قصة تكريم مدينة المناقل للدكتور كمال أبو سن..!!
بقلم ضياء الدين بلال
الاستاذ حسين خوجلى له مقدرة فائقة علي التقاط « الفكرة» ذات الحجم الكبير، والمساحة الممتدة والتفاصيل الصغيرة، وصب هذه الفكرة فى قالب تعبيرى مختصر أنيق ولكنه مشع وصافع كذلك!!
قالها فى مرة ان الصحافة السودانية لا يصل إهتمامها الباقير، وبذا فهى بنت خرطومية مدللة لا تجهد نفسها فى قطع المشاوير الطويلة، ولا تمد بصرها الناعس لابعد من مرمى فائدتها.. والولايات والمدن والقرى تدس أخبارها وقضاياها في الصفحات الداخلية وتستضاف فى صفحات القراء.. او تترهل انجازاتها على صفحة كاملة محشودة بالصور والابتسامات البلاستيكية.. لأنها مدفوعة الثمن..!!
الخرطوم تلتهم كل شئ ثم تلقى بفائض شبعها للولايات.. وتسطو قضاياها ومشاكلها على الاضواء وتسقط ظلالها على بقية المدن.. تتحدث الصحف عن إنقطاع المياه عن بعض إحيائها لساعات.. ولا تتحدث عن مواطنين يقضون ليلهم ونهارهم بحثاً عن المياه فى كردفان ودارفور ويعودون بالقليل منها أو لا يعودون، أو أخرين تمثل المياه الملوثة بالمبيدات والبكتريا والفيروسات اسرع وسائل نقلهم للدار الأخرة..!!
إنجازات الولايات لا تجد حقها فى النشر الا ضمن الاعلانات.. وأزمات ومشاكل الولايات لا تجد مساحة فى النشر إلا اذا كانت هذه الازمات والمشاكل من المحتمل ان تصل آثارها للخرطوم.!
قليل من النقد الذاتى تحتاج الصحافة السودانية ان تمارسه مع نفسها قبل ان تهرب لفضح مساوئ الاخرين
.. بمدينة المناقل كان الاحتفاء والتكريم يتم لشخص غير سياسى لا يحمل فى فمه وعوداً ولا فى جيبه نقوداً تغرى بالنفاق.. كانت القيادات الشعبية والرسمية وغمار الناس كما يصفهم دكتور عبد الله علي ابراهيم.. كانوا جميعاً يصطفون على مدخل المدينة لاستقبال الدكتور كمال ابو سن الجراح العالمى الشهير والذى تلقى بعض تعليمه الأولى بالمدينة، وعمت سمعته الطبية والاخلاقية الافاق.. فالرجل ذو الكلية الواحدة والقلب الكبير يتعامل مع هذه المهنة لا بمنطق ما تحققه له من مكاسب ولكن بما يستطيع عبرها ان يخفف من معاناة الناس وألامهم..
كثيرون من الاطباء لا تقل كفاءتهم ومقدرتهم عن دكتور كمال أبو سن.. ولكن قد يخرج السؤال لماذا هذا الأهتمام الشعبي والإعلامى بدكتور كمال ابو سن الذى قد يصل حد الدعاية والترويج؟!!
والاجابة ان الرجل يتمتع بحس إجتماعى وانسانى رفيع.. فللرجل وجدان شعبى يسع فقراء وطنه.. فهو درج على ان يقضى جزءاً كبيراً من إجازاته السنوية بالسودان لا مع اسرته الكبيرة ولا فى شرم الشيخ او بجزر المالديف ولكنه يقضى إجازته السنوية داخل غرف العمليات بالخرطوم ومدنى..!!
وكانت أول معرفة مباشرة لى بدكتور كمال أبو سن عندما أصاب الفشل الكلوى صديقنا وزميل الدراسة وامام جامع الشيخ ود بقوى بالمناقل مولانا يوسف ادريس.. ويوسف بقامته المديدة ووسامته الساطعة ووجهه البهى ومكارم اخلاقه خطيب مفوه يحبه أهل مدينة المناقل وما جاورها.. فالرجل أول من يأتى فى المناسبات خاصة عند الشدائد وأخر من يغادر.. كما أنه يمتلك مقدرات خطابية وتأثيرية نادرة.. ودون سابق انذار وبصورة مفاجئة للكثيرين علمت المدينة ان هذا الشاب البديع قد اصابه الفشل الكلوى.. كم كان الحزن عظيماً.. تحركت البصات واللوارى من احياء المدينة والقرى المجاورة التى كان يوسف يصلها فى افراحها واتراحها.. تحركت نحو منزله.. وانطلقت الدعوات من المساجد له بالشفاء وحلقات القرآن.. وكان يوسف بابتسامته الناصعة يصبر زائريه ويقف على ضيافتهم.. وكان ذلك يزيدهم حزناً على ما هم عليه..!!
