أود أن أتطرق إلي ما يسمى بجهاز المغتربين و عن ماهية عمل هذا الجهاز بالتحديد و ما هي الأيدلوجية المستخدمة في إدارة هذا الجهاز .
جائت فكرة عمل هذا الجهاز مع بداية وصول نظام البشير و مجموعته إلي السلطة و كان هذا بعد عام تقريبا من تسلمهم السلطة حيث بدأت الفكرة بوزارة شؤون المغتربين و كان يرأسها حينذاك السعيد عثمان محجوب و كان سبب تكوين هذه الوزارة هو تسهيل عودة السودانيين الذين تضرروا من حرب الخليج في كل من الكويت و العراق و قد أرسل البشير طائرة إلي الأردن لتقل العوائل إلي الخرطوم مجانا وهذا لعكس صورة طيبة عن النظام الجديد لمغتربي الخليج و لم يكتفي بذلك فأرسل إلي الأردن حيث تجمع متضرري حرب العراق السعيد عثمان محجوب وزير المغتربين و خاطب الجالية القادمة من الكويت و العراق و طمأنتهم للحال في السودان و أطلق الوعود الكاذبة للمغتربين و أنه سيتم إستيعابهم في الخدمة المدنية و ستسخر لهم كل إمكانيات الدولة المتاحة لخدمتهم , ولكن الأهوال التي إنتظرتهم في السودان كانت كفيلة لتصيبهم بالعديد من الأمراض و الإحباطات بل بعضهم فارق هذه الفانية لعدم تحمل الأوضاع و كل الوعود التي أطلقها السعيد عثمان محجوب تحولت فجأة إلي بيروقراطية يومية في جميع أشكال الحياة و أصبح الطبيب يعمل سائق تاكسي و المهندس سمسارا يبيع ساعاته و أغراضه الشخصية التي جلبها من الكويت في الأسواق و كل هذا العناء الذي صدموا به لأن السعيد عثمان محجوب قام بالواجب تجاه الميزانية الموضوعة لهؤلاء المغلوب على أمرهم و عندما سئل عن الميزانية أجاب إجابة الأخوة الجبهجية التي كانت محفوظة في التسعينيات من القرن المنصرم:
"حولت إلى المجهود الحربي في الجنوب" كانت هذه العبارة هي كرت إطلاق السراح من المسائلة عن المال العام ؟ وهكذا بدأت أزمة إنعدام الثقة بين المغتربين و وزارة شؤون المغتربين و من ثم جهاز شؤون المغتربين .
بدأ عرابو النظام بالتفكير في الآليات التي يمكن من خلالها الإستيلاء على مجهودات السودانيين المغلوب على أمرهم في الخارج و كانوا يأخذون رواتب و نثريات على هذه الأفكار التي تساعد في أن يفقد الإنسان إنسانيته و أن ينكر السوداني سودانيته في بعض الأحوال و هذا ليس حديثا للهجوم فحسب بل لنوضح للسودانيين الشرفاء جميعا كيف يتعامل هذا النظام مع مواطنيه خارج السودان ؟ إن المواطن السوداني هو الأكثر رغبة في التواجد خارج وطنه مقارنة بجميع الجنسيات العربية و الإفريقية الأخرى و حتى الدول الإفريقية التي طحنتها الحروب يهرول مواطنوها هرولة إليها كلما أتاحت لهم فرصة عطلة عمل دون أية هواجز بالرغم من تخلف بلدانهم لأنهم لا يتعرضون في نهاية المطاف إلي ما يتعرض له المواطن السوداني المغترب في بلاده , فالمغترب إن قدم حاملا بعض الهدايا البسيطة تحصل منه رسوم جمركية تعادل سعر هذه الهدايا فيبدأ بالتفكير ألف مرة في القدوم للبلاد مرة أخرى ؟و هل تعلم أخي القارئ السبب ليس الرسوم التي تحصلت منه لدى إدارة الجمارك بالمطار و لكن الطريقة العدوانية التي يتعامل بها الموظفون في إدارة الجمارك التي تحسسه كأنه إرتكب خطأ في المجئ إلي السودان ؟ و حتى لا نعرج عن موضوعنا الأساسي فإن هذه العدوانية في التعامل مكرسة تكريسا جذريا لدى موظفي جهاز المغتربين اليوم ,فهم يمارسون أبشع أنواع التعامل مع البشر و لكن السؤال الهام من هو المسؤول عن هؤلاء الموظفين ؟ و من هي الجهة التي تصدر التعليمات بإصدار الرسوم الضرائبية العالية للمغترب السوداني ؟بالطبع إنها إدارة الجهاز نفسه ؟ فالسيد تاج الدين المهدي الأمين العام للجهاز من المفترض أن يعلم ما يعانيه هؤلاء الأخوة المغتربين من غلاء في المعيشة و إنخفاض في الأجور لأنه كان مغتربا من قبل ؟ إلا أن سهولة حصوله على المنصب و الأنانية و حب الذات أعمت الأستاذ تاج الدين عن الحقيقة و جعلته يفتك بالمغترب السوداني و كأنه عدو للسودان بل و أصبح الجهاز عبارة عن منظومة متخصصة في نهب أموال المغتربين و لها إدارات متخصصة في إصدار التعاريف و المسميات التي تقود في نهاية المطاف لنهب الأموال ؟ إن جهاز تاج الدين المهدي يضع رسوم تسمى رسوم مشاهدة القناة الفضائية السودانية للمغتربين و هي بالمناسبة إجبارية و قسرية ,فلننظر إلي الأسباب المنطقية التي تجعل دفع مثل هذا الرسم من ضروب المستحيلات :
أولا لماذا يدفع المغترب رسوم قناة ربما لا يريد أن يشاهدها ,ثانيا كيف يدفع المواطن السوداني رسوما لقناة أصلا هي متاحة للمشاهدة من قبل الجميع ؟ ثالثا إن في هذه الرسوم إستفزازا لمشاعر المغترب السوداني تجعله عندما يشاهد هذه القناة يشعر بخيبة أمل بالغة تجاه وطنه الذي يتعامل معه بهذه الطريقة و رابعا و أخيرا من المنطقي جدا أنه من المرغبات أن تكون مشاهدة القناة السودانية لمواطن سوداني مجانا.
هل يعلم السوداني البسيط أن الراعي الذي لا حول له و لا قوة تأخذ منه ضرائب و رسوم دمغة و دعم مشروع فلان و مشروع علان , و بعد كل ذلك يطير تاج الدين المهدي للخليج مبشرا المغتربين بمشاريع إستثمارية هلامية في السودان ؟ أنا أستغرب ماذا تبقى للمغتربين أصلا ليستثمروا ؟؟ لأن الإغتراب في عهد الإنقاذ أصبح جريمة في حد ذاتها عقوبتها رهن ممتلكات و جهودات المغتربين لدى نظام البشير و طه .فلو لاحظنا و تتبعنا سلوكيات إدارة جهاز المغتربين نجد أن إدارة الجهاز تجعل من أمر الحضور لرؤية الوطن العزيز مصيدة أو فخ يهدر فيه المغترب ماله و جهده و تجده خارجا من قاعة السفريات الخارجية و هو يسب و يسخط على هذا الوطن , و لكن المغترب مهما سخط يجد نفسه مجبورا للقدوم إلي هذه البلاد نظرا إلي العلاقات الإجتماعية الممتدة داخل السودان لدى الجميع و التي هي الركيزة الأساسية التي تضغط بها الحكومة على الأخوة المغتربين . و لكن لنلقى الضوء على نموذج لجهاز المغتربين في دولة أخرى كالمملكة المغربية فإذا قارنا بين جهاز المغتربين السوداني و مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين في الخارج نجد أن هنالك فروقات لا نهائية في سياسات المؤسستين في التعامل مع مواطنيها فنجد أن المملكة المغربية من خلال دراساتها لموارد البلاد و طبيعة سكان المغرب و الكثير من حيثيات المقاييس لدى الدول نجدها ترعى مصالح مواطنيها جيدا بل و تكرس كل جهدها لتجعل المملكة جاذبة للمغترب المغربي و ذلك من خلال وضع رسوم رمزية توضع لكل مغترب كل فترة زمنية معينة و قد أصبح المغاربة المغتربين يدفعون رسومهم الرمزية مقدما دون الحوجة للمطاردة التى يقوم بها زبانية تاج الدين المهدي للسودانيين في الخارج , بل و أكثر من هذا إن مؤسسة الحسن الثاني المغربية و بالتنسيق مع حكومة المملكة قامت بمكافأة المغتربين المغاربة و ذلك بمنحهم مشاريع إستثمارية حقيقية و ذلك لإيمان الحكومة المغربية بجدوى هؤلاء المغتربين و ما يقدمونه لبلادهم فالمغتربين المغاربة إستطاعوا من خلال تحويلاتهم المالية أن ينعشوا الإقتصاد المغربي حتى أصبحوا من دعامات الإقتصاد في البلاد فعدد المغتربين المغاربة ثلاثة ملايين مغربي و قد بلغت تحويلاتهم العام الماضي ستة عشر مليار دولار !!! فهل يكافئ النظام المغربي هذه الشريحة من المجتمع بإثقالهم بالرسوم و الضرائب لتذهب في جيوب الإنتهازيين و سارقي خزانات الدولة بالطبع لا . أما نحن السودانيين رغم ما نقوم به من تحويلات و ضرائب محصلة قسريا و غيره فمكافئتنا هي الضغوطات المتواصلة و إثقال كاهلنا حتى نفقد كل ما أدخرناه من مال في تلك الغربة الطويلة و يكون المغترب السوداني في نهاية الطريق قد جنا سرابا ؟؟ و الغريب في الأمر كله أن هذا الجهاز يحظي بحماية منقطعة النظير من السيد الرئيس شخصيا و لكن لماذا ؟ هل لأن السيد تاج الدين المهدي من أقارب الرئيس أو من منطقته فقط أم لأسباب أخرى ؟ و لكنها نظرية تقاسم الكعكة أخي القارئ فكلما أستطاع الجهاز المعني أو المؤسسة المعنية من تحصيل الأموال بأي وسيلة حتى لو كانت هذه الوسيلة هي الفتك بأرواح البشر كلما حظى هذا الجهاز بحماية مطلقة من الرئيس و نائبه الخبيث فمعيار النجاح في نظام البشير و طه هو سرقة أموال المواطنين و كمية الأموال المنهوبة هكذا فقط يمكنك أن تحظى بأرفع المناصب , و لكنني أحذر هولاء السذج البسطاء القائمين على أمر مؤسسات الدولة أن علي عثمان محمد طه يعتمد أيضا على نظرية حرق الأشخاص فلن نستغرب إذا إستيقظنا يوما و قرأنا خبرا بإعفاء السيد تاج الدين المهدي لأسباب تتعلق بالفساد ! فهذه هي مبادئ رجل السلام علي عثمان الإستنزاف ثم الإحراق ؟ و هذا اليوم ليس ببعيد عنك يا تاج الدين و قد سبقك الكثيرون أمثال عبدالقادر محمد عبدالقادر مدير الهيئة السودانية للمواصفات و المقاييس و السيد عبدالرحيم محمد حسين و أخيرا الطيب مصطفى مدير الهيئة القومية للإتصالات (خال الرئيس البشير) و العقبا لكم .
يا لهول هؤلاء الإنقاذيين إنني أأسف جدا لأن يحكمنا مثل هذا النظام الذي يضع معاييره وفقا لمصالح الأفراد و يفتقد إلي الشفافية التي من المفترض أن تكون أساسا لعلاقته مع شعبه , و لكنني أقول ايضا أننا يجب أن لا نييأس أبدا من الضوء الخافت القادم من قتمة الليل و من الأمل الذي لا ينقشع أبدا طالما هنالك دماء تجري في عروقنا فلنتحد جميعا لمحاربة الفساد و المفسدين و لنكن عادلين في نقدنا و أن نكون شفافين في كتاباتنا حتى ننهض بهذا الوطن الذي أصبح يتآكل كل يوم و نحن ننظر إليه هكذا دون أن نحرك ساكنا , إن لهذا الوطن علينا حق هذا الوطن الذي جمع بين جميع هذه الثقافات و الحضارات و مزج بينها في تناغم موسيقي يذكرنا بقيثارة الراعي و هو يجلس على شجر البادية , يجب أن لا نسمح لمجموعة من الأفراد الأنانيين و الإنتهازيين أن يحطموا هذا الوطن و أدعوا الأخوة أصحاب الأقلام المناضلة الشريفة إلي التطرق إلي مفاسد هذا النظام و تعريته للشعب السوداني حتى يسقط و الله الموفق.
صلاح مكاشفي