بقلم محمد النيل البدري – ليبيا
الأخوة أبناء دار المسيرية بدول المهجر لقد اطلعت على بيانكم حول ترسيم حدود منطقة أبيي بتاريخ 31/7/2005 بدقة وتمعن وبما أنني من أبناء هذه القبيلة فبلا شك الإحساس مشترك والمخاوف واحدة .
ولكن قبل كل ذلك دعونا نتأمل ذاتنا والبحث عنها قبل وبعد أتفاق السلام لنحدد من نحن في الماضي ؟ وأين موقعنا من الحاضر ؟ وماذا نريد من المستقبل ؟ .
لقد ظل أجدادنا أوفياء لتراب هذا الوطن وعقيدته تنادوا بالعزيمة وروح الفزاعيين يوم كان على رأس هذا البلد مهدي هدى إلى ما هو أقوم وسمى بروح الناس عن المولاة والجهة .
يومها كان المسيرية أبكار المهدية لهم مساهماتهم وتضحياتهم كغيرهم من قبائل أهل السودان لم يكن لهم حظ من العلم والمعرفة بالسياسة وكتابة البيانات ولكن حركتهم الفطرة السليمة التي ترفض الضيم وتتنفس حب الوطن .
نعم مضى الماضي الذي نتشرف أن أجدادنا كانوا جزء منه ولكن ما أردت الوقوف عنده علينا جميعا أن نعترف أن أطالة الوقوف عند مقبرة الماضي التي غادرها أولياء دمها قد كلف أهلنا الكثير ، لم ينالوا وعيا أو معرفة حتى بالرؤية السياسية التي يعتقدونها تعبر عنهم ؛ ظلوا كماً حاضراً في صناديق الاقتراع مغيب عن صنع القرار غائب عنه كل فعل تنموي ، وأننا نحمد الله أن جعل حياتهم في منطقة كانت طبيعتها أرفق بهم من الكثيرين الذين جلسوا على كراسي هاتيك القصور باسمهم .
أما عن ماضي الأمس القريب فلم يكن أفضل من سابقه ولربما أسواء على صعيد هتك بنية التعايش والتمازج الاجتماعي بين السيرية وما حولهم من أهلهم الدينكا والنوبة وغيرهم من قبائل الداجو والبرقو ؛ لقد كانت لهم مشاكلهم واحتكاكاتهم في المرعى والمرحال والزرع ولكن كانت لهم حكمتهم وحكماؤهم العارفين لعاداتهم وأعرافهم وتركيبتهم النفسية ومفاتيح العلاج لكل عقبة تعتريهم فظل التعايش ديدنهم والتمازج سمة لحياتهم وظل حضور الحكومة في حل مشاكلهم حضوراً ديكورياً لا أكثر .
ولكن لعن الله السياسة وخبث أهلها يوم أن أدخلوا أجندتهم ليحولوا التعايش إلى تمايز والتمازج إلى تماس ومنطق الحكمة إلى بأس أحرقت من ورائه قرى النوبة وسويب الذرة والسمسم ضاق المرعى ونهبت أبقار المسيرية ومثلهم الدينكا .. أقتتل أهل التعايش وتباغضت النفوس في الواقع الجغرافي المشترك حيث هتك الرصاص جلباب الأعراف والتقاليد السمحة فلم يعد يستر ما بداخله أزهقت مئات الأرواح إن لم تكن الآلاف وجاعوا جميعا فهلا تسألنا بيد من ولمصلحة من كل هذا ؟!
واليوم انتبهوا فإن الأيدي والأفكار التي جعلت في الماضيين عطاء أهلنا بلا مردود وحاضرهم في دائرة اللاسلم واللاحرب ربما بدت تلتقي بأجندة أهل المؤامرات والدسائس والتسويق لأفكار الأبواب المغلقة القائلة إن رعاة الأبقار لا مكان لهم ولا أرض .
وهنا لابد من النظر للأمور بعيون مفتوحة وفكر لا يظلم ولا يريد أن يُظلم يستطيع أن يسموا على كل الجراحات ولكن بشرط أن لا تتكرر الأخطاء لفتح جراحات أخرى .
ولتسمية الأشياء بمسمياتها نقول إننا مع السلام الذي يحفظ النفس والمال والعرض ويعلي كل القيم التي تصب في وحدة الوطن والأرض إنتماؤنا وعملنا لوطن يسع الجميع وفهمنا ينطلق من أننا جزء تسمو قيمته لانه يحمل سمات الكل يؤمن بالوحدة لأنها حياة ويبغض التجزئة لأنها ضعف ينسف الكثير من مقومات البقاء فنحن كردفانيون لا نحيا بغير جنوب وجنوبيون لاغنى لنا عن كردفان وفوق كل ذلك سودانيون همنا سودان واحد موحد .
ولكن هل يكفي أجترار الماضي وطرح الأماني في بيانات ومقالات لرسم الطريق إلى المستقبل ؟!
دعونا نسمع مايقوله الواقع إنه يقول : على الأرض أتفاق سلام بين فصيلين سياسيين باركه أهل السودان وقواهم السياسية لأنه أوقف شفير الحرب في الجنوب وأسس الكثير من نقاط الالتقاء ولكنه أيضاً ترك الكثير من النقاط المفتوحة على نافذة الفرقة والانفصال وما يعنينا هنا بصورة أدق وضع منطقة أبيي الذي ظل يتميز بالكثير من العقد والتعقيدات عن نظيرتيه جبال النوبة والنيل الأزرق من قبل وبعد تقرير لجنة الخبراء ، وهذا أمر متوقع ولم يفاجأ كل من له بصيرة وهنا أذكر بالكلمات الواضحة ولإشارات الذكية لأحد أمراء المنطقة بتاريخ 15/8/2003 بالخرطوم حيث قال : أننا سمعنا الكثير من الكلام الذي يدور في الخرطوم وغيرها من مواقع المؤتمرات عن مصير المناطق الثلاث ولكننا نقول لكل من يريد أن يتصرف في مصيرها ويتجاوز أهلها فأننا قادرون على وقف أي إملاء علينا ولو بالخيل !!
فهلا سألتم أنفسكم حينها أين توجد الخيل ؟!
إن اتفاقية السلام بقدر ما أنها حلم انتظرناه طويلاً وعلقنا عليها كل آمالنا لها في جوانب أخرى أفرازات تستدعي الوقوف عندها والتعامل معها بشفافية ووضوح ، ولإكمال الصورة نقول إن هامش الحرية الذي توفر قد ولد حالة من الاستقطاب المحموم على صعيد العامة وقد شاهدنا عبر الإعلام كثير من الأساليب المستحدثة التي أظهرت أن هنالك نوع من الوعي والعقل الجماعي قد هبط على أهل السودان من السماء دون مقدمات وأوحى لهم الانسلاخ الجماعي من أحزابهم القديمة دون أسباب والانضمام إلى أحزاب يعينها دون مبررات .
أما على صعيد الأحزاب فحدث بلا حرج لقد صار الانقسام والتشظي سمة نافسوا فيها الخلايا والكائنات المجهرية فصار لدينا رزم من الأحزاب المستنسخة التي قد لا يتجاوز عضوية بعضها عدد وزرائه في الدولة وعلينا كجماهير أن نقبلها كظاهرة صحية !!.
هذا بالإضافة إلى منابر الجمهوريات الطافية باسم السلام والمظالم معاً ، كل ذلك يجعل فرحنا بالسلام مشوب بظلال من التشاؤم والحذر الذي يجعلنا نسأل عن موقع أهلنا المسيرية من هذه الظواهر .
إن أهل جبال النوبة وجنوب النيل الأزرق ربما حسموا خياراتهم منذو زمن بعيد يوم أن حملوا السلاح وقاتلوا مع الحركة الشعبية وبلا شك هم اليوم جزء لا يتجزأ برنامجها السياسي في زمن السلام وحالتي الوحدة والانفصال ، أما نحن فعلينا أن نجمع أجزاء المرآة المهشمة وترتيبها لنرى وجه الأمس فيها .
ألم يكن منا من قاتل بخيله ورجله حول قطارات واو ذهاباً وإياباً فهو وطني مخلص عند الحكومة جاهل بمصالحه عند الحركة ؟!
ألم يكن منا من ظل يمد أسواق السلام في مناطق الحركة بالغذاء فهو وفيٌ للتعايش والتمازج بمنطق الحركة طابور خامس في أدبيات الحكومة ؟!
ألم يكن منا نفر قليل قاتل مع الحركة بقنا عات ورؤية شخصية ؟!
ألم يبشرنا الكثيرون من مثقفينا المحسوبين على الحكومة بجنات المشروع الحضاري ولبن الطير المعدوم ؟!
ألم يحزم بعض قيادي الإدارة الأهلية المرموقين أمتعتهم عن أحزابهم القديمة إلى رحاب المؤتمر الوطني قاطعين الصلة بالانتماء التاريخي للمنطقة ؟!
هذا ما قالته مرآتنا في زمن الحرب فهل يصلح تكرار هذه الصورة في زمن السلام ؟!
إننا ندعوا الله أن يعم السلام ليبقى السودان بلدا موحد وتخيب كل التكهنات والظنون ولكن الأماني وحدها لا تكفي ويجب أن لا تمنع طرح الأسئلة المشروعة وتصور ما يعقب انفصال الجنوب لا سمح الله فالموقف يحتاج لوحدة رؤية وصف وتبني تصور عملي يضع في حسبانه كل الاحتمالات السيئة ، بل يحتاج لكيان ومنبر واحد يعبر عن مخاوف أهلنا ومصالحهم بعيدا عن دوائر الاستقطاب والتوظيف السياسي .
وأكثر من ذلك يحتاج لمواجهة طرفي السلام لمعرفة العقد الكأداء التي حالت دون التوصل إلى رؤية مشتركة في أبيي دون غيرها لنحدد موقعنا من السلام كقيمة إيجابية وموقفنا من ما ورئيات التنازع بين الرؤيتين فوق رؤسنا فما دفعناه من عرق ودماء لحرب الأمس التي لم يكن لنا يد في خلق أجندتها لا نريد دفعه لتنازع جديد باسم السلام .
أما لغة البيانات المفتوحة وحدها فهي أشبه بمن يخدم النقارة وسط ضجيج المدن .
ودمتم