ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
هل عرف الطيب صالح الآن حقيقة هؤلاء‚‚ ومن أين أتوا ؟! بقلم أبو بكر القاضي
سودانيزاونلاين.كوم sudaneseonline.com 4/27/2005 9:13 ص
أبو بكر القاضي ــــ هل عرف الطيب صالح الآن حقيقة هؤلاء‚‚ ومن أين أتوا ؟! خطفت يد المنون الشاهين الجارح ــ الخاتم عدلان‚‚ في ريعان شبابه وقمة عطائه ولم يتجاوز (52 سنة)‚‚ بذات الطريقة التي اختطف بها التجاني يوسف بشير ومعاوية نور ! كان قلمه سنينا‚ فاحصا‚ ناقدا‚‚ حتى قال عنه الصديق بدر الدين الامير انه (يصنع الاعداء‚‚)‚ ان مجتمعنا السوداني بموروثه الطائفي يصعب عليه ان يتقبل ثقافة النقد والتقويم‚‚ لقد جمع الخاتم في (حق) مجموعة من خيرة شباب الذبيحين الشهيدين (عبدالخالق محجوب‚ ومحمود محمد طه)‚ وكنت وما زلت اتنبأ (لحق) بتقديم نموذج (للفة السياسية النظيفة) بغض النظر عن اي مكاسب سياسية يمكن ان تحققها الحركة في المدى القصير‚ لقد فقد السودان قلم الخاتم عدلان في هذا الوقت الذي يتعرض فيه السودان لخطر الصوملة والتفتت بسبب ضيق افق النخبة النيلية الانقاذية الحاكمة‚ هل عرف الطيب صالح حقيقة هؤلاء ومن أين أتوا؟ وصل الى مطار الخرطوم يوم السبت الماضي الاستاذ الاديب الطيب صالح‚ وبرفقته صديق عمره الاستاذ ابراهيم الصلحي الفنان التشكيلي المعروف‚ ورئيس الجالية السودانية بدولة قطر الاسبق لدورتين‚ الطيب صالح وصل للخرطوم بعد غيبة لمدة «18» سنة‚ اي ان قدميه لم تطآ ارض السودان منذ وصول اهل الانقاذ الى السلطة في السودان في 30 يونيو 1989‚ وقتها اطلق الطيب صالح عبارته الشهيرة التي سارت بها الركبان: (من هم هؤلاء‚‚ ومن اين اتوا؟) والسؤال المركب من جزءين كناية عن انكار الطيب صالح لهم‚ فهو لا يعرفهم ! ولا يعرف من اين اتوا وصياغ السؤال يوحي بأن اهل الانقاذ اتوا من خارج السودان‚‚ كناية عن فكرهم المستورد‚‚ مشروع حسن البنا‚‚ وعلى صلة بهذا الموضوع قد غنى اليسار لثورة مايو قائلا: ما جيت غريب يا مايو ما جيت من شهب جيت من سواعدنا‚‚ وعرقنا‚ مايو اتولد‚‚ قالوا النجوم زادت عدد والفنان محمد وردي قال في غنائه لثورة مايو (جيتنا وفيك ملامحنا)‚ لثورة اكتوبر غنّى الفنان وردي قائلا: (كان اكتوبر في امتنا منذ الازل)‚ سؤال الطيب صالح (من هم هؤلاء‚‚ ومن اين اتوا؟) ليس صادرا من فراغ‚ وانما كان هدفه تجريد ثورة الانقاذ من ارتباطها بهذا الشعب وترابه وتجريدها من (ملامحنا) ! لماذا قدم الطيب صالح وهذه الكوكبة في هذا الوقت للاحتفال بالخرطوم عاصمة الثقافة العربية؟! زيارة الطيب صالح ورهطه من الكتاب والفنانين والمبدعين جاءت في وقت غير مناسب‚ وفي مناسبة غير سعيدة وفي موضوع يحتاج الى اعادة نظر‚ اما التوقيت فهو بعد صدور وابل من قرارات مجلس الامن ضد الحكومة السودانية خلاصتها فرض وصاية على السودان‚ ومعلوم ان الوصاية تفرض عن غير الرشيد‚ اما قرار مجلس الامن رقم 1593‚ فقد كان بمثابة الطامة الكبرى لنظام الانقاذ‚ حيث قضى القرار باحالة مرتكبي جرائم الحرب في دارفور للمحكمة الجنائية الدولية بلاهاي‚ وقد وجدت حكومة الخرطوم نفسها اصغر من حبة سمسم القضارف‚ وقد اقامت مأتما وعويلا بالخرطوم‚ لذلك فان مجيء الطيب صالح للخرطوم في هذا الوقت يقدم عزاء كبيرا لمأتم الخرطوم‚ وأكبر دليل مصاب الحكومة الاليم وخطبها الجلل بعد صدور القرار‚ هو احتفالها بموقف الفنان محمد وردي المؤيد لها ــ نعم وردي فنان عموم افريقيا‚‚ وقف بجانب حكومة الانقاذ الظالمة‚‚ وكأنه يقول بلسان حاله للمشيرين (النميري وعمر البشير) (نرجع ليك توصينا‚‚ ونسمع ليك تحدثنا‚‚ يا فارسنا وحارسنا يا جيشنا‚‚ ومدارسنا‚‚ كنا زمن نفتش ليك‚‚)‚ لقد وجد وردي نظام الانقاذ بعد 16 سنة ! اما المناسبة غير السعيدة فهي الاحتفال بالخرطوم عاصمة الثقافة (العربية)‚‚ لقد ادركت حكومة الخرطوم ان كلمة (العربية) هذه الايام استفزازية لذلك حذفتها‚ ووجه الاستفزاز اتى من واقعة ان الحكومة بصدد وضع دستور انتقالي دائم على حد وصف الاستاذ علي محمود حسنين لمسودة الدستور التي تم وضعها من قبل مفوضية الدستور (من الحكومة + الحركة)‚ يفترض ان يحسم الدستور قضية (الهوية) السودانية‚ وبالتالي فان وصف الخرطوم كعاصمة للثقافة العربية يعتبر (حسما استباقيا) لقضية الهوية السودانية‚ وهو وصف يناقض (السودانوية) المتفق عليها في مشاكوس‚ «الإنسان يعيش وطنه حيثما ذهب» بعد وصوله مطار الخرطوم انكر الاديب الطيب صالح انه كان مغتربا عن السودان رغم غيابه الحسي عنه مدة (18 سنة)‚‚ قال انه لم يحس انه خرج من السودان وان التواصل بينه والبلاد لم ينقطع‚ وقال بالحرف: (هناك استمرارية في الشعور الداخلي‚‚ الانسان يعيش حيثما ذهب)‚ وعن انطباعاته الاولية عن السودان بعد نزوله من سلم الطائرة بمطار الخرطوم حتى وصوله الى فندق قصر الصداقة بالخرطوم بحري قال: (لم ار شيئا جديدا خلال المسافة التي قطعتها من المطار وحتى فندق القصر في بحري‚‚ رأيت الناس هم ذات السودانيين ماشيين بطريقتهم البسيطة)‚ اجابة الطيب صالح عن مشاهداته في الخرطوم هي اجابة صدق على الطريقة الصوفية‚ فقد سأل بدوي شيخا زاهدا: هل رأيت غنماية مجزوزة؟ (اي مقطوعة الشعر؟)‚ فرد الصوفي بكل دقة: «رأيت غنماية مجزوزة من صفحتها اليمنى»‚ فقد تحدث الصوفي الورع عن الجنبة ــ الصفحة اليمنى التي رآها فقط‚ فهو لا يجزم بأن الصفحة اليسرى مجزوزة‚ فاستاذنا الطيب صالح اعطانا وصفا ــ لصحيفة الرأي العام السودانية ــ عن المسافة المكانية التي رآها (من المطار وحتى فندق قصر الصداقة)‚ وحديثه قطعا لا يشمل مشروع الجزيرة الذي اصبح خرابا‚ وسكان مدينة ود مدني الذين نزحوا للخرطوم رغم ان مدني كانت عزيزة عليهم في يوم من الايام‚ حتى انهم كانوا يستنكفون عن المبيت في الخرطوم ويرون ان المبيت في العاصمة بمثابة خيانة لمدينة ود مدني‚ ارض المحنّة وقلب الجزيرة‚ لم يتحدث الطيب صالح عن مشروع الرهد‚ ومشروع السوكي‚ ومشاريع النيلين الازرق والابيض‚ كل هذه المشاريع تبدل لونها من الاخضر الزرعي‚ لون الحياة والنماء الى الاصفر لون الموت والذبول‚ بالقطع لم يتحدث الطيب صالح ولم ير قرية الطينة في دارفور‚ او قرية يس وأكثر من اربعة آلاف قرية تم حرقها في دارفور‚ لم ير الطيب صالح انسان دارفور الخائف ويرجف مثل القشة في مهاوى السيل‚‚ ليس لانه خائف من عيون محبوبته على حد قول وغناء محمد ميرغني فنان بحري (امسكي عليك عيونك ديل)‚‚ ولكن لانه خائف من الجنجويد الذي دربته حكومة الخرطوم واعطته السلاح والمال واطلقت له العنان ليبيد شعب دارفور‚ لم ير الطيب صالح عمارات «الفقسوا» في عهد الانقاذ ! مصطلح (الفقس) يقال في السودان لمن يظهر عليه الثراء فجأة ودون مقدمات منطقية‚ وخير مثال لذلك هو ثراء اهل الانقاذ‚ وهو فسادهم الذي احسن الاستاذ مولانا بشير معاذ الفكي وصفه تفصيلا في مقاله المنشور بالشبكة الدولية‚ فساد الانقاذ الذي امتنع اهل الانقاذ بالخليج عن الدفاع عنه لكون ان رائحته الكريهة ازكمت الانوف‚ ونشهد لله ان اهل الانقاذ الذين يقيمون في الخليج هم افقر اهل الانقاذ لأنهم يأكلون من عرق جبينهم رزقهم الحلال‚ الطيب كأديب‚ كان همه الانسان السوداني وليس العمارات (الساقطة) من يوم لآخر‚ وسقوط العمارات في الخرطوم هو اصدق تعبير للسقوط والانحطاط المهني والاخلاقي في سودان الانقاذ‚ هل رأى الطيب صالح في مطار الخرطوم طلائع قوات التدخل «الحميد»؟ في مقال لطيف للاستاذ كمال اسكندر منشور بموقع ايلاف بالشبكة الدولية يتحدث فيه عن (التدخل الايجابي) في لبنان‚ الذي حدث مؤخرا من قبل سمو الامير عبدالله ولي عهد السعودية‚ وترتيباته مع الحكومة الفرنسية والتي سوّق فيها نجل الحريري لدخول السياسة‚ وترتيباته مع سوريا التي افرزت في النهاية حكومة لبنانية لانقاذ الموقف‚ وملء الفراغ الدستوري‚ وصف هذا التدخل «الاجنبي بالايجابي» اما انا فاستلهم الفكرة دون تكرارها في وصف التدخل الدولي في السودان بموجب قرارات الشرعية الدولية (قرار رقم 1590‚ وقرار 1591‚ وقرار 1593)‚ بالتدخل «الحميد» فقد وصلت تباعا طلائع القوات الاسترالية والالمانية‚‚ الخ‚ بعد ان اجاز البرلمان الالماني التدخل (الحميد) في السودان‚ فهل يا ترى شاهد الطيب صالح السودان تحت الوصاية الدولية‚‚ وأراضيه المستباحة للقوات الاجنبية بعلم وموافقة الحكومة ــ رغم انفها ــ لقد سمحت الحكومة السودانية ــ ودون قرار من مجلس الامن للحكومة اليوغندية بادخال الجيش اليوغندي لمطاردة جيش الرب اليوغندي‚ وتصفيته وابادته ! نعم جيش الرب حليف الحكومة السودانية حتى الامس‚‚ ونسبة لأنه استنفد غرضه (باعته) حكومة الخرطوم‚ وشاركت في ابادته بالتسهيل وتقديم المساعدة اللوجستية للحكومة اليوغندية‚ غدا سيذهب الطيب صالح للاحياء وسوف يسأل نفسه اين انا؟‚‚ في الخرطوم أم في انجمينا أم في جوبا ؟! غدا عندما يذهب الطيب صالح لاحياء العاصمة ويطوف بشارع الجمهورية والحرية والبرلمان سيسأل نفسه اين انا؟ هل هذه جوبا ام انجمينا؟ سوف يرى الحزام الاسود في الخرطوم‚‚ وقتها سيدرك ان الخرطوم ليست عاصمة للثقافة العربية وسيدرك انه جاء في الزمان الخطأ‚ وللمكان الخطأ‚ وللحكومة الخطأ وسيعرف حقيقتهم‚‚ ومن اين جاءوا‚ نسأل استاذنا عن (ملامح) اهل الانقاذ بعد ان استقبله الوزير في المطار مشفوعا بكاميرا التليفزيون‚ هل وجد (ملامح) حضارية تشبه القيم الانسانية الموجودة في اوروبا؟ هل وجد الشفافية والمحاسبة على الفساد؟ هل وجد حرية تعبير وتنظيم لأقرب الاقربين‚‚ الترابي القابع في كوبر‚‚ الذي ذهب منذ خمس سنوات ولم يتغير النظام‚‚ الصادق المهدي الذي علق النظام نشاط حزبه‚‚ لأنه قال نعم «للتدخل الحميد»‚‚ لم يتغير مشروع الانقاذ‚ وانما تم فقط اقصاء ابناء (الغرب) منه‚ ازمة الانقاذ ازمة حضارية‚‚ جاءوا من (خارج التاريخ)‚‚ انهم عبدة النصوص‚‚ لم يأخذوا من الدولة الاموية الا عنصريتها اقصاء «الاعاجم» وحرمانهم من حكم انفسهم بأنفسهم‚‚ هل عرف الطيب صالح الآن من هم اهل الانقاذ‚‚ ومن اين اتوا ؟!
للمزيد من االمقالات