الشعارات الزائفة لا تصمد طالما لا تاتي مبنية على مباديء.
"حركة تحرير السودان" عبارة حق أريد بها باطل على لسان الناطق الرسمي باسمها.
في مقاله الشعري بتاريخ 20 أغسطس 2005، ركز المداح محجوب حسين على شخص يان برونك واعجابه بمواقفه ووصفه بأنه خبير ومثقف وفاعل في العمل المؤسسي والسياسي وتشريحه العلمي والدقيق كما أمّن على دور حركته الداعم لبرونك لإقرار السلام في السودان وكأن السودان هي دار فور فقط وكأن كردفان ليست إلا أرض تتنازع على رسم خارطتها الحركة الشعبية لتحرير السودان من جهة والمؤتمر الوطني من جهة أخرى وأن سكان كردفان هم المعنيون من قبل حركته بتحرير السودان من شرهم. فبعد أن تقف حركة محجوب حسين بقوة خلف برونك ويتسنى له استقطاع جزء من غرب كردفان وإضافته إلى بحر الغزال يفرح هو بمخاطبة قبائل المسيرية لإخلاء المنطقة والسودان خلال 24 ساعة حتى يحق له إعلان "تحرير السودان".
السياسي المسئول يتحرى الدقة في تصريحاته دائماً. و محجوب حسين بتناوله لقضية أبيي بهذا التملق لن يحقق أي مكسب سياسي غير أنه يكشف جانب من نواياه السيئة تجاه أهل السودان وأهل تلك المنطقة بصفة خاصة.
"لو" كان البشير من قبيلة المسيرية لما طلب منه المسيرية النصر لقبيلته وهو في منصب رئيس الجمهورية لكون هذا المنصب ملك لأهل السودان كافة ولا يحق لقبيلة أن تستثمره لمصالحها الشخصية للاستحواذ على حق قبيلة أخرى. وسلفاكير الآن هو النائب الأول لرئيس جمهورية السودان فلا يحق للدينكا أن يستنصروا بنفوذه ضد قبيلة أخرى نظراً لأن هذا المنصب أيضاً هو ملك للشعب السوداني.
وإني استغرب لشخص متحدث بلسان "حركة كحركة تحرير السودان" ويأمل في أن تتحول حركته فيما بعد إلى تنظيم سياسي عريض يشمل كل الشعب السوداني في إطار دستوري وديمقراطي، يتناسى كل هذا ويناشد باشعال نار الفتنة في جزء من وطنه. نعم إنها فتنة واستخفاف بأهل المنطقة من الجانبين (مسيرية ودينكا). المسيرية والدينكا عاشوا بسلام في هذه المنطقة منذ مئات السنين تحكمهم أعراف وقيم ولم تكن بينهم حروب تحمل معنى الضغائن عدا بعض المناوشات التي لا تخلو منها القبيلة الواحدة أو حتى الأسرة الواحدة. واستمر هذا الحال حتى جاء عهد وزمن الفتن زمن النطق بالباطل وألسن تقطر سم وأفواه تفوح منها رائحة الفتنة النتنة.
المسيرية أيضاً تقف خلف النائب الأول السيد/ سلفا كير ولكن لا تتخابث ولا تنشد من وراء ذلك التآمر معه ضد قبيلة مهمشة ليس لها من يمثلها في قيادة الحكم أو ليس لها من تتحزم به أو بعلاقاته الواصلة في الغرب أو الأمم المتحدة.
وأنت تقف بقوة خلف النائب الأول وزعيم الحركة الشعبية السيد/ سلفا كير وتؤكد وقوفكم بقوة ودعمكم لقرار اللجنة الدولية الخاصة بأبيي ... تدعم من ضد من؟!.. وهل أنت واقف وفي يدك بندقية أم تمتلك مستندات تدعم قرار اللجنة الدولية؟.. إن كانت بحوزتك مستندات قد تكون حصلت عليها من دار الوثائق البريطانية أو غيرها، فالمسيرية والدينكا معاً في حاجة إلى مستندات تحق الحق لأصحابه دون اللجوء إلى القوة التي تتحدث عنها .. فعليك أن تحدد هدفك بدقة شديدة قبل أن تشهر سلاحك في وجه الحق.
إذا كنت صادق وإن كانت حركتك تعني فعلاً مضمون الشعار الذي تحمله، يجب أن تتحرى الصدق مع نفسك ولا تجرح مشاعر بني وطنك. وتقرير برونك ليس قرآن منزل بل مؤامرة ودعوة للحرب حتى لا تنعم هذه البلاد بالأمن والسلام. وأنت أيها الناطق الرسمي تعلم ذلك لأن لجنة برونك حُددت مهامها وحُصرت في منطقة أبيي المتعارف عليها ويعلمها تماماً أهل المنطقة (مسيرية ودينكا)، ولم يكن المطلوب من لجنة برونك الاجتهاد في رسم حدود جديده لأبيي لتكون في حجم ولاية ثم إضافتها لبحر الغزال. وإذا كان شعار حركتك يعني غير ذلك فانصحك بأن تسمي حركتك بحركة تحرير جزء من السودان (وأنت حر في تحديده)، وفي هذه الحالة تلزم الصمت لأن شأن باقي السودان لا يعنيك.
أشك بعلم حركة تحرير السودان ببعض تصريحاتك، وإن كانت حركتك على علم بما نطقت به بشأن أبيي وأن ما جاء في هذا التصريح تمخض عن اجتماع قد تم واتفق عليه مسبقاً على مستوى القيادة، فهذه كارثة وأن حركتك ستكون طامة إضافية إلى السودان بدلاً من أن تحمل بشرى لأهل السودان الطيبين.
المسيرية والدينكا مشهود لهما بالحكمة والعقلانية ولم يسجل عليهم التاريخ أي تزوير أو تحريف في الحقائق، وخير شاهد على ذلك التاريخ الذي سطّره حكيمي زمانهما في هذه المنطقة / الناظر بابو نمر ودينج مجوك.
وطالما أهل مكة أدرى بشعابها، فليبتعد أهل الفتن والباطل ويتركوا القضية لأهل القضية لأن هذه القضية تخص أهل المنطقة أولاً والشورة شورتهم، ثم من يتوسم فيهم الخير من حكماء قبائل الجوار والشرفاء من أهل السودان. وإنني من هنا أناشد حكماء وعقلاء المسيرية والدينكا بأن يفوتوا الفرصة على تجار الباطل ومروجي الفتن وأن يستمعوا إلى صوت العقل ويساعدوا على محو كل رواسب الحرب والتي استغفلهم فيها الزمن بدون مبرر، واستبدال جيل الهدم بجيل بناء حتى تلحق هذه المنطقة بركب العلم والحضارة بدلاً من تمكين الجهل وتوريث شرور بعض المرتزقة قاتلهم الله.

للمزيد من االمقالات