ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة عامان
البعد التراجيدي للقرار 1593 بقلم طه يوسف حسن ـ جنيف
سودانيزاونلاين.كوم sudaneseonline.com 4/6/2005 8:25 ص
رغم أن القرار 1593 ملئ بالفخاخات السياسية و لكن يبدو أن الحكومة أخذت الأحداث بقشرتها ولم تكلف نفسها دراسة هذا القرار ومعرفة الأجندة الخفية وكيفية التعامل معها إذا كان القرار سياسياً أو أحد القرارات القطرية الانتقائية كما وصفه البعض وجددوا رفضهم للتمشي الدولي و للمحكمة الجنائية الدولية التي وصفوها بالمحكمة عند الطلب ورغم أن القرار هو أحد أوضح القرارات المعبّـرة عن تناقضات النظام الدولي القائم، وعن حالة التوافق التي بدأت تسري بين ضفّـتي الأطلنطي بين واشنطن والعواصم الأوروبية الكبرى، لاسيما باريس وألمانيا بعد عام من التوتر السياسي غير المسبوق، وأيضا عن سياسة المعايير المتعدّدة التي يتّـخذها الأقوياء والقائمون على إدارة شؤون العالم المعاصر، والتي تقابلها حالة تفتّـت وتشرذم وفردية مطلقة تتعامل بها الدول الصغرى قليلة الحيلة. لم تتعامل الحكومة بدهاء وحكمة ودراية في ردور أفعالها تجاه القرارات الأممية ولم تستفد من الدروس المجانية المعاصرة لا سيما في العراق وسوريا وغيرها. تعامل الحكومة مع تلك القرارات يؤكد أنها تمارس سياسة رزق اليوم باليوم كما صرح بها من قبل المستشار السياسي قطبي المهدي إبان الأزمة ما بين الشعبي والوطني ويؤكد أيضاً عدم فعالية مراكز الدراسات الإستراتيجية في السودان وبيوت الخبرة السياسية إن وجدت.والقرار 1593 طرح أمام مجلس الأمن بأسابيع من المصادقة عليه وأثيرت حوله خلافات وسجالات بين باريس وواشنطن قبل تعديل الفقرة 6 من القرار الذي تبنته بريطانيا بل وأخرجت السيناريو الأخير لهذا القرار حتى لا يموت الذئب الأمريكي وتفنى غنم أوربا والحكومة السودانية تتفرج على تلك السيناريوهات في فترة الاستراحة لم تحاول أن تتقدم بتسوية أو حتى تدرس كيفية الرد على هذا القرار بالطرق الدبلوماسية أو كيفية التعامل مع قرارت مجلس الأمن فجاء رد الحكومة فرفرة مذبوح وفي كل الأحوال، فإن القرار يعكس طبيعة اللّـحظة الراهنة دوليا، حيث تَـحوّل مجلس الأمن إلى أداة يستخدمها الكبار في فرض ما يتوافق مع معاييرهم ورؤيتهم للقضايا الإقليمية المختلفة، دون اعتبار لرؤى وآليات القوى أو المنظمات الإقليمية الأكثر التصاقا وفهما وإدراكا لطبيعة ما يجري بالفعل.ولعل الاتحاد الإفريقي، الذي ما زال يحبو في خطواته الأولى من أجل تدعيم آلياته الذاتية لحل الصراعات أو بناء السلام في البلاد الإفريقية، التي تتعرّض إلى أزمات داخلية أو صراعات أهلية، سيكون الخاسر الأكبر من القرار 1593، والذي حرمه عمليا من الاستمرار في جهود حل الصراع في دارفور، استنادا إلى فهم عميق لطبيعة الصراعات القبلية الممتدة في البلدان الإفريقية، وهو الفهم غير المتوفر في الأسلوب والطريقة الأوروبية والأمريكية. وإذا كان قرار مجلس الأمن ومَـن وراءه، يتشدقون بالحفاظ على قيم حقوق الإنسان والقانون الدولي، وعدم السماح للمجرمين المدانين بجرائم ضد الإنسانية بالإفلات من العقوبة، فإن القرار نفسه وبإقراره استثناء المواطنين الأمريكيين الذين قد يرتكبون أفعالا مجرمة من المثول أمام المحكمة الجنائية الدولية، قد وضع قاعدة للتمييز بين الضعفاء، الذين لا خيار لهم سوى الانصياع، وبين الأقوياء الذين يستطيعون الهروب والتعالي بكل صفاقة على القانون الدولي نفسه.من جانب آخر، فإن القرار 1593 يضع مسمارا آخر في نعش مفاهيم السيادة التقليدية، والتي باتت في ذمة التاريخ من الناحية العملية. فالأولوية أصبحت لمن يملكون القوة والنفوذ، يخترقون بها صناديق السيادة التي كانت في يوم من الأيام سوداء، ولكنها لم تعد كذلك في عالم اليوم.هذه السِّـمات الكلية للقرار تضع أعباءً بالجملة على الحكومة السودانية، وإذا كانت حركتي التمرد في دار فور قد عبّـرتا عن سعادتهما بصدور القرار و طربتا على إيقاعات قرارت مجلس الأمن ضد السودان في الأسبوع الأخير لأنه يحقّـق لهما خطوة أخرى على طريق التدويل الكامل للأزمة في دار فور، ويفتح الباب أمام عقوبات دولية وعزلة خانقة على الحكومة، ويحدّ من دور الاتحاد الإفريقي، والذي يرفضانه بشده تحت زعم الانحياز للحكومة السودانية، فإن المعضلة تبدو أكبر أمام الأخيرة ومع ذلك، يمكن القول أن الموقف الأخير للحكومة السودانية لم يتبلور بعد. ففي داخلها، كما في بعض تيارات وأحزاب المعارضة، من يرى الأمر غير ذلك، ويدعو إلى الالتزام بما جاء في القرار استنادا إلى ثلاث عوامل أساسية. أولها، أن القرار دولي وتدعمه قوى كبرى، بما في ذلك الولايات المتحدة التي ترفض من حيث المبدأ المحكمة الجنائية الدولية، ولكنها تدعمها في حالة السودان، ومن ثم فإن الفكاك منه ومن تبعاته غير ميسر. وثانيا، أن القرار الدولي استند إلى الفصل السابع في ميثاق الأمم المتحدة، كما وصف ما يجري في دار فور باعتباره أكبر تهديد للأمن والسّلم الدوليين، وبما يعني أن عدم الالتزام الطوعي سيتبعه حتما عقوبات دولية جماعية مثل الحظر الاقتصادي و عقوبات نفطية لا يستطيع السودان بحالته الراهنة تحملها.وثالثا، أن الربط بين الاعتراض على القرار وبين تجميد اتفاقيات السلام، من شأنه أن يُصعّـد الضغوط الدولية والإقليمية، وأن يدفع بالأطراف الجنوبية المتطلعة إلى السلام إلى التحوّل لخانة الخصوم، في وقت يتطلّـب زيادة عدد المؤيدين والمساندين للسودان . يجب على الحكومة الاستناد إلى نوع من العقلانية والأخذ في الاعتبار طبيعة الحالة التي يمر بها العالم عامة والمنطقة العربية خاصة، التي تميل إلى التعاون الطوعي مع التزامات القرار 1593، باعتباره أهون الشرور.هذا الميل إلى تفضيل التعاون الطوعي، يحتاج بدوره إلى نوع من التمهيد للرأي العام، ولكن اللغة المستخدمة رسميا هي عكس ذلك تماما، على الأقل حتى الآن، ويدعمها نوع من التعبئة الحزبية والشعبية، بما يؤشر إلى أن الأولوية الآن هي للرفض، انتظارا لما سيكون عليه موقف المدعى الدولي العام لويس موربينو أوكامبو الذي أعطى الأولوية لجمع البيانات والمعلومات الموثقة، قبل التقدم بقائمة الاستجواب للحكومة السودانية.وتلك الفسحة من الوقت التي قد تستمر ثلاثة أشهر على الأقل، كفيلة بتغيير عدد من المُـعطيات الداخلية والخارجية، وعندها قد يصبح خيار السودان العملي ليس رفضا مطلقا أو تعاونا آليا وتلقائيا، بقدر ما هو نوع من التعاون الجزئي المرتبط بكل حالة على حدة.