ثانياً نزوعها ألاستقطابي الذي سيدفع بالمقابل الشريك الآخر (حركة تحرير السودان) للعب ذات الدور في مواجهة الإنقاذ تجاه أحزاب الشمال والقوى الشمالية المغلق أمامها أي سبيل للتعامل مع الإنقاذ في سبيل خلق التوازن الذي يضمن المصالح .
أن المشهد السياسي الراهن يوضح ذلك ، إذ يعكس حركة تحرير السودان كحركة منفتحة مقبلة على التحديات ملتزمة بتوجهاتها الديمقراطية وذات مصداقية طاغية سوءاً على مستوى المقولات أو التصريحات أو على مستوى الأفعال والحركة وسط القوى السياسية في الجنوب والشمال .
وتبقى الإنقاذ ضمن ذات المشهد منغلقة رافضة لكل سبل الانفتاح على الآخرين ، لا تملك مبادرات ، ولا تقبل بمقترحات الآخرين . ثم لتترك مساحة غاية في ضيق هي مساحة التحالف أو الاندماج ضمنها (نموذج الاتحادي المسجل ، تخالف قوى الشعب، وانضمام بعض القيادات خاصة بحزب الأمة للمؤتمر الوطني ) هذه هي حدود مساحة المشاركة التي تعرفه وتؤمن به الإنقاذ .
إن هذه الديناميكية ستفضي حتما إلى انفصال الجنوب بسبب وجود مجالين "الشمال – الجنوب" منفصلين للإدارة ، لكل منهما صلاحيات مطلقة في مجاله ، وكل منهما يعتبر مجاله حرام على الشريك الآخر .
أن عقودات البترول التي منحتها الحركة لبعض الشركات ورفض الحكومة لذلك يوضح هذه الاتجاهات التي تبرر موقف الحركة وفقا لاتفاقية السلام ، كما تبرر موقف الحكومة وفقاً لاتفاقية السلام كذلك .كما أن حرص الحركة الشعبية وسعيها لتطوير جيشها يوضح أن التنازع والصراع سيتأسس ويتم التبرير له وفقا للاتفاقية المختلف حولها بسبب عقودات البترول حتى قبل إنفاذها . كما أن أيديولوجيا الوحدة الجاذبة ستكون دافعا اضافيا قد يبرر أي تجاوزات تقع هنا أو هناك كما لمسنا ذلك . خاصة وأن الانقاذ بممارستها السياسية في مواجهة الاخريين رسخت حين لم تكن تعبأ أو تلتزم حتى بالقوانين التي اشترعتها لتنظيم النشاط السياسي بما في ذلك دستورها ، ليبقى من الصعب ضمن وضع كهذا تتحكم فيه المصالح التي هي فوق أي قانون أن تفرض على طرف مواز يمتلك كل مفاتيح التحكم أمام الطرف الآخر .
ووفقا لاتفاقية السلام ذات الطرفين كل التطور الذي سيحدث على المسرح السياسي هو تحويل الحرب من مباشرة بين الجيوش والسلاح ، إلى حرب سياسية تضمر ذات الأبعاد والقضايا التي كان يجب حسمها بالحرب المباشرة ، وكل النقلة التي ستحدث هي في تغيير الأدوات من الجيوش والأسلحة ، إلى السياسة والقوى السياسية . ليبقى كل شئ كما هو إن لم ينحدر إلى الأسوأ .
ذلك أن الحديث عن تغيير جوهري سيتم ترتيبا على اتفاقية السلام لا يعدوا أن يكون تكتيك ساذج وأعمى تتبناه القوى السياسية الشمالية في مواجهة الإنقاذ أساساً . والمطلوب الأساسي هو تغيير حقيقي يطال بنية المجال السياسية ونظم وقواعد المشاركة السياسية .ذلك لأن المؤشرات الراهنة لن تقود إلا إلى إعادة إنتاج الإنقاذ مع بقاء أو اختلاف الأشخاص.
لقد ظلت القوى السياسية الشمالية كلها تتعامل وفقا لقاعدة المنازعة المؤسسة على رفض الآخر جملة وتفصيلا ، ولو كان هذا الآخر عضو بذات التنظيم أو الحزب أو المؤسسة ، وهذا ما أسس للمنازعة "الدائرة الخبيثة" وجعل منها القاعدة الأساس للمجال السياسي .
إن أمثلة ذلك كثيرة ومشهورة ولا تحتاج لأكثر من تذكير لكيف نشأت الدائرة الخبيثة وكيف عملت ؟. عبد الله خليل يدفع بالجيش لاستلام السلطة لسد الطريق امام منافسه من ذات الحزب الذي ينتمي إليه ، القوى السياسية الاسلامية تتزرع بحادث فردي على فجاعته وتطرفه لتقود تعبئة سياسية تحرم الحزب الشيوعي ليس من المشاركة السياسية بل حتى من حق الوجود السياسي ، بالرغم من عدم وجود تبرير لذلك التعدي بالسلوك الفردي ليطال الحزب وفقا لقاعدة " لا أكره في الدين" ليكون رد فعل الحزب الشيوعي التواطؤ أو ا لمشاركة في استلام الجيش من جديد للسلطة ليبعد بدوره الذين أبعدوه من قبل ، ثم ينازع الجيش بالجيش ليتمكن منفردا من السلطة .
عقب سقوط مايو تتكتل القوى السياسية "التجمع الوطني" بهدف عزل وإقصاء الجبهة القومية ، وبرغم من صمود الجبة وفتها وتعاملها العقلاني الذي أبرزها كقوة ثالثة ذات شأن ، إلا أن استمرار وتفاعل التكتل ضدها واستصحاب المؤسسة العسكرية في هذا الإطار دفع بها إلى اللجؤ للقوة والانقلاب العسكري في مواجهة الأخريين ، لنجد أنفسنا أمام شرعية القوة التي لا تقبل أي صيغ للتعامل معها سوى القوة .
كل هذا يرد ليوضح أن الذي يجري الآن لن يفضى إلى التغيير الحقيقي الذي يقود إلى مجال سياسي تعددي يتأسس على معيار المشاركة وقيم وقواعد التبادل السياسي .
والأخطر من ذلك أن الذي يجرى الآن لن يقود بحال إلى الأهداف المرجوة منه ، لا تغيير جوهري على المجال السياسي ، و لا إلى الوحدة ، ما لم يتم الانتباه لخطورة التنازع ومآلا ته .
الجديد الوحيد وغير المضمون هو أن السلاح سيغيب عن المسرح السياسي ، ولكن قواعد اللعب القديمة القائمة على المنازعة ورفض الأخر سيجري تأسيسها على أسس تضمن استمرارها عبر القوى السياسية ذاتها . ولكن هل سيقود ذلك على تطور ما ؟ أو إلى تجديد ما ؟ يبرز على المجال السياسي هذا ما يجب أن نهتم به كثيرا .