هلال زاهر الساداتي- القاهرة
من البديهيات ان الظلم يبيد ولو بعد حين , وان الحق يظهر ولو ساد الباطل امداً طويلا , وان الله لا يرضي بالظلم و الهوان لعباده بل للأنسان , وهكذا كانت ابواب السماء مشرعة تتلقي دعوات ملايين الاكف الضارعة الشاكية ظلم و قساوة ووحشية نظام الانقاذ و آلته الجهنمية الجنجويد و الذين اقترفوا من الفظاعات ما تشيب منه الولدان من سفك للدماء بدون حساب وهتك للأعراض وحرق للمنازل و الزرع وسلب للممتلكات لاهلنا في دارفور , فهؤلاء الجناة المتوحشين لا يملكون وزن ذرة من الخير في قلوبهم , ولا وزن ذرة من الرحمة في نفوسهم , ولا مقدار ذرة من تعقل في رؤوسهم , وعميت منهم الابصار و البصائر .
ولم يكن الله غافلا عنهم و لكن كان يستدرجهم ليتمادوا في غيهم و جرائمهم , وكان يملي للظلمة حتي اذا اخذهم اخذهم اخذ عزيز مقتدر . وجاء قرار مجلس الامن 1953 باحالة المجرمين الي محكمة الجزاء الدولية للحساب عن جرائمهم بردا وسلاما علي المشردين و النازحين و اللاجئين من اهل دارفور وعلى كل الشرفاء من الشعب السوداني وجاءتنا النصرة من شعوب العالم الحرة ومن اناس ليسوا علي ديننا ولا يدعون عروبة كتلك الدول و الشعوب العربية الذين صمتوا صمت القبور و ليتهم سكتوا ولكن اعانوا النظام علي جرمه بانكارهم لوجود تطهير عرقي و ابادة في دارفور وان المسألة لا تعدو النزاع علي الماء و الكلأ .
و اخذ اركان نظام الانقاذ يجأرون و يملأون الدنيا صياحا ويسيرون المواكب لأن واحدا و خمسين متهما منهم سيقدمون للمحاكمة الدولية , وحقا يكاد المريب يقول خذوني , وحقا اذا لم تستح فأفعل ما شئت وهذا ما يفعلونه بالفعل من تزييف للواقع , وانكار للحقيقة , ومكابرة و مغالطة في عين البراهين و الادلة .
ويتحدثون عن الاخلاق والدين , ولا ادري عن أي اخلاق ودين يتحدثون ؟! فالجبهة الاسلامية ومنفذ وقائد انقلابهم المشؤوم المشير عمر البشير وزمرة الضباط المتآمرين معه حنثوا بالقسم الذي اقسموه كضباط للولاء و الطاعة للحكم الشرعي وللدستور , ولذلك هم اول المتمردين علي السلطة والاولي بالمحاكمة , وهذه هي جريمتهم الاولي , دع عنك ما استتبعها من الجرائم البشعة التي ارتكبوها في حق الشعب السوداني و الاذي الذي اوقعوه علي المواطنين من قتل وتعذيب وتشريد واختلاس وظلم ترتعد منه السماء والارض . فالنظام غير شرعي ولكنه قائم بالواقع . ثبت ان تسامح الشعب السوداني في غير محله , فالعفو عن السفاح جعفر نميري ومن قبله الدكتاتور ابراهيم عبود , وغياب الحساب اغري الطامعين في السلطة و المغامرين علي الوثوب الي الحكم و السطو علي السلطة الشرعية بدون خشية او تحسب للعواقب لانهم سينجون بفعلتهم في آخر الامر ويعيشون مكرمين معززين متمتعين بما نهبوه من اموال الشعب المسكين ! ودوننا السفاح نميري الذي يقدل في ودنوباوي ويتبجح فيا لسخرية القدر !
اما ناس الجبهة فقد رتعوا في المال الحرام , وبطروا النعمة التي جمعوها بالسحت , واخذتهم العزة بالأثم . انا خبرناهم طيلة هذه السنين فلقينا منهم تديناً بلا دين واناساً مردوا علي النفاق فاذا تحدثوا كذبوا , واذا اؤتمنوا خانوا , واذا اوعدوا اخلفوا , واسلحتهم الخديعة و التضليل . ألم يقل شيخهم الترابي انه ذهب الي السجن وذهب البشير للقصر ؟ ولكن غدروا به فرجع ثانية الي السجن حقيقة هذه المرة , واستقر البشير في القصر . ألم ينفوا عقب انقلابهم لعدة سنوات كل صلة لهم بالجبهة الاسلامية القومية و بالأسلاميين ؟!
كان النبي (ص) يكثر ترديد هذا الحديث : (( اذا عجزت امتي ان تقول للظالم يا ظالم فقد تودع عنها )) , وهكذا يضيق الدين الخناق علي الذين يستغلون الجماهير ويتجاهلون ارادتها . ( خالد محمد خالد _ من هنا نبدأ صفحة 72 )
يتنادي الجبهجية الان بالدفاع عن العقيدة و الاخلاق , فهل ما فعلوه و يفعلونه من مذابح في دارفور من الدين و الاخلاق ؟! يقول تعالي : (( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما )) (النساء /93) . وقال النبي (ص) : (( لايحل دم امرئ مسلم الا باحدي ثلاث كفر بعد ايمان , او زنا بعد احصان , او قتل نفس بغير حق )) .
وقوله : ( لقتل مؤمن اعظم عند الله من زوال الدنيا وما فيها ) , وانتم قتلتم حفظة القرآن في دارفور وقبلها حرقتم المساجد في جبال النوبة وما فعله الجنجويد او ما فعلتموه , فأنتم وجهان لعملة واحدة , في دارفور تشيب من هوله الولدان وفاق التصور و الخيال من القاء الاطفال احياء في النار المشتعلة امام اعين امهاتهم المغتصبات , بعد قتل ابائهم و اهاليهم .
ويصدق في اهل الانقاذ ما جاء في خطبة زياد عندما قدم البصرة واليا لمعاوية بن سفيان : ( قربتم القرابة , وباعدتم الدين , تعتذرون بغير العذر , وتغضون علي المختلس , أليس كل أمرىء منكم يذب عن سفيهه , صنع من لا يخاف عاقبة ولا يرجوا معاداً . ما أنتم بالحلماء , ولقد أتبعتم السفهاء , فلم يزل بكم ما ترون من قيامكم دونهم حتى أنتهكوا حرم الإسلام كنوساً في مكانس الريب . )
و أهل الجبهة أو الإنقاذ فهما سيان يتنادون بالدفاع عن سيادة الوطن والعقيدة وهم في ذلك كمثل أصحاب معاوية في المعركة بينه وبين علي كرم الله وجهه وذلك عندما رفع معاوية قميص عثمان الملطخ بدمائه مطالباً بإقامة الحد على قاتله حسب مقتضيات الشريعة الإسلامية , ولكن كان عمار بن ياسر يهتف في المعركة : (( هؤلاء الذين يبغون دم عثمان , ويزعمون أنه قتل مظلوماً , والله ما طالبتم بدمه , ولكن القوم ذاقوا الدنيا فاستحبوها واستمرؤوها , وعلموا أن الحق إذا لزمهم حال بينهم وبين ما يتمرغون فيه من دنياهم )) .
وقد قتل جنود معاوية عمار في تلك المعركة . و الآن الجبهجية يدافعون عن حياتهم وما كدسوه من مال حرام , وذلك تحسباً لما سيلاقونه من سجن وفضيحة على نطاق العالم جزاء وفاقاً على ماجنته أيديهم من جرائم بشعة في دارفور .
أما عما جاء من رفضهم للقرار وتسليمهم للمتهمين فقد بين الأستاذ أحمد كمال الناحية القانونية في مقاله بصحيفة سودنايل الألكترونية في 5/4/05 اقتطف منه الآتي : (( قرارات مجلس الأمن الصادرة بموجب الفصل السابع لها من قوة النفاذ ما يجعلها تسود على سائر القواعد الأخرى في القانون الدولي , بل يمكن للمجلس أستخدام القوة العسكرية لأجبار الدول على الأنصياع لمثل تلك القرارات إذا لزم الأمر , مما يجعل الحديث المنسوب إلى القانون عن سيادة الوطنية حيال قرارت الفصل السابع من قبل دولة موقعة على ميثاق الأمم المتحدة , وبالدارجية السودانية , مجرد ( كلام فارغ ) ولغو لا طائل تحته . أما في مجال السياسة فللمرء أن يتحدث كما يشاء , ولكن ميدان السياسة تحكمه القوة لا المنطق , وهو ذات المنطق الذي أعلنته الحكومة القائمة عندما صرحت بعدم التفاوض إلا مع من يحمل السلاح , واليوم تجد نفسها على مشارف أن يتجرع بعض أفرادها من ذات الكأس . )) ليس من حل جذري لوضع حد لمعاناة ومقاساة السودان والسودانيين سوى أنهاء هذا الحكم الظالم حكم الفساد و الأستبداد ورحيل هذه الشرذمة الظالمة إلى العدم الذي جاءوا منه .