![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
تنقسم المجموعات السياسية الجنوبية إلى فئتين أساسيتين :-
مجموعة الأحزاب الجنوبية المعارضة : مثل مجموعة الأحزاب الأفريقية (يوساب) . لا بد لنا في هذا المجال أن نشيد بمواقف أحزاب هذه المجموعة ضد النظام و دورها في الدفاع عن الديمقراطية و مقاومتها لنظام عسكري شمولي طرحته الجبهة القومية الإسلامية بعد استيلائها على الحكم في مؤامرة دنيئة على الشعب السوداني و تحاول منذ سنين تغليفه في قالب تظنه براقاً تسميه بالمؤتمر الوطني .. فالتحية موصولة لتلك الأحزاب و لممثلهم في سكرتارية التجمع الوطني الديمقراطي من الداخل الأستاذ جوزيف أوكيل .
المجموعة الثانية من الأحزاب :- لا بد لنا من الوقوف للتعرف على هذه الشريحة الطفيلية من صنائع الإنقاذ مما يسمى بأحزاب التوالي الجنوبية . كما ذكرت آنفاً فإن هؤلاء النفر من الجنوبيين الإنقاذيين ( لعل تسميتهم بالإشكاليين أكثر دقة في وصفهم ) يؤمنون ببرامج المؤتمر الوطني الشمولي و الجهادية ضد أهلهم في الجنوب . و أعود إلى ما ذكرته في مستهل مقالي بأن هؤلاء الساسة قد احترفوا السياسة وسيلة للاسترزاق فحسب .. الأدهى و الأمرّ في الموضوع هو عدم إقرارهم حتى الآن بخطئهم التاريخي المميت .. و بما لحق من مواطني الجنوب من ضرر جراء كونهم أداة لتنفيذ سياسات الجبهة من تنكيل و تعذيب و خلافه .. و الأمثلة على ذلك لا تعد و لا تحصى و نكتفي هنا بالإشارة إلى مذبحة الجبليين و مجازر الرائد شمس الدين في مدينة جوبا في أوائل التسعينيات و ما تعرض له النازحون من مضايقات للنازحين و ترحيلهم قسراً بحجة إعادة تخطيط المدن و غيرها من جرائم الإنقاذ ضد هؤلاء النفر من النازحين المساكين .. كيف يعقل أن تدعّي جهة سياسية إيمانها الراسخ بالوطنية و الديمقراطية بينما هي تنضوي تحت لواء حكومة تمارس هذه التصرفات الإجرامية و تتخذ منهجاً للحكم .. إن هذا جرم لا يمكن السكوت عليها أو محاولة تبريره بالواقعية تارة .. أو السعي إلى التغيير من داخل أروقة الحكم تارة أخرى .
المجموعات الثالثة :
بزّ هؤلاء النفر من قادة المليشيات و زعماءها نظام الجبهة عنفاً و ظلماً و جنوحاً متعطشاً إلى الدماء و مارسوا أسوأ انتهاكات عرفها تاريخ السودان في مجال حقوق الإنسان ، و تمثل ذلك في تطبيقهم لسياسات الجبهة الحمقاء من قتل و تشريد للمواطنين الأبرياء من مناطقهم كما حدث في مناطق البترول في بانتيو ، و الأنكى من ذلك الجريمة النكراء التي ارتكبها أحد هؤلاء القادة بقتل وزيرين في ولاية الوحدة ، و ذلك بإيعاز من حكومة الجبهة .. هذه الجريمة البشعة لم و لن تعرفها أي دولة تؤمن حتى بأبسط حقوق الإنسان .. أي حكومة في العالم تقتل وزرائها المعينين من قبلها بصورة رسمية !! المضحك المبكي في الموضوع هو أن القاتل ما زال حراً طليقاً .. نطالب من هذا المنبر بتقديم تلك الفئة إلى محاكمات عادلة حتى يتحقق العدل .
لم يقف الإنقاذييون فقط عند هذا الحد بل زجّوا بمليشيات أجنبية مرتزقة من الجارة يوغندا و هي ميليشيات جيش الرب التي اشتهرت بالبطش و الوحشية ضد مواطني الجنوب ، و نتيجة للضغط الذي تعرضت له حكومة الإنقاذ من المجتمع الدولي و الحكومة اليوغندية فإنها سارعت كعادتها إلى محاولة التكفير عن خطيئتها التي لا تغتفر و وعدت بكبح جماح جيش الرب إثر اتفاق أبرمته مع الحكومة اليوغندية .. و لم يكن مستغرباً من تلك الحكومة المتخبطة أن تمنح في معرض الاعتذار عن خطأها حق انتهاك السيادة السودانية للجيش اليوغندي بحيث يسمح له بعبور الحدود و القيام بعمليات انتقامية ضد ميليشيا جيش الرب .. و الأسوأ من ذلك تمادي النظام و تحايله في توفير المأوى و الحماية لقائد تلك الميليشيا الدموية المدعو جوزيف كوني في أحد المباني الحكومية في مدينة جوبا و توفير حماية لبعض عناصره الاستخباراتية و منحهم الإعاشة في جامعة إفريقيا العالمية تحت غطاء أنهم من الطلاب الأفارقة الدارسين في الجامعة .. مارس هؤلاء بالطبع بحكم إلمامهم باللغات المحلية دورهم الاستخباراتي المحتوم ضد اليوغنديين المتواجدين في السودان و ضد بعض أبناء جنوب السودان ممن كانت لهم نشاطات معادية لجيش الرب ، خاصة و أن هؤلاء النفر من جيش الرب من قبائل الأشولي و هي قبائل مشتركة بين البلدين .. أبرزت حكومة الإنقاذ حجة ثانية لحماية جيش الرب لاستخدامهم وسيلة للضغط على يوغندا لتتخلى عن دعمها للجيش الشعبي .. دعونا ننطلق من مبدأ التعامل بالمثل ، فنقول أولاً أن قواعد الجيش الشعبي قائمة في جنوب السودان و ليس في يوغندا ، و ثانياً فإننا لم نسمع على الإطلاق شكاوى من المواطنين اليوغنديين بأنهم قد تعرضوا للقتل أو حتى الأذى من قوات الجيش الشعبي في بلادهم .. بينما واقع الحال بالنسبة لجيش الرب على العكس تماماً من ذلك ، فقواعده توجد داخل الأراضي السودانية و يمارسون ببشاعة لا توصف أعمال القتل و التنكيل بالمواطنين السودانيين الأبرياء العزل . أما كان من الأجدر للإنقاذ أن تتخذ منهجاً مختلفاً في حل خلافاتها مع يوغندا بدلاً من توظيف جيش الرب المكونّ من عصابات السفاحين ؟؟
مواقف بعض القوي السياسية الشمالية من الحوار الجنوبي- الجنوبي ، ينقسم هؤلاء إلى مجموعتين
مجموعة يهمها الحوار الجنوبي- الجنوبي باعتباره سيؤدي في نهاية المطاف إلى استقرار الجنوب و بالتالي استقرار الشمال نفسه ، إضافة إلى تضييق الخناق على الجبهة حتى لا تلجأ إلى أساليبها المعتادة في إجهاض الاتفاقيات و التنصل منها ببراعة تحسد عليها كما حدث ذلك في السابق في حادثة تنصلها من الاتفاقية المبرمة مع مجموعة الدكتور رياك مشار و دكتور لام أكول . هذه المجموعات من أصدقاء الحركة الشعبية هم من المهمشين و أحزاب التجمع و أنصار السودان الجديد في الشمال .
المجموعة الثانية و هي مجموعة تستخدم هذه الشعار من أجل إحراج الحركة الشعبية و تسويقه عند أهل الشمال و تتسم بعدم إيمانها بالحريات و الديمقراطية و أنها نبعت من تطبيق الشمولية في الجنوب و منح الجبهة اليد الطولى في حكم الشمال . و على الرغم من قناعة هؤلاء التامة بأن الحركة الشعبية قد قطعت العهد أمام الشعب السودان والمجتمع الدولي فإنهم ما زالوا يطلقون تلك الدعاوى المختلقة ، و رغم معرفتهم الأكيدة كذلك بأن الحركة الشعبية قد سعت جاهدة في معركة التفاوض مع الإنقاذ من أجل تضمين الاتفاقية للتحول الديمقراطي في كل من شمال السودان و جنوبه . و رغم علمهم اليقين أيضاً بأن الحركة الشعبية ملزمة بقرارات مؤتمر أسمرا للقضايا المصيرية . المدهش في مواقف هؤلاء القوي السياسية أن بعضهم قد أبرم صفقات مع الإنقاذ بل عادوا إلى السودان و هم يحلمون في طوباوية مثالية بتطبيق الديمقراطية ، و لكن آمالهم ذهبت أدراج الرياح و أبدوا مهارة في رشق الحركة الشعبية بالاتهامات بشعارات تحملها مسئولية ما يحدث من انشقاق و تشرذم و مآسي على كثير من الأصعدة . و مما زاد الطين بلة محاولاتهم المكشوفة لإجهاض اتفاقيات السلام بحجة أن نيافشا هي مفاوضات ثنائية و أن تشكيل لجنة الدستور غير عادل أو متوازن .. فليعلم هؤلاء أن دستور الفترة الانتقالية ستكون مستوحى من روح اتفاقية نيافشا رضوا أم أبوا ..
تشير بعض الأنباء الصحفية من نيروبي إلى أن المجموعات الجنوبية المتحاورة قد توصلت إلى اتفاق بخصوص بعض القضايا الجوهرية ، و لهذا دلالة واحدة تتمثل في بناء الثقة و الشعور بالمسؤولية الوطنية فإلى الأمام .
أثار التصريح الذي صدر مؤخراً لأحد جنرالات الحرب فائق استيائي و خيبة أملي .. و ذلك في إشارته إلى أنه غير معني بأية اتفاقيات أو ترتيبات أمنية . يعدّ هذا التصريح تعدياً سافراً لاتفاقيات السلام . أما ما يسوقه الجنرال المذكور من مسوغات لقراره فلا يمكن القبول بها منطقياً .. خاصة مع الأخذ في الاعتبار أن هذا الجنرال قد قام بنفسه و دون حياء بتطبيق الاتفاق الذي ينص على ضرورة انضمام الميليشيات إلى أحد طرفي الاتفاقية بحيث يتم استيعابهم في الجيش الحكومي أو الجيش الشعبي .. فليعلم الجنرال بأننا لم نفقد الذاكرة .. لقد تم تنصيبك في القيادة العامة أمام الملأ و حصلت على ترقية إلى رتبة اللواء في الجيش السوداني .. ما هو التفسير الوحيد لذلك سوى أنها مكافأة رخيصة لدورك المشين في الحرب إلى جانب الإنقاذ .. أرجوك أن تفهم جيداً بأننا لسنا في حقبة الثمانينيات أو التسعينيات من القرن الماضي .. في ظل المستجدات التي تشهدها الألفية الثالثة فإن المبررات الواهية التي تريد أن تسوقها لن تجد آذاناً صاغية سوء محلياً أو دولياً .. غاية ما أخشاه هو أن يؤدي تماديك في أعمالك هذه بإيعاز من رؤسائك في القصر الجمهوري إلى تضمين اسمك في كشوف المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية .. لا تنس أن المجتمع الدولي لن يسمح بأي انتهاكات لحقوق الإنسان في الجنوب و بصفة خاصة بعد أن أشرف المجتمع الدولي على إبرام السلام و منحها رعايته منذ مراحل مبكرة .
الشيء الذي يحيرني هو موقف النظام .. ما هو السبب في إطلاق يد الجنرال بالذات في الوقت الراهن .. إذا كانت الإجابة أنها مناورة للضغط فأن هذا التصرف لا يمكن وصفه بأي شيء سوى الغباء .. هل يعقل للنظام أن يتيح للجنرال فرصة إطلاق هذه التصريحات العبثية و النظام نفسه في حال يرثى لها إثر تلقيه الضربة تلو الأخرى من المجتمع الدولي .. يا للمفارقة ... ما أخشاه أن النظام يريد أن يوقع الجنرال في شرك من منطلق أن ما حلّ بهم في دارفور لابد أن يشمل أنصارهم في الجنوب من باب تعقيد الوضع الداخلي بالنسبة للمجتمع الدولي .. لكن إذا افترضنا جدلاً بأن النظام يفكر بهذه السذاجة .. فإنه يرتكب خطأ تاريخياً مميتاً قد يطيح بالسودان بأسره و هنا مكمن الخطورة .. نصيحتي الأخيرة للجنرال هؤلاء النفر من الإنقاذيين لديهم الأموال الطائلة في بنوك تتبع لهم في ماليزيا .. هذه المبالغ منهوبة من إيرادات البترول الذي أنت حارسه الأمين .. فإذا تأزم الأمر فأنهم سيغادرون البلاد غير مأسوف عليهم و يتركونك وراءهم منبوذاً دون مأوى .. و حتى دول مثل يوغندا أو كينيا أو أثيوبيا لن يكون بوسعها منحك حق اللجوء السياسي لأنك ستكون مطلوباً لمجلس الأمن .. لذا أناشدك للمرة الثانية بأن تنصت لصوت العقل و تلتزم بتطبيق البنود المتبقية من الاتفاق طالما أنت لواء في الجيش السوداني .. و الأهم من ذلك هو أن تدع المواطن الجنوبي ينعم بالسلام و الأمان الذي حصل عليه بثمن غالٍ من المعاناة و الاقتتال لعقدين متتاليين .
أود في الختام أن أؤكد على تقديري العميق لأهمية الحوار الجنوبي-الجنوبي وإيماني بالقيم الحقيقية للديمقراطية التي تدعو إلى منح كل من الأطراف حقه دون إفراط أو تفريط و عدم إقصاء الآخر . كما أؤكد بعدي عن النظرة الأحادية الضيقة في الطرح و حرصي على حدوث إجماع وطني جنوبي باعتباره مدخلاً للحوار الشمالي -الشمالي و ذلك بهدف ترسيخ اتفاقيات السلام و تكريس مفاهيم الديمقراطية . أشير هنا إلى ما ذكره الدكتور جون قرنق دي مبيور قائد الحركة الشعبية لتحرير السودان في خطابه التاريخي أمام الجلسة الافتتاحية لمنتدى الحوار الجنوبي- الجنوبي بأن الفصائل الجنوبية تتكون من مواطنين جنوبيين ، و أنه يحق للعسكر منهم الالتحاق بالجيش الشعبي لتحرير السودان أو الجيش الحكومي و أن الأجنحة السياسية من تلك الفصائل يمكنها مشاركة الحركة الشعبية في حكم الجنوب . هذا طرح من قائد يمتلك الرؤية الاستراتيجية و يحمل حديثه معاني الأمل في تسوية مشاكل شعبه حيث كان هذا ديدنه منذ بدء الصراع مروراً بصعوبة المفاوضات حتى نجاح المساعي لإبرام اتفاقية عادلة . يحضرني في هذا المقام كلمة قالها المناضل الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بأن مفاوضات ليوم وأحد أصعب من الاقتتال لمدة أسبوع .
من هذا المنطلق فأن الأخوة من مجموعات الفصائل يتمتعون بنفس الحقوق و الواجبات مثل إخوانهم في الحركة الشعبية دون تمييز و ذلك تماشياً مع مبدأ المواطنة و الحكم الرشيد .
لذا فإنني أناشد من هذا المنبر الأخوة بأن يغتنموا الفرصة السانحة لأن الجنوب في الوقت الراهن في أمس الحاجة إلى سواعد أبناءه السمراء لتجاوز عنق الزجاجة .
إن روح المسئولية و الأمانة التاريخية تفرض علينا تجاوز هذه الصغائر و التوحّد تحت شعار وطني واقعي يهدف إلى استبدال الحرب بالبناء .. و التشرذم بالتناغم .. و الخلاف بروح التعاون و الإخاء .
مدينق ودا منيل
[email protected]
[email protected]