تحليلات اخبارية من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

موت قرنق : جريمة قتل من الدرجة الثانية بقلم سارة عيسي

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
8/13/2005 9:58 ص

موت قرنق : جريمة قتل من الدرجة الثانية


سوف نكمل الان تحليل مقال ( شرلوك هولمز ) العتباني حول اختفاء طائرة قرنق وتحطمها في منطقة نيو كوش الجبلية ، وقبل التوغل في حيثيات هذا الحادث أود الاشارة الي حديث الاستاذ/ باقام أمون في برنامج ( بلا قيود ) والذي بثه التلفزيون السوداني في يوم الخميس الماضي ، وقد شارك في هذه الحلقة من البرنامج كل من الاستاذ/أمين حسن عمر والدكتور /الطيب زين العابدين ، وفي هذا اللقاء أكد الاستاذ/باقام أمون أن موت قرنق تأكد منذ منتصف نهار يوم الاحد 31/7/2005 وبذلك تكون الضجة التي أثارها الوزير عبد الباسط سبدرات في مساء هذا اليوم طائل كنا في غني عنه ونوعا من المزايدة الرخيصة الغير مجدية، والمعلومة الثانية التي أستخلصتها أيضا من هذا اللقاء أن الحكومة السودانية كانت علم مسبق بجدول زيارة الراحل جون قرنق الي يوغندا ، وكان الهدف من الزيارة هو احتواء ظاهرة تنامي جيش الرب في اقليم شرق الاستوائية ، ولكن هناك من يرسم الظلال والغموض علي لوحة هذه الزيارة ، وهناك من له تصفيات سياسية قديمة مع تنظيم الحركة الشعبية ، وهناك أيضا من له مصلحة في تصوير الحركة الشعبية بأنها تنظيم منفلت ولا يرعي المثل والمواثيق ، ولذلك راجت أكذوبة أن قرنق سافر الي يوغندا من غير علم الحكومة السودانية ، وتداول هذه المعلومة في اجهزة الاعلام السودانية طغي حتي علي وفاة الراحل قرنق نفسه حيث أصبح الكل يتساءل : يا تري ماذا يفعل قرنق في يوغندا والرئيس البشير والحكومة السودانية لا يعلمان بهذه الزيارة ؟؟ وهذا سؤال مشروع ولكن الاجابة عليه صدرت أيضا من نفس الناس الذين روجوا لهذه الشائعة ومن بينهم الخديوي/علي اسماعيل العتباني ، واذا غاب نائب الرئيس عن أرض الوطن وأنقطعت اخباره فمن واجب الدولة السؤال عنه والتقصي عن أخباره وليس مطلوبا من الرئيس البشير الاتصال علي قرنق شخصيا بل هذه وظيفة المتحلقين حول هرم الرئاسة من المستشارين الكثر والذين لا يظهرون علي السطح الا عند وقوع الكوارث .
وهناك أيضا من حاول أن يربط بين حادثتي طائرة (واو) التي أقلت العقيد ابراهيم شمس الدين وطائرة ( الناصر ةالتي أقلت الفريق الزبير محمد صالح ، وأعتبر هولاء ومن بينهم العتباني أن الشمال لم يقوم بثورة عارمة ويقضي علي كل الجنوبيين بسبب هذه الحوداث والتي كان من الممكن نسبها الي أعمال معادية من فعل الحركة الشعبية ، وهذه النظرية فيها الكثير من المغالاه والقفز فوق الحقائق وذلك لسبب بسيط وهو أن هناك ناجين من هذه الحوداث المؤسفة حكوا لنا تفاصيل الساعات الاخيرة وهذا يختلف عن اللغز الذي تركه تحطم مروحية الراحل جون قرنق والتي مات كل من كان علي متنها ، وازداد اللغز غموضا عنما لم يتم التعرف علي جثث ثلاثة من ركاب هذه الطائرة المنكوبة ، فمولانا أحمد أحمد هارون يعيش الان عمره بدل الضائع كما اسماه في احدي اللقاءات لأنه نجا من طائرة العقيد ابراهيم شمس الدين ، والطيب ابراهيم محمد خير الوزير بالمراسم الرئاسية هو أحد الناجين من طائرة المرحوم /الزبير محمد صالح ، ولم يتطرق كل من مولانا أحمد هارون أو الطيب محمد خير الي اتهام الحركة الشعبية باسقاط هذه الطائرات وسجلت هذه الحوادث في دفتر القضاء والقدر ، والامر الثاني ان النظرية المستساغة في الشمال أن بعض أجنحة الحكم في الدولة في اطار تعارض المصالح قررت التخلص من هولاء النفر عن طريق تدبير هذه الحوداث ، وفي سياق آخر يمكننا اعتبار هولاء النفر شهداء الوطن والواجب حيث لقوا حتفهم في ميادين القتال بحكم أنهم من العسكريين المتشددين الذين أخذوا علي عاتقهم تحرير الجنوب من دنس العمالة والارتزاق كما يقول اعلام اسحاق أحمد فضل الله في ساحات الفداء ، والمفارقة الاخيرة أن ضحايا طائرتي الناصر و واو لم تكن لهم شعبية كبيرة في الشمال علي العكس من جون قرنق والذي بالاضافة الي حضوره الدائم في ذاكرة الجنوبيين هو الاهتمام الدولي الكبير به ومعاملته كبطل قاد شعبه الي السلام ، ولا توجد أي مقارنة بين تلك الحوادث المؤسفة الا في تماثل الضحايا من حيث الاهمية السياسية ، وأما من حيث السبب والتداعيات نجد أن ظرف كل حادث يختلف عن الاخر .
ويمكن اعتبار شن الحرب علي الجنوبيين في خلال عشرين عاما في عقر دارهم هو ثمن سقوط كل شمالي صريعا في هذه الحرب . ,وأظنه ثمن مجزئ وكاف حتي لدفع الاستحقاقات المستقبلية لأهل الشمال ، فالحرب المهلكة أخذت من أهل الجنوب استقرارهم وتنميتهم ومواردهم وما حدث في يوم الاثنين الاسود لا يقارن بحجم ما لقيه اهلنا في الجنوب من حمم كتيبة ( الاهوال ) و ( الخرساء ) و ( المغيرات صبحا ) . الكل قد دفع الثمن ولم يعد هناك استحقاق .
والسؤال هل هناك من تسبب في موت قرنق بصورة مباشرة ؟؟ طبعا بصورة مباشرة لا يوجد أحد وقد أجمع كل المتابعين أن سبب تحطم الطائرة هو الظروف الطبيعية السيئة وحالة الطقس التي أدت الي انعدام الرؤية تماما من علي سطح الارض ، أما من حيث وجود الدوافع لارتكاب الجريمة فأظنها متوفرة ، اما من ناحية وجود مستفيدين من موت قرنق فهناك العديد منهم والذين يتمنون موت قرنق منذ أيام (( الليلة يا قرنق .. أيامك أنتهن )) ، وموت قرنق هو جريمة قتل من الدرجة الثانية حيث ظهر القصور والاهمال من قبل مؤسسة الدولة الرسمية تجاه هذه الكارثة ، فهي قد سمحت لهذه الكارثة أن تتطور وتتخذ وضعا أخر عندما سمحت للغوغاء واللصوص باستباحة مدينة الخرطوم حتي يتهم جمهور الحركة الشعبية بالوقوف وراء تلك الاحداث المؤسفة ، وهذا هو الاستثمار الوحيد الذي أعطي نتائج أفضل للذين راهنوا عليه ، فقبل تكوين لجان التحقيق أستبق هولاء المستثمرون الاحداث يتقدمهم الدكتور كمال العبيد عندما زعم أن عصابات السلب والنهب تحركت من سرادقات العزاء التي أقامتها الحركة الشعبية ، ومن خطط لهذه الفوضي كان يتوقع نتائجا أفضل من التي وقعت ، فالاستاذ/ العتباني ومن خلفه أصحاب هذا التيار كانوا يتطلعون الي حرب ضروس علي الطريقة الرواندية يذبح فيها الجنوبي الشمالي فيغضب الشمالي لكرامته فيستنصر بأهله ويقوم بابادة ( العبيد ) المأفونين في أطراف الخرطوم ، وتنتهي هذه الحرب بنهاية العرق الاسود وتعود مدينة الخرطوم الي عهد الخديوية والحضارة التركية ، بيضاء وطاهرة تسر الناظرين وتخلب فؤاد بني عدنان في بلاد العروبة ، ولكن أهل السودان بفطنتهم وتسامحهم لم يسمحوا لهذا الفتنة أن تستمر ، وحاصل ضرب ما حدث في يوم الاثنين في المضاعف مائة لم يحدث كما توقع الاستاذ/العتباني ، وأقتصر عدد الضحايا علي الرقم 135 قتيلا ، واذا أراد الاستاذ/ العتباني حصيلة أحداث العنف في السودان فسوف أعطيه مثالا حيا جرت مأسآته في اقليم دارفور ، فاذا ضربت الرقم ( 135) وهو حاصل عدد الضحايا في يوم الاثنين الاسود في الرقم ( 2963 ) فسوف يعطيك ناتج الضحايا في هذا الاقليم المنكوب وهو 400 ألف قتيل و 3.5 مليون مشرد ، لم يسكب العتباني حبر قلمه علي الورق من أجل الحديث عن هذه الكارثة ، انه ينتفض لمقتل 135 شخصا في أحداث يوم الاثنين ولا يهوله موت مئات الالوف قصفا بالطائرات في دار فور ، كونت لجان التحقيق في الخرطوم علي وجه السرعة وخلصت في نتائجها أن هذه الاحداث مدبرة بفعل فاعل وسوف يتم تعويض كل المتضررين ، وتم اختيار وزير الدفاع الوطني لرئاسة هذه اللجنة وهي سابقة جديدة في تاريخ السياسة السودانية، وذلك لأن وزير الدفاع بحكم منصبه يفترض أن يكون قوميا ويبعد عن نفسه شبهات العمل السياسي المسبوق النتائج ، وفي دارفور ترك أمر التحقيق للقاضي السابق مولانا /دفع الله الحاج يوسف والذي توصل الي نتائج هذه الازمة وحصرها في الصراع بين المزارعين والرعاة وأبعد كل الشبهات السياسية حول هذه الازمة علي الرغم أن عدد الضحايا فاق مئات الالوف ، وفي أحداث بورتسودان لم تكون لجان تحقيق علي الاطلاق وأسترخصت السلطات دم الذين سقطوا قتلي من جراء اطلاق الرصاص عليهم من قبل قوات الشرطة .
وفي السودان أصبحنا نتعامل بالمثل العامي (( اللي ما عندو كبير يعملوا كبير )) ، وأزمة أهل الهامش مع المركز في الخرطوم ليست هي تقاسم السلطة والثروة فقط بل هي أزمة أخلاقية في المقام الاول ، وما نحتاجه قبل كل شئ هو تحقق قيم العدالة بالقسط والميزان ، وأن يتم التعامل مع الازمات التي تحل بالسودانيين بمعيار قومي واحد والا حاقت ببلادنا الفوضي والدمار ولجأ الناس الي تطبيق العدالة بايديهم وبالطبع سوف تكون عدالة بهذا الشكل فيها الكثير من الضرر والكلفة علي كاهل الجميع .

سارة عيسي

[email protected]

للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved