مقالات واراء حرة من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

نقص جهاز المناعة لدي الأحزاب السياسية السودانية يهدد بتفتيت البلاد بقلم بدر الدين أبو القاسم محمد

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
4/28/2005 3:16 م

نقص جهاز المناعة لدي الأحزاب السياسية السودانية يهدد بتفتيت البلاد
بقلم/بدر الدين أبو القاسم محمد

السؤال الملح في هذا الظرف الدقيق ، هل يستطيع أن يقول أي حزب أو تنظيم سياسي ما أنا أفضلكم تنظيماً وأرجحكم عقلاُ ورأيا وأكثركم تجربة فكونوا طوع بناني ، وأنه غير مصاب ولا يحمل (مجازا)ً في جسده فيروس المناعة المكتسبة؟ للأسف هناك من ينطلق من تلك الفرضية ويدعي أنه بخير ، ويزايد أنه أكثر وطنية وحرص علي السودان وأهل السودان وهو المخلص والمنقذ والمنجي لحظة تدلهم الخطوب. هذا الاختزال البسيط والساذج والتمحور حول الفردية والشخصنة ،مِن قِبَل ، مَن يعتقد أنهم ساسة هذا البلد ، الذين يتدثرون برداء كارزمي مزيف ، وألا أحد غيرهم قادر علي اللعب بالبيضة والحجر، وحتى في هذه الناس (خشوم بيوت) هناك من ولدوا أصلا ليحكموا وفي أفواههم ملاعق من ذهب وآخرون في أفواههم ملاعق من خشب وحديد والبون بينهما لا يحتاج إلي برهان. هذا الاعتقاد ، أدي إلي ظهور أصوات متطرفة تنادي بقطع رؤوسهم جميعا لأنهم حسب المثل السوداني "أولاد حفرة" يجتمعون في معظم الخصائص ويحملون ذات الرأس بوجوه مختلفة (ذات اليمين وذات الشمال وشعب باسط ذراعيه)، فشلوا في إدارة التنافس السياسي بينهم بشرف ووعي مما أدي إلي ضياع وطن وشعب يرزح تحت نير الحروب الأهلية وفقر مدقع وشماتة من قبل الصديق قبل العدو. دعونا نضع أمام تبجح كل واحد منهم ، أنه ديمقراطي مئة بالمائة ويطبق المباديء والمؤسسات والآليات التي يلزم وجود حد أدنى منها في الحزب الديمقراطي الحقيقي دعونا نتعرف عليها وهي كالآتي:-
أ‌- ألا يكون في الحزب سيادة علي أعضائه ، من قبل زعيم أو عائلة أو صاحب صفة دينية أو قبلية أو طائفية لها حق أو عرف ثابت يكرس موقعها في القيادة.
ب‌- أن تكون العضوية في الحزب – من حيث المبدأ – مفتوحة لجميع المواطنين دون إقصاء أو تمييز من حيث العرق والدين والمذهب وأن يكون اكتساب العضوية متاحاً من حيث المبدأ حقا لكل من اكتسب صفة المواطن في الدولة. علماُ بأن هذا المبدأ قد يثير إشكالية لدى الأحزاب الدينية والطائفية والإثنية والمناطقية والطبقية . وهذه الإشكالية لابد من مقاربتها حتى يمكن للأحزاب أن تتداول السلطة سلمياً ، وذلك عندما يكون انتقالها من الشبيه إلي الشبيه ، حيث يتعذر انتقال السلطة سلميا من النقيض إلي النقيض عندما يكون هدف أحد الأحزاب هو إقصاء الحزب الآخر و ليس تداول السلطة معه سلميا.
ت‌- أن تكون العضوية بضوابطها الديمقراطية هي وحدها مناط الواجبات ومصدر الحقوق الحزبية .
حيث أن أعضاء الحزب يحتكمون في علاقاتهم الداخلية إلي شرعية دستورية متجددة يتفقون عليها ابتداء . كل المؤشرات تؤكد فشل الأحزاب والتنظيمات السياسية السودانية دون استثناء في إنهاء حالة الشلل التي تصيبها والاهتداء لمعايير وآليات تساعد علي ضبط العمل ووضع حد للاضطراب الحاصل حول مفهوم الحزب الديمقراطي في التجربة السياسية السودانية التي ظهرت إلي الوجود لأكثر من خمسة عقود ، ولكنها لا تزال ترواح مكانها تارة و تتراجع إلي الوراء تارة أخرى . مما يستدعي التوقف عند هذه الخاصية الغير صحية التي ضربت الجسم السياسي السوداني ، وكادت أن تبقي عليه طريح الفراش بعض الوقت ومشوش العقل وعاجز عن الأداء الفعال معظم الوقت. فمن يتأمل تجربة أكبر حزبين تقليديين حزب الأمة والحزب الاتحادي الديمقراطي يصاب بالحيرة والذهول في تنكبهما للطريق رغم عراقة التجربة ، وفي المقابل ما يطلق عليها بالأحزاب الحديثة أو النخبوية ( الحزب الشيوعي السوداني ، الجبهة الإسلامية القومية في ثوبها الجديد) هي الأخرى ليست بأفضل حال . حيث طغت عليهم جميعا الصراعات البينية ،والانقسامات وضعف القوة الاقتصادية وغياب الميزانيات والشفافية والمحاسبة ويستطيع أن يقول كل مراقب بلا تحفظ ، ليس هناك حزب أو تنظيم سياسي بلا غريم وكل ما هو مطلوب هزيمة غريمه وإقصائه من حلبة الصراع. هذه العملية الاختزالية للصراع السياسي في الآخر(الغريم) بهذا الشكل و أن تطبيق البرنامج السياسي علي علاته لا يبدأ عندها إلا بهزيمته وإقصائه نهائيا ، مما أنهك هذه الأحزاب وولد ظاهرة العنف السياسي وعطل انسياب وسيولة العملية السياسية برمتها. أدى تفاقم هذه الظاهرة السالبة بالكثير من المواطنين مغادرة الحلبة غير آبهين ، عازفين عن التعاطي السياسي والخروج بنتيجة مفادها أن الأحزاب السياسية هي سبب الداء و البلاء و بعبارة أخرى غير مؤهلة لإدراة البلاد والعباد ، والانتقال بها إلي مصاف الدول المتقدمة. في حالة فيها نوع من فقدان الثقة بين الطرفين ، إلي جانب إصابة الأحزاب بحالة من الخواء الفكري وضعف الأداء التنظيمي نتيجة لضعف الديمقراطية الداخلية ومصادرتها أغلب الأحيان فضلا عن اتهامها بتقويض النظام الديمقراطي بالاعتداء عليه، والتي هي جزء منه، هذه الممارسات الخاطئة فتحت الباب واسعا للتنافس الغير شريف ، واللجوء إلي الإمساك بالعصاة ( المؤسسة العسكرية) لضرب الخصم وإذلاله أيما إذلال والضحية هي الشعب السوداني . وهنا تأتي أهمية هذا النقد ليساهم في إضاءة الطريق وتمليك المفاتيح المعرفية للناس حتى يصلحوا ما انفلت ، وإرجاع الأمور كل الأمور إلي نصابها الصحيح.

أن هشاشة الوضع الراهن في السودان تنذر بانقلاب السحر علي الجميع أو إن شئت فقل غرق سفينة الإنقاذ و مراكب المعارضة التي تهرول مسرعة للحصول علي الغنائم وشفرات الأموال المودعة والمهربة إلي البنوك السويسرية والماليزية ،بعد تعرضها للأمواج العاتية نتيجة سونامي جديد. أي أن الكل يسعى ويأمل زيادة نصيبه من الكعكة بأي وسيلة كانت وأن القوانين السياسية لا تعرف لغة الحلال والحرام ومن أراد ذلك فليدخل إلي ساحة مسجد أو باحة كنيسة ولسان حاله يقول علي وعلي أعدائي. أعتقد أنه رغم كل التحفظات التي يمكن أثارتها حول اتفاقية السلام الشامل بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان ، إلا أنها تعتبر الصيغة المثلى والمدخل الصحيح للخروج من المأزق السوداني الراهن. وعلي قيادات أحزابنا السياسية إدراك هذه الحقيقة والتعامل معها بموضوعية وحكمة وأن الجميع أمام امتحان صعب وأن ضياع هذه اللحظة التاريخية هو ضياع للسودان أرض المليون ميل مربع. لقد رحبت الأحزاب السياسية باتفاقية السلام ولكنه في رأينا مجرد ترحيب دبلوماسي لتفادي الحرج أولا:أمام أشواق الشعب السوداني المتطلعة دوما إلي السلام ، وثانيا:أمام المجتمع الدولي الذي ضغط ورعى هذا الاتفاق حتى ظهر إلي الوجود ، ويستعد الآن لدعمه ماديا، فهل نفرط في كل ذلك بحجة أنه لا يلبي كل الطموحات؟ أما حقيقة الأمر فهي ترفض الاتفاقية والتعاطي معها وتحاول الضغط بقوة لإحداث ثقب في جدارها بهدف إجراء أي تعديل ولو طفيف كي يكون مبررا إلي ما بعده والعودة من جديد إلي نقطة الصفر. صحيح أن تصرفات الحكومة واستهدافها لحياة الطلاب واسترخاص أرواحهم بهذه الطريقة الاستهتارية شيء مرفوض ومدان ناهيك عن الاعتقالات ولكي نوقف مثل هذه التصرفات الغير مسئولة ، علينا التمسك باتفاقية السلام الشامل التي كفلت الحريات كاملة ، وكافة الحقوق والواجبات التي تفرضها المواطنة وفتحت الباب أمام حكومة وحدة وطنية تساعدنا في الخروج من هذه الورطة فهل نقبل أم نرفض؟. والمفارقة المحزنة هي أن من بين هؤلاء من قبل بما يسمى (هامش الحرية) مصطلح دخل قاموسنا السياسي بين عشية وضحاها ووجد رواجا وتبريرا وغيره من المصطلحات " أجندة شمولية ،أجندة حربية ، أجندة وطنية" توظف حسب الحاجة ، وينسى كثيرون أو يتناسون أن هذا الخطاب مثل ضغط كبير علي الحكومة السودانية وقوي أخرى مثل الحركة الشعبية لتحرير السودان كي تغير مواقفها ، فتم اختيار تلك المصطلحات بعناية فائقة وفصلت حسب المقاس أو هكذا أريد لها بضاعة عند الطلب، وعندما تحركت المياه نحو الأجندة الوطنية هروباً من الشمولية والحربية ، خرجت رغماً عن أنف الحاوي حيتان الأولى(يا فيها بما يرضيني يا نفسيها) ,والثانية (التحفظات) تلك القشة التي قصمت ظهر بعير اتفاقية قرنق /الميرغي ، فظهرت إلي الوجود عصاة موسي تلقف كل من تجده أمامها وها هم الآن يقفون بصلابة أمام إتاحة الفرصة لحريات كاملة هم أول المستفيد منها لو تعقلوا، ولكن للأسف لا حياة لمن تنادي ، ويدخل هذا في صلب الأزمة التي نناقشها الآن حين يكون السيد أو الأمام وحده من يقرر ، ووحده هو الأستاذ وغيره مجرد تلاميذ مهما كبر شأنهم أو صغر. أي أن اتفاقية السلام إلي جانب كل الرحمة والخير، فيها شيء من العذاب لمن يستحقه ، حبال من (تيل) يقيد بها من يخالف بواسطة قضاء حر ومستقل.

