ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أحداث الشغب دروس وعبر بقلم الاستاذ/ أبو فاطمة أحمد أونور محمود
سودانيزاونلاين.كوم sudaneseonline.com 8/10/2005 6:21 ص
لقد طغت أحداث العنف الغريبة علي الحزن النبيل الذي كان سوف يحتكره موت قرنق علي إمتداد البلاد حداداً علي رجل السلام الشامل، ولو لا تلك الأحداث المؤسفة لأنتظمت الأمة السودانية في ملحمة تؤكد قومية الفقيد وتعكس مدي تقدير الشعب له، ولعرف الجنوبيون كم تيتمت آمال عريضة لشرائح واسعة من أهل الشمال برحيله الفاجع والمفاجئ!! ولو لا صدمة الشغب الغير مسؤول لأمتلأت البلاد بسرادق العزاء المتراصة في البوادي والبنادر في حزن غير مسبوق علي زعيم سوداني قبله!! ولكن خطأ قراءة مثيري الشغب والقتل والنهب والحرق بدد إمكانية تكرار ملحمة إستقباله بالساحة الخضراء في وداعة وربما كانت مواكب وداعه (لو قدر لها( لكانت أكثر إثارة ودهشة من قيامة إستقباله المشهودة!! وحينها لحصدت الحركة الشعبية مكاسب سياسية مضاعفة من خلال ذوبان عواطف الجماهير الغفيرة علي حساب منافسها الأساسي!! لأن هذه الشرائح ظل قرنق يعبر عن حقوقها الأولية من حرية ومساواة في كل بقاع السودان شرقاً وشمالاً وغرباً ووسطاً. ولكن وللأسف الشديد فلم يمت قرنق بحادث طبيعي فحسب فالهجمة الغير مبررة كادت ان تقتل مبادئه الوطنية في نفوس الغالبية العظمي، من أهل الشمال الذين تضاعفت عليهم المرارة مع سماعهم للخبر الأليم بترويعهم في أنفسهم وأموالهم وأعراضهم فشغلتهم جراحهم الذاتية مما حجب عنهم شرف الوداع القومي والمهيب والغير مسبوق في التاريخ الحديث!! ولربما طالبت جماهير الشمال (لو لا مصابها الجلل) بدفنه بالعاصمة إستبشاراً بفال الوحدة طالما تبناها طول نضاله المديد ليصبح قبره في قلب البلاد قبلة وحدودية لا مناص منها إلا الالتفاف حولها مدعومة بدستور السودان الجديد الذي أخذ الراحل علي عاتقه إلحاق جناحي السلام في الشرق والغرب بهيكل نيفاشا تمهيداً للتحليق بالوطن إلي بر الأمان في فضاء المحبة والسلام والرخاء. وللأسف تم تشويه تلك الأحلام المرسومة من قبل مهازل يوم الأثنين الأسود!! فهؤلاء بسلوكهم البشع ارادوا تحويل صورة الراحل ذات الأبعاد الاقليمية والقومية إلي دمية لزعيم قبلي وجهوي لا تتجاوز هالته حدود جنوب السودان فأضاعوا علي الحركة الشعبية موسماً دسماً للحصاد السياسي يندر تكراره من خلال إستثمار الرحيق الأخير لكارزمية الراحل وهي أحوج ما تكون إليه كحزب طرح نفسه للريادة القومية!!. وهنالك ثمة أمر في غاية الأهمية لابد من التشديد علي التواثق عليه منذ الآن إجتماعياً وشعبياً إتعاظاً بما سلف من الفتنة البغيضة!! وهو أن كل القيادات الحالية والمستقبلية علي مختلف مشاربها الأثنية والجهوية والطائفية لا بد أنهم ميتون عاجلاً أم آجلاً فحتي لو كانت أسباب الوفاة ببصمات جنائية صريحة (لا قدر الله) فيجب أن لا يثير ذلك نقمة أحد من آل المقتول علي بني القاتل وان لا يتعدي السخط دائرة القانون علي ذات الجاني لذلك لابد من إشهار شعار (لا تزر وازرة وزر أخري) حتي لا يجهل أحد فوق أو مع جهل الجاهلينا!! وإلا فلنترقب الصوملة واللبننة والافغنة!! وفي هذه السياق نذكر أخواننا الجنوبيين بالأحداث الدامية التي وقعت في شرق وغرب البلاد في حق جماعات من المدنيين العزل الذين لم تجف دموع ذويهم بعد!! والمتهم فيها لم يكن ملائكة مسومين ولم يكن مقطوع من شجرة غريبة!! ورغم ذلك لم يخطر على بال أحد من أبناء الشرق أو الغرب القيام بالثأر أو الانتقام الجهوي والقبلي من المجموعات النيلية الذين لم يكونوا أقل حزناً وتأثراً من غيرهم إنطلاقاً من ضميرهم الوطني والانساني ولكن لو تم اي تحرك سلبي للثآرات القبلية مثلما حدث بالعاصمة لكان ذلك تعضيداً وتأييداً ضمنياً لموقف الجناة في حق الضحايا!! وننبه الاخوة الجنوبيين للموقف الرسالي والحضاري الذي أنفرد به الراحل قرنق عندما اطلق سراح الميئات من أسري الحرب لديه فيما سمي بتبادل الاسرى ولكن من (طرف واحد!!) وكان في مقدوره ان يصفيهم جميعاً دون أن يسأله أو يحاسبه أحد ولكنه أراد أن يبرهن حرصه علي أرواح أبناء وطنه بإعتباره القائد الملهم للقيم الحضارية والانسانية التي ينبغي أن تؤسس عليها فضائل السودان الجديد!! وعليه لو كان الذين أحرقوا البلاد يوم وفاته ممن يؤمنون بمبادئه حقاً لما أقدموا علي قتل وحرق ونهب أولئك الذين حررهم الراحل ليضمد بهم الجراح القديمة!! لذلك من الطبيعي ان تتبرأ الحركة الشعبية من أفعالهم لأنهم لا يشرفونها كقاعدة جماهيرية صلبة تقتحم بهم أهوال الصراع والجهاد الأكبر لموجبات السلام الشامل للسودان الجديد وببصمات الراحل تأليفاً وإخراجاً!!. وهنالك أمر آخر كشفت عنه الأحداث المؤسفة من قبل متجاوزي حدود الحزن الطبيعي بكثير!! فيبدو أنهم لم يفهموا فحوى الاتفاقية التي أعطت للجنوب (وليس لقرنق)!! شيكاً لتقرير المصير علي بياض بعد نصف دستة من السنين يدفع خلالها باقي السودان الغالي والنفيس لتعمير وإسترضاء الجنوب تحبيباً للوحدة الطوعية وليست القسرية!! وعليه من الحماقة بمكان رفس ذلك الامتياز التنموي الغير مشروط وبل أقرب ما يكون بالدين الهالك!! مع العلم ان هنالك جهات مؤثرة ومن صلب النظام تكابد وتجاهد لتقليص هذه الفترة والتي لصالح الجنوب في الحالتين (الوحدة أو الانفصال)!! فبإي منطق اذن كشرت تلك الجماعات المتفلتة عن أنيابها الانفصالية مبكراً وهي أحوج ما تكون إليها!! فكان من العقل ان تحافظ علي ذلك الامتياز ولكن بقلائد السلام وليس بحرائق اللئام!!. وإذا كنا مستنكرين لفعل الشغب لابد من إنكار رد الفعل العنيف من قبل المواطنين المكلومين!! ولكن يجب تحميل كل اوزارهم إلي تاخر الحس الأمني للحكومة التي كانت فالحة!! في ارسال فرق (رماة الحدق!!) المشحونة جواً لدحر عمال المواني العزل ببورتسودان!! فأين كانت هذه الفرق عندما احترقت العاصمة!!؟ وعموماً جاءت نتائج التباطؤ الامني خصماً علي تصاعد أسهم الحركة الشعبية التي حسدها الحزب الحكومي مرتين!! الأولي عندما تدفقت لعضويتها الجموع من كل حدب وصوب وإمتلأت اضابيرها من كل جنس واضطرت أن تقول للبقية أني لا أجد ما أحملكم عليه من ورق والجماهير تفيض قلوبها من الحزن لما فاتها من شرف الانتماء للسودان الحديث!! في الوقت الذي كان تنادي فيه خيام المؤتمر الوطني (هيت لكم!!) ولكن دون مستجيب من الجمهور رغم القواسم المشتركة بينهما مثل الدين والثقافة والمواطنة (ولكن نظرياً!!) والمرة الثانية عندما إحتشدت الجماهير (بتلقائية!!) لاستقبال الراحل كأكبر تجمع علي الأطلاق في تاريخ البلاد!! في الوقت الذي عجز فيه الحزب الحاكم لحشد مثل هذا الكم خلال ستة عشرة عاماً رغم الخبرات والامكانيات!!. وأخيراً كادت أن تحرز الحركة الشعبية الضربة القاضية والقاصمة إذا قدر لها توحيد البكاء والعويل لكل السودانيين في وداع مهيب لقائدها الراحل لو لا التشتيت الهمجي للذين وجدوا إليه سبيلاً سهلاً دون سدود!!