إن السياق الذي سأتناول فيه هذا الموضوع ، ربما لا يعجب الكثير ممّن يحمِلون مواقفَ أو أراء لا تتفق مع ما سأذهب إليه محاولاً الدفاع عن قائد ثورة المهمشين في دارفور ، الدكتور خليل ابراهيم ذلك الرجل الهادئ الذي أيقظ نخوة الصامتين بقوله طالباً الحق و العدالة . كثيرون هم من يكتبون علي صفحات السايبر عن الثورة في دارفور التي هي بالضرورة لها رموزها كقيادات تأريخية للحركتين ، حركة تحرير السودان ( SLM)، وحركة العدل و المساوأة السودانية ( JEM)، ففي الوقت الراهن ليس لأهل دارفور شيئٌ يمتلكونه و تعتبر ذات قيمة كثورتهم التي عبدت مسيرتها بأرواح الشهداء وذنود الرجال و النساء في دارفور .
إن الذين يكتبون غامزين من قناة المساس برمز الثورة ، تنقصهم الموضوعية التي تبدو واضحة من بين ثنايا سطورهم والتي بدورها لا تخلو من نواقص تحتمل ردنا من ذات الثغرات التي أعتبروها نقداً . طالما الأمر يتعلق بالسياسة فإن مبدأ تدوير الزوايا هي إحدي الأدوات المتاحة للجميع في بلد مثل السودان يفتقر فيه العمل العام الي ضوابط مؤسساتية و أخري أخلاقية رفيعة ثبت سُوء ممارستها للسلطة بإخفاق و تحيز لفئة من النخب ، طيلة سنين العهد ما بعد الأستقلال . هذا الفشل في ترقية العمل العام العام الذي ميزت جميع الأحزاب التي حكمت البلاد في الفترة السابقة علي حدٍ سواءَ في ان يهتدوا الي الطريق الذي يمكن ان يجنب الوطن المأسي التي ألّم بها من حروب عبثية ، مجاعات ، هجرات ، ولُجوء الي المهاجر البعيدة ، فإن من الأنصاف الأ نغالي في كيل التهم علي فردٍ ما أوحتي حزبٍ ما لنجعل منه مشجباً نُعّلقُ عليه سُووءات وكّسِِنا السياسي .
لكن قبل التطرقِ الي هكذا سِجال ، دعونا نحدد أولاً ومن خلال التمعن الي ما بين سطور من يكتبون ، والذين هم ليسوا في حياد أو الأقتراب الي منزلة المراقب حتي نتقبل ما يستنتجونه علي أساس إنها مجرد إنطباع لا يعدو علي إنه – قليلٌ من الكلام في السياسة ، ليكون فيما بعدُ هدفهم " ثورة المهمشين " عينها بقدح رموزها ومنهم الدكتور خليل ابراهيم رئيس حركة ( JEM) .
أولاً : – البعض من قيادات الأحزاب السودانية الشمالية ، والتي جميعها ينحدرون من الوسط النيلي الشمالي ، هم أنفسهم الذين حكموا السودان بنظرية (الدم الفسفوري) كما انهم هم موضوع النقد في حيثيات " الكتاب الأسود" -الرقمي - ، هذا الكتاب الذي عرّي الطبقة السياسية السودانية علي مدي الخمسين عاماً من عمر البلاد ، أحزاب لا تقوم علي المؤسسية وبتركيبة بنيوية غير مغايرة لما يمكن أن توصف بأنها طائفية مبنيٌ مصالحها علي التحالف مع الراسمالية الطفيلية التي تنتظر أي (إنتخابات) لنيل حصتها من (كوته) ورسو المناقصات ، إضافة الي التعيينات في دوائر الدولة والتي لا تقوم علي الكفاءة بل تقوم علي الحزوة و الأنتماء الحزبي الضيق (الولاء) دون أية إعتبار للأسس الدولتية المعروفة في البلدان التي سبقتنا بالمئات من السنين الحضارية . تأسياً علي ما سبق وفيما خص دارفور وثورتها ، فإن حزب الأمة (جناح الصادق) يري في الثورة علي إنها ( دعوة الي العلمنة و الأفرقة) علي حسب تعبير السيد الصادق بدار الحزب بأمدرمان مؤخراً ، مما يُفهم علي ان الحزب معنيٌ بالدرجة الأولي بالحراك التي أحدثته "ثورة دارفور" من وراء ظهره ، و التحوّل الكبير التي خلخلت الأرضية التقليدية (تأريخياً) لوجود نواب البرلمان – وعلي رأسهم زعيم المعارضة في حكومة ما بعد "ثورة إكتوبر 1964م ، أقصد هنا السيد أحمد ابراهيم دريج ، والذي يُشكل حزبه " التحالف الفدرالي الديمقراطي" الأن أحد أعمدة "حركة تحرير السودان ( SLM ) وهذا يفسر أيضاً محاولة السيد الصادق مسك العصا من المنتصف لجهة عدم إدانته الصريحة لأنتهاكات المُغرر بهم من بعض القبائل العربية " الجانجويد" في دارفور رغم الإستنكار العالمي الغير محدود للجرائم المنظمة ضد القرويين الأفارقة ، إذن من نافلةِ القول أن يكون للحزب المذكور كل المصلحة في مناهضة قيادات الثُوار في دارفور وخاصةٍ تلك الشريحة التي تتفهّم ان السياسة فن الممكن و لا يمكن إستيعابهم بخطاب طائفي يقوم علي وهّم تجديد و بعث (العروبة و الأسلام) الشعار الذي ليس لدارفور فيه (شِرّوي نِقّير) .في مقابل ما أسماه السيد أبو كلام السندكالي (بالأفّرقة و العّلمنة ) بيد أن جيلاً جديداً قد شب في مدن و ريف دارفور خلال العقدين الأخيرين يصعب علي الخطاب العاطفي المرفق (بالراتِب) أن يجعلهم ضمن أوعيته الخشبية أو أن يعني لهم الإرث المهدوي شيئاً ذات قِيمة في عالم اليوم .
ثانياً :- هناك طرف ثاني يعادي "ثورة المهمشين" وقياداتها علي حدٍ سواء ، ويحسب الف حساب لقيادة "حركة العدل و المساوأة لأسباب معروفة تتعلق الكثير منها بكارزمية الدكتور خليل الذي عركته سنين التجربة مسؤلاً تنظيمياً للحركة الأسلامية في دارفور الكبري ، فرجل بهذا القدر من الأهمية يوماً لا يمكن ولدواعي إعلامية إنقاذية أن يتحول الي مجرد من يفقد وزنه لخروجه المؤسس من جسم المؤتمر الوطني . أو أنه غير محق في إختياراته التي تقوم بالأساس علي ما يصفه الدكتور (تغولٌ غير مشروع للجلابة علي حكم السودان) . فقد جندت الأنقاذ التها الأعلامية بما فيها وسائل الأمن الأكتروني ( smc ) التي فبّركت القصص و الأشاعات ليقوم (صحُف) النظام بترويجها لغرض تنفير الناس ، كما يقرأ مما ورد – صفحة الأنترنت - الأخبار لموقع ( Sudaneseonline.com ) بتأريخ 10/8/2005 ، علي أن حركة العدل و المساوأة السودانية ( تُهدد بإختطاف فرق الكهرباء العاملة بشمال دارفور ) و يأتي بقية الخبر علي هذا السياق : (( أخطرت الهيئة القومية للكهرباء بولاية شمال دارفور الجهات الأمنية المختصة بتلقي فرقها الهندسية تهديدات من حركة العدل و المساوأة بخصوص عدم القيام بأعمال صيانة الخط الناقل للمياه و تربنات الكهرباء بمدينة سدرا . وقال مصدر مسئول بالولاية (smc) إن حركة العدل والمساوأة هددت بأختطاف الفرق الهندسية حال قيامها بصيانة الخط الناقل من سدرا الي الفاشر الشئ الذي تسبب في إنقطاع المياه و بعض خطوط الكهرباء الرئيسية و الأرسال الأزاعي بالولاية . وكانت الجماعات المسلحة بشمال دارفور قد أطلقت مؤخراً (5) من العاملين في مشروع كهرباء الفاشر بعد إختطافهم لمدة أكثر من أسبوعين و سلب عرباتهم . )) - أنتهي الخبر - فقط ننوه الي أن المدينة المذكورة هي (شقره) وليست (سدرا) كما ورد في سياق الخبر العائد ل ( smc ) الأمنية ، مما يوكد بأن كاتب الخبر يجهل حتي أسماء المناطق في دارفور ،عوضاً عن أن الخبر عارٍ من الصحة .
قلنا أن الهدف من هكذا إشاعات و الأخبار كاذبة تهدف الي زعزعة الثقة في "قيادات ثورة الهامش" ومحاولة بائسة لأحداث إنشقاقات رأسية في جسم الثورة ، إنتهاءً بتصفية القضية من الأساس . بالأضافة الي خلق اجسام موازية للقيادة التأريخية بأدعاء علي ان " الحكومة " تتفاوض معها في منابر شّتي غير معترف بها دولياً و شعبياً في دارفور ، أشبه بتلك التي تسمي في أجهزة أعلام الخرطوم ( بمصالحات بين القبائل) وما يُرتب لها من مسرحيات لأغراض دعائية محضة ، تكون في مقدمة أخبار التلفزيون مساءً . كما ان المحاولات جارية بالأيحاء بزيلية حركة ( JEM ) للمؤتمر الشعبي في الوقت الذي تنفي فيها قيادات الشعبي هذا الأتجاه بينما تؤكد في الوقت نفسه التحالف مع حزب الأمة (جناح الصادق) و الوقوف علي أرضية تفاهم و تنسيق مواقف مع السيد محمد ابراهيم نقد الزعيم الشيوعي المعروف للعمل تجاه المستقبل .
ثالثاً :- فيما خص حرب الجنوب التي أتضحت عبثيتها بعد التوقيع علي إتفاقات السلام في نيفاشا ، ليكون حاضراً في الذهن كيف أن السيدين الصادق المهدي و محمد عثمان الميرغني قد قد تنافسا بالمناكب عام 1987م لجلب المزيد من أسلحة القتل الي الجنوب لغرض (تحرير ) الكرمك و قيسان من براثن (التمرد) كما كانوا يسمونه يومئذٍ ، فقد طار الزعيم الأتحادي الي "بغداد العروبة" عارضاً ( قضيته العربية ) الي الرئيس صدام حسين الذي أستجاب لطلبه بإقامة جسر جوي لوجستي بين عاصمة الرشيد و الخرطوم ، إضافة الي الطائرات (السمتية) لغرض القصف التمهيدي قبل دخول الجيش السوداني الي (اطلال) المدينتين ، وقد ظل البعثيون السودانيون يرددون بإعجاب مقولة الرئيس صدام الشهيرة : ( البصرة وقيسان .. لدي سيان ) في إشارة الي الهجوم ( الفارسي) المرتقب علي مدينة البصرة العراقية بعد أن احتلت إيران مدينة (الفاو) المجاورة للبصرة و في ترجمة حقيقية لمبادئ القوميون العرب . أما السيد رئيس الوزراء الصادق المهدي فلم يجد من الفُرس الأ عنادهم فأكتفي بالصلاة الجامعة مع الملالي و الحجج وفي الصف السابع عشر من الصف الذي يلي وقوف أية الله الخميني ( قدس سره ) فكتبت صحف الخرطوم مكايدة في الزيارة الفاشلة الي طهران ، بينما كسب أبن المهدي في تصنيف الأسري السودانيين في حرب الخليج الأولي ، علي أساس حزبي ضيق ، وطلب من الملالي إطلاق سراح أبناء الغرب (كردفان و دارفور) بينما وصدت الزنازين علي أبناء السودان من الأقاليم الأخري ، فرجع السيد بطائرته التي تحمل الأسري (الأنصار) وفي مطار الخرطوم أطلقت السيدة سارة المهدي زغرودة الأنتصار ! .
رابعاً :- هناك طرف ثالث يتكلم بفجاجة أحياناً في محاولاته النيل من ماضوية الدكتور خليل ، وينطلق من موقف قديم لليسار السوداني - المتعجرف - وأعني أولائك الذين لا يتغيرون مع تقادم الأيام ونهاية الأيديولوجيا التي كانت في السابق تقارع كل ما هو ديني حتي ولو كانت غير مُكبِلة للشعوب وتدعو الي مناهضة الظلم و الثورة علي الأستبداد ، ليكون المعيار واحد عنده في كل الأحوال و الظروف ، في وقت يحاجج فيه أنصاره في دهاليز الأجتماعات المغلقة علي أن الحزب – ينهج منهجاً علمياً في قرأءته لصيرورة الكون ، بينما لا يزالون وقوفاً علي الرصيف ، تبتعد قطار "نهاية التأريخ " مع فوكاياما رويداً .
لكل الذين جري ذكرهم في النقاط الأربع اعلاه ، نقول علي رُسلكم ، ويكفي مزايدة علي قائد "ثورة المهمشين" ، الدكتور خليل ابراهيم ، الذي يكفيه فخراً بأنه كان يسكن قرية (عد الحسين) بجوار (مايو) جنوب الحزام ولم يساكِن الوزراء – الأنقاذيين - أحيائهم الراقية في المنشية و الطائف ، وإنه كان في وزارة التربية الولائية "مهمشة " لا صلاحيات له ، وعجز عن أن يُرمم مدرسة ( في مسقط رأسه) التي علمته الحروف الأولي في الأبجدية بقرية الطينة بشمال غرب دارفور ، وعندما انتقل الي (صندوق مكافحة الفقر) – الفارغة - التي تتبع لوزارة الشوؤن الأجتماعية – الخرطوم ، سألت مدير مكتبه الأستاذ محمد عبد الشافع جرمبا (بخبث) متي يكافح الدكتور فقره قبل ان يحاول مكافحة فقر السودانيين ، تبسم الأستاذ ولم ينبُث ببنتِ شِفه . أنه صندوقٌ فارغٌ بدون ميزانية ، كما كانت وزارته "المهمشة "بلا صلاحيات يمّكنه من العمل .
كل ما فعله الدكتور خليل قائد " ثورة المهمشين " أنه شّرح الواقع السياسي السوداني بدون "بنج" فكان مؤلماً بحق .
حامد حجر – بيروت
[email protected]