أود أن أؤكد علي أنني لا أستثني أحد، فالحركة الشعبية لتحرير السودان تقع عليها مسئولية تنزيل بنود اتفاقية السلام الشامل إلي أرض الواقع حتى تصدق القول بالعمل ، وذلك يتطلب منها السير في الطريق الذي بدأته الآن في تهيئة المناخ من خلال الحوار الجنوبي جنوبي والحوار الذي دار في جبال النوبة والضغط علي شريكها حزب المؤتمر الوطني لتهيئة المناخ في الشمال. أيضاً الحركة الشعبية مطالبة بالتحول إلي تنظيم سياسي عريض وأمامها فرصة تاريخية لتكون أول تنظيم سياسي قومي حقيقي ، متاحة الفرص فيه بالتساوي لكل عضو بصرف النظر عن انتمائه الديني والعرقي والجهوي. والعبرة نستقيها من التجربة الهندية ، من خلال حزب المؤتمر الهندي الذي أتاح الفرصة أمام كل هندي آخذا في الحسبان ذات المعايير آنفة الذكر ، مما هيأ البلاد أن تحكم بأقليتين في آن معاً وبأعلى منصبين في الدولة الرئيس وهو مسلم ورئيس الوزراء سيخي. أليس هذا إنجاز يضاف إلي رصيد الديمقراطية الهندية علي وجه الخصوص وفي العالم على وجه العموم؟ فأين نحن من كل ذلك؟ وما قول أحزابنا السياسية التي يهيمن علي عرشها ديناصورات ليس في نيتهم ترك مناصبهم التي أخذوها عنوة أو أخذت إليهم بحجة أن من يحكم القوم فهو أشرفهم وكلنا يعرف بقية الحدوتة والتي تبدأ تنقل الخلافة إلي فلان وإن قضى ففلان ..إلخ.

أما الحركات المسلحة التي ظهرت في دارفور وشرق السودان لم تستفيد هي الأخرى للأسف من سلبيات التجربة الحزبية في السودان ، رغم عدالة القضية التي تطرحها، يراها المراقب تتنكب الطريق وتعاني من ظاهرة الاستقطاب الحاد ووقعت فريسة للصراع القبلي والفتن الداخلية ، وتبادل الاتهامات ، مما سمم الأجواء ، وأدى إلي انحسار التأييد لديها.

والتحدي في رأينا هو المراهنة علي عامل الوقت الذي يحاصر الجميع ، حركات ناشئة تنضج تدريجياً وتحاول أن تتعلم من أخطائها، أحزاب عريقة تكابد الابتعاد عن شبح الشيخوخة واستعادة عافيتها وحيويتها والانتقال إلي دائرة الضوء التي ترفض أن تسع الجميع إلا من له القدرة علي البقاء إنفاذا للقانون الكوني البقاء لا يكون إلا للأصلح والأقوى ، ومجتمع دولي ضاق ذرعا بالممارسات الخاطئة للحكومات السودانية المتعاقبة وقرر وضع حد للمأساة السودانية عن طريق الضغط علي الكل بواسطة قانون الجزرة والعصا. ألا يعني كل ذلك صدق ما ذهبنا إليه من خطر التفتيت الذي يتهددنا ، والسؤال هل تكون أحزابنا والحركات المسلحة علي قدر التحدي حتى نجنب بلادنا وشعبنا الويل والثبور وعظائم الأمور؟؟؟
معاً من أجل سودان جديد

للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر الحر | دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر الحر

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |تعارف و زواج|سجل الزوار | اخبر صديقك | مواقع سودانية|آراء حرة و مقالات سودانية| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved