في قرأءة متفحصة الي منفستو حركة العدل و المساوأة السودانية ( JEM ) يقفز الي ذهن المتأمل بأن هذه الحركة تتميز بخطاب رصين تتلمس الواقع السياسي السوداني و تبتعد كليةً عن التشنج و المواقف الفاقعة ، بيد أنها - أي الحركة - تمتلك القدرة علي الأستلهام و المؤاءمة مع مجريات الأمور في دارفور ، علي الرغم من أن الخط السياسي و الفكري لها تأخذ كل التراب السوداني بعين الأعتبار بأولوية إنهاء واقع التهميش و الظلم التي هي موجودة و ممارسة في الحياة السياسية ، الأجتماعية و الثقافية السودانية و لا يحتاج الي كثير برهان و (طق حنك) حتي نسوق الي أذهان الناس واقع الحال ، فوجود حركة ( JEM) ضمن جغرافية الأنثروبلوجي في دارفور أعطت الحركة مساحات المبادرة في أن تعمل ضمن التركيبة المتجانسة ضاربة الجزور في القدم ويستمد أيضاً كل ما هو مفيد من التركيبة القبائلية و الحدود المغلقة للحواكير والأدارة الأهلية ليجعل منه فعلاً متقدماً علي ما هو موجود و سالب ، لتحويلها الي عمل منتج تقف علي تغيير واقع الناس هناك الي ما هو أفضل ، لتجعل من التعاطي مع الشأن العام هناك قمّين بمعرفة الواقع – الأنثروبلوتيكي - ومن ثم الأبحار في خضم الأحداث الخافته و المزلزلة علي حدٍ سواء لتوجيه دفة المبادءة الي مواقف تحسب الي مكتسبات ثوار دارفور ، في تعاونها - الميداني/السياسي المنظم ، وقد ترجمت الحركة قومية المنشأ سودانياً من خلال أهدافه و مكاتبه ، وعلي مستوي دارفور يضم صفوفها كل أثنيات دارفور من قبائل زنجية كانت أو عربية ، وجاءت في أدبيات الحركة ( JEM) في تعريفها للجانجويد علي أنهم ( المُغرر ) بهم من بعض القبائل العربية ، في رؤية و اضحة الي أن المعركة ليست معركة الجنجويد أو العرب بشكل عام و إنما ضد العشر الكرام في الخرطوم التي أعتقدت أنها ستستفيد من تحريك ( غفلة الجانجويد ) .
إن قيام ثورة المهمشين في دارفور كانت النقطة الفاصلة بين عهدين ، السابق للثورة التي إتسمت بالعجز و بكمون ( فكرة التحدي ) و التغيير في ظل ظروف التهميش السياسي ، الأقتصادي و الأجتماعي للكثير من مناطق السودان التي هي الأن تحت حراك الثورة و إن كانت بدرجات متفاوتة وحسب ظروفها الموضوعية التي ترفد أدواتها بعوامل الأستمرارية ، فكانت ترجمة ( فكرة التحدي ) في دارفور الأكثر عنفاً تنساق مع نصيبها الكبير من الأهمال و الأستغلال من قبل (الجلابة) التي ألت إليهم اليات القهر و السيطرة (الدولة السودانية ) منذ مرحلة ما بعد الأستقلال و الدخول الي سنوات الأستعمار الداخلي التي أورثتنا هذا الشعور العميق بالظلم ، مع الترجمة العملية للتهميش الذي يتبدي من خلال إنعدام البنيات التحتية للتنمية في الأقليم . ثم تلتها المرحلة التالية - لثورة الهامش - التي فجرتها ثوار دارفور و كانت لحركة ( JEM) نصيبها الفاعل ميدانياً ، اعلامياً ، وسياسياً مما أجلت بالوصول بقضية دارفور الي المحافل الدولية و من ثم كانت القصة المعروفة للأنتداب الدولي التي ( فرملت) القتل المنظم من قبل قطاعات نظام الأنقاذ ومليشيات (الجانجويد) والدفاع الشعبي المتُجحفِلة معها .
لا يمكن لأي مهتم بالشأن العام في السودان إنكار (الجهوزية الذهنية) الذي أسسها – الكتاب الأسود – لدي المشتغلين بالشأن العام – ووزعت بشكل سري في الصالونات السياسية في العاصمة ، كما أن البسطاء من سكان الهامش بشكل خاص قد ثمنوا المحتوي و المضمون ، كإرهاص للولوج الي مرحلة ثورة الهامش ، فالكتاب الذي تبناه أخلاقياً (جماعة طلاب الحق - و العدل) وقالت في مقدمتها مايلي : ( إن هذا السفر جاء بعنوان [ الكتاب الأسود .. إختلال ميزان تقسيم السلطة و الثروة في السودان ] والذي نقدمه وثيقة عن أداء الأنظمة السياسية في تأريخ السودان الحديث ، وهو ليس بالكتاب التحليلي الناقد ، الصادر عن أهواء و أغراض ، و التحامل علي فئة او جهة . وإنما هو كتاب راصد للواقع ، عارض للحقائق المجردة الموثقة ، التي لا تنكرها العين و لا تخطئها البصيرة ) . ومن ثم يدلف بك الكتاب الي حقائق - رقمية - لا تنفع معها التسويف أو الإستنصار بالعقل البرهاني رغم عدم وجودة لدي ( مستعربي السودان ) ، علي مدي دفتي الكتاب ( الجزءين الأول و الثاني ) . وقتها ذهب الكثير من منجمي السياسة في السودان الي أن كاتب الكتاب هو الدكتور خليل ابراهيم (الوزير المهمش) في حكومة الأنقاذ ، وإن صح اخبار البروج سيكون هذا موضع الفخار يحسب للدكتور خليل وليس خصماً عليه ، بمجرد قول ذلك مناكفة سياسية لها تأريخ طويل في سجالات السياسيين الغير موضوعية التي لا تنتهي .
ثم كانت عهد ثورة الهامش في دارفور ، مقروءةً مع سياسة (حافة الهاوية) التي أنتهجته الأنقاذ ، وأدت الي أزمة حادة و مناخات متوترة ، و أحدثت خللاً في السلم الأهلي لتحريك (ورقة الجانجويد) مبعثراً الأتفاق القديم ( جغرانثروبلوجي ) في أوعية التعايش و العيش المشترك بين القبائل الزنجية و بعض القبائل ( العربية ) التي لم تدرك قياداتها (موسي هلال ) مثالاً .. أن ثورة الهامش كانت تستهدف واقعها السيئ في سبيل الأنتصار لحياة العرب الرحل الذين يرزحون تحت نيّر الجهل ، المرض و الفقر في غفار دارفور . أما حكومة الأنقاذ فإنها لم تستفد كثيراً من سياسة بعثرة الأشياء تلك بحكم مجريات الأمور و مألات التدخل الخارجي حتي ولو غلفت بطابعه الأفريقي ، فأن الخاسر الوحيد حتي الساعة هي تلك الحكومة المثلومة سيادتها في أرضه التي من المفترض أن تحميه بالعقل و الحوار قبل صيحات الحرب و هزيّم الدانات . سرعان ما تراجعت مكاسبها الأنية التي حاكتها شعبة شئون القبائل لجهاز الأمن الوطني بقيادة الجلابي (صلاح عبدالله قوش) ، ودوره المدمر للسودان في أستخدامه لملف القبائل في دارفور ، لغرض تفتيت عراها بدلاً من الدور الوطني المفترض للوحدة ، ليأتي ثوار دارفور لأستعادة روح المبادرة من جديد لمحاصرة دمية ( الجانجويد ) بأستقباح أفعالها من حرق ، قتل و أغتصاب ليجعل من المجتمع الدولي السند الحقيقي للضغط علي حكومة الأنقاذ لتكف يمينها عن مواطني دارفور ، فكانت ــ ووقفت مغلولة اليدين حتي الساعة ! .
ومع تسارع إنسلال الأيام تكتسب حركة العدل و المساوأة المزيد من التجارب لتثقلها الي فعل مؤثر سياسياً و عسكرياً من خلال القدرة علي الأستقطاب في ظل محيطٍ معبأ بشعارات الثورة ، والعمل ببصيرة نافذة لأحتمالات إستمرار (أزمة دارفور) لسنين طوال رغم جولات ( Abouja) المتكررة لأن مؤسسة الجلابة لم يحن لحظتها للنظر الي المحاورين من دارفور في أبوجا علي أنهم ( أنداد ) و أصحاب حق أخلاقي و من الدرجة الأولي كما يعبر الأخ الدكتور حسين الحاج (ود البلد) في أحدي مقالاته يتناول شأن دارفور . أن ما يجري في دارفور هي صراع إرادات مع سلطة المركز كما إنها (حروب الرؤي) للهامش كما ينص الدكتور فرنسيس دينق في كتابه ، فأولوية حكومة الخرطوم في دارفور اليوم .. هي تصدير ( نظرية إقتتال الأخوة) ووحدة الخصوم ، وتم ذلك بمحاولات زج بالقيادة التشادية في أتون الصراع في محاولة علي وسم – ثورة الهامش – بالقبائلية - بينما يعي ثواردارفور بأن ذلك غير ممكن لأن الصراع هو مع المركز السوداني ، وليس مع الجارة تشاد الذي لا يملك في الشأن السوداني ( شروي نقير ) . إن الأدراك المبكر لقيادة حركة العدل و المساوأة السودانية ( JEM) وبخاصة الدكتور خليل ابراهيم في رسالته المشهورة لقيادة حركة تحرير السودان الشقيقة لجهة وحدة الموقف التفاوضي وسد الثغرات لدواعي رفع السقف التفاوضي في أبوجا الثانية ، رغم الضغوط الأقليمية لتأمين المطالب المشروعة لأهل دارفور ، هذا الموقف النبيل من الدكتور خليل ابراهيم رئيس حركة ( JEM ) السودانية إنما يعبر عن حاجة سياسية ضرورية لثورة الهامش و مستقبلها و يعنّون لمرحلة جديدة من التنسيق و التعاون مح حركة تحرير السودان ( SLM/A) بعد مؤتمرها التي سيوحد مصدر قراره ويكسبه المنعة ، وإظهار روح الوحدة مصيراً و مالاً . بالأضافة الي عدم التعاطي مع أولائك الذين ظهروا الي أجهزة دعاية النظام علي أنهم أجسام متشظية من الحركة ( الأم ) ناهيك عن التسويق من قبل مخابرات النظام الأكترونية لجهة ترويجها الي الصحف السيارة ( خاصته ) للترويج لما عرف بحروب (الخلافات ) بين ثوار دارفور ، مع علم الجميع بأن تلك المعارك المفترضة ، للموقع الأمني ( smc) و ( سودان سفاري ) إنما بعض من أماني الجلابة .
يجزم الكثير من المراقبين لشأن - ثورة الهامش - في دارفور بأن حركة العدل و المساوأة السودانية ( JEM) إستشعرت منذ وقت مبكر من عمر الثورة ، اهمية الأستقطاب الواسع للجماهير التي تحركت وبدواعي شتي الي نصرة الثورة ، منذ يومها الأول فأصبحت هي من تمول الثوار وتستمد ( JEM) في بناء مؤسساتها السياسية من خلال عمل تنظيمي مضني يوكل ناصيته للذين خبروا العمل السياسي و التنظيمي سابق في الأحزاب السودانية (مشروع للجلابة ) رغم ما تتشدق به من شعارات تصتبغ بالوطنية و القومية ، مع إنها ووفقاً لرؤية الهامش ترعي مصالح جهة معينة يحكم البلاد ( بالشفرة ) حسب تعبير الطيب مصطفي ( خال الرئيس البشير ) ، فقد وعي الكثير من أبناء الهامش هذا الدرس من خلال المواقف الباهته التي وقفتها الأحزاب السياسية الشمالية من أزمة دارفور ، خاصة - حزب الأمة – جناح الصادق ، الذي يري في ثوار دارفور ( خصماً ) يعمل ويأكل من جرفه ( الأنصاري ) ، وحسناً فعلت تلك الجماهير في دارفور عندما واجهت السيد الصادق المهدي ( بغير التبعية التي كان يتوقع ) مما أضطره لقطع برنامجه في زيارته الأخيرة الي دارفور و العودة الي (البقعة) تاركاً بقرة دارفور ( الحلوّبة ) لقوي جديدة و جيل جديد من الثوار لا يكترثون للراتب و الخطاب الخشبي القديم .
إن لتجويد التنظيم فوائد جمة أدركتها قيادة حركة العدل و المساوأة وقامت بنشر ما يخص تنظيمها في موقعها الأكتروني ، ليتسني لكادره في الدياسبورا متابعة الأساس الهيكلي للتنظيم و ضرورة إيصال صوته الي قيادته عبر أداة في غاية الأهمية و الخطورة ألا وهي ( الأنترنت ) ، فبأمكان الراصد للحركة أو عضويته الدخول عبر السايبر الي موقع حركة العدل و المساوأة السودانية ليتحقق من هراركية التنظيم و الوقوف علي ما يهمه من مكاتب ومجلس شوري الحركة و المؤتمر العام والصلاحيات الممنوحة لأي مستوي من الكادر عسكريا كان أو حركياً ، دون التغول علي قيادة الحركة التي يمكن أن يتم محاسبتها عبر المؤتمر العام ووفقاً للنظام الأساسي ، الذي يوفر المعين الديمقراطي لبناء حركة قوية ومقتدرة علي مجابهة الواقع السياسي السوداني .
عادة ما تكون الحركات الثورية أشبه (بالحصان الجامح ) ، حيث تكثر فيها الأجتهادات ويتساوي فيها المنتسبون بالأكتاف طالما الجميع يتنكب السلاح ، ولا يتورع البعض وبدوافع ( مزاجية ) بحته لتبني فكرة إقصاء القيادة أو التمرد علي أي مستوي أخر من القيادات الميدانية كانت أو سياسية دون الألتفات أو حتي المعرفة الكافية لأليات التنظيم (اللجام) الذي بدونه يكون الحصان أكثر جموحاً في إندفاعه تجاه الهاوية (الأزمات) وبوجود تلك الأليات يكون الأفراد ومن ثم الحركة (مجموعة أفراد ) يكونون أكثر إنضباطاً و تأثيراً في تنفيذ مهامهم المناطة بهم .
تأسياً علي ما سبق يتضح صحة ما ذهبت اليه قيادة حركة العدل و المساوأة السودانية ( JEM) بالأيعاز بتشكيل مكاتبها في داخل السودان وفي بلاد المهجر إستكمالاً لعبور مرحلة البناء و الأستعداد لتلبية إستحقاقات مرحلة ما بعد التفاوض في أبوجا ، لتكون للحركة رؤية للمستقبل كما هي تساهم و بفعالية لصيرورات الحاضر فالقتال المفروض علي أهل دارفور لم تكن لتنشب لو أن الرئيس البشير قد وسع من أفقه ، في ملتقي الفاشر التشاوري - التي كانت تطالب باليسير من التنمية و القليل من السلطة ، بالتأكيد كان يمكن أن يتم الموافقة علي مطالب الثوار مبكراً لو أن سيادة الرئيس البشير كان رجل دولة وليس من يستسهل الأمور بتحويل موقفه الي مجرد ( جعلنة ) شوفينية ، خاوية عبر تأريخ السودان من بطولات حقيقية .
سنكمل .