الحشد الجماهيري الذي انتظم الساحة الخضراء لاستقبال الدكتور جون قرنق يعد سابقة لم يشهدها السودان منذ استقلاله فلاول مرة يخرج هذا الكم الهائل من السودانيين والذي قدر باكثر من مليون ونصف جاءوا من مختلف انحاء السودان ومن اطراف الخرطوم ليكونوا في استقبال من كان يسمى حتى وقت قريب بالمتمرد المارق قرنق ، والكافر عدو العروبة والاسلام على رأي اركان النظام والمسؤولين عن أجهزة اعلامه وعلى رأي الكثيرين من مثقفي السودان ومتعلميه الذين لم يكلفوا أنفسهم محاولة فهم اطروحاته ورؤيته للسودان الجديد. سودان واحد رغم التعدد والتنوع ولكن على أسس جديدة تنهي الاستعلاء وتزيل التهميش وتضع حدا للظلامات التاريخية التي وقعت على المناطق المهمشة. اسس جديدة تحقق المساواة التامة بين المواطنين والتوزيع العادل للثروة والسلطة.
ستخطئ الحكومة كثيرا اذا ظنت أن هذه الحشود قد خرجت تأييدا" لها لانجازها اتفاقية السلام ، كما ستخطئ الحركة الشعبية اذا ظنت أن كل هذه الحشود قد خرجت تاييدا" للحركة واطروحاتها.
فالقراءة الصحيحة لما حدث في رائي هوأن خروج هذا الحشد يمثل استفتاء على السلام الذي طال انتظاره والذي شكلت عودة الدكتورقرنق اولى الخطوات نحو تنفيذه وهو تعبير عن أمل القوى صاحبة الرغبة والمصلحة الحقيقية في التغيير في أن ترى السلام والاستقرار قد عم ربوع البلاد كما هو تعبير عن الامل في أن تشهد المرحلة القادمة تنمية متوازنة في البلاد تنتهي بها معاناتهم وتتحسن احوالهم المعيشية التي أوصلها النظام الى درجة مريعة اصبح معها اكثر من 90% من السودانين يعيشون تحت خط الفقر.
اتفاق السلام يعني لهؤلاء الحد الفاصل بين ما كان وما سيكون ، فهؤلاء ياملون في أن يصبح السودان بلدا عادلا في توزيع السلطة والثروة ويتساوى فيه الجميع دون تمييز بسبب الدين او العرق او الثقافة. بلدا تنتهي فيه الى الابد كل مظاهر الاستعلاء والهيمنة التي ادت الى تهميش الاقاليم
فجوهر اتفاق السلام يتمثل في انهاء هيمنة المركز وازالة التهميش تحت نظام حكم لا مركزي يعطي الاقاليم أقصى درجات الاستقلالية في ادارة شؤونها بنفسها ويتمثل في التحول الديمقراطي واطلاق الحريات العامة وضمان واحترام حقوق الانسان وفق اعلان الحقوق الذي ورد في الاتفاق وضمن في الدستور الانتقالي.
تمثل عودة قرنق البداية لتحقيق الاتفاقية مما يعني بدء مسيرة الانتقال من الحكم الفردي الاستبدادي الى الحكم الديمقراطي التعددي وهذه المسيرة في الحقيقة معركة شاقة تتطلب من احزابنا أن تكون مستعدة لمجابهة تحدياتها التي سيعتمد بقاء السودان موحدا على قدرة احزابنا في الاستجابة الصحيحة لها.
لقد ان الاوان لكي تدرك احزابنا ان نهضة الوطن تتطلب الالتفاف حول فكرة ملهمة ومقنعة ومرتبطة بحياة الناس وامتلاك رؤية للمستقبل ، وأن الفكر المصحوب بالعمل هو السبيل الوحيد للنهضة والتقدم. المطلوب من احزابنا الاهتمام بالجانب الفكري ووضع البرامج لحل مشاكل السودان وذلك لاستقطاب الجماهير على أساس هده الافكار والبرامج وتوعيتها بقضاياها وحشدها لتصعيد التضال الشعبي للحصول على هذه الحقوق وعلى رأسها تفكيك دولة الحزب الواحد واقامة دولة الجميع الامر الذي يتطلب انهاء الشمولية واطلاق الحريات العامة والغاء كل القوانين المقيدة للحريات. كما أن على احزابنا أن تتجنب اخطاء الماضي وتستعد منذ الان للانخابات العامة سبيلنا الوحيد لازالة نظام الجبهة الاسلامية وانهاء مشروع الهوس الديني الذي جاءت به.
الى القائد سيلفا كير نتقدم بالتعازي والتهنئة باختياره قائدا للحركة ولا شك أنه خير خلف لخير سلف ونأمل أن يسير على درب رفيقه في النضال الذي وهب حياته من أجل اقامة السودان الجديد تاركا لنا فكرا ورؤية ومشروع لا بد من انجازه وأن يعمل على تشكيل حكومة انتقالية تؤمن بالانسان السوداني ، وتؤمن بأن حقوقه يجب أن تكفل ….
حكومة تؤمن بأن دم الانسان السوداني وماله وعرضه حرام وليس كما قال بعض مهووسي النظام : فليمت ثلثي الشعب السوداني ويبقى الثلث الاخر من اجل تطبيق المشروع الحضاري للانقاذ ....
نريد حكومة تؤمن وتعمل على هدى ومبادئ الحكم الرشيد وعلى رأسها الشفافية والمسؤولية والمحاسبة والمؤسسية. حكومة تعمل على تنمية السودان بصورم متوازنة وعلى تلبية الحاجات الضرورية للمواطنين من مأكل وملبس وعلاج وتعليم ومواصلات وفرص عمل وتعطي الأمل لشعبنا الصابر والذي أعطى كثيرا ولم ياخذ شيئا".
الى الاخوة في التجمع الوطني الديمقراطي الذين يفاوضون الحكومة نقول أن البلاد احوج ما تكون الى تحالف سياسي عريض لتحقيق الاصلاح السياسي والاقتصادي والدستوري والاداري ومحاربة الفساد الذي استشرى في كافة أجهزة الدولة ولذلك فعليهم المشاركة في الحكومة اذا ما اقتنعت الحكومة والحركة بان فاجعة مقتل قرنق وما صاحبها من اضطرابات وتوتر تؤكد أن سلامة الوطن ووحدته تتطلب مراجعة الطرفين لانفسهما ومراجعة مواقفهما لجعل الاتفاق شاملا والمشاركة مع الاخرين في اعداد مشروع وطني جامع لاخراج البلاد من الازمة التي باتت تهدد بقاء الوطن نفسه.
أما اذا اصر النظام على الاستمرار في اساليب المناورات والكيد السياسي ومحاولات تهميش القوى السياسية صاحبة الثقل الجماهيري فعلى التجمع عدم الاستسلام للواقع الذي تحاول الحكومة فرضه وعليهم الانسحاب من المفاوضات واعلان موقف التجمع بالوقوف في المعارضة والعمل على تحقيق مطالب الشعب السوداني وعلى رأسها التحول الديمقراطي والحريات العامة وقومية اجهزة الدولة والمفوضيات كمفوضية الدستور والانتخابات
وحقوق الانسان
ان الملايين التي خرجت لاستقبال الراحل قرنق تمثل شارعا سياسيا معارضا للانقاذ ومؤيدا للتجمع الوطني الديمقراطي واطروحاته وواجب التجمع تنظيم قواعده واستخدام هذا الشارع لتصعيد النضال السلمي لضمان تنفيذ اتفاق السلام وتحقيق التحول الديمقراطي فقوة التجمع انما تكمن في جماهيره وحتى الان لم يحدث تنظيم لهذه الجماهير. وواجبنا الان تنظيم قواعدنا واستخدام كل الوسائل السلمية المتاحة كالمذكرات والمظاهرات والمسيرات السلمية والاعتصام وفي نفس الوقت علينا تنظيم احزابنا على اسس من الديمقراطية والمؤسسية استعدادا للانتخابات لانهاء نظام الجبهة الاسلامية ومن الله التوفيق.
ملحوظة: بدأت في كتابة هذا المقال عن الاستقبال في الساحة الخضراء ولكن شاءت الاقدار أن يغيب عنا الدكتور قرنق بعد ذلك بقليل تاركا فراغا" كبيرا وحالة من الذهول والحزن والارتباك والاحباط ولكننا ووفاء للرجل ومبادئه سنتغلب على حزننا ونعمل على تحقيق حلمه الذي أفنى حياته من أجله مشروع السودان الجديد