تحليلات اخبارية من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

عفواً يا سيادة الوزير فالأخطاء القيادية والغفلة الأمنية وراء أحداث يوم الاثنين الأسود بقلم أسامة بله إبراهيم-دالاس – تكساس – الولايات المتحدة الأمريكية

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
8/26/2005 9:09 م


استضاف السيد أحمد البلال الطيب في برنامجه الأسبوعي التلفزيوني (في الواجهة) بالقناة الفضائية السودانية مساء يوم الأحد 22 أغسطس 2005 السيد وزير الدولة بوزارة الداخلية مولانا أحمد محمد هارون واللواء شرطة السيد طارق عثمان مدير شرطة ولاية الخرطوم لشرح الإجراءات والتدابير التي تمت اتخاذها لتلافي الأحداث التي نتجت لرحيل د. جون قرنق. بالتأكيد نالت هذه الحلقة اهتمام المشاهدين والمراقبين للشأن السوداني لاهتمام الكل بأحداث الاثنين.
شرح السيد الوزير جملة من التغيرات التشريعية والإدارية والتنفيذية والاجتماعية التي تمت الاحتياج إليها بعد حادث سوبا والذي أدي إلى مقتل 14 شرطي وكذلك نتيجة للأحداث الأخيرة، وهذه التعديلات سوف تعطي لأفراد الشرطة فاعلية في أداء واجبهم ولمعالجة الأخطاء في المستقبل، وكذلك تطرقت الحلقة لبعض أسباب النزوح والمشاكل الأمنية التي نتجت عن ذلك وكيفية معالجتها. امتنع السيد الوزير عن الإجابة علي معظم الأسئلة الحساسة والمهمة ولذلك لتدخلها في عمل لجنة التحقيق التي شكلت للنظر في تداعيات الحادث الأخير وهو أحد أعضائها، ونجد له العذر في ذلك حتى لا تؤثر إجاباته على أداء اللجنة وتقريرها. هذا التقرير المهم الذي ينتظره الجميع لأن القضية الآن ليس المسألة والمحاسبة بل هي قضية تتعلق بالوطن ووحدته وأمن المواطن.
وفي السؤال الذي طرحه مقدم البرنامج لمولانا أحمد محمد هارون " بصفتك وزير دولة وعضو بالجهاز التنفيذي لماذا لم تعلن حالة الطوارئ وحتى إنزال الجيش، والدولة لديها علماً مسبقاً ومنذ الليل بوفاة د.جون قرنق، وما هي الإجراءات التي اتخذتموها كدولة وداخلية في تلك اللحظات وذلك اليوم؟".
أجاب السيد الوزير قائلاً " إن هذا السؤال يدخل في عمل لجنة التحقيق وسوف أرجئ ذلك حتى تنهي اللجنة من تقريرها والنشر المعلومات التي تحصلت عليها. ولكنني سوف أعطى بعد الإشارات وأنا حاسي بأهميتها:
الإشارة الأولى:
واضح جداً أننا محتاجين لجملة دراسات اجتماعية مهمة لمعيار السلوك الإنساني في حالة الفرح والحزن، وكذلك أن التنبؤ يقوم على معطيات موضوعية وواقعية وهو أن سلوك الرجل المعتاد في الظرف المعين تتوقع منه يتصرف بالشكل الفلاني. ظروف الأحداث كلها تمت في مسرح أجنبي، الطائرة أجنبية وكذلك طاقمها وطارت من مطار نحو مطار ليس جزءاً من منظومة الطيران المدني وكل هذه الظروف لا تعطي أي افتراض بان الحكومة عندها صلة من قريب أو بعيد بشكل الحادث وهذه مسألة في غاية الأهمية.
الإشارة الثانية:
ذاكرتنا الوطنية تختزن بحوادث مشابهة، كاستشهاد الراحل المشير الزبير واللواء إبراهيم شمس الدين وجملة من سقوط الطائرات العسكرية ولكن الحادث المشابهة لهذا الحادث هو سقوط طائرة المشير الزبير وكانت ردة الفعل متصلاً بالحادث في وقتها اختلافاً لما حدث الآن" انتهى حديث الوزير .
الإشارات التي ذكرها السيد الوزير وان كانت قليلة إلا أنها في غاية الأهمية وتؤكد الأخطاء القيادية والغفلة الأمنية التي صاحبت هذه الأحداث. وقبل الدخول في تناول هذه الإشارات بالتفصيل لابد أن نذكر كيف ولماذا تمت الأحداث؟.
أهتز الشارع السوداني برمته لنبأ مقتل الدكتور جون قرنق المفاجئ، وأصبح من الصعب التعامل معه بعقلانية لذلك فقد كان اندفاع الجماهير التلقائي إلى الشارع عقب تأكيد ذلك النبأ المشئوم صباح الاثنين أمراً طبيعياً ومتوقعاً وكان الغضب المنفلت أيضاً من المسائل التي يمكن توقعها وأخذ الحيطة لها لما أحاط مقتله من ملابسات. الأحداث كشفت لنا عن هشاشة الحالة التي يعيشها المجتمع السوداني ليس فقط للتوتر الإثني والديني وفقدان الثقة بين العناصر المختلفة المكونة له نتيجة للسياسيات المغلوطة التي ظلت ينتهجها قادة الأنظمة المتعاقبة على الحكم في البلاد منذ الاستقلال، بل وأيضاً لذلك الاستقطاب الحاد في توزيع الثروة وازدياد الفوارق الطبقية والتي خلقت هذا الكم الهائل من المشردين في أطراف المدينة مما مهد لثقافة العنف.
1 - رداً على إشارة السيد الوزير " ظروف الأحداث كلها تمت في مسرح أجنبي...الخ"، القضية البالغة الأهمية ليس هو العامل الأجنبي في الحادث بل هو تعامل الحكومة مع هذا العامل واتباع الوسائل الحديثة من اجل سرعة وصول المعلومة الصحيحة وبالتالي تمليكها للجماهير منعاً لترويج الإشاعة، فقد كان لتضارب وتردد المعلومة الصادرة عن أجهزة الاعلام ومسئولي الدولة الأثر الواضح في فقدان الثقة بين بعض أجزاء المجتمع والحكومة.
غاب عن السيد الوزير إن العالم اليوم أصبح شجرة متشجرة ومتصلة من العلاقات نتيجة للاكتشافات العلمية الحديثة، وأن العالم تغير بصور جذرية خلال الخمسين سنة الماضية نتيجة للثقافة التقنية المتطورة وسرعة الاتصال والتنقل وإيصال المعلومة، فبينما كان التلفزيون السوداني يعلن في نشرته الرئيسية المسائية بعد اكثر من 30 ساعة من فقدان الطائرة التي كانت تقل د. جون قرنق (الساعة العاشرة مساء بتوقيت السودان المحلي ليوم الأحد) "أن الطائرة المقلة للسيد النائب الأول لرئيس الجمهورية نزلت بسلام في أحد معسكرات الحركة بالجنوب"، نعته وكالة الأنباء الفرنسية وأكدت ذلك قناة الجزيرة بتقرير مراسلها بنيروبي استناداً على المعلومة الصادرة من أحد مسئولي هيئة الأمم المتحدة العاملة بنيروبي بالعثور على جثمان الفقيد والتأكد من وفاته، وعندما أوضح مذيع قناة الجزيرة تلك المعلومة للسيد وزير الأعلام السوداني أجاب سيادته" ليس للحكومة علم بذلك وأننا لا نتعامل مع أشخاص داخل المنظمة، بل نتعامل مع قيادها".
كذلك أيضا فات عن السيد الوزير إنه لا يمكنك أن تظل محلياً في تفكيرك وأفعالك في عالم اليوم، ولابد أن تضع اعتباراً للخارج وهو ما نسميه بعملية العولمة، وهذا يعني أننا في حالة تداخل واعتماد متبادل بشكل غير مسبوق وخصوصاً عندما تطرأ الكوراث الإنسانية، وكان يمكن الاستفادة من إمكانيات وخدمات دول الجوار والمنظمات الدولية العاملة في المنطقة. فالمفاهيم الجغرافية القديمة اختلفت وتداخلت بصورة لم تكن مألوفة من ذي قبل، وأي مسئول وقيادي أذى لم يعي حقيقة أن جغرافية العالم وفيزيائيته ومفاهيم الحياة تغيرت كثيراً لا يستطيع أن يقود.
2 - رداً على إشارة السيد الوزير " التنبؤ يقوم على معطيات موضوعية وواقعية وهو أن سلوك الرجل المعتاد في الظرف المعين تتوقع منه يتصرف بالشكل الفلاني"، فالقيادي والمسئول مطالب بنوع من الوعي والاستعداد والترقب والتوتر الإيجابي يجعله دائماً في تحسب بصوره دقيقة جداً لما يمكن أن يحدث في كل الأوقات وعلى مدى واسع من الاحتمالات. فإذا اقصر تفكيره على احتمال محدد ربما يفاجئ بأن ما قد حدث يقع في أقصى طرف المدى الآخر من الاحتمال الذي توقعه، وعليه إذا لم يكن متجهزاً ذهنياً وعقلياً فإنه لن يستطيع أن يتعامل مع واقع اليوم ونحن في عالم فيه درجة التوتر عالي جدا،ً وأحياناً يصعب فيه التخطيط للغد، ويمكن أن يحدث حدث ما بين اليوم والغد يحدث تحولات كثيرة وتقلبات في الحياة. فإذا توقع الكثيرين هذا الأحداث قبل حدوثها، فكيف إذاً لم يتوقع أحداً من مسئولينا هذه الأحداث؟.
من مميزات القيادة فهم مجريات الأحداث وقراءة الاطروحات القائمة، والتي تجعل الاستجابته لكل طارئ لحظي وفوري ومن ثم إعادة ترتيب أوليات الدولة، وأجهزتها التشريعية والاستخباراتية والأمنية والجيش، وهذا ما لم يحدث! وكان لغياب معظم هذه الأجهزة وفي هذا اليوم الأسود الأثر الأكبر في الانفلات الأمني التي أنتهز فيها البعض حالة الجماهير المكلومة في الشوارع للقيام بنشاطهم الإجرامي بل وتطور الأمر لمعارك عرقية يؤخذ فيها البريء بجريرة المذنب، وساعد على ذلك التأجيج للمشاعر العنصرية و الدينية التي قامت بها بعض العناصر المعروفة بعدائها للسلام مستغلة فيها المنابر الدينية والإعلامية.
3 - إشارة السيد الوزير " ذاكرتنا الوطنية تخزن بحوادث مشابهة، كاستشهاد الراحل المشير الزبير واللواء إبراهيم شمس الدين وجملة من سقوط الطائرات العسكرية ولكن الحادث المشابهة لهذا الحادث هو سقوط المشير الزبير وكانت رد الفعل متصلاً بالحادث". فهذا التشابه التي تحدث عنه الوزير لا أساس له من الصحة إلا في كونه إن هنالك طائرتين تحطمتا وتوفى على اثر ذلك الراحل المشير الزبير والراحل د.جون قرنق، فلا المعطيات ولا الفرضيات ولا الظروف متشابهة ناهيك عن واختلاف زمني الحادثين، وهذا الإشارة من قبل الوزير سوف اطرق لها في مقال آخر إن شاء الله.
4 - الدولة تعبر عن المجتمع وتقوده بسياستها وقوانينها وبامتلاكها لأدوات السلطة التي تحفظ سلامة وأمن المواطن، وكان من الطبيعي لتعامل الدولة الخاطئ مع الحدث ولخطابها المتردد أن يحرك انفعالات المجتمع، وروجت الإشاعة وتغلغلت وانتقلت لتحدث فعلاً ورد فعل في وسط المجتمع. ولهذا فالتعاون والتناغم بين مؤسسات الدولة والمجتمع مهم وضروري جداً لإنجاح أي خطة سلام أو بناء اجتماعي أو تنمية...الخ، وإذا فقد هذا التعاون والتناغم في الإيقاع بين الدولة والمجتمع سوف تكون النتيجة فوضى وربما تكون المواجهة بينهما.
الآن يجب أن تتحد كلمتنا في هذه المرحلة الحساسة على الصعيد المدني والشعبي حرصنا على سلامة أبناء شعبنا بمختلف أعراقه وأديانه وسلامة ممتلكاتهم ونترحم على كل من أودت تلك الأحداث بحياته من المواطنين الأبرياء، ولتفريغ الشحنات العاطفية العنصرية والتي بدأت تطال الساحة السياسية بوجهها القبيح. وواجبنا جمعياً أن نحول دون دعاة الفتنة والذين يودون استثمار هذه المأساة لاجندات خاطئة وخطيرة، وعلى المجتمع ضبط النفس واليقظة حتى يفوتوا الفرصة على أعداء الوحدة والسلام والاستعداد لحياة وطنية معافة نشترك فيها معاً.

أسامة بله إبراهيم
دالاس – تكساس – الولايات المتحدة الأمريكية
[email protected]
www.ummapartydallas.com


للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved