مقالات واراء حرة من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة عامان

حروبات كبيرة -رواية بقلم صديق الحلو

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
4/9/2005 9:18 ص

قرأت الكتاب وكنت أركب جملي البشاري خفيف الحركة لين الظهر... كنا نصبر أياماً على الجوع والعطش، وأنت على المخلوفة تشتم رائحة غابات الجوغان والاندراب والقربوسان. الفروة تهبهب من على ظهره وأنا أحلم بالريالات المجيدية وبفاطمة... يثور جبل كردفان – الكردفار. دون سبب يخاف الأهالي من شره ولا يقربني الخوف.
أملا الجراب كسرة ولحماً ناشفاً، واسير الليل بطوله كنت أود أن أصير أفندياً هاهي الأيام تجعلني رباطاً صعلوكاً أقطع الطريق، سافرت من الداير جنوباً حتى أبو حراز وقابلت كثير من الخواجات والأغوات والباشبزق والجلابة والسناجك. عرفت أساليب الظبطية وكتابة الارضحالات خزنت كثير الغلال في الشونة واحتفظت بالبارود والجبخانة.
أنا عبد الرحمن بانقا أبي من الجعليين وأمي حازمية وجدتي أبنة الشيخ كنونة من سلاطين الفونج... حيث يسكن قصراً من المرمر.
أهلي العبدلاب الملوك المانجلك أحكي لحفيدي ياسر بعد قرن من احداث مائجة. كان يوقرني الرواوقة ويجلني عبد الصمد أبو صفية شيخ أشياخ البديرية في الأبيض... أشرب القهوة في أسفاري الطويلة وأتابع غليانها في الشرقرق وتسحرني عند وضعها في الجبنه، هناك قابلت عبد الرحمن أبودقل واسير في الصحراء من وادي الملك حتى حدود دارفور وشقا غرباً وإلى وادي المقدم شرقاً.
لي أصدقاء فرسان من الكبابيش والفولاني والحمر. كانت الناس كلها تتململ حيث أن (عشرة رجال في تربة ولا ريال في طلبه). والاتراك جعلوا الناس طواشي... تعب اكتساني رغم لسعات البرد... وأنا أري أشجاراً تتحرك رائحة الخريف أنعشتني والاعشاب المبللة بالمطر... الأن وأنا أخاف من فقد الذاكرة لا زلت قادراً على لملمة الحواس... وإذا بي أقطع عشرات الأميال أصادق حيوانات الغابة والغزلان وأحلم بالحروب والاطفال تتقاطع أحلامي مع ألوان قوس قزح واحس بفاطمة فتتنامل اعضائي كلها تستحقني الرغبة... لا أتوقف تنزلق أشيائي كلها تعانق هامات الأشجار لا أحب الالتفات... أعرف إنني مطلوب أرهفت أذناي لحفيف الريح...
أعرفهم يسقطون أفكاري... أعرف الأفكار الشائخة وإن أنشغل ذهني فهو السقوط... أخذت من الحيوانات حذرها... أعرف الطريق وتدور في رأسي أفكار ما أنزل الله بها من سلطان. غير أني احس بأن تغييراً يهب على الأفق.
كنا صغاراً نلعب (حرينا) ينقسم الأطفال لمجموعتين ويخرج صبي من أحد المجموعتين يعقل رجله بأحدي يديه من خلاف يسير على رجل واحدة ثم بعد ذلك تبدأ المدافعة بين الفريقين حيث أن الفريق القائم بحراسة الميس يصرع أفراد الفريق الأخر حين يقبض الشخص المسمي بالعرسة فإذا أستطاع أعضاء الفريق الآخر حماية العرسة ووصلوا إلى الميس يكون هم الفائزون وهكذا يستمر اللعب.
ثم تأتي لعبة (شليل) أيام (قمر 14) ويصيح الأطفال شليل وينو ويقول الآخرون خطفوا الدودو – الساحة واسعة وأحدهم يرمي عظماً في الظلام يبحث عنه الصبيه ومن يعثر عليه يكون الفائز ومن ثم يحمل الخاسرون أعضاء الفريق الفائز على ظهورهم من مكان وجود العظم إلى الميس... ثم يقوم أحد أعضاء الفريق الفائز برمي العظم ثم يواصل الجميع عملية البحث عن العظم المفقود وهكذا تستمر اللعبة أين يوجد شليل.
هناك في أم بادر وكاتول وكجمر وأم اندرابة قابلت فضل الله سالم حيث لعبنا "عتبت" (أم جقجوق والحاجورة) كان فضل الله يثبت إحدى رجليه داخل دائرة فيأتيه الصبية الواحد بعد الآخر يحاولون إخراجه من الدائرة بشرط ألا تمس قدم رجله المعقولة أحدي يديه الأرض والا عد ميتاً فإذا أخرجه أحدهم من الدائرة كان هو الفائز الذي يحل محله.


قال: البديري محمد...
وهو يعد على مسبحته ذاكراً الله في الحلقة بالأضية (يا حي ياقيوم الدائم الله)
سرنا أربعتنا
عبد الرحمن بانقا – عبد الرحمن أبو دقل – فضل الله سالم – محمد البديري قاصدين جزيرة أبا قرب كرتوب وطيبة البيارة وابو أم كوم وود رشوان وأرض الشفا والغار التحتاني... حيث أشجار الكتر والسنط أدغال مظلمة واكمة والشلك هناك حيث سلطانهم أبي أن يستجيب لأوامر أحد ملوك سنار بالحضور ومن هنا سرنا للجديد عمران والجديد العطشي والجديد خليف والجديد الشقلة والجديد الثورة، حيث أخذنا حلو الجهني جد الحلاويين... وطفنا معه الرحماب والقصامنه والمديداب والعايداب والحدراب.
والتقينا حامد أبو عصا... في القضارف... في أبا بايعنا المهدي الأمام على توحيد الله وأن لا نشرك به أحداً ولا نسرق ولا نزني ولا نأتي ببهتان ولا نعصيه في معروف بايعناه على زهد الدنيا وتركها والرضي بما عند الله رغبة بما عند الله والدار الآخرة وعلى ألا نفر الجهاد. مصافحة ومشافعه.
قال أحمد المكاشفي علينا أن نهاجم الأتراك في شات والدويم ومرابيع ود اللبيح وعبود. كنا نقطع المسافة من شيكان لجبل سقدي بالسرعة ذاتها التي ننتقل فيها من جبال تقلي وكانت واقعة الجرارة التي تليت واقعة ابا تزيدنا ثقة في مسارنا الذي تبدل بعد البيعة التي نفت ما قبلها.
قالت فاطمة التي تريد أن تطمئن متي تنتهي من خيوطكم المتشابكة وهي تخيط ثوبها.
قلت: لا بد أن يجئ يوم ونهدأ من هذا التجوال.
قالت لقد انتظرتك طويلاً.
تضج صباحاتها الصاخبة وتحلم بالأطفال تتوجس من قادم الأيام وتسبح في مرآة ذاتها... لم يعجبني لونها الشاحب هذه الأيام... فاطمة كثيرة الصمت هذه الأيام شعرها المدلوق على كتفيها... تلامس أصابعنا وإحساسي بدفء يدها... ابتسامتها الواثقة، وكان أن كتب علينا الترحال.
كنت أحس بالضيق عندما أتوقع موت أحد الأحبايب لقد احتملت الكثير في الغزوات المتتالية...
وإذ أتساءل الآن وأنا بعد هذا العمر الطويل عن الأقدار والموت الذي حاصرنا وكيف نجوت في كل مرة...
هل يستطيع المرء أن يهرب من قدرة، كم تمنيت الشهادة.
وبدأنا البدايات الخطأ ولكننا تداركنا ذلك بالتوبة والبيعة وذقنا حلاوة الأيام المنفلتة، وأيامنا التي تلتها.
ما أجمل أن تعيش من أجل قضية فكره كبري يهون في سبيلها الغالي والنفيس.
قالت فاطمة: التي انتبهت لصمتي وابتسامة متواطئة على فمها النديان والايام تزداد بنا اتساعاً.
أري شعيرات بيضاء على رأسك مددت ساقي وصرت أقول بوضوح لا بد من التضحية.

عبد الرحمن أبو دقل
فضل الله سالم
حامد أبو عصا
وحلو الجهني
كانوا في الطليعة:
أرسلهم المهدي ليتابعوا أخبار الشلالى ذهبوا ناحية جبال فنقر ولكن المك تيفرا ملك فنقر قبض عليهم وسلمهم للشلالى.
عبد الرحمن أبو دقل:
لم يشعر بالبرد وهو يشق الفيافي بين جبل ماسة وقدير... شيئاً فشيئاً أنقشعت ضباباته وسمع هاتفاً من السماء أن يذهب لأبا.
ترك مزرعته محمله باثقال الذرة والدخن كان وجهه حزينا وقلبه يخفق.
شعر بسعادة لا تضاهي وهو يفارق عالمه القديم لقد أعطي فأخلص... تقدم وعندما واتته اللحظة كسب الرهان.
وفي شيكان صعدت روحه الطاهرة بعد أن اثخن العدو قتلات لا ترحم.
فضل الله سالم:
كان شديد النظام فائق النظافة قادر على معرفة الأحداث قبل وقوعها شعر بارتياح شديد وهو ينضم لمجموعتنا... ترك الزوجة والأولاد وهاجر في سبيل الله.
كان يعرف كيف ينتهز الفرص.
كلنا نشترك في أشياء ولا نشكو من شي أبداً ... بذلنا كثير من الجهد ولا تعرف الإنهاك...
كانت أخبار أحمد المكاشفي تأتينا فتزيدنا إصرارا وتفرحنا أخبار عثمان دقعنة في الشرق وانتصارات أحمد فضيل.
نحلم بسودان جديد يبدو لأعيننا في طور التشكل... ذلك ما كنا نبحث عنه.
حامد أبو عصا:
لا يصادف المرء أجمل منه ابتسامة الودودة زيه المييز يستوقفك حديثه يعطي بلا من ويبذل من وقته وماله الكثير... ترك بيتاً واسع الأرجاء وتجارة رائجة والتحق بنا كان لا يخاف أبداً فارساً يقطع حشاء الأعداء ضربته لا تخيب يهدئنا عندما نروع. حسن الرفقه. كشفت لنا الأيام صواب نظرته... يغرق في التفاصيل والصورة أمامه دائما واضحة.
ومن ابا لشيكان للأبيض لام درمان حيث الجموعية في قوز نفيسه وخانق السبلوقه وحتى الترعة الخضراء احفاد جموع بن غانم الجعلي... في الفتيحاب وهم أهل كتاب وركاب.
كنا نتهيئا للحرب عند ضرب أم بايا والمزمر والقرن والنائي...
وعند الجردة نركب الخيول نقدم بها العرضة مع الموسيقي التي تملأنا حماساً.
وندخل البلك فرق الأتراك العسكرية ونبدد شملهم دائماً كفتنا هي الراجحة... نحمل الداواية ونشرب من التبلدي الضخم، ونأكل القنقليس... ونضرب سيوفنا عند البرقد من بنى هلال في جبل مرة.
لقد تخاذل عبد الرحمن أبو دقل وبشير كنبال، كان أملنا أن ندخل الصرايا حيث الخواجة غردون الكافر يقطن الخرطوم. حيث الطوبجين والاندال والمولدين.
كنا نأكل اللالوب من شجر الهجليج والرجلة والقرض نقطفه من أشجار السنط ونطبخ الرجلة في الدوكه والفرته ودجاج الوادي ونحمل معنا العناقريب مجلده بحبال الجلد ونفرش فيها البروش البعض يركب الخيول الجمال أو الدحوش... كنا نخزن العيش بعد نظافته من البتاب في المطامير ونكيله للناس الذين يصنعونه في البرام... نطمنطق بالكمر ونشرب اللبن الرائب بالرغيف.
لقد حرم المهدي الأمام التنباك والعسلية والمريسة وإن كان يستعمله البعض سراً. كانت النساء يلبسن القرقاب والفرجية نصف اوقيه من الذهب ونتعامل بنقود الخيريه والريعية والقرش والمحمودية والمجيدية وابومدفع وابو سلا. وابو نقطة والقشلي والمارياتريزا والمجري والطبر والدمج والخردة.
أيام كانت ملئية بالخضرة وبشرفات الحنين وأشجار التوق مفتوحة.
لقد حولنا العالم من حولنا الي بهر رائعة تبدل الرجال وصاروا أكثر مضاءً.
صارت رغباتنا واحدة ونحن نهزم الطغيان أن تصير حرا في بلدك
شعور لا يضاهي.. أن تتذوق طعم النصر وأمتلا أعداؤنا بالخيبة والهزائم المتتالية كنا نملك الماضي والراهن والمستقبل ...
أيام مدهشة وحيوات ملئية بالتفاؤل. لقد خرجنا في بادئ الامر تواصلا لأيامنا تلك كنا لا نطيق الدجلوس ونشعر بالضيق من السكون .... وحياة الترحال لا تتطلب الكثير سوي جمل بشاري وزاد وعندما أري ثباتنا علي الفكرة وإنتصاراتنا المتتالية أحس بالدفء يغمرني. رغم أمزجتنا المختلفة الا أننا متطابقون وسارت بنا الصباحات من يوم لآخر.
ننطلق حيثما سار الركب نطعم خفافا نتحرك خفاقاً وننام ونستيقظ موقنين أن الحياة تستحق أن تعاش. ماذا يدعونا لمواصلة هذا الكفاح. أن تحس بالآخرين وتنتبه أن الدخول ليس كالخروج وأننا نستطيع أن نوجه حياتنا نحو أهداف كنا نصغي لها قبل تحقيقها وعندما أري حالي الآن وقبلها أندهش...
تنظر إلى مذعورة فاطمة كانت أكثر جمالاً بوجهها النضر ونظرتها تحكي لي عن قسوة الظروف وأن ثمة شي فتياً وملائماً يمتص حزنها...
لقد نجونا من ميتات متعددة
كثيرون تحطمت أشياء بداخلهم غلبهم الوقوف تعتمت الرؤيا عليهم... وبيقظتنا التامة أكتسينا صرامة وحزماً...
راح توترنا... لقد تبدلنا بدلتنا الأيام والأفكار الجديدة... كنا قبلها حشرات لا تدري إلى أين تساق... الآن صرنا في مهرجان كبير... أن تحرك ساقيك داخل طست ماء... الحماسة هي ذاتها من يوم أن بدأنا. لم نكن جزر معزولة ننهض جميعاً كنهضة رجل واحد ولا نعبأ بشي لقد أشرقت أيامنا... وبدأنا الطريق الطويل.
الكنانية سافرت ثلاثة أيام بلياليها من تخوم فشودة لجبل قدير تخبر المهدي بتحركات أيمن المريبة.
وأنت تسير في شوارع أم درمان البقعة المباركة يقابلك الداداري يستقري المستقبل وهو الذي توسط بين عبد الله والزبير وعبد القادر ساتي في الرجاف والدفتر خانه في الاستبالة والبواخر بصنادلها الراسية على شاطي النيل الطاهره والبردين والصافية والاسماعية والفاشر والمسلمية التوفيقية والزبير. وعبد المولي صابون في الساير وهيبة الملازمين على الفراء.
الطريق نفسها بعد سنوات
لم يطرأ جديد
البيوت والأشجار والناس
كل شي ينمو يتغير ويتشكل
نهايات الشوارع الترابية
ثم برك وحدائق...
واحفاد صاروا شباباً
تحس لكل شي طعم ولون ورائحة
أن تمتلك الأشياء كلها هل أنت مستعد للتخلي... الشعور بالقوة...
هل يحس الشبعان بالجائع... وتسير تحمل ملامح الماضي. الوقوف الصعب في محطات الحياة الصمود هو من يسندك.
فكرت في فاطمة استعدت ذاك الشموخ القديم... الأيام العذبة حيث كنا ندندن معاً لحناً شجياً... كان ثمة تماسك يحجب الموت والأيام تبتسم لنا ونحن نستنشق هواء عليلاً... تسير نهاراتنا الجميلة... ممتلئين بالشجاعة وبلحظات كالموسيقي نفرح عندما ننتصر في المواقع المختلفة ونفرح عندما يموت أحدنا متصالحين مع أنفسنا لا نغضب أبداً والدنيا في عيوننا عرض زائل.
واختلطت الوساوس والاحلام بالآمال ولكي لا أنسي في غمرة المباهج ها أنذا أدون مالا يزول... كانت أيام الغزوات تتري والايام تأخذنا ذلك زمن مضى.
الأتراك أشبعوا الناس المرارات ووجدنا الدنيا ممهدة لنزرع في فراشهم الخوف... واشتعلت الحروب على طول أرض السودان شرقاً وغرباً... كنا لا نعرف فصول السنة... يدخل الخريف ويأتي الشتاء فالصيف ونحن في حروب لا تنتهي.
تسمع تراتيل القرآن من الفرسان راتبة في اصوات عميقة وصافية...
يتلاصف ضوء الشمس على الأعشاب. النابتية كان السودان غير هذا الذي تراه جميلاً كصدر فتاة ناهد والاشجار ترسل اعناقها إلى كبد السماء...
عندما تسمع الطبول تدوي فهناك أمر جلل وعند مرا الدخان أعلى الجبال فهناك رسالة.
حلو الجهنى:
يصرف شؤون ما يوكل اليه، اشتهر بالرزانة وسعة الصدر والدهاء والحكمة. حكي له رحمة ود منوفل.
قائلاً: أن المدفعجي قد وضع لغماً داخل المدفع مما أحدث فيه عطباً وخللاً، جعل أنصار المهدي يعتقدون أن المهدي قد استطاع أن يعطل سلاح الأتراك وحدثت كرامة رفعت الروح المعنوية في أوساط أنصاره وحفزتهم على مهاجمة المباني المحصنة وقتل عدد لا يحصي من جنود الحكومة.
وإذا جاءت رابحة وهي متصاعدة الأنفاس اقتربت لتخبر المهدي. قالت: تركت البلدة قبل ثلاث أيام بلياليها عدوت تارة وهرولت أخري أندفعت جرياً بعد أن منعني أولياء أمري سرت في ليلة مقمرة قابلتني وحوش مشرعة أنيابها ومخالبها تسلقت فروع الأشجار تارة. شربت من مجري الماء ولكنني لم أتوقف أبداً مقصدي مكانكم هذا زاد غبطتي وسروري أنني وصلتك قبلهم... على ضوء القمر كان مسيري لم أفزع أو أخاف.
نظر المهدي بعيداً بذات النظرات الشاملة المؤثرة والعميقة... جذبت وظللت كالمعلقة.
أثني على المهدي كثيراً والحديث لرابحة... غشتني طمأنينة التأمت بها روحي فوجدت سريرتي تعني وبصيرتي تتقد... وغمرتني الفرحة... أشار لى أن أنصرف فأتتني غفوة...
وأخذ جدي عبد الرحمن بانقا يقول بهمة كانما تيار كهربائي يسري في جسده ويكتسي بدنه بالعافية يصير فتياً كما الأيام الخوالي.
الجهادية جاءوا من جبل النمنق وجبل الداير لا يعرفون هدوءً...
محمد خالد تزوج من الميرم عرفة شقيقة السلطان إبراهيم قرض في شكا.
الميرم عرفة:
كثيرة الجمال رائعة المحيا... باذخه، أميرة أبنة سلطان تشعل الحماس في المقاتلين... تشتهي أن تنظر أليها وهي تركب الفرس... تكتسيها روح المغامرة لا تريد شيئاً سوي سمع قعقعة السيوف إرادتها لا تقهر.
ويعيد عبد الرحمن بانقا
ترتيب الحياة من جديد يستلقي على قفاه كأنما يقرأ من كتاب... خوف النسيان وضمور الهمة والتلاشي...
محمد خالد...
فتي في العشرين حسن الطلعة يشحذ أدواته من سيوف وبنادق لموسم الصيد يجيد المبارزة باقواسه ونباله... له قدرات سريه في تحويل الهزائم إلى انتصارات...


التقي الميرم عرفة..
فاهتاجت اشواقه، قلعت شجيرات السدر النابته، حدجها بنظرة، أحب فيها شعورها بالزهو وهي سليلة السلطان قرض افتر ثغرها عن أسنان كالبلور.
تعثر محمد خالد، وكادت احراش قلبه أن تطيش ارانبها. تلفت لعل الدنيا تسعه وما بين المألوف والمرتقب نثر وده بساطاً أحمر..
قالت الميرم:
دع حيلك وألاعيبك، وقابل شقيقي إبراهيم قرض.
دخل محمد خالد شكا
لمقابلة إبراهيم قرض...
طرق ملتوية وعثاء واهوال اجتازها وفي خاطره عيناها النجلاوان كانت طوابير العسكر جيده اللبس والتسليح... وهو الآن بين يدي إبراهيم قرض سلم عليه بأدب وحدثه عن الأقدار وعن عشقه الذي ملأ قلبه وعن أن أيامه غمرتها أمواج الميرم.
طيب خاطره السلطان قرض...
طار من الفرح محمد خالد واعتلته الغبطة ولم تسعه الأرض... وسبح في عوالم نورانيه دون ذكر التفاصيل.
الميرم الصافية كجدول رقراق حازها أخيراً
إبراهيم قرض:
جالساً في أبهة غارق في شؤون حكمه وجهه لامع كالابنوس ومندلقة في جبينه تقاطيع الرضاء... ملئ بالدهاء والمكر والثقة وجه أوامرة بالعناية بمحمد خالد.
الأيام لم تسر باعتيادية...

ابراهيم قرض لا يحب الكلام الكثير
غموضه، سحره وحديثه كالشعر...
يخضع سلطنته لقيم الدين وحكمة رجالة ومعارفهم... لديه استبطان وقوة روحية هائلة...والميرم عرفه لا تقل عنه قيمة...
شغف بها محمد خالد...
حاورها وهو لا يرفع عينيه عنها
قال عبد الرحمن بانقا:
وحضرنا حفلات الرقص بزواج محمد خالد من الميرم أربعين يوماً تغني المغنيات وتضرب الدفاف... والفتيات الجميلات يتسابقن في إظهار جمالهن.
الحان شجية واصوات عزبة ترسلها بنت المكاوي واشعار تمجد الفروسية وشجاعة الابطال والشباب يرقصون يطربون كل فتي يأخذ فتاته يحتضنها بالروح يأتي الغياب ويسكن الغناء هامات المساكن والشجر... أربعين يوماً وكأن السماء تمطر عزفاً وينهمر الغناء كالسيل... تنداح الميرم عرفة ومحمد خالد بروحه العذبة يزرع وروداً ورياحين.
التكارنة أتو من القلابات:
والمرضي أبوروف أرسل من النيل الأزرق وقوز الهجليج الجمال المحملة بهدايا للسلطان يقودها محمد بن مالك ومردس وإبراهيم صابون... وجاء الرضي سعد بالرقيق والمواشي...
ومن ديار الكبابيش جاء عوض السيد ودقرشي مباركاً ويحمل هدايا لا حصر لها ولا عدد.
يونس الدكيم من أرض التعايشه والجبارات
هو الآخر ابت نفسه إلا أن يشارك في عرس محمد خالد بقافلة تسد الأفق.
ومن البطانة أتي الضباينة واولاد زايد على آبلهم يحملون كما جاءت به مزارعهم ذك العام.
ومن دنقلا العرضي أتي خلق كثير
ومن الهبانية جاء مساعد قيدوم
وكانت فاطمة الفارعة معنا في حلنا وترحالنا تركب الفرس الأشهب بكامل زينتها تلبس فستاناً من الحرير بانوثة طاغية تنزل من الفرس تصطاد كما نصطاد وتقاتل معنا في الواقعات الكثيرة التي خضناها.
فاطمة لو أتيح لك رؤيتها الآن لرأيت ملامحها في أبناءها جميعا رقتها الصافية روحها الشاسعة ومزاجها الرائق تحدثني بطرائق كهطول المطر...
تشارك في المعارك الناشبة بهمة لا تفتر وبصوتها العاري تسند ظهري اتقلب معها والايام...
تعلم محمد خالد في شكا أشياء كثيرة وخبر تجارب عديدة
لكن روحه تتوق دائماً للمغادرة...
تعلم محمد خالد وسائل جديدة وابتكر اشكال عدة والميرم عرفة تهبه تاريخها المجيد...
في مرة وجدها تشعر بالغثيان...
وترف عيناها تنظر اليه حيث عرجت نفسها.
قال محمد خالد وكان قوي خفية تسنده
سنسافر لأم درمان معاً نقتحم المساءات الوضيئة ونعيش في هدنة لا تتضعضع اركانها – لقد استتبت لنا الدولة.

الميرم عرفة قالت:
سوف لن يتركنا الأعداء
قفل بابه السنط محمد خالد وتوسد دفء الأشواق لم تتلبسه بلبلتها.
قال محمد خالد لإبراهيم صابون في مجلس السلطان قرض:
البركة حلت بأرضنا لذلك كانت غاراتنا لا تخيب لقد احرزنا النجاح بالتكاتف
قال إبراهيم صابون متعلقاً بازيال سعادة غامرة وتقاطيعه تشربت بحزم المقاتلين نحن موعودون بالنصر أن تمسكنا بقيم الدين.
السلطان إبراهيم قرض:
تصله أخبار المعارك، لقد ايد المهدي حيث لم تعجبه ترهات الاتراك....
وهو هناك في أقصي الغرب من دارفور كبح جماع الجماعات المغيرة...
مستخدماً مقدرته الفائقة على الدهاء جاعلاً سلطنته تنعم بسلام وهدوء راصداً تحركات الجماعات المارقه حاسماً لها في معارك قاتلة.
مساعد قيدوم الاشعت قال:
أن الفوضي لا أحد يريدها وان سارت الأمور بهذا التلاحق سيفني الوطن وعلينا التحرك معاً لحراسة حدودنا الغربية.
ثمة مصاعب كثيرة قال: عوض السيد ود قرشي أن نعبر للضفة الأخرى متماسكين لا بد من الصبر وبلادنا بما حباها الله من جمال غنية بناسها وارضها مما يطمع بنا الاعداء.

إبراهيم قرض يحرس التخوم الغربية
ولكن ماذا عن الجنوب؟
محمد خالد أغمض عينيه ووصف الوقائع بتفاصيلها وأن المشهد بانحداره لا يدعو للتفاؤل أنصت اليه الجميع بمافيهم إبراهيم قرض
يقول مردس لنرهف السمع:
كنا في السابق كثيري الانتباه الآن صارت تغيب عنا أشياء لننصت لأقل نسمة لا نلتفت... لنكن صاحين حتى لا نؤخذ على حين غرة
عبد الرحمن بانقا مخاطباً جمله:
في لحن عربي حزين أرخي الجمال البشاري أذنيه تكاد تتفطر كبدته أثر الشدو المنفرط عقده قال ودبانقا: عندما كنا نرحل في سفح السحاب وانت تركض من الغرب للشرق ترفع ذيلك كانك تسبح وتستنشق هواء عليلاً وأنت لا تخشي المعارك... تشرع صدرك للقائهم...
هدر الجمل وكانه يحلق بخياله للبعيد لآفاق لا تزال روائحها عطرة... كان دواخله اضاءتها الشموس وافتر عن أسنان بازخه كانه يبتسم... تلك البسمات النادرة التي يعرفها عبد الرحمن... لقد كانا رفيقين في الانس والسمر... لا يصيبها الضجر ولا التافف يقرأ عيني عبد الرحمن فيطيعه... ويهب به واقفاً في قامتحه المديدة لم يتعاتبا ابداً.
قال عبد الرحمن مخاطباً البشاري:
الآن وقد توقفت المغامرات كنت اداعبك يتحشرج صوتك... تركض كما التحليق تلفت الانظار وهاهو الزمن الذي لا يدرك هامتنا يمضغ غذاءه البشاري ويرسل آه...
تلك أيام للبراءة
حيث الحقول الغضة والسهول... وشاطي النهر لوحة أبدية من الشجن... الآن أضحت الأيام غامقة واللحظات زائفة والعيون ذائقة...
ود بانقا يواجه مكائد صديقه بدوبيت شجي ويعالج أساه بقلب نابض لا يتسرب إليه الملل.
حامد أبو عصا بعد أنتهي عهد الطيش سكن حاضرة المدينة الفتية... لم يفقد سيطرته على نزقه المستمر وكان يستفيد من ليالي أرقه بقراءة القرآن... زوجته تقوم باداء واجباتها المنزلية... وهو بالسوق يعقد الصفقات ويدخل في معارك بناء الدولة... وفي مواسم الحصاد يكتمل العشق والمحبة فيطال لهيب الود الدولة الناشئة.
وفي يوم منسحبة أفراحه ولولت زوجة حامد أبو عصا فتدافع آلاف الناس... حامد أبو عصا كان يصلي صلاة التطوع فإذا به مغشي عليه في فروته وما بين اليقظة والمنام تحكي زوجته كيف أنها فشلت في جعله ينهض تراجعت قليلاً وارسلت صيحة مفجوعة... تحكي شعراً مسجوعاً عن فضائله... النساء لم يستطعن مسكها...
قال حامد أبو عصا لزوجته نفيسه: لا بد أن يتعلم اولادنا ركوب الخيل والفروسية والضرب بالسيوف والسباحة حتى يدافعون عن انفسهم وطنهم ودين الله...
تضحك نفيسة وتقول:
يذهبون إلى جهات السودان الاربعة يقاتلون في سبيل الله.
اتذكرين في جبال النوبة يا نفيسه
ونحن نلحق بالجيش المغادر للأبيض كيف اننا نأخرنا في بحثنا عن بهائم لنا ضاعت ولم نعثر لها على أثر...
يا حامد تلك أيام لم نعرف فيها الهزيمة
لقد كنا ناكل الغزلان التي تصيدها...
وانت عريس جديد ملئ بالشجن والدفء والغرام
قال حامد وانتي تجيدين الدلال وتكشفين عن حميمية وتتفننين في صنع الطعام وأنا أحكي لك أيام الشقاء الأول وكيف كنا نسلب الناس أشيائهم... وكيف تاب الله علينا خلصت روحنا المتمادية في العصيان
وميض من أيام مضت تحتل غرف القلب باهوالها... وعطر لحظاتها... وها نحن في خريف العمر وكان عبق الأيام تلك كانه البارحة... وانتقلنا من موقف لآخر.
احببنا ملاقاة الأعداء... قتلناهم سال منهم الدم شققناهم عرضاً وطولاً حماية للأرض والعرض.
والآن هاهي نزر التفرقة والفراق تسود الرفاق تخترق التحصينات انها الدنيا يانفيسه..
لا تصدق عيني نفيسه ان كل ذلك صار الآن للعدم... تحدق في البعيد تهرب خيولها وتصنع كفيها على وجهها وتشهق بالبكاء.

* * *
* * *


نزلت القوات الانجليزية المصرية في كورسكو في شمال السودان منها شق الطريق الحديدي بين حلفا وابي حمد وكان بها مخزن لوقود الفحم الحجري... ذلك ما نبه له مساعد قيدوم في عرس محمد خالد زقل...
قال عبد الرحمن بانقا لحفيده ياسر:
قد كان عثمان دقنه الكردي البشاري الهدندوي يسخن الانجليز الجراح في الشرق حيث كان تأجراً ترك دكانه مفتوحاً ولحق بالمهدي في الأبيض ارجعه المهدي لشرق فاكتسح سنكات ولقن الانجليز درسا قاسياً في وقائع هندوب
وشارك في النخيلة وكرري وفي آخر ايامه سجنه الانجليز في رشيد بمصر ولميان طره بالدلتا وقضي آخر أيامه منصرفاً للعبادة ومجاهدة النفس ثم أدي الحج في الأرض المقدسة ومات ودفن بحلفا ونقل إلى اركويت.
وما ذالت خططه العسكرية تدرس في معاهد الغرب.
وفي سواكن المدينية البيضاء بلغة الهنود
عاش في مدينة الأمان بر السلام وهي ميناء السودان
تأتيها السفن من الشرق والغرب.
وايضاً عرف التليان الذين احتلوا كسلا مهاراته القتالية... وعندما تمرد يوسف ابن إبراهيم قرض بدارفور ارسل إليه الختيم موسي ومحمود ود أحمد الذين قضاء على فتنته.
لقد جادل العلماء المهدي بشأن المذاهب الاربعة فرد عليهم.
هؤلا الأئمة جزاهم الله درجوا الناس واوصلوهم الينا كمثل الراوية وصلت الماء في منهل إلى منهل حتى وصلت صاحبها البحر فجزاهم الله خيراً فهم رجال ونحن رجال ولو ادركونا لاتبعونا وان مذهبنا هو الكتاب والسنة والتوكل على الله، وقد طرحنا العمل بالمذهب ورأي المشائخ.
وكان لا بد للخريف أن ينقضي حيث تكثر الصواعق والرياح والبروق... وان كل شي زائل خاصة عند قفز المراحل وتبرير الهزائم بعد سماع أقوال المرجفين... وجاء المتحلين أرهبوا الناس احياناً واغروهم تارة أخري
هناك من ذهب أمواله وسلطانه
فناصروا المحتل... الجميع اصابهم الانفصال والبلد صار كدراً... امتلأت النفوس والضغائن وما عادت الحشائش تزهر... لا أمل والعزائم قد خارت.

فاطمة أحمد أبو جميزة:
روحها تسري فيمن يراها كايقاع الموسيقي
ورثت عن أحمد ابو جميزة حبها للضحك
جسدها المموسق اشواقها التي لاتنتهي
الرضاء الغائر في شغاف قلبها جذبني إليها
وعندما بنيت بها نسيت أيام الترحال وآلام الشتات... تملأ بيتنا ببخور الصندل تضبط ايقاع اندفاعاتي بثمالات سلوكها الباهر تحب النظام فوجدت قلبي خالياً وسكنته بكل ذلك النقاء. هي أميرة أفريقية نزقة لا رفض لإرادتها واشتبكنا في احاديث أودت بنا إلى الفناء والليل يتوسطه البدر... جلونا الرماح وطيبنا الخواطر والليل يرسل آخر آهاته... تعلقت بروحها...
والطبول تدق حيث غادرتنا الكآبة...
عاهدتني قبل انقضاء اليوم أن تكون مخلصة لشراكتنا معاً.
وها نحن بعد كل هذه السنوات كاننا لم نتعلم شيئاً، عشنا الايام بوخزاتها، وانجبنا كثير من الابناء والبنات، ومازال فيها شي يبرق، وعندما تنهض اشتم رائحة حبها المتدفق احيطها بذراعي، ونسبح معاً مع التيار.
قالت: أنها لم يخطر على بالها أن نتزوج وهي ابنة أحمد أبو جميزة.
من زعماء المساليت في دارفور قال أنه الخليفة الثالث للمهدي وجمع حوله نفراً من المعارضين لحكم الخليفة عبد الله منهم أبو الخيرات إبراهيم قرض وإبراهيم الولي من بني هلبه وجموع من الماهرية والزغاوة والميدب وبني حسين واستطاع بفضل تأييد هؤلاء أن يهزم جيوش المهدي بقيادة الختيم موسي ومحمد ود بشارة وقوات عبد القادر دليل... توفي أبو جميزة مريضاً وتولي بعده أخيه صاغة وابو الخيرات ابراهيم قرض ولكنهما هزما اثر هجمات الامير عثمان آدم جانو من أقرباء الخليفة... قائد فارس قاد قبلها الحملة التأديبية على الكبابيش وقتل زعيمهم صالح فضل الله سالم في جبل اللين. وقضي على فتنة أبو جميزة. قرب الفاشر توفي وخلفه محمود ود أحمد.
لم تتجنب فاطمة محادثتي رغم اعتقاداتنا المختلفة في تثق في وتضمر لي حباً دون تبرير فارسة ابنة الفوارس تركب الحصان وحدسها لا يخيب بابتسامتها الصافية تذوب الأسمي لم تحزن لوفاة اخيها أبو جميزة. لأنها رأت كل ذلك في رؤيا قبل وفاته بيوم... وعن اسباب تبرمها الأخير جلست الحولين وهي تتذكر صعوبة طلوع الجبال وتجاملني ببعض الاحاديث وتسبح بخيالها للبعيد.
لاحظت في الأيام الأخيرة أن فاطمة فقدت أهتمامها بأطفالها وصارت تحول الحديث تستعيد أيام مجدها الغابر وتستدير عطفي تجاه آلها... وبوجهها ذي العينين الرائعتين تجعل مقاومتي تفرخ وتعوى ونظل نخلق معاً ننسي الاختلافات الصغيرة وفي غمرة فوضي الحواس في تلك الأيام أحمل لها صغار الضأن التي تحب تربيتها وبجهد ارجعها للأيام الخوالي، وسرعان ما تنسي اساها وتنغمر في الحياة اليومية وتستعيد عيناها القهما.
فاطمة الرشيقة كنعامة مستمسكة بدينها تصوم أغلب أيام الأسبوع وتكره الحرب وتحب التفاصيل... أروي لها تفاصيل المعارك منذ بدأنا... تلح على أن أكف عن الترحال خاصة وإن حياتنا بدأت تستقر.
فاطمة تطبخ وتزرع وتربي الماشية، وتعرف فنون الحرب وتتقن أشياء أخري لا ينقصها الدهاء وهي أميرة... صعبة المراس أن ركبت رأسها سريعة الرضاء...
تثور غباراتها إلا أنها سرعان ما تهدا وتتلقاني ببسمتها وحديثها الغارق في الحنين تزيل من على وجهي وعثاء السفر تعرف احلامي وتنثر حبها حولي... اطلق سهام نظراتي واستغرق في عاملها قبل أن تطيح بايامنا المتهالكة المحن.
ومن اطراف البلاد نسمع ببدء الغزو الانجليزي المصري وندعو الله أن تكون العواقب سليمة.

احكى لياسر:
عن تجاربنا الحربية وعن جبل الاعداء وان الايام جعلتنا نتقن القتال لقد بدأ أغلبنا حياته غائراً كنا شذاذ آفاق نكر ونفر ونطعن ونهرب وعندما دخل الناس افواجا في الثورة المهدية تنظمنا سريعاً...
وصار للحياة لون آخر امتلكنا تصميم لا يلين وعزيمة تسافر قبلنا...كانت الدنيا في ايامنا رائعة ومن نصر لآخر لم نتكبر أو نختال... غرقنا في ظل المعارك المتصلة ليس هناك وقت لغسل ملابسنا احلامنا تكبر نعرف بلادنا درباً درباً.
والغزاة نقبض عليهم كعصافير...
السودان الشاسع هذا حددناه شبراً شبراً غاباته وديانه وسهوله... إذا مرض الواحد منا فالدواء جاهز حبات قرض أو شربة جزور أو محريب سنمكة أو حرجل كية من نار أو آية من القران الكريم....
وعندما جئنا لام درمان لم يستوعب المقاتلين حياة الاستقرار... سنوات ونحن نحارب على طول البلاد وعرضها... الآن اضحي البعض يقومون باعمال الزراعة أو تربية المواشي والاشواق لتلك المعارك حيث كنا كأننا نغني أو نرقص... الآن وأنا اتأمل في حالنا اقتحمنا المجهول وكنا لا نخاف على أرواحنا وها نحن نحسب لكل شي حالة....
الفصول وتداخلها النباتات واوقات زراعتها التربة وأي المحاصيل تنفع لها صحيح أننا مزارعين بالفطرة ....
إلا أن البدن كان خفيفاً
والسماء تعطي وتفيض
رابحة الفارعة ذات البشرة الداكنة بنحافتها الموغلة لدهشتي ظلت صامته...
ضاقت بأيامها كانها في سجن
بعد أن تحولت بنا الأيام وهي في مجلس الخليفة بكامل بهائها ووجهها المشرق قالت لي: ياود بانقا لماذا اهتزت قناعة البعض... وصمت آخرون...
أين العزم الماضي كسهم... وصولاتكم وجولاتكم، أخمدت الإرادة؟.
التفت للبعيد وقلت:
ان أيام السلم ليست كايام الحرب ونحن مجاهدين مستعدين للقتال في أي لحظة...
قالت الكنانية:
أخاف عليكم من الدعة وفي صدرها حشرجة قلت: لم يخيهم على قلوبنا الران بعد.
رابحة المحاربة:
ركبت جوادها ودعت الخليفة عائدة إلى ديارها نظرت إلى وهي تداري دمعة عند سماعي لبدء الجهاد من جديد ستجدني معكم.
* * *
* * *

لرياح الخريف طعم آخر...
شعور بالفرح يملاك وانت تولج الغابات المنسدلة أوراقها... العشب النابت والشجرات المتباعدات يهز هامتها النسيم. خفيفاً يطير البلوم... النعاس يداعب الاجفان والكري...
والبلاد تجهز كلها للجيش الغازي
جيش الخليفة في كامل استعداداته
يقدم استعراضاته المقاتلون روحهم المعنوية عالية... صهيل الخيول يملاوك بالكبرياء... لقد عاد لأذهاننا تلك الأيام الخالدات...
الجمال القوية والسريعة تحمل الفرسان الابطال يتمنطقون بالسلاح،
الكل متفاءل أن النصر حليفنا كما الايام السابقة.
شيد الخليفة سوراً حول مدينة أم درمان لتأمينها عسكرياً كما بني الطوابي تحصينات على النيل للدفاع عن أم درمان وارسل محمود ود أحمد الذي نجح في قمع الحركات المتمردة في كردفان ودارفور ليقوم بتحصين الجبهة الشمالية ضد الغزو الانجليزي المصري...
لم يتفق معه عبد الله ود سعد فقتله.
لقد رصدت أموال من بيت المال العمومي لأفراد جيش محمود ود أحمد الذين حضروا من الغرب وعلى وجه التخصيص للتعايشة...
منهم (الابهات) وهم كبار التعايشة وأهل مشورة الخليفة الخاصة.
لقد استعد عثمان شيخ الدين للمعركة المرتقبة، وكان حسن التعليم تعلم على يدي محمد البنا والطيب هاشم. قاد مع عثمان أزرق كتائب الأنصار والملازمية.
لقد ارسلت فرنسا علمها عن طريق ملك الحبشة للخليفة عبد الله حتى يضعه على الحدود الشمالية حتى لا يقربها الانجليز.
* * *
والخريف اعقبه شتاء كثرت التجاعيد في الدولة وصارت الطرق تحفر اخاديداً على الجدار... الخليفة بذكاءه ورؤاه واحلامه عرف أنها النهايات لم يستسلم واشرع قامته... جمع مجلس حربه بعد اعتكاف دام اسبوعين... بان المستور بأن هناك خروقات والمعلومات تتجمع هنا وهناك...
لقد تبدد الحلم الكبير في غزو مصر بعد أن فرح القوم بفتوحات الحبشة وها هي الصباحات في علو وانخفاض واخبار الثورة تهز العالم... والناس في ركضها مندفعة بحب الوطن... والبعض مغلق العينين بحب الوطن... والبعض مغلق العينين بعد أن رفض اليد الممدودة أليه من الجوار.
ورغم ذلك الايقاع هو الايقاع والناس مقبلين على الحياة بقوة الإرادة...
ومن يده في الجمر ليس كمن يده في الماء
جاء العرافون من كل حدب وصوب بارواحهم المتواثبة يباركون الخطط التي وضعت على مزاج عثمان شيخ الدين...
وقال الشعراء شعراً بمحبة وبالعشق كله والاخلاص... التعابير انحفرت في الذاكرة...
ومناشير المهدي تمد الجميع بفيوضاتها ولغتها الناصعة...
مازال هناك وقت لدراسة كل الأمر تحسباً للأقدار والحرب نحت نعرف أهوالها... وتنبؤات العارفين لا تخيب استعراض القوة غمر الناس بالثقة ومجلس الخليفة يحل وينعقد.
مارأيت الخليفة منهاراً كما رأيته اليوم حتى الاحتفالات فقدت طعمها...
والايام التالية اضحت كئيبه...
الناس فقدت الهمة في الذهاب للمزارع والتجارة كسدت وعم حزن وخيم خشية الاحتلال، وان كانت الارواح وثابة...
الخليفة يملك زمام الأمر بعد أن قضي على جل معارضيه والنظام يسير كما هو قبل عقد من الزمان...
مات من مات من الاصحاب والاحباب والبركات ما زالت تتنزل الينا...
والدولة التي كانت مشتدة عضلاتها حفت بها المحن...
حروبات فرنسا وايطاليا وها هم الانجليز قد اتوا.
جلب الخليفة جيوشه من الفاشر أبو زكريا ومن كرمك الزريبة ومن الرجاف...
المدينة غارقة في الشائعات فقدت الضحكات ألقها... وفساد هنا وهناك تلوكه الالسن... والححنا أن يعطونا السلاح المشكلة أن هناك من في عينه رمد والروائح نشتمها... والخليفة بعينه النافذة يزيل كل العوائق...
واشتعلت الاطراف من جديد...
وضعت خطط والغيت أخرى
وفي سبيل تماسك الداخل سقط كثير من الضحايا...
تسلل من اعطانا وصف دقيق للاعداء
خطة عثمان دقنة أن نهاجم ليلاً
ولكن عثمان شيخ الدين فضل النهار حتى يري جيشه الذي شكله بالتعب والسهر.
الايام تنصرم والراي لم يصل القرار والعزائم تتقد والجيش الغازي يقدم ومجلس الشوري يقترح الوسائل الفعالة لهزيمة العدو القلوب تركض والمشاورات تود أن لا تغضب الخليفة، وهاهو يعقوب بستشاط غضباً أن لا تفسد الخطط ولكبح جماحه لا بد من أن نختار موقع المعركة الفاصلة تضاربت المشاعر في سخطها...
كثير فسر الاحداث على هواهم
ولكن الاقاصيص الاكثر صدقا تلك التي تتعلق باخلاص الخليفة والشجن القديم على ايام الشدو بتفاصيلها.
والتاريخ لا يعيد نفسه... لم نتخلي عن سلاحنا طيلة السنوات الماضية وان يصيبنا خوار العزيمة ذلك ما نرفضه تماماً. النصر أو الشهادة.
حملنا ارواحنا في ايدينا ومصائرنا وبين جوانحنا احلام ونبوءات... تقسم الجيش إلى الوية... جرت المعركة سريعاً الاعداء المدججين بالسلاح الحديث حرصهم على النصر... قاومناهم ببسالة... تهشم العشب النضر ومن يومها عرفوا تحدينا...
لم ننهزم ولكنهم غلبونا بقوة السلاح... النتيجة كانت معروفة خلال الساعات الأولي للمعركة
شهد فيها تساقط الاحباب بالمئات الخلاف هو من اودي لحالة التفكك النار تلتهب في الحشا...
ولكن لم نسامح أو نتغاضي...
صار هناك اجلاء للموتي والجرحي
وانسحب الجيش لم
نلتفت للصفائر توفي كثيرون
وذهب الجيش المنكسر لام درمان
في ليلة غاب فيها القمر
بعد يومين من المعركة الفاصلة بدأت بعد يومين رحلة اخرى إلى تخوم جبال النوبة والغرب
ضرب الجيش ام بايا...
اهتزت الاشلاء لملمنا حزننا
وفي المنتهي سرنا دون خوف لمواصلة القتال من جديد شهور عديدة مرت سعينا فيها لتأسيس الجيش.
الاحداث تسارعت خذلنا الأصدقاء
واختلف الزمان انهار التجانس القديم
ولمسنا إنطباعاً ان كل شي انتهي
وجدت الكنانية تركب جوادها الأصيل تحرز السبق هي دائماً تحث الجيش على النهوض... في الامسيات تقول شعراً رائعاً... تزاوج بين الواقع والماضي والمستقبل كعصفور وتنتقل من غصن لغصن .
وجاء الخريف واخضرت الأرض والجيش في طريقه لقدير عامان مرا وعاد في طريقة لأم دبيكرات تذكرنا سالف الايام حيث جئنا في نفس هذا الدرب.
فاطمة متماسكة بذات الألوان الحبيبة والأيقاعات الشجية... قلت لها: أن أنتهت المعركة فهناك معارك قادمات.
التفت نحوي: محاولة أقالة عثرتي وان تواسيني.
حلو الجهني مازال يضمد جراحاته النازفة ويخبئ للأقدار شئ من وهج عينية أن دارت رحي الحرب من جديد ستري. خاطبني وهو ينظف سلاحة.
نحن نتوقع المدد أردف من احمد فضيل قال لي: أعتني بحصانك لامسه بكفه وهو يقدم لي بطيخة طازجة.
ما حدث لم يجلب سوي الحزن
قال محمد خالد:
الذي تقمصته روح والده ولم يخض في التفاصيل ..
أبراهيم صابون يلعب بفرسه كالايام الخوالي ومساعد قيدوم لم يفقد تفاؤله يدندن بأشعار كما السيوف
الغاية أننا في بلدنا والأعداد لابد منهزمون إصطنعت الإستماع اليه. بوسعنا أن نشعل المعارك بذات الحماس ولكن ما يصلنا من أخبار لا يطمئن...
لقد كنا في الماضي تقف معنا السماء ، الأن ما عادت الوسائل المضمونة تحقق شيئا لنعد لديننا من جديد ونجاهد النفس ونطور الأساليب: قال محمد خالد كستنا موجة حزن ولكن لا بد أن نخرج منها مرارات الهزيمة لا تأخذ جل وقتنا. سنستعين بملك الجبال ونضاعف الجهد وشراستنا معروفة لأعدائنا
لقد ذقنا حلاوة النصر من قبل وبمواصلة الكفاح تعرف معادن الرجال لنعتبرها هدنة ...
لكن جل المقاتلين تسللوا لديارهم.
قال محمد خالد واردف لقد ملوا الحرب.
لم ينهزموا ولكنهم تقهقروا آلاف من الجنود والاطفال والنساء والبهائم توجه الجيش غربا الاشتعال مازال في النفوس وعلي مشارف النهر كان الإصطفاف. سنتين والجيش زاحف تجاه غرب البلاد بعيدا يضمدون الجراح... في أثناء تلك الأعوام مؤمرات تمت وزيجات إكتملت وولد أطفال جدد وقصص حب نشأت المؤشرات تدل علي أن النفوس الملتهبة لم تخمد... أبقار وخيول وحمير الدولة بكاملها تحركت غربا المفردات لا تقدم صورا... تقيم الواقع الموقن في غرابته وكأن لعنة خيمت علي الأفق حتي السماء استعصت عن الأمطار.... خلق هائل والمعارك الطاحنة التي دارت .
الآلاف كانوا يتدفقون نحو المدافع حتي يهرب الذي خلفها هناك من يعزف لحن حزين من ربابته يحكي الذهول وأشعار مليئة بالأسى...
وتحكي عن ذكريات المد الكاسح... ليس هناك شئ مكتوب ولكن النهارات لم تعد كما هي...
الجميع يصحو وينام ويقتاد الإحباط ومشاهد تفطر القلوب... البعض يتداوى من جراحه ويحاول تنقيه نفسه واذاحة الظلام ...
فاطمة تهب من هواجسها وتتعمد أن توقظ روحها وبالإيحاء تغمرنا السعادة أحيانا نحن مستغرقون في هم لا ينتهي.
وللأبناء ولد أحفاد... حتما سينصفنا التاريخ حيث لم نفرط في الوطن وحدها المؤامرات والفساد والمعتدلون لم بسمع لهم صوتاً.
الأحزان تتواتر والشكاوي...
لم يغادرنا الهدوء رغم ذلك روح الجهاد لا زالت مشتعلة في النفوس لا يلهيها حالنا الأن... وبتلقائية غادرت اللحظات البشعة والشرور.
إستطعنا أن نتسلق سيقيان الأمل وسرنا نمتطي جمالنا... جملي البشاري كأنه عرف حالنا بملازمته الطويلة لي شققنا السهول والبوادي في حزم كما الأيام الماضية وأخذ يشرع عنقه للريح ويسير خببا مستغرقا في صمته.
الميرم عرفة تلمع عيناها في الظلام وتقرب من محمد خالد تحدق فيه وهي مجنحه.
تحفر في نتوءات الروح عن جماليات منقضية قطعنا نهر النيل الأبيض وفي تتابعنا نجر أذيال الجيش ونطمع في المدد لمواصلة القتال.
نسج الناس حياتهم دون خيالات وبرشاقة متميزة عشت قصتى وفاطمة
فاطمة كغزالة منفلتة، التقيت بها وبروائحها الحية وتعابيرها تمكنت من غزو قلبي سنوات وانا مقاتلا اسطوريا نشأت على الجهاد. وفاطمة شعرت بالرضا وفسرت تعاطفها معي بحب فرح. اضاء ايامي, ثم يزداد سرورها وانا ااملها بالزواج بعد أن تستتب الأمور. واذهب بالبشاري لاول الجيش السائر حتى آخره، تتابعني بنظراتها، متدثرة بالحلم الذي يداعب اصقاع نفسها. وبالليل اتغزل فيها شعرا اختزن فيه رائحة الازهار وتحليق الطيور, اخترق به فوضى الايام، فينمو الود بثقة يكتسي خضرة الوديان.
وعند انتها مواسم الحصاد، انداح لنداء قلبي، اضم وجهها الصغير. اخاطبها واعانق جسدها السامق الشاب الرشيق, تكشفت لي حنيتها, تفجرت براكيني وكان ان شاركنا الاحباب في ترميم حياتنا. تنادوا وقراوا الفاتحة. سكنت هواجسي. اضحت عيني تضج بالسعادة لم اسحب اشواقي نبضت شراييني واهتزت الاوردة. لقد كنت محظوظا ان بنيت بها. صمتي صار اكثر, همساتها, صعودها وهبوطها وانفراج اساريرها. وهي الهيفاء محملة بحبي تتدفق الحياة في جسدها لحنا دافئا واكافئها بلغة عذبة. اعزف لها عن العمر الذي ذهب.
تسعة شهور وخرجت فاطمة من هودجها مليئة بالعافية.. جريت الهث ابحث عن داية، فالفيت الكنانية في خيمتها عند طرف المعسكر تغدو وتروح، وهي تلمم ادواتها, قالت لي اذهب انت وسوف الحق بك.. ركضت لأطمئن فاطمة قابلني حامد أخيها ودخلت عليها وجدتها تتألم والنساء حولها, الخيمة مرتبة لاستقبال الحدث السعيد, تحلي بالصبر قلت لها وناولتها قرعة من منقوع الحلبة قلت لها اشربي وبريق الصبا يلمع من عيني, أخيرا تحقق حلمي وولدت فاطمة الرائعة ابنا جميلا لم ينداح صباها وهي تستقبل الطفل على ظل شجرة كبيرة تشابكت افرعها. قبلت فاطمة على جبينها ابعدتني امها قلت لها لاتفسدي علي فرحتي.
كان ميلاد الطفل الجميل حديث المعسكر.
الشمس تشرق كل يوم تتفتح تملا الكون ضياء ودفء. لقد صفا قلبي لتلك الايام.
والوهن يغمر فاطمة، لم يشف حنيني لها، برفق لاطفتها وهي جالسة بصمت من يغيب هذا الشقاء.
بعد ان تمت ايام نقاهتها والتامت جراحها وافيتها وهي تتحدث الي باحترام، لقد حققت امومتها، مما جعلها تقترب مني اكثر. لقد تركزت افكاري الزاحفة بصدد الامتداد فيها عميقا. ان تلتحم فيوفر هذا الحنان المتسع, معارك خضناها معا وتلك المناوشات اللذيذة وذاك التميز. كنت اتفصد عرقا، وفي لحظات الهدنة اتذكر التفاصيل الغارقة في بهائها, كيف انني امسيت حلم الفتيات ولكني اخترتها هي فاطمة النائية التي تعرف قول عيني وهي تنظر للسماء.
احس انني مشلول الحركة وانا امسك بيدها, ابن عمها المافون والقمئ لا يفارقها كيف ازيحه عنها حاولت مرارا ابعاده عنها ولكنني فزت بها الان... تحديج فاطمة بي جعل صيت حبنا ينتشر على طول وعرض المعسكر، بدانا حبنا عند بدء سير الجيش، والان تحولت البراءة الى تجريد اكسبتها بفضائلي وشعوري المستعر الى تحقق.
لقد سعد كثيرون بانتصاري، كان لي اصدقاء من المجربين وبما انني لا اعرف التقهقر فقد غمرتني سعادة لاتوصف وانا المحارب الذي لا تفشل خططه, لقد اقتحمت العاصفة وفرضت سلطاني.. لدهشتي ظلت روحى المنسابة تزيح ارقها واستطيع بجهد صباي ان اثير دوافع الشبق وفي مواسم نزول المطر تهيج الأشواق لقد نضجت ثماري قبل اوانها, فتوتي المبكرة جعلتني اقطف المحال.
لقد حركت الاناء, وما بين اليقظة والاحلام خففت للقاء فاطمة, خلعت قلقي وقمت بولوج الاوكار في اتصال ازحف بجسدي النضر ازيل البثور وباناة استلقي استغرن في شجن لم افق منه الا في بدايات الصباح الاولى.
وفي بحثي الدائب عن الحب لم أتجشم المشقة فمسحت فمي وألقيت أسلحتي العتيقة على باب فاطمة التي لم تستطع الانتظار فهبت رياحها منهكة شهران أو ثلاثة وتضخمت بطنها من جديد.. قال الناس عني إنني مجنون لا أمل الطراد لقد اشتدت هيجاناتي في بدايات الشتاء وها انذا أواصل إشجاني وأحدق في عيني فاطمة من جديد إن تقارع الحياة بالسيوف وان يكون حلمك المجابهة. الجسد تنهشه الرغبة والمهام الموكلة ارتديتها خلف جناحي امتلىء زهوا وأنا أسدد الطعنات للأعداء، واخترق فاطمة اقضي على أشواقها وأحسن التسديد وهي في ارتفاعاتها المتماوجة ترضي طموحي وتشرع صدرها لغزواتي التي لا تنتهي, لم تتزحزح ثقتها في أسلحتي التي اختزنها لدى الحاجة فاحس بالطمأنينة.
جملي يتسلل إلي في العتمة، يمضي بي رغم المرارات احثه علي عدم التفريط يعدو وانا على ظهره يزفر آه تغسل ما تبقى من خيبات يقلب شجن قلبه الذي لا يهدا, وأودي طقوس الولاء لفاطمة استعرض عضلاتي تدهنها لي فاطمة وفي حالات الجذب تسيطر عى فتنتها, اقفز إليها من على ظهر البشاري اعانقها اخبرها عن غزواتي والنزوات والصبوات التي تتقد، لقد اعتادت على رغائبي التي لا تنتهي, الصباحات اللذيذة شروق الشمس الوضاء هطول رزاز فاطمة وهي في خيمتها الوثيرة.
تدلك شعري وتاتيني روحها المضمخه بعطر الصندل.. تنظر نحو الافق فترى الايام الجميلة وطفلينا الرائعين تشيد النفس بروجا دافئة، وشهر الشتاء يوشك ان ينقضي. نحضر لموسم الزراعة معا كأن الدنيا ليست فيها حرب واجهز المحاريث... احدق في عيني فاطمة ينطق لسانها تتحدث بتلقائية آخذها من جديد كأننا عريسين جديدين تهتف بي وتسير في كامل زينتها اقول فيها شعرا رقيقا كأن الحياة ستستمر الى الابد.
يعجبها الإطراء.. تتذوق طعم الفاكهة الطازجة على يدي يهتز الجسد واتعجب لتبدل الاحوال وتقلب الازمان اخاصرها اخاف ان تتهدل اللحظات رغم المحاريث الجاهزه الا ان الحزن من ضياعها يجعلني امتطئ صهوة المجهول.
لقد سكنتي تماما فاطمة، رغباتنا المشتركة جعل شفائي منها صعبا الا ان تحصل معجزة في زمن قلت فيه المعجزات.
موسيقى العرس اتذكرها كأنها البارحة، حداء السفر واغاني البنات ودق الطبول كلما ارتفع غناء عرس تمثلته كأنما هو عرسي من جديد.
فاطمة لهفتها علي واشراقها واشرافها على راحتي جعلت روحي تتخوف من ان يصيبها مكروه.. وفي مثل هذه الفوضى كل شئ محتمل.. يهرب النوم من عيني عندما اتذكر ذلك.
فاطمة كما القمر شئ يجذبني اليها.. واذهب واعود تضطرب روحي وأؤدي معها طقوس روحية تجهز لي ماء الحمام الدافئ، اركض خلفها في المزارع. تتخلل احاديثنا انتشارات الود وعلاقة شوق مضطرد نعزف فيها كل يوم الحان جديدة. ونقلات تمتلئ بصدق المشاعر والعاطفة. تتكرر اللقاءات.. التي لم يتخللها الغضب.
اقول لحفيدي ياسر ماحصل قبل مائة عام في السودان هاهو حاصل الان.
جيوش تحشد في الشرق وحرب في غرب البلاد وتربص من الدول الغربية.
هاهم كلهم هنا...
وهاهي الجراح نفسها،
غرقنا في التهويمات جعل السكوت جريمة.
وهاهي فاطمة اتت،
تحمل الافطار ساخنا الينا ومعه الشاي، يركض نحوها طفلاها..
حصاني الاشهب واقفا في حظيرته...
وعلى الجدار اسلحتي جميعها التي خضت بها الحروبات الكبيرة كلها لقد استعنت بفاطمة في اجتياز الصعاب وهاهي تشارك في الاحداث وتعرف تواريخها الدقيقة.



للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر الحر | دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر الحر

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |تعارف و زواج|سجل الزوار | اخبر صديقك | مواقع سودانية|آراء حرة و مقالات سودانية| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved