تحليلات اخبارية من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

السودانيون يغضبون لكنهم لا يمارسون الحقد والإرهاب بقلم عبدالمنعم إسحاق

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
8/30/2005 4:15 م

عبدالمنعم إسحاق: السودانيون يغضبون لكنهم لا يمارسون الحقد والإرهاب
كتب الأستاذ أبوبكر القاضي في عدد الأربعاء 24 أغسطس 2005 مقالا بعنوان «هل تسلح الحكومة القبائل العربية في الخرطوم» وهو عنوان مقال تفوح منه رائحة شماتة نتنة مما حدث في الخرطوم وكأن من كتبه ليس سودانيا‚ إن الخرطوم تعتبر بوتقة انصهار السوادنيين من كل السودان وحتى الجنوب والدليل على ذلك هو أن ضحايا أحداث الاثنين الأسود الأخيرة في 3 أغسطس والتي وقعت في العاصمة الكبرى وما تلاها من رد فعل‚ هم من كل أنحاء السودان وكذلك جاء منهم جميعا رد الفعل ضد الجنوبيين‚ قد يكونون أبرياء براءة ضحايا الاثنين الأسود‚
إن مقال الأخ أبوبكر محاولة لإلقاء اللائمة فيما يتعلق بالهجمات غير المبررة تماما التي قام بها مواطنون من جنوب السودان على مواطنين عزل في طرقات الخرطوم ومدارسها ومنازلها ومحالها التجارية وطرقاتها حيث يزعم أنها كانت نتيجة «21 عاما» من ثقافة الكراهية التي تبث من خلال الإعلام الرسمي والمناهج الدراسية‚
مع احترامي لرأي الأخ القاضي إلا ان ما حدث ليس له أي علاقة بأي نوع من أنواع الثقافة التي يتلقاها الشماليون ولكن يصح ان نقول إنها ثقافة كاملة «Inherent» لدى المواطنين الجنوبيين للأسباب التالية:
أولا: أكاد أجزم أنه لم يحدث ان بادر أي شمالي في أي مدينة من مدن السودان بالاعتداء على أي جنوبي طوال فترة الحرب التي امتدت بشكل متقطع منذ حوالي 50 عاما أي منذ اندلاع تمرد توريت في 18 أغسطس 1955 وحتي أحداث الخرطوم 1964 عندما قام الجنوبيون بأعمال شغب وقتل مماثلة بعد ظهور اشاعة بقتل كلمنت امبورو وحتى أحداث 3 أغسطس 2005 الأخيرة أي اعتداء من جانب الشماليين على الجنوبيين كان رد فعل على اعتداءات بادر بها جنوبيون كما حدث أخيرا بعد مصرع جون قرنق في حادث طائرة ليس للشماليين أو لحكومة الخرطوم علاقة بها من قريب أو بعيد‚
ثانيا: أود ان أشير إلى الأخ القاضي بأن كافة سكان السودان من الشمال أو الغرب أو الشرق وجبال النوبة معروفون بالتسامح ويكفي القول ان السودان هو الدولة الوحيدة في العالم التي كان فيها من يزعمون الاضطهاد يلجأون فيها من مناطق الحرب للعيش بسلام كامل في أنحاء الشمال المختلفة دون ان يتعرضوا لأي أذى طوال سنوات الحرب ثالثا اضافة للحرب التي كانت دائرة في الجنوب والمآتم التي كانت تقام في كافة انحاء الخرطوم ومدن السودان الاخرى كل سنوات الحرب ورغم ان عددا من قادة الانقاذ قد لقوا مصرعهم في الجنوب ومنهم نائب رئيس الجمهورية في حادث طائرة الا اننا لم نشهد اي عمليات انتقامية أو ثأرية مشابهة لما قام به الجنوبيون الذين يعيشون في الشمال بل على العكس كان الشماليون يبدون تعاطفا تجاه الجنوبيين ويكفي ان اسرتي التي تقيم في احد احياء الخرطوم أوت اسرة جنوبية تقوم بحراسة بيت تحت التشييد مجاور لانها خشيت ان تتعرض تلك الاسرة الجنوبية المسالمة في يومي 4 و5 أغسطس لهجمات الثأر التي اندلعت من جانب الشماليين‚‚ فمن هو الذي يضمر ويجتر الكراهية بالله عليك؟
رابعا ان السودانيين يعرفون الغضب السريع ولكن في ذات الوقت الرضا السريع والتسامح انهم أناس لا يعرفون الحقد والدليل على ذلك احداث توريت التي وقعت في 18 أغسطس 1955‚ مع بدء جلاء القوات البريطانية من السودان وحتى قبل بدء اعلان استقلال السودان حيث ارتكب الجنوبيون أول عملية ابادة عرقية (Genocide) وأول جريمة تطهير في افريقيا (Gthnic Cleansing) ضد الشماليين فقط دون غيرهم حيث اندلع التمرد في توريت بالاستوائية وانتشر كالهشيم وامتد الى بقية الجنوب حيث تم ذبح التجار والمعلمين والاداريين والعسكريين وأسرهم وحتى اطفالهم لم يسلموا من تلك المجازر الوحشية البشعة التي تعبر عن غل مستأصل وحقد دفين حيث لقي اكثر من 300 شمالي مصرعهم ذبحا مع العلم بأن الجنوب كان مغلقا وتحت سلطة الحكم البريطاني ولم يقع اي اضطهاد للجنوبيين قبل أو خلال تلك الفترة من جانب الشماليين‚ ويعنى هذا ان الشماليين ليست في قلوبهم ثقافة كراهية وحقد اسود فهم الذين ابدوا قدرا كبيرا من ضبط النفس والتسامح وإلا لكنا قد شهدنا انهارا من الدم في الخرطوم كما حدث في رواندا في عام 1994 انتقاما لما حدث من استباحة للخرطوم من قبل الجنوبيين دون اي سبب‚‚ ولمرتين الاولى في عام 1964 والثانية في عام 2005‚
إن ما حدث من جانب الجنوبيين ليس له اي تبرير‚ فنحن المدنيين من نتعرض للاعتداء ثم نتهم بأننا السبب مع العلم بأن التعريف الرسمي للارهاب يتضمن مهاجمة المدنيين‚ ونحن نحمد الله ان قرنق لم يكن على متن طائرة تابعة للحكومة السودانية ولكن حتى ولو كان قرنق على متن طائرة سودانية وكانت اصابع الاتهام توجه الى حكومة الخرطوم فان ذلك لا يبرر الهجوم على المدنيين الشماليين لأن العنف لا يولد الا عنفا مضادا اشد ضراوة وأكثر فتكا‚‚ والامر يا قاضي ليس في حاجة الى اسلحة نارية فالغلبة للكثرة‚ خاصة ان كانت هذه الكثرة تدافع عن بقائها‚‚لقد بدأ الجنوبيون هجماتهم وهم يشعرون بالاستقواء بوجودهم في جماعات‚ غيلة وغدرا بالسكاكين والسواطير والقضبان الحديدية والحجارة وضد كل من هو غير جنوبي في الطرقات‚ تسوروا المنازل والمدارس وانتهكوا الحرمات وهتكوا الاعراض (وهذا امر جديد وخطير ويجب ان ينظر اليه بجدية لأنه يعبر عن تكنيك ارهابي متعمد وليس مجرد انفلات امني)‚ وقتلوا مواطنين غلابة حالهم ليس بأفضل من حال الغلابة الجنوبيين انفسهم‚
اما قول الأخ القاضي بامكانية تكرار حدوث ما حدث مرة ثانية وثالثة !! فاني اتمنى ألا يكون ذلك وليد احساس بالشماتة من قبل القاضي او تمنيات مكبوتة (Wishful thinking) ذلك لأن اهل الشمال قد استوعبوا الدرسين السابقين جيدا‚ ولا يمكن ان يتسامحوا اكثر من هذا فقد بلغ السيل الزبا‚ وعندما اقول الشماليين اقصد بهم الشمال والشرق والغرب وجبال النوبة لأنهم تعرضوا جميعا للارهاب الجنوبي سواء في الخرطوم او بور سودان او اماكن اخرى‚ وللأخ القاضي ولغيره ممن يهمهم الامر نقول‚ ان كل من شهد الأحداث الأخيرة في الخرطوم أو حتى كان خارج السودان كان يعلم يقينا بأن ما حدث‚ أو تكرار ما حدث لن يمر دون قصاص (with inpunity) واتمنى من كل قلبي أن يكون الاخوة الجنوبيون قد استوعبوا الدرس الأخير جيدا لأنه لن تكون هناك مرة قادمة‚
