تحليلات اخبارية من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

سلفاكير من الغابة إلى القصر بقلم طه يوسف حسن جنيف – سويسرا

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
8/19/2005 1:54 م

من مفارقات القدر أن يرحل الزعيم الجنوبي القوي جون قر نق بعد فترة وجيزة من الدخول في عملية تطبيق اتفاقات نيفاشا للسلام، وقبل أيام معدودة من إعلان أول حكومة سودانية تشارك فيها الحركة الشعبية لتحرير السودان لتمهد لمراسم زواج فكري وسياسي بين الشمال والجنوب . هذه المفارقة القدرية البحتة ترجّـح نظريا حدوث الكثير من الصعوبات أمام تطبيق اتفاقات نيفاشا، التي هي مليئة بالتفاصيل والموازنات والترتيبات والجداول الزمنية في كل المجالات تقريبا، وتحتاج مزيجا من الثقة بين قيادات الشمال والجنوب، والتنازلات المتبادلة، والقدرة العالية للتوصل إلى حلول وسط، إضافة إلى خطة عمل مشتركة لجذب تأييد المواطنين في ربوع البلاد المختلفة لمبدأ السودان الواحد لكل مواطنيه، حسب ما تنص الاتفاقيات نفسها.

ولكن عملياً قد يبدو الأمر مختلفاً لأن نفس الرجل الذي وقع اتفاقية نيفاشا وسهر على تفاصيلها وشهد حلوها ومرها هو سلفا كير الذي أصبح بمرسوم جمهوري خليفة قر نق في الشمال وبمفهوم عرف الحركة الشعبية خليفة قر نق في الجنوب وبالتالي سيكون هضم الرجل كل تفاصيل الاتفاقية حواشيها ومتونها بنودها وبروتكولاتها هذا بجانب فهمه العميق لشخصية الراحل المقيم د- جون قر نق إضافة إلى شخصيته التي ستدفع بكل هذه الكاريزما إلى إدارة دفة مؤسسة الرئاسة بالتعاون مع الرئيس ونائبه الثاني و إدارة حكومة الجنوب في آن واحد بحنكة ودراية. ومن المبكر أن يصف البعض سلفا كير بأن شخصيته تتمحور خبرتها على الشؤون العسكرية والميدانية وإن كان الأمر هكذا فهو شئ إيجابي يصب في خانة الجنوب الذي يحتاج في الوقت الحاضر إلى قيادة عسكرية أكثر منها سياسية لحسم ملفات أكثر أهمية مثل قضية جيش الربLORD الذي لازال يسرح ويمرح في جنوب السودان وهو ينتمي إلى قبيلة الأشولي وهي قبيلة سودانية أوغندية مشتركة و الجيش الأوغندي الذي رفع الحرج منذ سنين بينه وبين الحدود السودانية المتاخمة لجنوب السودان يدخل بحجة أنه يطارد جيش الرب وعندما يصيبه الإعياء والفتور يخرج على أمل أن يعود في القريب العاجل وهو يعتبر جيش موازي لجيش الحركة الشعبية في الجنوب و الشخصية العسكرية التي وصف البعض بها سلفاكير كونتها مرحلة حتمية هي مرحلة الحرب وربما تدغدغ مرحلة السلام جوانب إيجابية أخرى أخفتها الحرب اللعينة في شخصية سلفاكير و السياسة هي فن الممكن ولا أحد يجروء أن يقول أنها فن الحقيقة وبناء عليه فإن الممكن قابل للمتغيرات و ربما ينتصر القصر الجمهوري على الغابة بحيث يطل علينا الفريق سلفا كير بسياسات حكيمة و خيارات تجعل من الوحدة الحل الأكثر جاذبية وها هو قد فعل عندما أعلن توسيع ماعون الحكم ليسع نفير التجمع وعير الحركة الشعبية حتى الصادق المهدي الذي مضى عليه زمان وهو يغرد خارج السرب أصابته الدعوة للمشاركة في مائدة الحكم. وبالرغم من الهواجس المشروعة التي قد تنتاب قيادات سياسية شمالية، تجاه الزعيم الجنوبي سلفاكير بشأن وحدة السودان نفسها، فقد اتفق الجميع على أنه المؤهل في ظل تلك الظروف أن يقوم بدور إيجابي في التمسك بالاتفاقيات باعتبارها الأمل الوحيد الملموس لإحداث تغييرات هيكلية في بنية السودان ككل وترتيب البيت الجنوبي وذلك بحكم احترامه للمؤسسية والتي برزت في تعينه لرياك مشار خليفة له.

وبالرغم من شخصية قر نق القيادية وتاريخه في تجسيد هموم وتطلعات الجنوبيين نحو تحسين أوضاعهم فقد رأوا فيه منقذهم من أوضاع مُـزرية، تاريخيا وواقعيا.نجد أن الأجنحة السياسية الجنوبية لم تختلف على زعامة سلفاكير ، وكان من الممكن أن يحدث غياب قر نق المفاجئ أحد أسوأ المشاهد الممكنة، هو أن يصبح الانفصال حقيقة حتمية حتى قبل أن تأخذ عملية السلام مجراها، و لكن الذي حدث هو أفضل تلك المشاهد، هو أن تعاون القائد الجديد للحركة مع الحكومة تعاونا صادقا من أجل بناء سودان جديد ، حسب الشعار الذي كان يفضله الراحل جون قر نق و هذا المسار قد بدأ بالفعل ابتداءاً من الانتقال السلس لرئاسة الحركة الشعبية و مروراً برئاسة حكومة الجنوب و وانتهاءاً بالمراسيم الدستورية لانضمام سلفاكير لمؤسسة الرئاسة .

والحق، أن المشاهد الأكثر إيجابية وفعالية في ضمان تطبيق اتفاقيات نيفاشا هي علاقة الناس العفوية، سواء في الجنوب أو في الشمال، و إشاعة السلام الاجتماعي وإمكانية قبول الطرفين لبعضهم البعض وتبدو مؤشرات هذه المشاهد العفوية إيجابية من خلال العنف المضاد الذي حدث في العاصمة الخرطوم، و سرعان ما أخمدت نيرانه مما يؤكد استفتائياً أن خيار الوحدة ممكن ولكن يحتاج إلى شئ من الصبر و المصابرة و التحركات العفوية المضادة لمعنى التعايش السلمي بين الشماليين والجنوبيين تطرح بدورها قضية التعايش والتعبئة الشعبية الخاطئة التي مورست في سنوات الحرب والآن يتطلب تطبيق سياسة إعلامية جديدة، لكل أطراف اتفاقيات نيفاشا، تؤكد على معنى التعايش السلمي وتعمل على تفريغ الشحنات المضادة لقضية الوحدة ،

و الأيام والسنين كفيلة بإعادة إحياء الأمل في النفوس عبر التمسك بكل شفافية ممكنة باتفاقيات نيفاشا، والاستمرار في إجراءاتها العملية. وهي عملية تتطلب تعاونا وثيقا بين الحكومة وبين القيادة الجديدة للحركة الشعبية. و هناك رهانات كثيرة بالنسبة لعملية السلام ولكن غير أن أحد الرهانات يذهب إلى ترجيح أن يتمكن سيلفا كير بحكم منصبه الدستوري كنائب أول لرئيس الجمهورية، ورئيس لحكومة الجنوب، ورئيس جيش الحركة الشعبية، وأيضا بحكم علاقاته الميدانية مع قيادات قبلية جنوبية، سواء من الدينكا أو الشلك أو النوير، وبحكم الدعم الذي يُـفترض أن تقدمه الحكومة المركزية في الخرطوم إلى قيادته، وكذلك بحكم الدعم السياسي الذي ستقدمه أطراف دولية، على رأسها الولايات المتحدة والدول الأوروبية، أن يقيم نوعا من التحالف الجنوبي العريض الذي يسهم في تطبيق اتفاقية نيفاشا بقدر أكبر من السهولة.

وهنا، يمكن النظر إلى أن افتقاره إلى خبرات المراوغة السياسية التي كان يتمتع بها جون قر نق، قد تكون عاملا مساعدا في التزامه الحرفي باتفاقيات نيفاشا .ولا يخلو رحيل قر نق المفاجئ من إشكاليات بالنسبة لحكومة الخرطوم أيضا، والتي عرفت طريقة تفكير قر نق وأسلوبه في العمل السياسي والعسكري، وكانت تراهن على أن فترة التفاوض قد أثمرت قدرا من الثقة المتبادلة معه، وأن قيادته الطاغية كفيلة بأن تيسر الوصول إلى حلول وسط للعديد من المشكلات التطبيقية المتصورة والمنتظرة بالفعل، وهي اعتبارات غائبة تماما بالنسبة للتعامل مع شخصية سيلفا كير، والتي تفرض التطورات، التعامل الشخصي معه من نقطة الصفر تقريبا. وربما كان عامل الخلفية العسكرية لكل من الرئيس عمر البشير ونائبه الجنوبي الجديد كير، عامل مساعد في تحقيق تواصل إيجابي يُـسهم بدوره في تجاوز المعوّقات المنتظرة.

__________________________________________________

للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved