وإنما غايته هو المحافظة على تلك المبادئ التي توصل إليها و تنزيل اتفاقية السلام من الورق إلى أرض الواقع وغياب قرنق من الساحة بلا رجعة هو أول امتحان عملي لاتفاقية نيفاشا. فمن كان يؤمن بمبادئ قرنق فليعمل وفقاً لخططه الرامية لسلام السودان ووحدة السودان وليكن أكبر من هرطقيات المتربصين بتفتيت السودان وتقسيمه إلى شيع وطوائف وأسر وقبائل.