وايهما اجدى لقوى المعارضة الاعتماد على الذات ام المراهنة على الاجنبى؟؟
أحمد الطيب المكابرابى
السودان الجغرافيا والتاريخ يمر بمنعطف خطير سوف تترتب عليه الكثير من التحولات التى غالباً ما تكون فى محصلتها غير إيجابية ما لم يتم تدارك هذه المعطيات ويتم (تطويعها) لصالح مشروع دولة الوطن ، آلام المخاض التى يمر بها الوطن نتيجة طبيعية (لتشوهات الجنين) الذى يحتاج للطف الله ودعاء المخلصين حتى يخرج حياً .
يتفق الجميع بأن نظام الحكم الموجود حالياً فى الخرطوم أقل ما يمكن أن يوصف به هو (السوء) وهذا السوء لا يتوقف فقط على إستنزاف موارد البلد والإستئثار بالسلطة لصالح (القلة) المسيطرة فهذا يمثل جانب (الخير) فى ذلك السوء وذلك لتعودنا عليها بإعتبار أنها ليست بدعة إستنها (هؤلاء) لكن الخطير (الجديد) أن يتمدد ذلك السوء ليمس عصب البلد وعظمها بطرح مشروع يستهدف إعادة صياغة الفرد لإعادة تشكيل هوية الوطن التى ظلت تتجاذبها ثنائيات (العروبة والأفريقانية) و(الإسلام والمسيحية) كمكونات أساسية وإن لم تكن هى كل العناصر التى تشكل المستودع الثقافى، فالمشروع الحضارى كمولود شرعى لفكر الجبهة الإسلامية (المتأزم) ظل يسعى لحسم ذلك (التجاذب) بآلية السلطة لصالح عنصر على حساب العناصر الأخرى ، وإن أثبتت التجربة أن محاولة (الحسم) لم تكن (لقناعة) بتلك الثقافة بقدر ما هى (مغازلة) لضمان تأييدها والتدثر بها للبقاء فى كراسى السلطة والشاهد على ذلك التنازلات (الدراماتيكية) فى جولات التفاوض عن الثوابت (المزعومة) التى كشفت زيف تلك (القناعة) المفترىء عليها ، هذا التلاعب الغير مسئول نتاج (خطل) مريع فى وعى هذه الجماعة ومحصلته تهتك النسيج الإجتماعى وتهديد الوحدة الوطنية ، وكنتيجة طبيعية أيضاً لهذا الطرح (الأعور) أحست مجموعات أصيلة فى النسيج الإجتماعى أنها (غيبت) إستهدافاً فشهد سوق (التهميش) إنتعاشاً بإضافة مجموعات مثل (البجا) ،(الفور)، (الزغاوة) (النوبيين)، (شهامة) وغيرها من الحركات الجديدة .
إذا سلمنا بعدالة القضايا التى تخاطبها تلك المجموعات بإعتبار أنها حركات مطلبية لها الحق فى أن تكون جزء من المكون الثقافى القومى ولها كل الحق فى أن تطالب بتنمية مناطقها ، ولكن حصلت (إنتكاسة) خطيرة فى مسيرة هذه الحركات بعد أن طربت حد ( الثمالة ) بتجاوب وإلتفاف جماهير تلك المناطق مع مطالبهم (الملحاحة) فعملت (عبقرية) الإنتهازية القابعة فى أعماق نفوس قيادات (الصدفة) لهذه الحركات على إستقلال (الغبن) القبلى والجهوى وبلورته فى أطر (تقليدية) (راجعين) بالتجربة السودانية قروناً عديدة للوراء لا تكاد تشكل حضوراً فى التاريخ السودانى القديم، الذى تجاوز مرحلة (القبيلة) و(الجهة) كوحدات تقليدية بدخول المؤسسة الصوفية التى إستوعبت القبيلة والجهة كشكل أكثر تقدماً فى تدرج المجتمع الطبيعى نحو (المدنية الحديثة) حتى ظهرت الأحزاب ببرامجها كآخر صيغة توصل لها الفكر الإنسانى الحديث ، وقد حسم التجمع الوطنى الديمقراطى هذه المسألة وهو يضع الأسس السليمة لسودان المستقبل المعافى من كل أمراض الماضى فى مؤتمر أسمرا للقضايا المصيرية يونيو 1995م الذى وقعت عليه بعض هذه الحركات بأن لا يقوم حزب على أساس جهوى أو قبلى أو دينى ، وعندما تم إستيعابها بإعتبار أنها حركات مطلبية يرتبط وجودها فى الحياة السياسية بإنفجارات (موقتة) فى هذه المناطق . (فإنتكاسة) الحركات مثل (مؤتمر البجا ، حركة تحرير السودان ، العدل والمساواة ، الأسود الحرة ، شهامة ، كيان الشمال ... إلخ ) يمثل (ردة مجتمعية).
ومن (ملهاة) القدر أن تلك المجموعات (الرجعية) (التقليدية) بدأت تطرح نفسها بديلاً للأجسام المدنية والأحزاب السياسية صاحبة التجربة التى حافظت على النسيج الإجتماعى طيلة العقود الفائتة وفى أكثر من مناسبة تنعت الأحزاب بالرجعية والتقليدية فى إسقاط هندسى بديع للمثل (رمتنى بدائها وإنسلت) مصادمين لما أبدعه الفكر الإنسانى من (صيغ) لإدارة الدولة الحديثة وساهمت (مناورات) النظام ومحاولاته المستميتة للنيل من الأحزاب فى أساليب إدارة التفاوض (الغيرمدروسة) التى ينتهجها فى بث (النشوة) فى تلك المجموعات فأصبحت هى صاحبة الشأن فى صياغة مستقبل الوطن فكان الحصاد (هشيم) الوصايا الدولية التى تهدد الوطن فى أعقاب قرار مجلس الأمن (1593) بإحالة مرتكبى الجرائم لمحكمة لاهاى وما أعقبة من تخبط (كالعادة) فى تصريحات أعضاء النظام ورفضهم لذلك القرار الأممى مما يجر البلد لمواجهة المجتمع الدولى ، ويأتى صوت التجمع الوطنى (الوقور) برداً وإتزاناً فى بيان رئيسه السيد محمد عثمان الميرغنى قافزاً فوق المرارات التاريخية متجرداً (كعادته) لا يخاف أحداً ولا يجامل أحداً واضعاً مصلحة الجماهير والوطن فوق كل إعتبار ليطالب بتفويت الفرصة وقفل الباب أمام التدخل الأجنبى كما كان الحال فى إتساق موقفة من ضربة مصنع الشفاء ليؤكد أن هذا الموقف إستراتيجى ولا علاقة له بالتكتيك المرحلى وهو فى ذلك لا يستجدى أحد ولا يمثل هذا الموقف (ردة ثورية) ولا أظن أن هنالك من يدعى أنه معارض لهذا النظام وهو يشكك فى موقف (المعارض الأول) كما يحلو لأهل النظام تسميته فهذا موقف رئيس الحزب الإتحادى الديمقراطى والتجمع الوطنى الديمقراطى بمواقفه المعلومة من التاريخ بالضرورة هذا ليس تبريراً ولا موقف يمليه علينا الإلتزام التنظيمى ولكن يجب أن لا تراهن تنظيمات المعارضة على الأجنبى فى تحقيق أمانيها وتغفل مصادر قوتها متمثلة فى آلياتها المشروعة وعدالة قضيتها وخصوصاً أن هنالك تجارب حية بيننا الآن للتدخل الدولى فى بعض الدول ونتيجته معاشة للجميع. ظلت هذه مفردات تزين (قاموس التجمع) فى كل المحكات وهذا ليس تقاعساً عن مبدأ محاكمة كل من إرتكب جرماً فى حق الشعب السودانى.
فالمخرج يكون بتشكيل حكومة وحدة وطنية فى فرصة قد تكون الأخيرة أمام النظام ، ليلقى التجمع الكرة فى ملعب الحكومة لتجمع ما تبقى لها من شتات (أخلاق) و(وعى) وتيمم شطر رؤى رئيس التجمع مستصحبة معها أخطائها التاريخية فى إدارة التفاوض لتتحمل مسئولياتها بشجاعة فى مآلات الوضع الراهن وما يترتب عليه من نتائج قد تعصف بالسودان الكيان ... فهذا أو الطوفان.