تحليلات اخبارية من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

أثر المسلمات السياسية في الطرح السياسي (قراءة في مقال اسامة خلف الله عن محمد إبراهيم نُقُد) بقلم الوليد مبارك إبراهيم

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
8/16/2005 4:56 ص

واحدة من أشهر إشكاليات السودانيين في تعاطيهم للسياسة و ممارستهم لما يعتقدون أنه التحليل السياسي هي الإرتكاز على مجموعة من المسلمات السياسية و الإجتماعية للخلوص إلى إستنباطات و إستنتاجات هي أقرب إلى الخواطر الفطيرة المجافية للموضوعية منها إلى التحليل السياسي الرصين .. ذلك أن معظم المسلمات السياسية و الإجتماعية في حياتنا غالباً ما تنطلق من فرضيات خاطئة أصلاً و لكنها بفعل الزمن و الترديد المغرض و الإعلام الجهوي الأيديولوجي في الترويج لها تتحول إلى حقائق ثابتة غير خاضعة للنقاش و تكتسب هالة من القداسة السياسية تجعل من الصعب إن لم يكن من العبث وضعها موضع تساؤل أو إعادة نظر .. وقد وجدت في مقالة الأستاذ أسامة خلف الله بعنوان "محمد إبراهيم نُقد..وفشل إستراتيجية التغيير عن طريق الإختفاء" نموذجاً كلاسيكياً لإبراز كيفية إستخدام المسلمات دون بذل أي جهد للنظر في إمكانية خطلها باعتبارها قناعات راسخة لإنتاج خطاب سياسي هش البنية ..

و مقالة الأستاذ أسامة و إن جاءت غير مبرأة من الغرض السياسي ذي الأيديولوجية المعادية للماركسية إلا أنها تمثل معيناً لا ينضب لنا في محاولتنا إزالة هالة القداسة من المسلمات السياسية ذات الفرضيات الخاطئة كأداة من أدوات التحليل السياسي درج على إستعمالها متعاطي السياسة .. و الواقع أن المقال على مستوى البنية

مشحون بمثل هذه الفرضيات لدرجة تجعل من غير الممكن تناولها كلها في معرض ردِّنا هذا .. إلا أننا سنحاول على قد المستطاع أن نركز على تلك التي لها علاقة مباشرة بموضوع المقال باقتباس بعض الـ .. Quotes ثم التعليق عليها .. المقال يحتوي أيضاً على كثير من المعلومات المغلوطة قد تكون أدرجت سهواً .. لكن سياق المقال يوحي بأنها أدرجت مع سبق الإصرار لخدمة الغرض الأيديولوجي للكاتب في رسم صورة أكثر دراماتيكية لما يريد أصلاً تصويره .. فذكر أن ستالين مثلاً كان في القرن التاسع عشر رغم أنه كان رئيساً للإتحاد السوفييتي إبان الحرب العالمية الثانية بل إن الثورة البلشفية نفسها قامت في نهاية العقد الثاني من القرن العشرين كان القصد منه في تقديري إعطاء صورة دراماتيكية عن عمق الهوّة التي تفصل بين أفكار ستالين و بين ما يتصورها الأستاذ أسامة أنها أفكار ستالينية يؤمن بها نُقُد اليوم .. إذ أنه كلما كبرت الهوّة بين اليوم و الزمن الذي عاش فيه ستالين كلما زاد ما يتصوره الأستاذ أسامة أنه غبار القدم المتصاعد من فم نُقُد .. و عندما يذكر الكاتب أن النظام الماركسي لم ينجح في إنقاذ سبعة غواصين من البحر رغم أن الحادث كان غرق غواصة نووية على متنها طاقمها فإنه يغفل ذكر الغواصة النووية عمداً للإيحاء بأن دولة عظمى كالإتحاد السوفييتي عجزت عن إنقاذ غواصين من البحر رغم الفرق الشاسع طبعاً بين إنقاذ غواصة نووية و إنقاذ غواصين .. و لكن المقصود هنا مرة أخرى هو إعطاء صورة دراماتيكية عن عجز دولة بحجم الإتحاد السوفييتي عن إنقاذ غواصين و ذلك عن طريق التقليل من صعوبة المهمة مع التركيز على قدرة الدولة .. كما يُرجى ملاحظة الزج بتعبير النظام الماركسي عوضاً عن الإتحاد السوفييتي رغم أنه لا علاقة للماركسية كفكر بإنقاذ البحارة من عمق البحر ..

لننظر مثلاً إلى الإقتباس التالي كمثال للإستناد على المسلمات الخاطئة .. يقول الأستاذ أسامة Quote.. (تخيلو أن النظام الماركسى قد طُبق ، وصودت الملكيات الفردية لصالح الدولة أو أٌممت وطبقنا النظام الشمولى (مثل الذى نعيشة الآن) وتبّعنا أجهزة الاعلام للدولة وحٌكمنا بحزب واحد هو الحزب الشيوعى السودانى) فهنا الأستاذ أسامة يعتقد أن تطبيق الماركسية يعني:

مصادرة الملكيات الفردية و تأميمها
تطبيق النظام الشمولي و حكم الحزب الواحد
تبعية أجهزة الإعلام للدولة
هذه هي المسلمات التي قادته إلى الخلوص إلى النتيجة النهائية التي يريدها و المتمثلة في .. Quote (إذاَ النتيجة واضحة فانظروا الى ما أوصلنا إلية النظام الشمولى الآن مع فارق أن النظام الحالى تبنى السلوك الرأسمالى وترك القطاع العام يذهب الى سلة القمامة) و هكذا في غمرة اللهفة للوصول إلى النتيجة التي توافق هوى النفس و ليس بالضرورة النتيجة المنطقية ، يستند الأستاذ أسامة في مقولاته على الفرضيات السطحية و الفطيرة التي تختزل الفكر الماركسي كأداة لتحليل الواقع و التاريخ و كمرشد للنضال الجماهيري و النظرية الإشتراكية كمشروع للتغيير الإقتصادي و الإجتماعي و الثقافي في هذه المسلمات الآنفة الذكر ..

مثال آخرعلى الإنطلاق من الفرضيات الخاطئة يتجسد في هذا الـ ..Quote (والشئ المحير فى شخصية السيد نٌقد ليس دعاويه التى تشبه دعاوى السلفية النصوصية التى توعدنا بأن شأننا سينصلح إذا أطلقنا اللحى وامسكنا بالمسواك. ...ولكن قصص إختفائه الارسين لوبونية فى زمن الحارة) و هو هنا يستند على فرضية هي قمة في السذاجة السياسية و هي أن مواجهة الأنظمة القمعية و الديكتاتوريات سياسياً تتم على طريقة مواجهة الأنصار بأسلحتهم البيضاء لمدافع جيش كيتشنر في كرري كبرهان على الشجاعة و الثبات .. و هو منطق يحتوي على خطل كبير في مفهوم النضال السياسي في مواجهة الديكتاتوريات و تسطيح لمعاني البسالة و الصمود .. فالتضحيات التي قدمها الحزب على مدى السنين الماضية من إستشهاد و سجون و منافي و تشريد غير كافية في معيار الأستاذ أسامة للشجاعة ما دام كل الحزب عنده مختزلاً في شخص نُقُد .. فإن غاب نُقُد عن ما يعتبره الأستاذ أسامة ساحة النضال قُتل نضال الحزب الشيوعي و إن إختفى نُقُد تحول الحزب إلى حزب متفرجين لا صانعي أحداث .. إن النضال السياسي عملية أكثر تعقيداً من أن يتم النظر إليها عبر منظار المفهوم التقليدي للرجولة و الإقدام الشخصيين رغم أن إرث الحزب الشيوعي في هذا المضمار مسطر في التاريخ بأحرف من نور .. و لنا أن نحيل الأستاذ أسامة إلى ذلك التاريخ القريب المرتوي من دماء قيادات هذا الحزب الذين زلزلوا بالثبات وقار المشانق و عندما واجهت صدورهم فوهات المدافع أذهلوا جلاديهم قبل أن يذهلو العالم .. إن غمز الأستاذ أسامة باختفاء نُقُد في وقت الحارّة كما عبّر ينطوي على إتهام له بالجبن و التخاذل و النكوص و هو إتهام يحتوي بدوره على الكثير من التسطيح و القليل جداً من عمق التناول لدور نُقُد كسكرتير للحزب الشيوعي في هذه المرحلة .. و تصوير الأستاذ أسامة بأن كل ما كان يفعله نُقُد إبان فترة إختفائه هو قراءة الجرائد و مشاهدة الفضائيات أكل الخضر و الفاكهة لهو تصوير بائس من إنتاج خيال يفتقر للخصوبة و يمسك الغرض السياسي بتلابيبه ..

ثم أن هناك أيضاً واحدة من المسلمات السياسية التي ترسخت في دهاليز السياسة السودانية بفعل سيطرة القوى المعادية للماركسية على مقاليد الأمور حتى يومنا هذا و هي أن الديموقراطية ليست قناعة راسخة لدى الحزب الشيوعي أو في الفكر الماركسي عموماً .. و عادةً ما يُستَدل على ذلك بعلاقة الحزب الشيوعي بانقلاب مايو و حركة يوليو 71 .. و انطلاق الأستاذ أسامة من هذه الفرضية يشير إلى إستقائه لمعلوماته عن الماركسية و الحزب الشيوعي من مصادر معادية و هو خطأ شائع يقع فيه معظم السياسيين و لنا أن نحيل الأستاذ أسامة إلى بعض الروابط في نهاية هذا المقال و بها سيجد القليل المثير من إسهامات بعض المفكرين الماركسيين و الحزب الشيوعي السوداني علها تساعده على إعادة النظر في مسلماته السياسية .. كما نحيله إلى مفهوم الحزب للديموقراطية في أدبيات الحزب و في برنامجه الوطني الديموقراطي و الذي يدعو لتكوين تحالف عريض من مختلف طبقات الشعب و فئاته من عمال و مزارعين و موظفين و طلاب و برجوازية صغيرة و رأسمالية وطنية .. لكلٍّ دوره في إنجاز مهام مرحلة الثورة الوطنية الديموقراطية .. أما الإستشهاد على معاداة الحزب للديموقراطية بمساندته لإنقلاب مايو و حركة يوليو 71 فهو من قبيل الحجج التي استهلكتها أروقة السياسة السودانية .. و يحتاج الأخ أسامة للإطلاع على تقييم الحزب الشيوعي لفترتي مايو و يوليو و علاقته بهما و موقف الحزب من الإنقلابات العسكرية و تقييمه لها ثم وقائع محاكمات قادة يوليو و زعامات الحزب بعد اندحار الحركة و على وجه الخصوص وقائع محاكمة الشهيد عبد الخالق محجوب كما شهدها أحد الصحافيين السودانيين و هو الأستاذ حسن إدريس ..

أما انتقاد الأستاذ أسامة لبقاء قيادات الحزب منذ السبعينات دون تغيير فالأستاذ يعلم أن تداول القيادة أو السلطة لأي كيان مؤسسي يتم وفقاً للوائح و النظم الخاصة بتلك المؤسسة و ليس متروكاً لأهواء و نزوات الأفراد .. كما أنه مرهون بالظروف السياسية و الإجتماعية السائدة .. و المعروف أن أمر القيادة تحسمه أعلى سلطة في الحزب و هي المؤتمر العام .. فكيف يمكن لحزب كالشيوعي عانى ما عانى من البطش و التنكيل و تصفية القيادات و الكوادر في ظل ظروف العمل السري و غياب الديموقراطية و الكوادر في السجون و المنافي أن يعبئ قواعده و يحشد عضويته و يعقد مؤتمراته .. إن تغيير القيادات لا يتم لمجرد الرغبة في التغيير و إنما هناك عوامل موضوعية لا بد من توفرها .. فليس التغيير هدفاً في حد ذاته و إنما هو ترتيب تنظيمي له شروطه و متطلباته .. و الأستاذ أسامة إستشهد في مقاله بفخر النضال الوطني مانديلا .. لكنه لم يقل لنا لماذا استمر مانديلا في قيادة النضال الوطني ما يربو على الأربعين عاماً دون أن يطالب أحد بتغييره و استبداله بوجوه جديدة .. لقد تنحى مانديلا من القيادة بمحض إرادته بعد أن توج نضاله بانتهاء نظام الفصل العنصري و استعادت جماهيره السوداء كل حقوقها المدنية و السياسية ..

إن قيادة حزب كالحزب الشيوعي السوداني في ظل الظروف الماضية و الحالية لهو تكليف باهظ الثمن وخيم العواقب تدفعه القيادات من عمرها و زهرات شبابها بل و أحياناً حياتها .. ليس في قيادة الحزب الشيوعي السوداني ما يغري بالتشبث بها سوى الإلتزام بقضايا الوطن و الإيمان بحق الغلابة في الحياة الحرة الكريمة .. فلا طموح لكراسي الحكم و لا بريق للسلطة .. ليس للحزب الشيوعي أملاك و لا أطيان تنعم بها قيادته .. و لا

قاعدة جماهيرية تدين له بالولاء الطائفي و الطاعة و دفع الأتاوات و الجبايات من الكادحين و الغلابة حتى يمكن القول بأن قيادته تغرق في النعيم و تعض على مناصبها بالنواجذ .. لم تجنِ قيادات الحزب سوى البطش و القهر و السجون و المقاصل و المنافي على عكس قيادات الأحزاب الأخرى التي عاشت في نعيم أديمه مفروش من ظهور البسطاء و الفقراء و سلسبيله تتغذي روافده على دمائهم ..

إن نقد الحزب الشيوعي لهو أمر مشروع .. بل هو واجب كل مواطن سوداني متى ما تنزه عن الغرض الحزبي .. و الحزب الشيوعي ينظر إلى النقد الذاتي كممارسة أصيلة موقعها القلب في جسد مشروع النضال الوطني و لقد قدم الحزب الشيوعي كشف حساب بأخطائه التي وقع فيها و تلك التي حسبت عليه في مسيرته النضالية و لم يكن أبداً كبيراً على الإقرار بالخطأ و أكد على أنه حزب يتعلم من أخطائه و تجاربه و من معلمه الأكبر .. الشعب السوداني .. و على قاعدة الإرث النضالي لهذا الشعب يبني الحزب إرثه النضالي .. و للأخ الأستاذ أسامة أن يطلع على آخر ما نشره الحزب في نقده لتجربته و هي وثيقة الأستاذ التيجاني الطيب التي أبرزت أهم عثرات الحزب و تقييمه لها و شرح السياق السياسي و التاريخي المحايث لها ..

بعض من الروابط ذات الصلة ..

شاهدتهم يحاكمون عبد الخالق محجوب

http://www.rayaam.net/22004/07/20/syasia/syasa5.htm

حول نظرية الثورة السودانية ( 2) الشيوعيون السودانيون وقضية الديمقراطية

http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=38166

كيف حاصر الجمود أطروحات ماركس وأنجلز عن الاشتراكية؟ (محمد إبراهيم نقد)

http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?t=4&aid=587

الوليد مبارك إبراهيم ..

BROOKLYN

NEW YORK

للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved