ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
خواطر وتأملات في ذكرى مولد الصادق الأمين بقلم فيصل عبدالله-القاهرة
سودانيزاونلاين.كوم sudaneseonline.com 4/26/2005 11:29 ص
خواطر وتأملات في ذكرى مولد الصادق الأمين جرت السنة ودرجت العادة في مجتمعاتنا الإسلامية الاحتفال بذكرى مولد رسولنا الرءوف الرحيم الهادي البشير النذير, في الثاني عشر من ربيع الأول من كل عام هجري , يعبرون عنه بطرق ومظاهر احتفالية متنوعة وفق تنوع ثقافات شعوب الأمة, من مدائح وليالي ذكر وتلاوة قران . فإذا كان الاحتفال والاحتفاء تعبير عن فرحة ووفاء وتكريم من محبين تجاه محبوب قادم من غياب أو احتفاء بمولد أو إحياء لذكراه بعد وفاته , وإذا كان الاحتفال والاحتفاء دليل محبة وغبطة وسرور, فان هذه المحبة تقتضي إجابة طلبات المحبوب , وتنفيذ أوامره , ونيل رضاه بطاعته والإقتداء والتأثر به أمنية ترتجى , كيف لا وهو المثل الأعلى ومحور الأفئدة التي تدور حوله وتهوى إليه , ولكن شتان ما بين هذه المعاني وواقع الأمة المعاش , وقديما قيل في شأن المحبة ( لو كنت صادقا فيما تقول لاطعته *** إن المحب لمن يحب مطيع ) احتفالات تقام وأخيرا ينفض الجميع بلا اثر لاهتداء أو إقتداء . والحق إن ميلاد رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم في حقيقته المعنوية ميلاد امة وميلاد تمام رسالة دين الله الإسلام , دين الإنسانية والسلام والكرامة التي تليق بإنسانية الإنسان وتكريمه له , فان مولده بشارة ذلك التكريم الإلهي للإنسان الذي يستوجب عليه وقفات تأمل وتمعن مع الذات لمعرفة حقيقة رسالة الإنسان في الحياة , ومحاسبة النفس على ما فات واستشراف ماهو آت على هدي وبصيرة , وفيما قصرنا وأخطانا ولماذا وكيف نعمل على أن لا نكثر من التقصير والأخطاء , والتي أدت إلى تراجعنا وتقهقرنا إلى الوراء , ونحن امة الإسلام والإيمان والشهادة والوسطية والاعتدال, امة اقرأ التي مازالت تعاني من الأمية والجاهلية المهلكة , امة الكياسة والفطانة التي ابتليت بالبلادة والبلاهة , امة مدرسة المحبة والأخوة الأولى التي تميزت بالتباغض والتنافر, امة الحرية والعدل التي تفشى فيها القهر والظلم , امة الرأفة والرحمة المصابة بداء القسوة والتعذيب , امة الجود والتكافل والإيثار التي تعيش في حالة بخل وفقر و إقتار, امة العز والكبرياء التي رضيت بالذل والمهانة ,امة الجد والجهاد والاجتهاد التي استسلمت للهزل والخمول والاستسلام , امة التضحية والفداء التي صارت نموذجا للخوف والجبن . إذا كان ذلك كذلك إذن أين الخلل ؟ وهل نحن امة تمتلك مقومات القيادة وأسباب السيادة وعوامل الريادة ؟ احسب أن الإجابة تكمن في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مولده إلى وفاته, باستخلاص الدروس والمعاني الإيمانية والإنسانية والأخلاقية, مراحل حياة الرسول صلى الله عليه وسلم في الطفولة والصبا والشباب تحوى الأمثال والنماذج الحية للنهضة وجميع المقومات والأسباب والعوامل, والسر الخفي الذي قد لا يدركه كثير من الناس ,هي أن تكون تلك المعاني حية نابضة بالحياة وكائن يحرك و يتحرك في كل الإنسان, في روحه وعقله ووجدانه وسلوكه العام في تفاعلاته مع الأرحام في الرحم الحقيقي , ورحم العقيدة المعنوي, والآخرين في رحم الإنسانية . وبالتأمل في مراحل حياة رسولنا الرحمة المهداة والقدوة الحسنة التأكيد وحقيقة بان هذا الدين يمكن أن يجعل من اضعف إنسان أقوى إنسان وقدوة للإنسانية ونبي الأمة وحامل الرسالة الإسلامية ورسول للناس كافة, ففي مراحل حياة الرسول صلى الله عليه وسلم تكمن الدروس والعبر وتتجلى عظمة دين الله الإسلام, دين الفطرة السليمة والإنسانية الراشدة . جنين يفقد الأب مصدرالعطف و الحماية والأمان وملهم القوة , يخرج إلى الوجود وهو وليد يتيم تستقبله عائلة متواضعة من قريش, عائلة بني هاشم, التي كرست حياتها لخدمة بيت الله الحرام ورعاية شئون الحجيج من ضيافة وسقاية و رفادة, والتي بها نالت السيادة والشرف عن استحقاق ( خادم القوم سيدهم , سيد القوم خادمهم ) هكذا ينبغي أن تكون القيادة والسيادة والشرف التي تتحقق فيها واجبات الراعي تجاه الرعية التي تحتم انقياد وطاعة ومحبة الرعية للراعي وفى الحديث ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ) وفي باكرالصبا يزداد تيتما بفقد ألام وهو في اشد الحاجة إليها فهي محوره ودنياه , والى حبها وحنانها بكل معانيها التي تجل عن الإحصاء والوصف أحوج , فبفقد الأب يفقد العطف والحماية والمرشد, وبفقد ألام يفقد الحب والحنان والرعاية , فإذا هو ذاك الصبي كثير التأمل قليل الكلام , ثم ذلك الصبي الذي يرعى الأغنام وما أدراك ما رعى الأغنام ومشقته, كيف يتسنى لمن فقد تلك الأساسيات التربوية أن ينشا سليما قويما معافى, ولكن النظرة العميقة المتأملة تقول إنها الاختبارات والجرعات التدريبية وفيها تكمن أقوى و أسمى المعاني التربوية ذات الأبعاد المستقبلية للشخصية القيادية , واعتقد إنها كانت المدرسة الإعدادية التي أهلت رسول الله لتحمل الرسالة والقيام بمهمة التبليغ فيما بعد ,فكانت مدرسة لتهذيب الوجدان وصلابة العود وقوة الشكيمة ورقة القلب, فكان صلى الله عليه وسلم أكثر حياء من ذوات الخدور, وينبوعا يتفجر عطفا وحنانا, وبيان ذلك في قوله تعالى( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم ...) وفى قول الشاعر : (فإذا رحمت أنت أم أو أب *** هذان في الدنيا هما الرحماء ), وتمرينا من تمارين سعة الصدر وطول البال , ومصدر من مصادر القوة والشجاعة والعزم والتوكل, فكانت نتيجة التمرينات والاختبارات بالمدرسة الإعدادية أن قررت قريش وكل من في مكة وما حولها شهادتها التقديرية الاجتماعية بدرجة الصادق الأمين, فكان وظل صادقا وأمينا مؤتمنا في كل شي على الإطلاق, واليه منتهى الصدق والأمانة . ثم الصادق الأمين العامل في التجارة بتلك المؤهلات الأخلاقية الرفيعة, في تجارة السيدة خديجة سيدة أعمال وبدر نجوم رجال أعمال قريش , فكان الصادق الأمين شمس الضحى لتلك النجوم في الرحلة التجارية الأولى, التي تجلت فيها معاني الصدق و الأمانة في مهنة التجارة وما حققتها من أرباح وفيرة كنتاج طبيعي لتلك المعاني, وهذا هو الدرس الأول والمثل والنموذج المحتذى به للعاملين في مهنة التجارة من امة محمد صلى الله عليه وسلم . وسارت الأمور وجرت المقادير أن يزف الصادق الأمين البالغ من العمر خمسة وعشرين ربيعا إلى السيدة خديجة البالغة من العمر أربعين عاما ، وبالتأمل في هذه الزيجة نجد الأسرار والحكم التي قد نعجز عن اكتشافها وتفسيرها نحن البشر محدودي الآفاق و الفهم ، واعتقد والله اعلم ان العناية والتدبير الإلهي كان وراء الإعداد للمهمة الصعبة لنبي الأمة وخاتم الرسل ، المهمة التي تحتاج إلي زوجة من طراز السيدة خديجة , زوجة وأم وسيدة أعمال, بكل ما تحمله تلك الوظائف من معاني الزوجية والأمومة وسيدة أعمال تفيض كرما وبرا, لتقوم بدور عظيم في خدمة رسول الله, وما كلف به من أعباء تحمل الرسالة وتبليغها للناس كافة , وعند السيدة خديجة تخرس السن أصحاب النفوس المريضة والآفاق الضيقة والفهم السطحي عن المرأة في الإسلام ، فالسيدة خديجة النموذج والمثل التي تتجلى فيها مكانة المرأه ودورها وإسهاماتها في نشر رسالة دين الله الإسلام والدعوة إليها , فكانت أول من أسلمت وآمنت برسالة الإسلام من البشر ونالت شرف السبق على الإطلاق , إسلام وإيمان العقل والروح والفطرة ,لا إسلام وإيمان العاطفة والانفعال والتبعية, والشاهد على ذلك حينما ردت على رسول الله صلى الله وعليه وسلم عندما اخبرها بما حدث له بداية نزول الوحي فقالت: وأوضحت لنا ذلك في عبارة تجلت فيها رجاحة العقل وسعة الأفق وقوة المنطق واستيعاب المعاني الإنسانية السامية وحسن استدلال ( انك لتصل الرحم, وتقرى الضيف, وتكسب المعدوم, وتعين على نوائب الحق, فلن يخذيك الله أبدا) وبذلك كانت نعم المستشارة فتسرع به إلى ابن عمها ورقة بن نوفل لتحدثه بما حدث وللتأكد والاطمئنان, فكانت البشارة على لسان ورقة بقوله ( سيكون لك شانا عظيما يا بن أخي انك لنبي هذه الأمة وان أدركني ذلك اليوم لانصرنك نصرا مؤزرا ). ثم تقرر القدرة والتدبير والعناية الإلهية الركن الأول من أركان الدعوة الصديق أبو بكر ,الرجل الرشيد ,والسيد الحليم ,والعاقل الحكيم ,أن يكون صاحب السبق من الرجال في التصديق, والإسلام, والإيمان برسالة الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ,فكان الساعد المتين, والسند المعين, الذي يتقوى به صاحب الدعوة عند والشدائد والمحن, والصاحب والرفيق في سفر الهجرة, وإمام المصلين في مرضه, والخلفية في الرعية من بعد وفاته, ثم إسلام وإيمان الفتى المقدام والفارس الشجاع الفدائي الأول للأمة ,علي بن أبي طالب الركن الرابع وأميرا للمؤمنين من بعد عثمان بن عفان , ثم الرجل الذي اعز الله به الإسلام عمر بن الخطاب, الرجل المهاب, والذي كان إسلامه وإيمانه إيذانا بإعلان الدعوة من مرحلتها السرية إلي الجهريه, بعد أن قام و اكتمل ركن متين من أركان الدعوة فقويت الدعوة بقوته وشجاعته, وشدة باسه في إحقاق الحق, وأميرا للمؤمنين من بعد الصديق أبو بكر, ثم إسلام وإيمان الركن الثالث عثمان بن عفان, نموذج التقوى والورع والحياء, وأميرا للمؤمنين من بعد عمر بن الخطاب ,وبقية العشرة المبشرين بالجنة , وآخرين كثر, نماذج لرجال الرسالة, دين الله الإسلام وقيادة الدولة وأركانها , ورجال مهمة تبليغ الدعوة, فضربوا الأمثلة في كل المعاني السامية وقيم الإنسانية الرفيعة, بتميز كل واحد منهم بصفة بارزة من الصفات الإسلامية العظيمة مع اشتراكهم في جميع الصفات الإنسانية الخالدة , ثم كانت الهجرة فتحا, وإيذان بمرحلة عملية ونقلة كبرى بوضع اللبنات الأولى وبدء بناء الدولة , وتكوين نواة الأمة وخليتها الحية من المهاجرين في الهجرتين الذين ضربوا الأمثلة وقدموا النماذج في الإخلاص والتضحية والابتلاء والولاء والوفاء , والأنصار الذين ضربوا الأمثلة وقدموا النماذج في الإخوة والمحبة والبذل والبر و الإيثار, كل تلك المعاني الإيمانية والقيم الأخلاقية ثمار التربية التي تعهدها القدوة الحسنة قال تعالى (محمد سول الله , والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم , تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا, سيماهم في وجوههم من اثر السجود, ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع اخرج شاطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه, يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار, وعد الله الذين امنوا و عملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما) كما تحقق دعاء الجد الأعلى وجد الأنبياء نبي الله إبراهيم عليه السلام قال تعالى (ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم, انك أنت العزيز الحكيم) كما تحقق اكتمال دين الله الإسلام وتمام نعمته على عباده, كيف لا وقد أشار إلي ذلك احد أهل الكتاب عندما لقي عمر بن الخطاب فقال: له عندكم آية في القرآن لو أنزلت علينا نحن معشر يهود, لجعلنا يوم نزولها عيدا لنا فقال: عمر ما هذه الآية فذكر اليهودي , قول الله تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) فهلا اتعظنا واستفدنا ,كما يطيب لي أن أوجه الدعوة إلى الدراسة بالبحث والتأمل في ميلاد وسيرة نبينا ورسولنا الهادي لاستخلاص العبر والدرر, وصلى اللهم على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق والخاتم لما سبق ناصر الحق بالحق و الهادي إلى صراطك المستقيم و على آله وحق قدره ومقداره العظيم, اللهم صلى على سيدنا محمد صلاتا تنجينا بها من كل الأهوال والآفات وتبلغنا بها أقصى الغايات وترفعنا بها أعلى الدرجات في الحيات وبعد الممات ,(سبحان ربك رب العزة عما يصفون سلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين) آمين. ربيع الأول سنة1426ه – الموافق 23/4/200م فيصل عبدالله القاهرة