مقالات واراء حرة من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

رسول الكجور يلفت الأنظار الى معوقات الديمقراطية والتنمية في السودان الجديد بقلم عبدالله التوم كوري-طرابلس_ليبيا

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
4/24/2005 7:08 ص

عبدالله التوم كوري
طرابلس_ليبيا

مدخل:
في ظل التطورات المتسارعة في السودان بعد التوقيع على اتفاقية السلام الشامل بين الحركة الشعبية و الجيش الشعبي لتحرير السودان من جهة و الحكومة السودانية من جهة اخرى بدا إن ثمة غموض يعتري سماء السياسة السودانية
وباتت الأجواء مشحونة بين متفاءل بالسلام ومتشائم به وآخرين بين هذا وذاك . وبما إنني من المتفائلين بالسلام الموقع في يوم 9/1/2005م إلا إن الأجواء العامة في السودان يدفع كل متابع الى إعادة التقييم .
هكذا رأيت كتابة هذا الموضوع الموجه بالدرجة الاولى الى أعضاء الحركة الشعبية لتحرير السودان لأن الحركة رفعت شعار السلام من خلال التنمية( peace through development )أو بمعنى آخر تحقيق متطلبات المجتمع ليعيش في سلام مع نفسه.كذلك الموضوع يهم كافة المهمشين في السودان من الذين حملوا على عاتقهم مسئولية قيادة ثورة لتصحيح مسارات الأوضاع المختلفة في السودان بأثر رجعي ابتدءاً من تاريخ الاستقلال في عام 1956م .
المقال محاولة لتكوين رؤية ايجابية جاذبة لدى دعاة السودان الجديد حتى يتمكنوا من قيادة المجتمع السوداني نحو تقوية روح الجماعة القومية الذي يحتفظ فيها كل مواطن بحق المواطنة citizenship)) الشئ الذي فشلت فيه النخب السودانية في السابق.

الكجور اسم ظاهر مستخدم في اقليم جبال النوبا للدلالة على شخصية اجتماعية مؤثرة .وهو زعيم روحي ميتافيزيقي يعتقد أن لديه القوة في إحداث متغيرات ، ربما عن طريق التركيز العقلي أو القيام بإجراءات بائنة في جو طقوسي خاص يؤدي أفعاله الى نتيجة ايجابية في الغالب .
و قد اخترت هذا العنوان تيمنًا بما يقوم به رسول الكجور من إنذار مبكر بحدوث شئ أو توصيل خبر ينوي الكجور القيام به . ذلك لأن المقال يسعى الى التنبيه و الإنذار بحدوث اختلال في الصفوف احتمالا بين دعاة السودان الجديد الأمر الذي قد يعرض نضالات أبطالنا العظام للمخاطر .
يستقي المقال أفكاره من تجارب الكاتب الشخصية و ملاحظاته العامة أثناء قيامه بأداء واجباته الوطنية كما هو مفروض على كل مناضل في صفوف ثورة التصحيح الشامل التي انطلقت شرارتها الاولى في عام 1983م .و نعتقد أن على كل المناضلين في المدن سواء أكانوا في الداخل أو في دول المهجر أن يلعبوا دوراً فعالاً، لا يختلف عن الدور الذي يقوم به حامل السلاح إلا في المكان و الأدوات .

لقد لاحظنا أثناء الحرب التي يتساقط فيها الأبطال شهداء في ساحات الوغى و المعارك غير المتوازية في العتاد و العدة ، لاحظنا نوع آخر من المعارك الباردة تدور رحاها في المدن و العواصم في الداخل و الخارج . وكنا نركز أن تتجه هذه المعارك حقيقة وتلتزم خط الصراع المعروف بين الخصوم ، لكن بكل أسف كانت الخلافات على أشدها بين الرفاق و ضاع بسبب ذلك وقتا ثمينا يفترض أن يوظف في إدارة العقول و شحنها بمفاهيم الثورة المحتدمة بجناحيه المسلح والمدني لكن ذلك لم يحدث في حينه واستمرت هذه الخلافات في بعض المناطق الى يومنا هذا.
لن تنته تلك الخلافات على اللا شئ كما نرى، حتى بعد الجلوس مع العدو للتوصل معه الى وفاق. والأمر يدعو الى الحيرة في الواقع .وبما أن الرفاق من مثيري الخلافات و الماضون في سبيلها يتفقون معي في أن سبيلنا الى الحكم ونهجنا المنتظر هو الديمقراطية إلا أن الأسلوب الذي لاحظته ، كالإصرار على الرأي الشخصي و فرضها على الآخرين أو مساندة ومشايعة ابن القبيلة ولو كان على خطأ لايمت بصلة الى الممارسة الصحيحة للديمقراطية وهذا المظهر المأساوي كما لاحظنا و سمعنا و قرانا و عايشنا بلا شك صورة تعيق التطبيق الامثل للديمقراطية و التنمية في السودان الجديد أولا كما أعاتقها من قبل في الخرطوم في فترات الأحزاب التى امتازت بالتناحر و الصراعات .
تلك الإشكالات مع كونها سلبية فإنها تسبب الوهن و الضعف في بنية المجتمع الذي من المفترض أن يكون النموذج الذي يحتذي، والمبشر بمبادئ الاتجاه الجديد للثورة .
وبما أن أغلب الخلافات التي تنشب بين الرفاق من حين لآخر سببها ادعاء بعض الأفراد الالتزام بالنهج الديمقراطي الصحيح أحسن من غيرهم،فقد رأيت أن أتناول هذا الموضوع بتاريخ الديمقراطية كمدخل من باب أخذ العبر.

التجربة الديمقراطية الاولى في العالم :
الديمقراطية كلمة تتردد بكثرة في الأدب السياسي الحديث وقد استخدم في غير معناها ،حيث صبغ بها بعض الدكتاتوريين أنظمتهم و فرضوها على الشعوب قسراً وقهراً .من جهة اخرى تمسك جماهير عريضة بالكلمة من دون وعي حقيقي بما تعنيها وربما تمنوا أن يكون مقصدهم هو ما تعنيها الكلمة بالفعل، لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه حيث أن القدرات الذاتية، عوامل سالبة لم تمكن الناس من التوصل الى الفهم الصحيح وهذا ما يشترك فيه اغلب السودانيين.ذلك لأن للديمقراطية بيئة معينة يجب أن تتوفر كما تتوفر الأرض الخصب للنبات لتنمو.ولكي نمهّد لجو ديمقراطية في المستقبل لابد من التطرق بإيجاز الى تاريخ الديمقراطية والصعوبات التي واجهتها في مراحلها الأولى .
النموذج الاثيني:
تعتبر مدينة أثينا اليونانية مهبط الديمقراطية الأولى في العالم (القرن الخامس قبل الميلاد) ونحن إذ نسوق هذا النموذج لنبرهن أن العملية قد بدأت في أبسط صورها في مجتمع بسيط، وتعقدت مع الوقت بتعقد ثقافات المجتمعات حتى وصلت الى وقتنا الحالي المطبق في بعض الدول الغربية مما يعني أن الفكرة قد أخذت وقتا ًطويلاً لتختمر في الأذهان،ولم تقم بين يوم وليلة. وقد رأيت من الضرورة أن أتطرق لهذا النموذج لنعرف نوعية المشاكل التي واجهت هذه التجربة في مهدها ،حتى نستفيد نحن في مجتمعنا الحالي الذي يتطلع ويتوق الى اختيار الديمقراطية كنهج امثل للحكم في البلاد .والمغزى من ذلك هو أن نتجنب مثل تلك الأخطاء في تجربتنا المقبلة .واجزم أن الصورة الاولى لنمط الديمقراطية البسيط كما في أثينا موجودة وممارسة بالفعل فى مجتمعاتنا البسيطة سواء في السودان أو في أجزاء أخرى من أفريقيا، متمثلة في طريقة مناقشة شئون القبيلة أو العشيرة في مجالس صغيرة تحت الأشجار أحياناً يتم فيها عرض موضوعات للنقاش والتداول ثم الاتفاق أخيراً على الرأي الصائب الذي يجمع عليه الحاضرون .

بداية عندما ابتكر الاثينيون طريقة حكم الشعب لنفسه بقوته وإرادته الحرة، الأسلوب الذي اصطلح على تسميته بالديمقراطية (ديموس_كراتوس) أي قوة الشعب أقاموها على أساس التمثيل العشاعري أو القبلي،نسبة لتغلب تلك النزعة آنذاك، بالضبط كما هو اليوم في اغلب تجمعات مجتمعنا السوداني المعاصر .وبما أن أثينا(المدينة_الدولة) حينذاك تتألف من أربعة قبائل فقط، إلا أن أسلوب الممارسة العملية للفكرة قد فشلت منذ البداية بسبب قبضة الأرستقراطيون على الجهاز الإداري، واستبعاد كل من لا ينتمي الى إحدى هذه القبائل الأربعة،هذا من ناحية،ومن ناحية أخرى استغلوا سلطاتهم وراعوا مصالحهم فقط .الملاحظة المهمة هنا هي أن مبدأ اختيار الممثلين كان يتم وفقاً لمكانة الشخص الاجتماعية و ليس على أساس الكفاءة . وهذا الشكل من المجاملة موجود ومؤصل في بنيتنا الاجتماعية في السودان خاصة في المناطق المهمشة التي حملت السلاح لتغيير مسارات خاطئة سلكتها الحكومات في السودان منذ الاستقلال سنة 1956م كذلك يلاحظ في طريقة الولاء قبل الكفاءة المتبع في النظام الحالي. والتحدي الحقيقي الذي يواجه دعاة السودان الجديد في حالة الاستمرار والسير في هذا الخط (العشائري أو القبلي أو الانتماء الجهوي) هو تمكين الساسة من مجرمي فنون الإدارة ونجباء اللعب القذرة من سكان عالم الخبث و المكر والدهاء، من سرقة المجهود الكبير من التضحيات التي قدمت على مدى عقدين من الزمان . إذاً كانت القبلية أوالانحيازات العاطفية، من الأسس التي أعاقت نجاح الديمقراطية في مهدها الاولى في أثينا .إذا كان الأمر كذلك فكيف نجحت التجربة الاثينية بعد ذلك وتحولت الى مثال يحتذى الى يومنا هذا ؟
كان الحظ حليف شخص يدعى كليستنيس الذي قام بأجراء إصلاحات على دستور المدينة قسم بمقتضاها المجتمع الى عشرة قبائل وفقاً للأحياء العشرة الموجودة بالمدينة وجعل عضوية الحي هي أساس التمتع بحقوق المواطنة و المشاركة السياسية وليس الانتماء القبلي العشاعري(1) .هذا التحول أحدث نقلة نوعية في المفاهيم إذ لم يلغ الانتساب للقبيلة ولكن خلق الاعتراف المتبادل بين المواطنين و قلل من حدة الانحياز القبلي ووجه الاهتمام نحو المصلحة العامة واحترام حقوق الآخرين، الذي يمثل المدخل الرئيس الى توفر عامل الثقة المتبادلة بين الناس.لم تكن تجربة كليستنيس هو الحاسم للممارسة الحقيقية لكنها مهدت الطريق الى التطبيق الصحيح فيما بعد.

إذا وضعنا مجتمع السودان الجديد الحالي وأغلب جماهير المهمشين كمجمع حضاري حسب لغة دارسوا علم الأعراق (الاثنولوجيا) و علم الإنسان (الانثروبولوجيا) فلاشك إنهم يصنفون ضمن المجمع الحضاري للفقراء، الذي من عناصرها الفقر المادي ،في الدخل و المسكن،قلة التعليم إلا فيما ندر،عدم تكافؤ الفرص في الوظائف الحكومية ،وكثرة الاعتقادات في ما بعد الطبيعة ،و ممارسة الأعمال التي تتطلب جهدا جسمانياً أكثر من الجهد الذهني(2) .هذه الوضعية تنطبق على المجتمع الاثيني آنذاك احتمالاً، لكن عندما تمكن الاثينيون من التغلب على الأوضاع التي ذكرناها أعلاه، مع مرور الوقت بالصبر و المثابرة و العزيمة، نجحوا فى تطبيق مبادئ الديمقراطية.
التنمية:
تنمية المجتمعات يقصد بها تهيئة عوامل التقدم الاجتماعي و الاقتصادي للمجتمع عن طريق مساهمة أفراده و جماعاته و استغلال إمكانياته(3) .وإذا أردنا تبسيط هذا المفهوم ،نجد أن أفراد المجتمعات البسيطة عبر التاريخ كانوا يتعاونون في مواجهة احتياجات مجتمعاتهم ، فأبناء القرية مثلاً يتعاونون في بناء السدود ،و الترع ،لمواجهة الفيضانات .وحاليا نرى القرويون يتعاونون لمساعدة بعضهم البعض في إنجاز بعض الأعمال ،كبناء المدارس بالعون الذاتي وما الى ذلك .هذا المناخ المبني على التعاون مهيأ للتطور و النهوض إذا ساهمت الدولة بتوفير بعض الأساسيات التي لا يقدر عليها المواطن ،فإذا لم يتوفر عنصر التفاهم بين أفراد المجتمع اولاً ، فلاشك أن حركة النمو ستكون بطيئة و متعثرة،وهذا مما نحب أن نلفت إليه نظر كل مواطن ومسئول في السودان الجديد . أعني أن تضارب المصالح إذا تحول الى صراع بين أصحاب النفوذ الذين يمارسون التأثير على أتباعهم يساهمون، بشكل أو بآخر في تقسيم المجتمع الى مجموعات متناحرة تقضي جل وقتها في التنازع، وهذا يسبب في تراجع دينمية المجتمع بدلاً عن تقدمها وهذه الظاهرة موجودة ومشاهدة بوضوح يجب محاربتها بجدية .
نموذج من التطبيق الفاشل للديمقراطية:
يمثل تجربة بعض الشعب السياسية للحركة الشعبية لتحرير السودان في بعض دول المهجر تحديدا في شمال أفريقيا، نموذجاً من التطبيق الفاشل للديمقراطية لماذا؟ لأن بعض الذين تم انتخابهم اعتقدوا أنهم الأجدر أكثر من غيرهم على إدارة الشعبة و بالتالي رفضوا التسليم بعد انتهاء مدتهم .من ناحية أخرى اعتقد بعض الجماهير الذين دفعوا بممثليهم الى اللجنة التنفيذية أنهم حققوا الديمقراطية الحقيقية، ولم يهتموا بعد ذلك بمراقبة ممثليهم ،واستمر البعض يدافع عنهم بشدة حتى بعد انتهاء الفترة المحددة دستورياً، متأثرين بالروابط الدموية و القبلية التي تربطهم.و إذا وضعنا القائد ادوارد لينو في الميزان مع كليستنيس الاثيني باعتبار القائد ادوارد لينو مؤسس طريقة التمثيل الإقليمي في الشعبة السياسية بشمال أفريقيا انطلاقاً من مبادئ الحركة /الجيش الشعبي لتحرير السودان، فان وجود الثاني(كليستنيس) على رأس الهرم الذي بناه بإصلاحاته الدستورية، كان السبب في نجاح تجربته الى حد كبير.أما القائد ادوارد لينو فان انشغاله بالعمل الميداني، وبعده عن الهرم الذي بناه حّول الأمور بعده الى صراع بين الأعضاء،رغم أن مبدأ الانتخاب كان صحيح . فلماذا اعترى تجربة شمال أفريقيا وغيره بعض الشوائب؟ .