أما ابناء الشرق أو الغرب وحتى جبال النوبة فلم يحدث منهم ما حدث من اهل الجنوب‚ نعم لقد حملوا السلاح في مناطقهم لانهاء تهميشهم وليس للانفصال عن السودان لاننا لم نشهد في الشرق أو في الغرب أو حتى في جبال النوبة أي اعتداء على من يحب الاخ القاضي ان يطلق عليهم عبارة «جلابة»‚ أو غيرها من الفاظ يشتم منها المدلول الاستعلائي أو الاستحقاري من جانبه‚ ولكن الجنوبيين هم من بدأ ذلك في الجنوب قبل خمسين عاما ودون اي مسوغات‚ ان ما حدث في الغرب والشرق هو مجرد عارض سيزول ولكن الاعتداءات غير المبررة من قبل الجنوبيين في مدن جنوب السودان وكما تقول محاولة نقلهم للمعركة إلى الخرطوم ستكون مؤكدا القشة التي ستقصم ظهر البعير‚ وبعد ذلك ذبحه من الوريد إلى الوريد‚ لانهاء عذاباته ورحمة به في الخرطوم‚ وستكون براقش عنذئذ قد جنت على نفسها‚
انفصال الجنوب
أما فيما يتعلق بدعوة القاضي لتشخيص القضية فاني ايضا انبه إلى ان التشخيص يجب ان يكون دقيقا لان القضية ليست قضية لصوص أو مشردين ولكنها أيضا ليست قضية سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية فقط بل قضية كراهية‚ لسنا سببا لها أو طرفا فيها‚ وقد ترجع جذورها إلى سياسة «فرق تسد» الاستعمارية‚ لاننا ايضا في اغلب انحاء السودان الأخرى نعاني من التهميش والمعاناة‚ واحيانا العنصرية والتي هي مشكلة كونية ازلية‚ ولكن ذلك ليس سببا في ان ننفث غلنا وحقدنا على غيرنا‚
ان التبريرات بمسألة المهمشين والمشردين‚‚‚ إلخ‚ هو عذر اقبح من ذنب لان الشماليين قد هوجموا وقتلوا ايضا خلال الاحدث الأخيرة في جوبا ومدن جنوبية أخرى أحرقت ممتلكاتهم الأمر الذي يدل على ان ما يقوم به الجنوبيون هو عمل نمطي متعمد وليس عملا عشوائيا‚
واعتقد جازما ان العدد الكبير من الجنوبيين الذين احتشدوا لاستقبال جون قرنق لدي قدومه إلى الخرطوم قد جعل الجنوبيين يتوهمون ان بإمكانهم ان يفعلوا ما يريدون في الخرطوم‚ نعم بامكانهم قتل مائة ألف أو يزيدون من سكان الخرطوم‚ ولكن النتيجة النهائية بالتأكيد في الخرطوم وكل انحاء السودان الأخرى قد تؤدي لعملية تطهير عرقي حقيقي‚ ولن يأبه المواطن العادي الذي تنتهك حرمته وبيته‚ أو يقتل شقيقه‚ أو ابنه حينئذ بوحدة البلاد أو حقوق انسان أو مبادئ المجتمع الدولي أو غيره‚ لانه سيدخل نفقا لن يرى في آخره سوى نار الانتقام‚ والانتقام الرهيب حتى وان احترق داخل ذلك النفق‚
أما فيما يتعلق بالانفصال فهو أمر واقع لا محالة وما يحدث حاليا هو مجرد ترتيب أوراق وأوضاع على الجانبين‚ وأنا شخصيا أرى ان يمنح الجنوبيون أو اي اقليم آخر يريد الانفصال حق تقرير المصير بطريقة يمكن ان يستفاد فيها من تجربة الدستور الاثيوبي الحالي‚
ان القرن العشرين كان قرن الكيانات الاقتصادية الكبرى التي تتألف من دول صغيرة كالاتحاد الأوربي والآسيان والايباك ولكنه في ذات الوقت هو قرن تبلور الاقليات‚ سواء كانت عرقية أو طائفية‚ ومطالبة تلك الاقليات بالاستقلال لتكوين دول مستقلة بغض النظر عن قيمة أو امكانات تلك الدول في البقاء‚ ويشمل هذا الأمر الدول النامية والمتقدمة على حد سواء‚ ويمكن في هذا الصدد الاستشهاد‚ على سبيل المثال لا الحصر‚ بما يلي: الجيش الجمهوري الايرلندي في بريطانيا‚ الباسك في اسبانيا‚ الشيشان في روسيا‚ اقليم كويبك في كندا‚ أما تجارب الانفصال في دول العالم الثالث فحدث ولا حرج‚ فهناك التأميل في سري لانكا‚ ولاية أسام الغنية بالنفط وناجا لاند وكشمير في الهند‚ منطقة زنيغانغ في الصين‚ بيافرا في نيجيريا‚ اتشيه في اندونيسيا رغم ان اقليما آخر انفصل اصلا في وقت سابق وهو تيمور الشرقية من اندونيسيا‚ وهناك مطالب شيعية وكردية باقامة كيانات فيدرالية قد تكون نواة للانفصال في العراق واخيرا تم الطلاق الهادئ والمتحضر الذي وقع بين التشيك والسلفاك دون سفك دماء‚
وخلال نصف القرن الماضي لم يحدث أي اندماج سوى اعادة توحيد المانيا الغربية والشرقية واليمن الجنوبي والشمالي وفيتنام الشمالية والجنوبية ذلك لانها كانت اصلا دولا موحدة ذات انسجام عرقي وثقافي وحضاري قبل حدوث التقسيم بوساطة قوى استعمارية خارجية‚
على كل فان أهل دارفور وأهل الشرق هم جزء من النسيج الاجتماعي الديني الثقافي كما أهل الشمالية والنوبة الذين لم يدفعهم التهميش لحمل السلاح بعد في السودان‚ ولذا فانهم يمكن أن يحملوا السلاح مطالبين بتلبية مطالبهم وإنهاء تهميشهم أيضا‚‚ ولكنهم لن يمارسوا أبدا القتل ضد السودانيين الآخرين الذين يعيشون في الخرطوم أو في مدن شمال السودان الأخرى حتى ولو لقي قادتهم مصرعهم في حوادث طائرات‚
اما فيما يتعلق بما قاله الأخ القاضي بأن ذاكرة أهل الوسط والشمال خالية من الحروب والجهاد‚‚ فيكفي ان اقول ان ذلك هو سبب روح التسامح لدى اهل الشمال والوسط‚ كما أود أن أؤكد له بأن الدفاع عن النفس والجهاد ليسا في حاجة لذاكرة‚ فالدفاع عن الذات امر فطري‚ تلقائي لا يحتاج إلى ذاكرة‚
ان أهل الشمال هم امتداد للوسط والشرق والغرب حتى مليط‚‚ ويمكن اضافة الجنوب ان رغبوا ذلك مع حقهم في الاحتفاظ بثقافاتهم‚ وأود أن اذكر الأخ القاضي بأن أهم الممالك وأقواها شكيمة في إفريقيا كان في شمال ووسط السودان فتهراقا حكم مصر لاكثر من مائة عام ونفس الممالك هي التي وصف العرب المسلمون شعوبها بأنهم «رماة الحدق» تمكنوا من صدهم‚ أوقفوهم عند الحدود الجنوبية لمصر ثم اعتنقوا بعد ذلك الإسلام طواعية وعن طيب نفس‚
أخيرا أتمنى على الأخ القاضي أن يكون شجاعا وألا يجري ما يريد أن يقوله على لسان «الظرفاء الجنوبيين» أو «أحد المهمشين»‚ وأن يقول ما يريد أن يقوله مباشرة‚ ودون مواربة أواستشهاد بشخصيات اعتقد بأنها غير موجودة‚ وإلا طالبه الناس بكشف أولئك الظرفاء والمهمشين لأننا كلنا من المهمشين‚‚ وسلامتكم‚


للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved