ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة عامان
السودان.. حكومة الإنقاذ في حكم المنتهية ! خالد عويس
سودانيزاونلاين.كوم sudaneseonline.com 4/4/2005 9:22 ص
السودان.. حكومة الإنقاذ في حكم المنتهية ! خالد عويس * [email protected] ليس ثمة خيارات عدة تختار من بينها الخرطوم ما يدرأ عنها عاصفة القرارات الأممية التي صدرت بحقها منذرة بوضع البلاد تحت وصاية دولية حقيقية، ومؤشرة في اتجاه طريق يطول أو يقصر لكنه حتما سينتهي بتنفيذ القرار 1593 الذي صادق عليه مجلس الأمن في الساعات الأولى من صباح الجمعة الماضي ويقضي باحالة المتهمين بارتكاب جرائم وانتهاكات في دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. واعطت الحكومة السودانية انطباعا قويا بأنها عرفت وقتا عصيبا ساده الارتباك طيلة يوم ونصف فصلا صدور القرار عن الخطاب الذي أقسم خلاله الرئيس السوداني مغلظا أنه لن يسلم سودانيا للمحكمة الجزائية الدولية. وواضح أن قدرا كبيرا من التخبط يضرب أروقة حزب المؤتمر الوطني وحكومته في السودان بشأن التعاطي مع سيل القرارات الأممية التي توالت على السودان طارحة خيارات صعبة ليس على الحكومة وحدها وإنما على السودان كله. ولا شك أن استحقاقات المرحلة الدقيقة المقبلة لن تترتب على نظام الانقاذ فحسب، وإنما ستتعداه لتطال البلاد كلها في ضوء مؤشرات جدية تشي بأن الوضع الداخلي برمته متجه نحو مآلات أقلها سوءا التوتر السياسي الذي يمكن أن يفضي إلى تفجير كامل يدخل السودان في دوامة حال فلتان أمني وفوضى سياسية ليس بالامكان تدارك آثارها بالهين. جاء قرار مجلس الأمن الأخير كمحصلة طبيعية لاخفاق الخرطوم في التعامل بجدية إزاء هذا الملف. وكان بمقدور المسؤولين الحكوميين احتواء الأزمة حتى بعد اتساع نطاقها بالمسارعة إلى اشراك القوى السياسية السودانية كلها في ايجاد صيغة مناسبة لحلحة المشكلة بدلا من المماطلة المؤذية ومحاولات الالتفاف على المسألة. كان مطلوبا من الخرطوم طوال الشهور الماضية إعمال العقل، والتحلي بقدر غير يسير من الحكمة في مواجهة ظروف شديدة التعقيد، عوضا عن المراوغة. وكان على الخرطوم أن تحاول جاهدة اصلاح أخطاء كارثية ارتكبتها طيلة خمسة عشر عاما كان مؤداها اضعاف المجتمع المدني والحياة السياسية بشكل عام الأمر الذي نتج عنه فراغ ملأته الاصطفافات الجهوية والمناطقية التي تبدو الآن كبرميل بارود بدأ في التفجر فعلا. وكان على الخرطوم أن تتنبه إلى أن جزءا من حلحلة مشكلة دارفور يكمن في مصالحة داخلية عريضة تشمل حتى الفريق الآخر من الإسلاميين "المؤتمر الشعبي بقيادة الترابي" الذين سعوا بجهدهم كله لتعميق الأزمة ونفخ نارها. وكان على متنفذي الإنقاذ السعي لتفكيك "الدولة البوليسية" لصالح مجتمع مدني وحياة سياسية طبيعية تسمح بتجسير الهوة القائمة بين الحزب الحاكم والقوى السياسية الباقية سدا لذرائع التدخل الدولي. بدلا من ذلك كله، لجأت الإنقاذ إلى أسلوب آخر في التعاطي مع كل مشكلة بشكل مجتزأ حفز الآخرين على سلك السبل ذاتها التي أفضت إلى ايجاد حل "عادل" لمشكلة الجنوب عبر آلية العنف والتوسل بالقوى الدولية. والآن، يبدو أن تيار المتشنجين في الإنقاذ ترجح كفته على عقلائها. فردود الفعل على قرار مجلس الأمن افتقرت إلى الحس السياسي السليم في التعامل مع الأسرة الدولية. وسيكون من المتعذر على الخرطوم مواجهة استحقاقات خطيرة ستترتب عليها تباعا في حال استمر موقفها الرافض للقرار. يتعين على الخرطوم أن تتعامل بواقعية سياسية حيال الأمر. ولن تجد الحكومة السودانية مفرا من تسليم المتهمين إلى محكمة لاهاي نهاية الأمر. لكن الفترة الزمنية الفاصلة بين تصلب الخرطوم الحالي وعودتها لتسويق شعارات تخاطب الداخل ولا تغني ولاتسمن من جوع، وبين رضوخها للقرار، ستكون حاسمة وربما تشهد مفاجآت سياسية من الوزن الثقيل سواء على الصعيد الداخلي أو الدولي. رهانات الخرطوم كانت خاطئة، وحساباتها حيال الموقف الأمريكي "اللين" بعد توقيعها اتفاقات السلام مع الحركة الشعبية افتقرت حساسية قراءة الظروف الإقليمية والدولية. ولئن اكتفت واشنطن حاليا بعقد صفقة مع حلفائها الفرنسيين والبريطانيين، فهي لن تكتفي في المرحلة المقبلة بمجرد دعم القرار. ستتعداه إلى التقاط القفاز والبحث – من خلال مجلس الأمن – عن آليات تنفيذه. المشكلة أن إسلاميي السودان مشغولون الآن بفرز الداخل، من رحب بالقرار الأممي ومن شجبه، ومشغولون أيضا بتعبئة الداخل ضد القرار. حسنا إن مرحلة التعبئة لم يحن موعدها بعد. وإن حانت اللحظة، فإن ذلك لن يجدي شيئا. سبق السيف العزل. فما يبدو واضحا الآن، توافق القوى الدولية على تصفية هذه الحكومة. وسواء قررت الخرطوم تسليم المتهمين أو رفضت ذلك، فالأمر سيان. فقط ستقل خسائر الحزب الحاكم إن سلك نهجا واقعيا يمكنه من تفادي خسائر كارثية أكبر. ويبدو أن مقترح تشكيل حكومة وحدة وطنية في الوقت الراهن، هو الآخر لن يجدي فتيلا. فقد فوتت الخرطوم فرصا ذهبية لدرء هكذا قرارات باستجابتها للدعاوى التي ظل يطلقها سياسيون سودانيون بالحاجة الداعية لعقد مؤتمر تصالحي جامع وتشكيل حكومة وحدة وطنية خلال فترة انتقال سياسي تفضي إلى انتخابات ديمقراطية. لكن حكومة الإنقاذ كانت ترى أن المكتسبات خصوصا الاقتصادية التي حققتها خلال حكمها ثم المكتسبات التي جنتها في نيروبي جراء تفاوض ثنائي عازلة القوى الأخرى لا يمكن التفريط فيها بأي حال من الأحوال. هذا على الأقل ما أكده لي قيادي بارز في المؤتمر الوطني قبل أقل من عام. لم ولن تدرك حكومة الإنقاذ الوضع الصعب الذي تعيشه الآن. ولن تكتشف إلا متأخرا جدا أن الأخطاء تقود لأخطاء لتشكل سلسلة طويلة من الأخطاء الكارثية التي لا يمكن لا للسودانيين ولا الأسرة الدولية التغاضي عنها. ولا أخال أن حزبا سياسيا يغامر الآن بالاصطفاف مع حزب المؤتمر الوطني لاخراجه من المأزق الخطير. فلسان حال الغالبية يقول "على نفسها جنت براقش". كما لا يمكن التعويل على رؤية مفادها أن الظرف الدقيق الآن لا يحتمل المزاودة على "الوطن" و"السيادة الوطنية". فالجميع يدركون أن الإنقاذ بنفسها قضت على سمعة القضاء السوداني، وخلفت على مدى خمسة عشر عاما شعورا عارما بالنقمة ليس في أوساط السياسيين المناوئين فحسب، وإنما أيضا في الشرائح التي قضمتها والتهمتها سياسات الإنقاذ. وسيكون ظهر الإنقاذ مكشوفا تماما في هذه المعركة "الأخيرة"، فليس من حليف داخلي موثوق به، كما أن الوضع الإقليمي برمته يعيش تأزما مريعا. أما على الصعيد الدولي، فيكفي أن فرنسا وبريطانيا دفعتا بكل قوتهما لاستصدار هذا القرار، وأبدت ألمانيا استعدادها لارسال قوات إلى دارفور، أما الولايات المتحدة فإن دورها الحقيقي لم يبدأ بعد ! وحتى لو اصطف السودانيون جميعا إلى جانب الإنقاذ، فإن ذلك لن يعفيها من استحقاق المحكمة الدولية. وسيكون من العبث مواجهة هذا القرار بالخطاب السائد الآن في أوساط الرسميين السودانيين. إنه خطاب عاطفي صرف وملتبس للغاية، غير قادر على تحديد مخرج واضح. سيناريوهات صعبة تنتظر السودان في حال اصرار الخرطوم على موقفها الحالي. وارد اشتباك الإسلاميين الذين يعانون انقسامات بالأساس، ووارد أن تتخذ القرارات الأممية منحى تصاعديا حيث تنتهي بتدخل عسكري في دارفور وهو أمر غير مستبعد في ضوء تحركات و"مشاورات" تشهدها عواصم صانعة قرار. ووارد كذلك أن تعالج الأسرة الدولية تعنت الخرطوم بقرارات أخرى صعبة تضيق الخناق على الحكومة وتحاصرها فعليا. كما أن السلطات السودانية ذاتها قد تستبق الأحداث بفرض واقع جديد تسوده الفوضى بحيث يصعب عمليا اعادة السيطرة إلى البلاد. أما الخيار العقلاني الأخير فهو استباق القوى السياسية كل هذه السيناريوهات بسيناريو يفسح مجالا لاستعادة الديمقراطية وقطع الطريق أمام التدخل الأجنبي الذي بدأ بالفعل. وكل هذه السيناريوهات تتفق على أمر واحد: إنهاء حكم الإنقاذ عمليا. * كاتب وصحفي سوداني مقيم في الامارات
للمزيد من االمقالات