وكم كان الخبر مفجعاً عندما علم الناس ان كل أسرة الشيخ يوسف ليس هنالك من يتطابق معه فى الانسجة وفق المعدل المطلوب.. عندها تقدم الاصدقاء والاحباء للتبرع.. ويوسف يرفض ذلك بشدة.. ويختفى بعيداً عن الانظار.. ولكن المرض يشتد عليه بمخبئه.. ولم يكن من خيار سوى «الغسيل».. وليوسف مودة وصلات روحية واجتماعية بأسرة السيد عبد المنعم موسى أبو ضريرة. وهو واشقاؤه من مفاتيح الخير بالمناقل.. كانوا يتابعون مع يوسف كل مراحل العلاج إلى بلوغ العافية.
وكانت اوضاع يوسف الصحية تتدهور يوماً بعد يوم كل المتقدمين للتبرع لا تناسب خلاياهم خلاياه... ووقتها علمنا باقتراب موعد عودة دكتور كمال أبو سن من لندن.. كانت تلك محاولة اخيرة للابقاء على شمعة الأمل مضيئة وعن طريق الاستاذ الفاضل احمد البلال الطيب كان الاتصال بدكتور كمال وتدعم الأمر بالعلاقة التي تربط دكتور كمال بابن المناقل اللواء عبد الباقي البشري.. الدكتور كمال أولى اهتماماً خاصاً بيوسف ادريس.. وقرر ان ينقل له كلية من شقيقته التى كانت نسبة توافقها النسيجى معه 43% فقط .
دكتور كمال أبو سن قال ان هنالك مستجدات طبية تقلل من اهمية التوافق النسيجي.. وفعلاً اجريت العملية ليوسف ادريس بمستشفى الفيصل دون ان يتقاضى فيها كمال أبو سن أى مبلغ من المال بل فرض ذلك على معاونيه.. تمت العملية والحمد لله بنجاح وتوفيق من الله سبحانه وتعالى.. ومضى عليها اكثر من عام ويوسف بتمام صحته وعافيته، وبنفس نشاطه الاول وابتسامته الصامدة التى لم تربكها المفاجأة ولم تعكر صفوها المصائب.
مدينة المناقل التى احبت يوسف ادريس قررت ان تكرم الدكتور كمال ابو سن شعوراً بالعرفان.. فكان يوم الثلاثاء الماضى استقبال واحتفاء شعبى ورسمى بكمال ابو سن بالمناقل..
فقصة يوسف وتكريم ابو سن فتحت الباب لانشاء مركز لغسيل الكلى بمدينة المناقل.. انها فرصة ذهبية فى زمن نحاسى وجد الدعم والمباركة من الدكتور احمد بلال وزير الصحة الاتحادي احد ابناء المدينة.. ومن السلطات الولائية.. وتعهدت القيادات الشعبية والسياسية بالمناقل التى تعودت منذ زمن باكر على البذل والعطاء فمشاريع الهلالى الخيرية لا تزال تنعم بها المدينة وريفها وكذلك المرحوم عبد العزيز عبد القادر وأحمد محمد دفع الله واخرون واخرون...!!
تعهدت القيادات على ان تكمل مبانى المركز فى بداية العام الجديد..
فمدينة المناقل من اكثر مدن الجزيرة اصابة بالفشل الكلوى.. لذا فسيمثل هذا المركز خدمة ضرورية لكثير من المواطنين، بغرب الجزيرة...!!
وفي حفل تكريم دكتور كمال ابو سن بالمناقل شكل عدد مقدر من كبار الاعلاميين حضوراً مميزاً.
فهى المرة الأولى التى يزورون فيها المدينة، وهى المرة الأولي التى تشهد فيها المدينة هذا الحضور الصحفى الكثيف.. حيث كان هنالك دكتور عبد اللطيف البونى ودكتور خالد التجانى ودكتور وجدي كامل ودكتور كمال حنفي والاستاذ صلاح عووضة والاستاذ عبد الماجد عبد الحميد والمصور جاهوري.
قيادات المناقل الشعبية والسياسية بقيادة معتمد المحلية اللواء الفاتح عابدون ورئيس المجلس التشريعي بالولاية عبد الباقى الريح ورئيس مجلس تشريعي محلية المناقل عبد الباقى علي والسيد يوسف موسى أبو ضريرة.. وابناء ارقى بالمناقل في مقدمتهم الصناعي البارع محمود شوتال كلهم كانوا فى تكريم الدكتور كمال أبو سن وكانوا وراء انجاح هذا اليوم الاستثنائى.. وكانت مشاركة الوسط الرياضى فى تكريم دكتور كمال مشاركة حيوية حيث اقام الاتحاد المحلى مباراة على شرفه جمعت منتخب المناقل بأهلى مدنى.. وكانت هنالك وشاحات وشهادات تقديرية من اندية المدينة وكان الدكتور ابو بكر احمد علي صالح دينمو الاتحاد ومن معه وراء هذه اللفتة البارعة..!!
زيارة كمال أبو سن للمناقل وخبر انشاء مركز لغسيل الكلى بالمدينة كان مصدر سعادة وتقدير فى المدينة لا تزال اصداؤه تتردد الى اليوم.. ولا يزال مرضي الفشل الكلوى بغرب الجزيرة ينتظرون ثمار العافية..!!