أحداث العنف و التدمير العشوائي التي اعقبت رحيل د. جون قرنق أمر مؤسف وخطير ووجب (في تقديري) أخذ الأمر مأخذ الجد (دون فوران عاطفي) كون هذه الأحداث قامت علي خلفية عرقية راح ضحيتها المئات من الناس بين قتيل وجريح داخل مدن مختلفة في البلاد. لم تكن ثورة ذات هدف محدد ولم تكن سياسية ولو سعى البعض الى إستغلالها سياسيا في الحال وفي المستقبل كل حسب أجندته. فأسباب مثل هذه الحوادث المؤسفة قد تختلف من حين الى آخر ومن مكان الى لآخر ولكن تبقى الحوافز الأساسية واحدة: الثأر (الغبن) والسيطرة (الإمتلاك). قبيلة في مواجهة قبيلة وعرق في مواجهة آخر. وعلى إثر ذلك يمكن ان تحترق بلد عن بكرة أبيها مثل ما حدث أمام أعين الجميع في رواندا والبوسنية قبل عدة سنوات فقط والشواهد في تاريخ البشرية لا تحصى ولا تعد. والظرف في السودان مهيأ الى حد كبير.
أحداث يومي الأول والثاني من اغسطس أثبتت هشاشة النسيج الإجتماعي في السودان (إن جاز هذا التعميم)، مجتمع يقوم على الوصمات العرقية والقبلية وتفشى الأمية، بلاد انهكتها الحرب الأهلية وسوء الإدارة السياسية وانعدام التنمية المتوازنة. مجتمع معبأ بثقافة حرب إستمرت 21 سنة.
نحتاج ان نفعل العكس. أن يعمل الجميع من أجل السلام والتعايش السلمي وفق فهم واضح مبتكر وعقلاني لا يعتمد العاطفة والخطابة والتصورات الجاهزة. وأعتقد انه علينا ان نسعى بكل الوسائل المتاحة لمحاربة العنصرية بجميع أشكالها ومحاربة الإستقطاب العرقي.
أتمنى إنشاء لجنة قومية لمحاربة العنصرية والإستقطاب العرقي في السودان.
أحداث يومي الأول والثاني من أغسطس هي أيام خسارة الكل الفاعل والمفعول به، خسارتنا جميعا. وعلى السلطات كما هو متوقع ان تقدم كل من أجرم الى العدالة وفق محاكمة تتوفر فيها الشروط الضرورية.
ثم علينا ان نفعل شي ما إيجابي لمصلحة ضحايا هذه الأحداث المشئومة وأسرهم، وشي من أجل التعايش السلمة، كيف نمنع تكرار مثل هذه الأحداث في المستقبل. كمقدمة أقترح نصب سرادق عزاء (تذكاري/رمزي) في عدة مدن متأثرة في السودان وان أمكن برعاية مباشرة من الحكومة السودانية (ومن الحركة الشعبية)، ويمكن ان يقام هذا العزاء التذكاري في دور الأحزاب السياسية (على سبيل المثال):
المؤتمر الوطني، الحركة الشعبية، الأتحادي الديمقراطي، حزب الأمة، الحزب الشيوعي وفي كل دور الأحزاب الأخرى الممكنة وفي كل الممكن من دور المنظمات الأخري غير الحزبية وغير الحكومية. الفكرة ان يلتقي الناس العاديين شماليين وجنوبيين وغيرهم في مكان واحد للترحم عى أرواح ضحاياهم يقرأون القرآن والإنجيل ومستخدمين كل الطرائق الأخرى المتعارف عليها. يشجبون الأحداث المؤسفة. والجاليات السودانية في كل الأرجاء الممكنة من الدنيا تفعل نفس الشي عبر منظماتها المختلفة وفي السفارات السودانية.
القضية ليست سياسة. القضايا السياسية تحل بوسائلها السياسية، والقضايا القانونية تحل بوسائلها العدلية.
إنها قضية الإنسان من حيث هو إنسان وكرامته حيا وميتا.
هل هذا المقترح معقول ومقبول؟
محمد جمال الدين/ هولندا