بسم الله الرحمن الرحيم
رؤية حول المشاركة الاهلية فى انجاح عملية السلام
د.محمد يوسف ابوحريرة
رئيس المنظمة السودانية للتنمية وبناء الامة
مقدمة:
منطلق هذه المذكرة الفكرى والمنهجى هواطروحة بحث فى اسباب واخفاقات معظم شعوب العالم الثالث فى تحقيق الاستقرار والتنمية والتماسك والتكامل الاجتماعى اسوة بشعوب ودول العالم المتقدم .
انتهى البحث الى ان ما انجزته شعوب العالم الأول يعود – ضمن اسباب اخرى – الى استمرارية تجريب شعوبها وحكوماتها فى كافة فروع المعرفة وتطبيقاتها حتى تراكمت انجازاتها المعرفية وما ترتب عليها دون انقطاع على التتابع الزمنى وبالعقلانية التى نتجت عن تلك المشاركة الشاملة .
يقابل انجاز العالم الاول اخفاق وتراجع معظم شعوب ودول العالم الثالث فى تحقيق ما انجزته دول العالم الاول . وقد عزت الدراسة ذلك الاخفاق والتراجع الى اقصاء كافة شعوب العالم الثالث عن تولى اداء مهام ادارة شأنها العام او المشاركه فيها ابان فترات الحكم الاجنبى ، واستمراراقصاء الشعوب عن الاسهام والمشاركة فى الفترات التى اعقبت الحكم الاجنبى. وبالتالى ادى غياب هذه المشاركة خلال الحكم الاجنبى وبعده الى اعاقة المجتمع الذى تنشأ الحكومات من افراده فى اكتساب المعارف والخبرات التى تتولد من تجريب ادارة الشأن العام واحداث التماسك والتكامل الاجتماعى الذى تنشأ وتقوى اواصره من اداء انشطة المنافع المشتركة .
وفاقم ذلك غياب وعى القيادات السياسية والنخب بهذه الاعاقات وضرورة السعى لمعالجتها وانصرافها عوضا عن ذلك الى صياغة خطابها ومخاطبتها بلغة الحداثة والعقلانية دون الالتفات الى مضامينها وتطبيقاتها العملية لإعتماد تلك القيادات على الولاء التقليدى للوصول الى السلطه او غصبها قسرا . بهذا ضاعت امانى واحلام معظم شعوب العالم الثالث بالتنمية والامن والاستقرار والعدالة الاجتماعية منذ استقلالها .
وهنالك قله من هذه الدول اتيحت لها فرصة القيادات الملهمه التى خرجت بها من واقع الدول المتخلفة وارتقت بشعوبها ودولها الى مصاف العالم الاول لانها اعملت الفكر والتخطيط بعقلانية لما تريد وخططت وسائل ومنهجيات تنفيذه واعدت بتدقيق محكم فرق التنفيذ المؤهله لذلك على جميع المستويات وادامت الرقابه على ادئها ودعمه.
مرحلة الوعد بتحقق الحلم:
تجدد بتوقيع اتفاقية السلام امل عريض فى نفوس معظم افراد الشعب السودانى فى تحقيق امانيهم الاثيرة منذ الاستقلال فى الوحدة والتنمية والاستقرار وتأسيس واستدامة النظام الديمقراطى والعدالة الاجتماعية ، وتعزز كل ذلك وتأكد خلال الايام القليلة التى تمكن فيها الفقيد الراحل د. جون قرنق دي مبيور النائب الاول لرئيس الجمهورية ورئيس حكومة الجنوب من الوصول الى قلب ووجدان كل سودانى يؤرقه ذلك الحلم من خلال طرحه الصادق الجاد لرؤيته ومنهجه الوطنى والانسانى وتم بذلك مد خيوط التلاقى بين قلوبهم ووجدانهم .
ولاول مره فى تاريخ السودان الحديث وفى ادق لحظة منه وبرغم تنوع اعراق اهله وثقافاتهم ولهجاتهم وعقائدهم واثنياتهم وما فى قلوبهم ونفوسهم من مرارات يتم هذا الاجماع وتلاقى المشاعر فى قضية خصومة وتنازع واحتراب .
ورغم رحيل الدكتور قرنق الفاجع وفقده الفادح شكلت خيوط التلاقى تلك نسيج مشاعرالشعب واحلامه وتطلعاته للمستقبل وصانت مسيرة السلام فى احرج لحظه وفى اول مهدد لمسارها الذى احدثه الانفلات الامنى واحداثه المؤسفة التى صاحبت الصدمه التى احدثها رحيل د.جون قرنق المفاجىء .
لقد ثبت من كل ذلك ، مع الشرخ الذى احدثته تلك الاحداث ، متانة التوجه ومضيه صوب اهداف السلام .
كما تبين بجلاء ان تحقيق السلام هو القيمه الاجتماعية والوطنية الاسمى التى اجمع عليها اهل السودان والتفو حولها بما يجعل صونها وتعزيزها ورعايتها على مدى مسار عملية السلام نحو اهدافها واجبا مطلقا على كل فرد من افراد هذا الشعب ويظل هذا الواجب قائما حتى لوكانت المهددات لايعتد بها فى الامور العادية لضعف احتمال حدوثها وذلك لفداحة الضرر الذى قد يلحق بهذه القيمة الاسمى فى تحقيق السلام .
ومع العلم الاكيد بوجود الرغبه فى السلام والتوق لتحقيقه فأن تلك الرغبة والتوق لاتتجاوز دائرة الحلم والاشواق التى لاتحقق المطلوب ، لانها لا تشكل فى حد ذاتها اسبابا لذلك .
وينطبق ذات الحكم والمنطق على بنود اتفاقية السلام واحكامها حتى مع الالتزام بها والاحتكام اليها لانها مجرد مخطط بناء وخارطة للتنفيذ لايتحقق البناء ولا التشيد الذى ترمى اليه من تلقاء ذاته ، وانما من خلال برنامج مدروس بعقلانية وتبصر وابداع ينطلق منه ويستصحب القيمة الاسمى التى تجددت والاطار القانونى الذى رسمته اتفاقية السلام.
الخلاصة :
ونأمل انطلاقا من ذلك الفهم ، وتبصرا واسترشادا بما تقدم ، واحتكاما لقيمة السلام المجتمعية والوطنية الاسمى ، واسنادها اللازم من كافة القيم السودانية الاخرى ان :
- تسند مهمة بلورة مشروع المشاركه الاهليه موضوع هذه المذكرة الى لجنة تشكل من المتخصصين فى فروع المعرفة ذات الصله و المهتمين بالشأن الوطنى والحكم الراشد والملتزمين بالاتفاقية وقيمها فى مرحلتيها وان ترفع تصوراتها حول :
1. قضايا كل من المرحلتين الاولى( التى تسبق الانتخابات ) والثانية ( التى تليها حتى نهاية الفترة الانتقالية ) ، كل على حده ، فى الفتره الانتقالية وشرح طبيعة كل منهما و مخاطرها ومطلوباتها وتحديد اولويات وخطط التصدى لها واسلوب ذلك التصدى .
2. بحث كيفية ادماج الجهد والمشاركه الاهلية وتنظيمها وحفزها لانجاح مسيرة السلام .
3. الوقوف على معينات ترسيخ وتقوية توجهات السلام التى تشكلت من مجهودات وصلات التقارب والوصل بين مجموعات السودانيين من الشمال والجنوب التى تمت من خلال المشاركه فى :
أ) المجال السياسى.
ب) المحيط التعليمى.
ج) المجال المهنى.
د) منظمات المجتمع المدنى الاخرى .
هـ) الحركة الشعبية.
4. دراسة ما يمكن توظيفه من هذه الصلات والمشاركين فيها بوضع البرنامج المطلوب لذلك.
5. تأمين و اشاعة عدالة التنمية والخدمات على اسس وطنية وكيفية تحقيق ذلك بما فيه اشراك كافة المواطنين وبناء قدراتهم فى المشاركة فى انشطة وعمليات التنمية فى مناطقهم .
6. خلق الشعور لدى المواطن بحقه المشروع فى التنمية كمواطن وانها ليست هبة او احسانا من المشرفين على تقديمها .
7. الاهتمام بالتعليم وتوفير كافة متطلباته وتوفير المعينات الحديثة المؤدية لهذا الغرض .
8. تحديد ودراسة المعوقات وتقديم المقترحات التى تساعد على ابطال مفعولها وعلى رأس قائمتها :
أ) تداعيات الاحداث التى اعقبت رحيل الفقيد د. جون قرنق .
ب) النعرات العنصرية ومتبدياتها فى القول والفعل واقتراح كيفية محاربتها .
ج) الاحتقانات التاريخية بكافة اشكالها ومسبباتها منذ الاستقلال ودراستها وتقديم
مقترحات التعامل معها لمحو اثارها .
9. اقتراح الخطوط العريضة لقيام كيان اهلى يؤسس بقانون يعد ويصاغ من قبل مختصين داخل اللجنه او خارجها لادارة وضبط وتنظيم ادارة المجهود الاهلى الداعم لمسار عمليات السلام على مدى خطها الزمنى ويشمل ذلك دون حصر وتحديد :
أ) الشروط المتعلقة بعضويته.
ب) اهدافه وصلاحياته وتفويضه لوضع نظم اجراءته وتنظمية .
ج) واجباته ونظمه المحاسبية.
د) اجهزته الادارية والاحكام المتعلقة بها.
هـ) وسائل ومصادر تمويله ومعيناته الفنية والبشرية.
و) ضوابط واوجه صرفه المحاسبيه و القانونية.
ز) أى احكام اخرى ضرورية لاداء مهامه بما فى ذلك استقلاله المالى و الادارى من الاجهزة الحكومية على ان يرفع المشروع بعد اعداده وصياغته القانونية لاصداره بأسرع ما يمكن .
وبالله التوفيق والسلام،،،
د. محمد يوسف أبوحريرة
رئيس المنظمة السودانية للتنمية وبناء الأمة
جوال: 5795342