لا شبه بين الليلة والبارحة في شيء ... إلا الذكرى ولعلها تنفع
ففى عام 1998، حين كانت جريدة الخرطوم بالمنفى....... وكانت غشاوة الديمومة
تراود بعض من أهل الإنقاذ، كتبت مقالا في هذه الصحيفة عن الدستور
الدائم....وحلم الديمومة ردا على ماسمى وقتها بالدستور الدائم ......لأن كل
الأحداث وقتها كانت تقول أن حكومة الإنقاذ في تلك الحقبة رغم سنينها في الحكم
إلا ان الطريق مازال أمامها طويلا حتى تمتلك الأهلية الواقعية والشرعية التي
تؤهلها لتكتب دستورا دائما....... يتفق عليه أبناء الوطن الواحد وهذا ماد لت
عليه السنين والأحداث المتعاقبة بعد ذلك وذلك للأتــي:-
أولا:- أزمة الحزب الواحد والنظرة الأحادية
حيث كانت البلاد في تلك الفترة تعيش أزمة الحزب الواحد والنظرة الأحادية
التي لا ترى إلا أمانيها.... عبر منهج التمكين.... والتزيين لكل إفرازات الواقع
حتى يتلاءم مع طموحات الظــانيين بحلم الديمومة..... والرافضيين لسنة التدوال
في الحكم والأيام.....فكان المسعى مثـقوبة سـفينته ومغلولة يده في أن يطال
مرامــي الإصلاح... والإصحاح لواقع هدت جوانبه كثير من العلل...وأقعدته في أن
يطال حلم المواطن في حقه في الحياة الكريمة... ويصون حقوقه التي كفلتها له
الشرائع السماوية...ومواثيق حقوق الإنسان...والحريات.... كحقوق فطرية جبلت
عليها معاني الحياة السامية ,,, وتعرفت عليها الأمــم المتوثـبة لترسيخ معاني
الإنسانية الحقة ... إقرارا وإشـهارا ...... وليس إجماعا سكوتيا... يقر حقوقا
بجريرة الصمت... ويفرض التزاما عليك وإن كان بك أذى (( كوجع الضرس مثلا ))
فكانت الحاجة للصوت الآخر ضرورة سفهها.. اللذ ين كانوا لا يريدون إلا أن يسمعوا
صدى أصواتهم مرتد إليهم بهتافات الذين غلبت عليهم مصالحهم وغيبت عنهم حقيقة هذا
الوطن المتعدد الثقافات والأعراف... والسحنات واللهجات ... وطــن يحتـاج لصــدر
اوســع ..... وافق ارحــب .... ونفـس أكـتر إيثــارا ... وفكرا أعمق من نيله
هذا وحضارته الضاربة قدما في مجاهل التاريخ حتما تحتاج لأكثر من صوت واكبر من
حزب واحد مهما كانت عددية إنصاره وضخامة قواعده، لأن الديمومة تعني التوافق
التام بين الماضى والحاضر والمستقبل، فكيف يتم وذلك وكل الأحزاب والتيارات التي
كانت ومازالت جزءا وحاضرا من تاريخ هذا البلد كانت ممنوعة من ممارسة نشاطها
وإبداء رأيها بل كانت مغيبة تماما عن المشاركة في ذلك الشأن لهذا جاء ذلك
الدستور دون طموحات الوطن وحاول تدجيين واقع لم يدم طويلا لهشاشته وبعده عن
ملامسة الواقع أو إغفاله لكثير من الحقائق .
ثـانيا:- سياسة إلغــــاء الأخــر
حين يكتب دستور لشعب يكون لـزاما على القائميين بهذه المهمة إمتلاك الوعي
الباصر والنافذ بتاريخ هذا الشعب واستصحاب تجاربه السابقة أيا كانت محصلتها من
فشل وإخفاق وإعادة الصياغة وفق للقيم المتوارثة وألإستفادة من التراث الإنساني
وتجارب الأمم في هذا الشأن ومراعاة القيم والمخزون الجمعي..الذي صاغ نفسية هذا
الشعب عبر حقبه السابقة وتراثه الثقافي.. والاجتماعي الذي شكل وجدانه وقيمه
الأخلاقية والنفسية... حتى يكون التوافق والتناغم بين جميع الطوائف والألوان
المكونة لهذا الشعب وبين القوانين التي تنبثق بموجب هذا الدستور، حتى تكون
العلاقة بين القانون والفرد الاحترام .. والألفة حتى لا يشعر أي فرد بغربة
وغرابة هذه الوانيين أنما أحساسة بها نابعا من أنها جاءت منه وإليه لتنظم
علاقته بدولته حقوقا وواجبات، عنده يكون كل فرد عامل بناء وليس معول هدم بل
حارسا أمينا ووفيا لهذه العلاقة بينه وبين دولته لأنه لن يتمرد على ذاته...
فالاعتراف بالأخر ومشاركته.. حصـانـة وحصــافة تشكل أساس متين للتعايش والتآلف
وتضمن وحدة الهدف نحو الاستقرار السياسي والدستوري.. حتى تبني أساس متين لأمة
تريد أن تستظل من حــر الحــروب.. .. والتعـارك والتطاحن ... بفيُ فيه شيء من
الراحة وأخذ النفس.. حتى تنهض جبارة أبــية ،،
فــيكن شيئا من عــبر المـاضي أن نتعلم أن لا نلغي الأخر ... حتى حين نفكر في
ذاتــنا حتى لا يفاجئنا الأخر ... ولـو من ركــن قــصي في هذا البلد بصــوته
ضــاجا ومـحـتجا عـلى تهــميشه وإلغــاءه ... لأن النــار من مستصغر الشــرر
كما يقـولون ، فالدســتور حين يغوص يصطحب الماضي معه ويكيف الحاضر وفقا
لمدلولاته عندها يكون قريبا من المستقبل ومفاجأته ونضمن تعايشه مع كل المستجدات
ومستوعبا لكل تطور تشريعي طالما ما كان متصفا بالمرونة وشمولية الأفكار الملحقة
من كل ألوان الطيف ، والمــرونة هذه تتطلب أفــق أوســع في المشاركة ... كما
وكيفا ونــارا هــادئـة... لا تطفــئها رياح العـجلة على تقسيم المغــانم وحجز
الكوتات والحصـص وفــقا لنسـب أفــرزها واقــع متشــابك تداخلت فيه كثيرا من
العوامل برغم مابها من وعــورة إلا أنــنا جمعيا استبشرنا خيرا بها طــالما
هــل بـها فجر السلام.... الذي انتظرناه كثيرا ليندمل جرح الجنوب الغـائر....
وتعــود عافية الهــناء لغابات الأبنوس والمانجــو،، ولــكن ذلك الفــرح يحــتم
عليـنا أن نكــون أكثر فطنة ويقــظة ... حتى لا تـــدمى الخاصرة أكثر بجروح
أخرى متفتقة كدار فور ... وحتى نخرج من هــذا القــدر الأنبــــوبـي الملتــهب
بــوعي مــدرك وقلب متشكل بخــارطة الوطن فــتكن أبواب المشاركة أوســع وأشمل.
نعــم الأخــوة في الحركة الشعبية..... دفــعوا عــمرا زاهيـا ونــديا.... من
أجل أن يــبقى الحضور للوطــن كاملا.. وتــنتفي ظــواهر الغــبن والتهميش
وعــرفوا معاني الحرمان والظــلم التي جعلتهم يحملون السلاح لأكثر من عشرين
عاما، اظنهم الآن اكثر رهافة وحرصــا على أن لا يمتلي شخصا أخر بأحاسيس
الحرمان... ومبررات الإقصاء أيا كانت دوافعها.... وهــذا ما يجعل العشم فيهم
كبيرا في أن يكونوا أكثر مرونة وجبرا للكسور في توسيع مواعين المشاركة حتى يكون
السودان الجديد بحجم الأمل المرتجى.. قــادرا على استيعاب كل طموحات أبناءه
وألوان طيفه السياسي.. والأثـني... وتـنطفي نيرانه الصديقة واللدودة.
فماعاد في الوقــت من متــسـع لمـزيد من التناحر والتطـاحن، فالوطن في مرحلة
مخاضه هذه أمانه في أعناقكم جميــعا, انتم أدرى بهذه الأمــانة.. ومسئولياتها
الجسام فــلا تجعلوها عرضة للمغانم الزائلة والمكاسب اللحظية بــل فرصـة
لإستــشراق غد أفضل أوسـع مدى... وأعمق إدراكا لوطـــن ينعم أبناءه بحق العيش
الكريم... محاطا بقيم العدالة.. والحرية... بمعية دستور نبراسا للمستقبل
السياسي والاقتصادي والاجتماعي حتى وإن كان انتقاليا نــود أن نلمح فيه وهــج
القـادم النـاصع القــادر على استيعاب الجميع، فلا تضيقــوا أطره بتحجيم
المشاركة فيه بل يكن جسرا وفاتحة خيرا لبناء الثقة بين الجميع، فالذي جمع بين
المؤتمر الوطني... والحركة الشعبية وآلــف بين قلوبهم.... حتما لن يضيق بمشاركة
الآخرين طالما سلمت النوايا.. وخلصت الجهود.. من أجل وطن واحد... وغد واحد
وواعد.
ثــالثـــا:- التعجيل وتغبيش الواقع:-
لا شــيء يفسد الإنجاز سوى استعجال النتائج والقراءات المتعجلة لواقع لم تكتمل
ملامحه وتستبين صورته فيكون الحكم في غير موضعه والقياس في غير مكانه وهذا ما
نخاف أن تبلجه لنا الأيام ... فالساحة السياسية مازالت فيها من الاختناقات ما
يخيف، ولجنة الدستور بدأت مشاوراتها وهناك أخوة لنا في الغرب... والشرق..
والشمال أيضا مازالت قضياهم عالقة... وتحول بينهم وبين الخرطوم الموانع.. نتمنى
صادقين أن تكثف الجهود لجمع شملهم وسماع صوتهم حتى يكون الدستور جامعا وجاذبا
لكل أقطاب الوطن وحتى يبتعد عن سياسة فرض الأمر الواقع (( وكسر الرقبة ) ) التي
لم نجنى منها شيئا في دساتيرنا السابقة، وحتى لا نضـطر لورش الصيانة الدستورية
وإسبيرات التعديل... حين تخـقـنقـنا الأزمات الدستورية التي غالبا ما تنشأ حين
نغض الطرف عن أحداث ماثلة أمامنا أو قابلة للانفجار يوما ما، فقتلا للثنـائية
ودعما لمبدأ المشاركة العامة فندفع بجهود المصالحة والسلام ومزيدا من الخطوات
حتى لا يتهم أحد بتغبيش الواقع أو تغييب شخص ما عن المشاركة، لأننا جميعا نسعى
لواقع أفضل تزيينه ملامح أكمل واشمل، يكون كل فرد..مشاركا وفعالا.. حتى تكون
المبادي التي تحدثت عنها اتفاقية نيفاشا حاضرة أمامنا... وطن أساس حقوقه
المواطنة تسوده العدالة والمساواة.. ولكل فرد الحق في بناء مستقبله.
ولعل واحدة من عيوب الدستور الإنقاذي الحالي أنه كتب في عجلة من أمره وتغافل
كثيرا من الحقائق وأحاطه الغموض وعابته الأحادية وفسره الكثيرين بأنه تقنين
لوضع قائم لهذا لم يثمن ولم يغني من جوع ولم يكن قادرا على استيعاب متغيرات
كثيرة نظرا لأوتاد الجمود التي كانت تكبله لغويا.. وفكريا ليتحول عمره من دائم
إلى سنين عدد تحسب على أصابع اليد ، ولعل تجربته جعلت أهل الإنقاذ أكثر دراية
وخبرة في إن الاستقرار السياسي والدستوري .. لا يكون بالتعجيل والتخدير
والتغبيش للقضايا، إنما بالوضوح.. وملامسة مكامن الأذى بتبصر وروية وبإقرار
الحقوق لأهلها كاملة وغير منقوصة برضاء تام.. حتى لا تؤخذ عنوة وقوة... سدا
لذرائع التمرد والثوار... واقتلاع الجذور... واقتصاص الثارات عبر المحاكم
الدولية.. ومنظمات حقوق الإنسان.. فقد ولى زمن السيادة الكاملة للدول الضعيفة
على أراضيها ورعاياها حتى تفعل فيهم ما تشاء ، فالعجز المحلي عن حل القضايا
أصبح بديله التدخل الإجنبى عبر لجان المراقبة ومقررين حقوق الإنسان وما يتبع
ذلك من تدخلات عسكرية ... نسأل الله صادقين أن لا تغيب شاردة ولا واردة عن
حكامنا حتى نجنب الوطن هذه المزا لق والمهالك.. ونستبق المخاطر بإرادة متوحدة
وقوية قائمة على الإيثار والحرص على مشاركة الجميع.. لو خصما على مكتسبات
السلطة الزائلة وهنا أقصد تحديدا نصيب المؤتمر الوطني في مقاعد هذه اللجنة حتى
يبق الوطن معافى لنا جميعا، ونشهد أنكم تنازلتم عن حقكم من اجل الوطن واستقراره
وتحسب في ميزان حسناتكم،،
جمال عمر مصطفى المحامي
30/04/2005
[email protected]