رجال من دارفور ... الوفاء بالعهد

بسم الله الرحمن الرحيم

قال تعالى ( والعصر إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ) صدق الله العظيم .

الناظر عيسى دبكه وإبراهيم موسى مادبو ناظرا قبيلتي الرزيقات وبنى هلبه عرفا بالحكمة ورجاحة العقل والورع والتقوى والإنصاف في ديارهم وبين أهليهم وما جاورهم من القبائل والديار ، فهم من رجالات الدولة وزعماء العشائر في دارفور ، كانا مثالا للعفة والتعايش السلمي ، فقد كانت بينهم صداقة ومودة وحميمية علاوة على الجيرة والصلة الرحمية التي تربط فيما بينهما من علائق مسؤولة ومتينة .

يروى أنه في مرة من المرات سرقت أبقار من دار الرزيقات بكميات كبيرة وتضرر أصحابها وتظلموا لدى ناظرهم مادبو ، فما كان منه إلا أن دعا العمد والمشايخ للمشورة في هذا الأمر الكبير في دياره والتي من المفترض عليه حمايتها ، فحدد موعدا وطلب من معاونيه وقاصي الأثر البحث عن هذه الأبقار وأن يأتيه خبرهن خلال ثلاثة أيام فقط ، وبدأ البحث عن الأبقار يمينا وشمالا وأخيرا وقبل أن ينقضي الميعاد المحدد جاءه الخبر بأن الأبقار دخلت دار بنى هلبة وقد تحمس من تحمس لدخولها بغية الأبقار ، فما كان منه إلا أن طلب من معاونيه الرجوع إليه بعد التأكد من أنها فعلا دخلت هنالك والعودة إلى الضعين عاصمته التليدة على الفور .

ومن ثم أرسل خطابا إلى ناظر عموم بنى هلبة مفاده :
الأخ الكريم الناظر عيسى دبكه ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. عندك خارجين شالوا بار أهلي ودخلوا بها دارك .. الشورى شورتك والرأي رأيك وتقبل سلام أهل الضعين .. أخوك الناظر إبراهيم موسى مادبو .

فما كان من الناظر عيسى دبكة الا أن رد تلك الرسالة بآلاتي :
الأخ المحترم الناظر براهيم مادبو ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... خطابك وصل وشرحه صار معلوم لدينا ... إن شاء الله يا عبد الله بعد أسبوع واحد فقط تصلك الأ بقار والمعتدين ... إن عاقبتهم فذلك شأنك وذاك جزاءهم وإن تعفوا وتصفح فهم أهلك ورعيتك .. الشورى شورتك والرأي رأيك وتقبلوا سلام الأهل ... أخوك الناظر عيسى دبكه .
على الفور دعا دبكه عمده ومشايخه وطلب منهم أن يأتوه بأصحاب الفعلة النكراء خلال خمسة أيام فقط ، وبدأ البحث وفى اليوم الرابع جاءه خبرا به براهين ذلك انهم لم يجدوا أثرا للأبقار لكن في سوق من الأسواق فلان ول فلان ومعاه خمسة من الجماعة ذبحوا ثورين ووزعوا لحومها كرامة لأهل ذلك السوق وشربوا الناس كلهم شاى على حسابهم ، فما كان منه إلا أن طلب أن يأتوا بهم أليه فاعترف الجناة بفعلتهم تلك وبعد التأكد من ذلك أمر بأن يغرم كل من أكل لحما من تلك الثيران أن يدفع ثورين ومن شرب كوبا من الشاى عجلة رباع كعقاب لأهل ذلك السوق لعدم إبلاغه بما دار فيه و ما حدث فيه من حدث غير مألوف ذلك اليوم ، حتى إذا ما حدث مثل ذلك مستقبلا تجى جارى جرى مبلغا دون أن تأكل شيئا يصيبك منه مثل ما أصاب الربع من أهل ذلك السوق ... أبوك يا الهادى الصعب القبيل تبراه الشعبة والجنزير .. فرسه حدية وعروسه بنية سمح المال السيدا ما بيابا بيه .. وبذلك وصلت الأبقار وسارقيها إلى الناظر مادبو فى الميعاد المحدد .

حي الوادي بمدينة نيالا حي عريق يضم أهل نيالا الأصليين تحديدا يمتد من البيطرى الغربي سابقا مباني الموظفين جوار القيادة العامة الحالية إلى البيطري شرقا ، حيث أنه قبل أن يصير بوضعه الحالي ألان كانت أرضه مضارب لقبيلة بنى هلبة وبعضا من الرزيقات أقاموا عليه فرقانهم وترعى فيه قطعانهم حيث كانوا يمدون نيالا في بداية نشأتها بالألبان واللحوم ، وعندما تدفق إليها التجار وموظفي الدولة وكلهم من أبناء النيل حيينها ، سعوا في أن يحولوا بنى هلبة من هذا المكان ضفة وادي ود برلى الشهير شمالا إلى أماكن أخرى ويكون هذا المكان سكنا لهم حتى ينعموا بالهواء الطلق والعيش فيه حيث أن هذا الشاطئ يشابه بيئة النيل ولا يختلف عنه كثيرا ليطفئ مابهم من شوق وحنين ، ودخلوا مع بنى هلبة في صراع كاد أن يخلق فتنة كبرى ، مما دعى الحاكم في ذاك الوقت من دعوة النظار وزعماء العشائر والموظفين والتجار للنظر في هذا الموضوع والبت فيه ، فما كان من الناظر إبراهيم مادبو إلا أن يجرى حوارا ومشورة مع الناظر عيسى دبكة أن يرضى بترحيل أهله جنوبا على الضفة الأخرى من الوادي ومن معه من الرزيقات الذين رفضوا ذلك ونشقوا شمالا ، وافق الناظر عيسى دبكه بترحيل أهله واشترط أن يكون هذا المكان لأهل نيالا الأساسيين حتى يكونون قريبين من مورد الماء ويستطيعون الوصول إلى المركز مشيا على الأقدام وعلى التجار والموظفين أن يعمروا ذلك المكان الجديد ( حي السينما ) حاليا لما لهم من مقدرة وإمكانيات في تعمير تلك الأرض التي أعدوها لهؤلاء حيث أن الدولة ترحلهم والتجار يمتلكون السيارات ويستطيعون ذلك ووافق الحاكم على ذلك بشرط أن يكون حي الوادي لكل أهل نيالا ، وطلب من بنى هلبه التحول إلى الضفة الثانية جنوب الوادي فما كان من بنى هلبة إلا أن يسموا أحيائهم جنوب الوادي ( كوريا وتكساس ) الحاليتين نتيجة للغضب يعنون بذلك من أرادهم بسوء فليأت إليهم والوادي حد فاصل وذلك بإحدى عباراتهم المعهودة عندهم ( طق جرب ) ومن أحيائهم أيضا جنوب كوريا حي الحمرة أم دم جوار مقر إذاعة نيالا الحالية .
نتيجة لذلك كان حي الوادي النواة الأولى لمدينة نيالا ويحوى بداخله ويضم كل قبائل دارفور ( بنى هلبة ، الرزيقات ، الفور، الهبانية ، البرنو ، التعايشة ، الفلاته ، الهبانية ، البرقو ، السلامات ، القمر ، المعالية ،الحوطية ، المساليت وكل ناس نيالا الطيبين فى حى الوادي ) بدليل أن منازل النظار وزعماء العشائر واعيان نيالا فى هذا الحي العريق مثال ( وكيل عموم نظارة بنى هلبة ، الناظر محمود مادبو ، اليمنقاى آدم تيمة ، الناظر على الغالي ، عمدة البرقو إبراهيم أبو سعديه ، ضامن الفلاتا زكريا أبو القاسم ، شيخ البرنو أبو أيسا ، عمدة الحوطية احمد طويل ، شيخ الهوسا يعقوب أحمد وضامن التعايشة الكبرو وكثيرين غيرهم ) مما اغضب ذلك التجار وفى تحد قوى وواضح أقاموا حيا راقيا بالطوب والأسمنت ( حي السينما ) حاليا مما جعل الناس في حي الوادي أن يطلقوا عليه ( حي رجال بانو ) وذلك لتخطيطه وجماله الأخاذ وتسهيلاته الهائلة .

بذلك يكون لهؤلاء الشيخين القائدين الجليلين يدا بيضاء في إقامة وتثبيت حي الوادي لأهله كما ساهموا فى تعمير مدينة نيالا العاصمة الثانية لولايات دارفور الكبرى بإضافة أحياء جديده . حيث ما مات إبن آدم وانقطع من هذه الدنيا إلا من ثلاث الأولي فعلتهم تلك والثانية روايتي هذه فأنا منهم واليهم نسأل الله لهم الرحمة والمغفرة إنه هو الغفور الرحيم .

تلك بعض من مآثر أجدادنا وآباؤنا علهم عاشوا حتى يجدوا لنا مخرجا مما نحن فيه اليوم من تناطح وصراع لا يخدم غرض بين أبنائهم تضررت منه دارفور واهلها من ذبح وتشرد وعدم تنمية وحب للذات ، بينما كل السودان العظيم وأهله يتنادون للسلام .. اللهم أنت السلام ومنك السلام ونسألك لدارفور وأهلها السلام والاستقرار ولكل السودان وأهله الطمأنينة والاعتدال أنت نعم المولى ونعم النصير .

آدم محمد إسماعيل الهلباوى