نفترض أن الشعبة السياسية المنتخبة ديمقراطياً هي نموذج لدولة مصغرة بالتالي يمكن ملاحظة أن المشكلة هنا في أداة المراقبة(الجماهير) أو الأداة التنفيذية المستخدمة (اللجنة التنفيذية أو المجلس المنتخب ..الخ) ،و تحديداً في الذهنية المناط بها ترسيخ المبادئ على أرض الواقع ، فقد مرت الذهنية الاثينية مثلاً بتجارب قاسية فوق أرضها الصخري الضيق .تلك البيئة التي لايمكن أن يعيش عليها شخص من غير كدّ وافر أو بذل جهد مشترك . الأمر الذي رسخ مفهوم التضامن الشعبي والاحترام المتبادل بين أفراده باعتبارهم أصحاب المعاناة ، وذلك من اجل حماية حقوقهم الأساسية. هكذا فان المسألة تحتاج الى ذهن مدرك واعي بمهامه يعمل على تجسيد قيم،آمن بها في الأساس، الأمر الذي نجح فيه دعاة الديمقراطية في الماضي والحاضر، باعتبار أن الديمقراطية قالب فكري واضح المعالم تم استيعابه بحق و حقيقة. من هنا ندرك أن الإيمان بالمبدأ لعب دورا أساسيا في نجاح الفكرة .أما الذهنية الثانية التي عناصرها من أقاليم السودان الجديد في الغالب، فربما لن تمر بتجارب قاسية في الحياة جعلتها تفكر بجدية في الاستجابة للتحديات التي تواجهها، لذلك يتصف مواقفها بالمرونة و عدم الجدية نسبة لوجود خيارات اخرى أمامه أو بدائل يمكن الركون إليه ،ففي المقام الأول نجد البيئة الأفريقية معطاة، كثيرة الخيرات، ولعل هذا مشجع للخمول بدل الكدّ، إذ أن كل شئ متوفر ولا حاجة لإرهاق البدن بالمساعي ،ولا إرهاق الدماغ بالتفكير الكثير ،و كلما ضاق المكان رحل الى غيره بالقرب منه يكثر فيه المتطلبات الحياتية .خلقت هذا النوع من الطبيعة، ذهنية متساهلة يميل الي الجاهز، فإذا تحصل عليه بشكل أو آخر لا يرغب في التفريط فيه الشئ الذي يجعل من تطبيق نظرية تبادل الفرص كمبدأ ديمقراطي أمراً صعباً .

إن المغزى من هذه المقاربة البسيطة هو الوصول الى أن العمل التنظيمي الجاد كما يتطلبه تنظيم ناشئ كالحركة الشعبية لتحرير السودان إنما يحتاج الى الارتقاء بالوعي لمستوى الأيمان بالمبادئ في المقام الأول، لأن ذلك يجّنب الناس خطر الوقوع في المآزق و إهدار الوقت.
ملاحظة أخرى يمكن إضافتها هي أن الذهنية المذكورة متعودة على ممارسة ما يمكن تسميته بالديموقراطية الأفريقية التي لم تهتم بمبدأ الكفاءة في اختيار ممثليها حيث دفعتها العاطفة إلى سلوك مبدأ القبلية في الاختيار وهو مبدأ أثبت فشله كما أشرنا في تجربة أثينا، عندما ساعد في تقسيم المجتمع إلى أحزاب متنافرة انشغلت بالمنافسة فيما بينها تاركين الدولة عرضة لابتزاز أية ديكتاتور متربص وفعلاً تمكن الديكتاتور بيزستراتوس من سحب البساط من تحت الأحزاب المتنافسة في أثينا، وحكومة عبود وجعفر نميري وعمر البشير نماذج حية لذلك في السودان .
والديمقراطية الأفريقية التي نعنيها: هي شكل من أشكال الممارسة المباشرة لأداة الحكم متعارف عليها في المجتمعات الأفريقية القروية المحافظة تستخدم في إدارة المصالح الجماعية المشتركة .و يمكن أن نستشف عيوب هذه الممارسة فيما أورده نداياننجي سيتول أحد قيادات حزب زانو(z.a.n.u)أي الاتحاد الوطني الإفريقي الزنياري_زيمبابوي_قال: أن نظام الحكم الأفريقي ديمقراطي لدرجة الإسراف حتى كان هذا النظام يتعطل بسبب هذه الديمقراطية. وجاء في شرح هذه العبارة أن الديمقراطية الأفريقية مسرفة في الديمقراطية مما أضر كثيرا بالشعب لان أي مشروع من المشاريع كان يتطلب موافقة العشيرة كلها أو القبيلة كلها(8)،وإما سيكون معرض للفشل بسبب وقوف المعارضين بشدة ضد التنفيذ ،وهذا ما لاحظناه بوضوح في تجربة شمال أفريقيا فالعمل إما أن ينال رضا الجميع أو يفشل. ومن المتعارف عليه سيكولوجيا، صعوبة أن يحوز كل شئ رضا كل الناس وصدق الرسول محمد(ص) قوله في ما معناه لا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب.
إن مهمة الإنسان الثوري في السودان الجديد غاية في الصعوبة مما يستوجب على
كل فرد إعداد نفسه إعداداً جيداً . وهذا الواقع يملي على قيادة السودان الجديد _أولئك الأبطال الذين افنوا زهرة أعمارهم في الأحراش_ تكثيف برامج إعداد الكوادر لمواجهة التحديات التى أفرزتها اتفاقية السلام الموقعة في يوم 9/1/2005م . تلك الملحمة الرائعة التي شاهدها العالم اجمع في وسائل الإعلام المختلفة كيف لنا أن نفرط فيها أو نترك أمر حمايتها لأصحاب الأهواء .
من خلال متابعاتي للنشاط السياسي في شمال أفريقيا منذ خمس عشرة سنة مضت و حينها كنت طالبا بقسم التاريخ جامعة ناصر الأممية ، بدا لي أن ثمة ثغرات في حاجة الى علاج خاصة في الجوانب التنظيمية و احترام هياكل التنظيم والقائمين على أمره .
لقد لاحظت أن العديد ممن انتسبوا و انخرطوا في صفوف الحركة الشعبية لتحرير السودان هم من ساكني المدن و الأمصار وصلوا كمغتربين الى دول المهجر ،وهذا ليس عيبا بل شئ مشرف لكن سكان الحضر كما لاحظ ابن خلدون وهو مؤرخ ضليع، كتب عن العمران البشري، ويعتقد انه من مؤسسي علم الاجتماع، لاحظ (أن أهل الحضر ألقوا جنوبهم الى مهاد الراحة و الدعة و انغمسوا في النعيم و الترف ...قد القوا السلاح ...و تنزلوا منزلة النساء ...الخ ) اتضح لي بعد التمحيص أن اغلب مؤججو الخلافات هم من أهل الحضر الذين لم يقفوا على جمرة المعاناة الحقيقية لأهلهم كما هو شأن أهل الريف الذين مجدهم ابن خلدون ووصفهم بالشجعان الذين لا يلجأون الى غيرهم للدفاع عنهم وهم جاهزون للاستنفار واثقون من أنفسهم(4).

أريد أن اصل الى أن هناك تفاوت في الاستجابة للثورة بين أهل الريف المهمشين و أهل الحضر فبينما نظر القرويون الى الثورة بأنها مسالة حياة أو موت بهدف تحقيق غايات أسمى وهو تثبيت الحقوق الأساسية أولا ، نظر بعض المدنيون إليها بمنظور المصلحة أولا حتى لو كانت مصلحة معنوية متمثلة في تقليد مهام تنفيذية يرفع من شأنه بين الآخرين الأمر الذي لا يوليه أهل الريف أدنى اهتمام .
إن النقطة الجوهرية هنا هي أن الذين يثيرون الخلافات و يتمادون عليها لا يهتمون بحجم المعوقات التي يضعونها أمام تقدم العمل التنظيمي ولا يحرصون على الوقت الذي يضيع هدرا في المهاترات ، ولو أنهم حقيقة راعوا مصلحة الثورة لما فعلوا ذلك .وعلى هؤلاء الرفاق أن يأخذوا الدرس من الأنظمة الحزبية التي حكمت ثلاث فترات متباعدة في السودان،وكيف أثرت الخلافات والتناحرات بينها سلبا على برامجها حتى سقطت حكوماتها فريسة الانقلابات العسكرية .
في هذا الإطار نطرح فرضية تقول أن الذين يحرصون على استمرار الصراعات بين الرفاق إنما يشكلون نواة لزعزعة الصفوف، تمهيداً لمساعدة الذين يخططون لنسف الثورة من الداخل .والأمر كذلك فان موقف المحافظين يزداد تشدداً، وهنا نستطيع أن نكتشف وجود صراع بين المحافظين وآخرين .
عثر عن مارتن لوثر كينج ، زعيم الحقوق المدنية في أمريكا وهو من اصل إفريقي ما معناه أنه لا يندم على الأعمال التي يقوم بها حفنة من الأشرار لكنه يندم على السكوت عليها من قبل الخيرين. لذلك آمل من الخيرين الذين عناهم هذا المجرب أن يضطلعوا بأقلامهم وآرائهم في علاج هذه الظاهرة ،(ظاهرة الاختلاف حول صغائر الأمور)عسى ولعل ننقذ أنفسنا من خطر الانحباس و الأسر في وحلها في المستقبل القريب .
هناك نوع ثاني من الخلافات غير مقصودة تنشأ نتيجة قراءات خاطئة لبعض الآراء و التفسيرات ، مما يضطر صاحب الرأي الي استهلاك وقت طويل لتوصيل مقصده ومن هنا نفضل أن يطلب التفسير من المتحدث قبل مغادرة المنصة درءاً لسوء الفهم .
نشدد الى أن الاختلاف في الآراء شئ وارد و الدفاع عن الرأئ مبدأ ديمقراطي مسموح به، لكن التعصب لها نتائج خطيرة، لأنه يحمل في باطنه بوادر النزاعات،وفي مثل حال التركيبة الاجتماعية لأغلب أجزاء السودان فان مثل تلك النزاعات تهدد الكيانات الصغيرة بالفناء، إما بالذوبان في كيانات اكبر منها أو باستخدامها من قبل إطراف أخرى كأدوات لزعزعة الاستقرار ومنع الاندماج والتعايش السلمي. وآمل أن يجد برنامج الحركة الشعبية لتحرير السودان الداعي الي أجراء الحوارت على نطاق واسع (الجنوبي الجنوبي ،النوبي نوبي الدارفوري دار فوري ) طريقه الى تذليل هذه المسائل وتوفير الوقت والجهد لبناء السودان الجديد
عبر من تجارب الآخرين :

ليس عيبا أن يخطأ الإنسان . فقد عثر عن الرسول محمد (ص) قوله (كل بني آدم خطّاء و خير الخطاءون التوابين)(5) .
و النضال من اجل الحرية عمل مضني و جهد متواصل لا يحده حدود ، طالما أن هناك أمراض التسلط و الظلم و السادية، وحب التسلق منتشرة على مستوى العالم . وطالما أن هناك الانا والنزوات الفردية والدوافع الغريزية تقوم بأفعالها .
والواقع أن الإنسان تسيره في الغالب غرائزه الطبيعية ،فتجده دائما يلهث وراء إشباع حاجاته ورغباته الجامحة ، كالحاجة الى الطعام والشراب والجنس والراحة النفسية والجسدية ، بل هناك من يساوي بين رغبته في الطعام و حب السيطرة والهيمنة. وغض النظر عن النتائج المنبثقة عن حالة السكون والحركة تلك ، فأن أي نقص في تلبية هذه الغرائز يحّول صاحبه الى متلهف شره لا يردعه إلا الدواء الذي هو الاستجابة للشهية . وهذا من الأسباب التي تدفع البعض الى التضحية عندما يدركون أن الحرية جزء أساسي من حياته كانسان بل و من مكملات إنسانيته . فماذا لو لم يجد المرء دواء الجوع والعطش ؟ لاشك انه سرعان ما يتحول الى وحش لا يحتمل، يملأ الأفق بالهيجان لا يهمه حجم الضحايا الذين يسقطون تحت أرجله و هو يخوض غمار الصراع من اجل البقاء ولنا عبرة من الثورة الفرنسية (ثورة الجياع) .و من هنا يجب أن ندرك لماذا أطلق نيقولو مكيافيللي مقولته المشهورة (في سبيل المبدأ الغاية تبرر الوسيلة) .
أريد أن أقول، أن حب الذات و الأنانية موجودة في الإنسان، إلا أن إتّباع الأهواء والتعصب لها، يولد الصدامات و يزيد من تعقيد الحلول.إذ أن هذه النزعة بالضرورة يجب أن تقل في نفوس رفاق النضال وهم يزاولون العمل الثوري نحو التغيير . لماذا؟ لأن الشعارات والعبارات التي يرددونها إنما تجسد وحدة الروح ووحدة المصلحة المشتركة، فما يقوم به الرفاق في ليبيا مثلاّ، إنما هو مكمل لما يقوم به حاملو السلاح في الأحراش في الجنوب أو جبال النوبا .و المطلوب إذاً هو العطاء الفردي قبل الجماعي سواء أكان العضو عادي أو تنفيذي .
وإذا كانت السياسة هي فن حكم البشر، أو تربية أهوائهم وانانياتهم ومصالحهم ...فلا شك أن الإنسان هو العنصر الجوهري لهذا الفن كما يرى بنيتو موسوليني الفاشستي الإيطالي المشهور. وطالما أن الإنسان يتأثر بالظروف من حوله و يؤثر فيه سلبا أو إيجابا فان الناتج من هذا التفاعل (الايكولوجيا) شئ قد يكون محبوبا أو مخيفا للمجتمع لهذا كان لمكيافيللي رؤيته الخاصة الى البشر، فالبشر في نظره خبثاء، ويضيف قائلا ((قد يقال عن الناس بصورة عامة ،أنهم ناكرون للجميل متقلبون، مراءون...شديدو الطمع، وهم الى جانبك طالما انك تفيدهم ...و طالما أن الحاجة بعيدة ونائية، لكنها عندما تدنو (الحاجة ) يثورون))(6). ليس بالضرورة أن نتفق نصاً مع مكيافيللي فيما ذهب إليه، لكن من خلال الصورة الوصفية التي أوردها، نستطيع تصنيف أعضاء الحركة الشعبية لتحرير السودان في دول المهجر إبان فترة الحرب الى خمسة أصناف. حسب رأي نوردهم من باب التعمق في فهم أسباب الخلافات و الصراعات التي تنشب من حين لآخر بين الرفاق في العديد من عواصم العالم .
المجموعة الاولى تمثل المؤمنين الحقيقيين بالثورة و المبادئ التي تنادي بها الحركة الشعبية لتحرير السودان وهم عمادها أينما وجدوا، يسعون دوما من أجل تقدمها ونجاح برامجها، ولا تلهيهم العوارض الجانبية ولا يفوتهم مكر المتربصين وهم نبيهين لمحاولات الاختراق وعرقلة الصفوف .
المجموعة الثانية تمثل فئة من المؤمنين بمنهج الحركة الشعبية لتحرير السودان،و قد اعتنقتها عن قناعة لشعورها بالظلم والغبن الذي دفعها الى اتخاذ مثل هذا الموقف الصعب، إلا أن هذه الفئة تنقصها الدراية بالعمل التنظيمي الحقيقي لذلك نراهم يقعون في أخطاء غير مقصودة وذلك شيء طبيعي وسرعان ما يتراجعون عن الخطأ إذا عرفوا الصواب ومن حق هؤلاء على الحركة أن تعلمهم وترعاهم خير رعاية لأنهم رصيد لها .
تلكم الفئتان يصعب عليهم التراجع مهما كانت الصعوبات وهم على استعداد للتضحية في سبيل المبدأ وفاءً للعهد، لأن التراجع في نظرهم تحت أية ذريعة يعني خذلان الشهداء والتحلل من عهد مات دونه الأوفياء، وهؤلاء أقرب مثالاً إلى الرعيل الأول من الثوار الذين فجروا الثورة وصبروا على أهوال الحرب طوال واحد وعشرون عاماً ولا زالوا على استعداد للتضحية .
أما المجموعات الثلاثة الأخرى فمواقفها متضاربة ومتفاوتة ودرجة إيمانها بمبادئ الحركة الشعبية لتحرير السودان أقل بكثير مقارنة بالفئتين المذكورتين أعلاه .
المجموعة الثالثة وهي فئة انتسبت الى الحركة الشعبية لتحرير السودان مدفوعة بأسباب عديدة منها :
أ / الرغبة في الانتقام من جهة معينة إمتلأ قلبه غيظاً عليها كالنظام الحاكم مثلا فرأي في الحركة مطية يشفي به غليله .
ب / الرغبة في الانتفاع وتحقيق مصالح شخصية طالما أن الحركة الشعبية في مهامها وآلياتها تختلف عن الجيش الشعبي الذي يري أفراده الموت ليل نهار. وتتمثل هذه المصالح في اقتناء بطاقة العضوية التي قدمت تسهيلات كثيرة لحامليها بغض النظر عن حقيقة إيمانهم بالحركة الشعبية خاصة في مكاتب الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية المتعاطفة مع الإنسان الجنوبي أو الإنسان في المناطق الأخرى المتأثرة بالحرب بحكم معاناتهم ومثل هؤلاء كمن قال فيهم الشاعر :
(مصائب قوم عند قوم فوائد ).
ج / ويدخل في زمرة المنتفعين هؤلاء من انتسبوا إلى الحركة بقصد التجسس لصالح جهات أخرى مقابل ثمن بخس لا يغنيهم من جوع .
من عيوب هذه الفئات الثلاثة أنهم تنطبق فيهم مقولة مكيافيللي السابق : أنهم متقلبون مراءون ... وهم إلى جانب الحركة طالما إنها تفيدهم وطالما أن لديهم الأمل في كسب المزيد من المصالح ولكن حالما تم التيقن من قرب النتيجة وتحقق الأمل فأنهم يثورون ويكثرون من الحجج والجدل العقيم والنقد السلبي تجاه الحركة بل وتمتد أفعالهم إلى التحريض المضاد واقتناص العبارات المنفرة التي لا يمكن أن تخرج من مؤمن حقيقي بالشيء الذي يعمل فيه لأن( الإيمان هو ما وقر في القلب وصدقه العمل)(5) . لقد بدأت هذه العيوب تطفو على السطح كلما اقتربت المفاوضات إلى نهايتها حيث تحولت الى صراع حقيقي على المناصب التنفيذية في الشعب السياسية بالخارج . ومن صفات هؤلاء الهروب من المسئوليات والتذرع بأعذار كثيرة . وفي قصة الهروب من المسئولية هذه نترك الزعيم الإيطالي صاحب التجربة . يتحفنا وكما قيل في المثل أسال المجرب ولا تسأل الطبيب، قال موسوليني (إن الدولة تمثل تنظيماً وتحديداً بينما الأفراد تدفعهم أنانية نفوسهم فينزعون إلى الخمود الاجتماعي ، فالفرد ينزع إلى الهرب باستمرار ويميل إلى عصيان القوانين وعدم دفع الضرائب والامتناع عن خوض الحرب وقليلون هم الأبطال الذين ضحوا بمصلحتهم على مذبح الدولة وغير هؤلاء في حالة ثورة مكبوتة ضد الدولة )(6) أو التوجه الذي تسير عليه الدولة.
ما من شك في أن هذه المقولة قد جسد أوضاع مشابهة تماماً لكثير من أعضاء الحركة الشعبية المتواجدين بشمال أفريقيا حيث يلاحظ التمرد المستمر والهروب عن أداء أبسط الواجبات التي لا تسوى كالاشتراكات الشهرية مثلاً والبعض على أهبة الإستعداد لتلبية أي نداء فيه ذم للعمل والانتقاص من شأن المسئولين . كذلك يكثرون من الجدل وإثارة المناقشات حول أبسط الأمور ولا يعيرون إهتماماً للزمن الذي يضيعونه . هكذا ظللنا نتابع مثل هذه المهاترات إلى أن وصلت سفينة السلام إلى المرسى بقيادة أروع قبطان شهده تاريخ الحركة السياسية السودانية وهو الأخ القائد المناضل د.جون قرنق دي مبيور .
لهذا فإننا نضع أملنا الكبير في أيدي ربان هذه السفينة ورفاقه الأجلاء لهندسة هيكلة الدولة بنفس الروح من دون الإتكال الى الذين تنخرهم آلة القصور الذاتي المدمرة ولم يستفيدوا قيد أنملة من عقدين من الزمان سقط خلالها ملايين الشهداء ، فالتحية لأولئك الأبرار ونسأل الله لهم فسيح جناته .

الصراع بين العلم والجهل :
إن المشكلات التي سلطنا عليها الأضواء في هذا المقال تدخل في إطار الصراع بين العلم والجهل وهو صراع قديم قدم الإنسان . بدأ من نقطة ما في مرحلة ما قبل التاريخ( الفترة التي سبقت معرفة الإنسان للكتابة) . ويعتقد علماء الآثار والإنثروبولوجيا وغيرهم أن جد الإنسان الحالي قد ظهر فيه لأول مرة (قبل خمسين ألف سنة تقريبا من تاريخ اليوم) وكان جدنا يوم ذاك مذهول في غاية الدهشة مما يرى حوله من أشياء لا يدرك ماهيتها ولا يعرف معناها ، فعلمه ربنا سبحانه وتعالى كما قال في القرآن الكريم ( وعلم الإنسان ما لم يعلم )(7) .
منذ تلك العصور السحيقة والإنسان يتخبط ويحاول معرفة الأشياء وأسرار وجودها مستغلاً في ذلك أخطر الأجهزة خطورة في تركيبته البيولوجية وهو الدماغ، وقد لاقى صنوفاً من العذاب والمتاعب وهو يجرب كل شيء بنفسه معرضاً حياته للخطر في زمن لا يحلم فيه بالتطور الذي نشهده اليوم، ولكن مع ذلك يرجع إليه الفضل في ما وصل إليه البشرية في العصر الحالي من أحدث أنواع التكنولوجيا .
إذاً يعتبر الدماغ في الإنسان جهاز حساس ضار ونافع وهو سلاح إشتهر ضد الجهل لذلك عندما أحسن البعض من الناس إستخدام هذا الجهاز ( العقل ) وصلوا إلى التطور المذهل الذي نعيشه في وقتنا الحاضر ؛ فالعقل بالتالي هو مركز القيادة في الإنسان إذا تعطل يكون الإنسان مسلوب الإرادة يهبط إلى مرتبة الحيوان الفطري، لذلك لا يؤاخذ الأبله والمجنون على تصرفاتهم. لأن لديهم أعطابُ في مراكز القيادة والتوجيه داخل الخلايا الدماغية .ورغم التطور والنهضة العلمية الكبرى التي إشرنا إليها يظل التفاوت الحضاري سمة ظاهرة بين الجماعات البشرية . وإذا أردنا تقييم سبب هذا التفاوت نجد أن هناك تباين وإختلاف حول تفسيره ، فالبسطاء ينسبونه إلى السحر، أي أن الخواجات سحارين أكثر من غيرهم، وفق النظرة البدائية الأولى التي تسيطر عليها التفكير الغيبي بينما القدريون ينسبونه إلى عامل القدر المكتوب، أي أن الله أراد ذلك. والعنصريون ينسبونه إلى تفوق بعض الأعراق على البعض الآخر في الذكاء، وغيره والبعض يحملون المسئولية للظروف الموضوعية التي توفرت للإنسان الغربي على وجه التحديد . لكننا نرجع السبب الأول لهذا التفاوت إلى الفاعلية في إعمال العقل وتشغيل الدماغ وحساب الزمن والجدية ثم تأتي الأسباب الأخرى .
إذاً كان لإعمال العقل وتنشيط الخلايا الدماغية دور هام في الهزيمة التي لحقت بالجهل في أزقة المدنية في الدول المتقدمة (نيويورك ، باريس ، لندن ،..الخ ) ، لأن العلم قد أثبت أن أدمغة البشر متساوية بنسبة 99.9% (راجع صفحة وكالة ناسا الفضائية في الإنترنت ) بمعنى أن نسبة المخ هو، هو ، سواء كانت في جمجمة الأمريكي أو الأفريقي أو الياباني الآسيوي . ومن الأقوال المأثورة عن اليابانيين قولهم ( لا تعطيني السمكة ولكن علمني كيف أصطاد السمكة ) ، هذا الروح من حب العلم والعمل هو الذي تقمصه الياباني وتمثل سر المعجزة التي حققتها هذه الدولة بعد هزيمتها الساحقة في الحرب العالمية الثانية عام 1945 .
هكذا وضع العلماء الجهل في قائمة أمراض العصر يجب محاربته واستئصاله مثله مثل أي مرض آخر. وبشاعة الجهل لا تقل عن الإرهاب بكل إشكاله أن لم يكن المحرك الأساسي له . وحسب رؤية الأديان السماوية فإن الإنسان مخلوق نزل من السماء بعد إرتكاب المعصية (آدم) وكان آدم عليه السلام يجهل كل شيء إلى أن علمه ربنا في قوله تعالى ( وعلم آدم الأسماء كلها.....الآية)(7) .
أدركنا مما سبق أهمية العلم الذي بمثابة الرافعة التي تعلي من شأن الإنسان باستمرار عكس الجهل الذي يهبط به إلى الأسفل وإذا وضعنا بعض المشاكل التي ذكرناها آنفا في ميزان العلم والعقل نجد أن السبب الأساسي فيها هو رفض التفسير العلمي للأشياء ورفض التحليل الموضوعي المقارن للظواهر الإجتماعية الشاذة زد إلى ذلك عدم إعتراف البعض بالتفاوت الطبيعي الموجود بين المتعلمين وغير المتعلمين وأنصاف المتعلمين،(وهنا نعطي كل العذر للذين قصرت الدولة في توفير فرص التعليم لهم) فالعديد من الناس ونسبة لقصر نظرهم يعتقدون أن بإمكان أي شخص أن يقوم ما يقوم به الشخص المتخصص في مجال معين، وهذا خطأ، وفي نظر هؤلاء فإن القدرات لا تعني شيء بالنسبة إليهم وهذا أيضاً خطأ فاضح وعلى أصحابه إعادة النظر في روآهم . وأتساءل كيف لمجتمع أن ينهض ويتطور ويزدهر،من دون نور العلم في عصر العلم والسرعة الذي نعيش فيه؟ في هذا الاتجاه تشجيع واضح للجهل والتخلف الذي يسعى العالم بكلياته إلى محاربته بشدة.
وعلاج هذه الظاهرة في صفوف دعاة السودان الجديد عموماً، حسب رأيي أمر ملح إلا أنه يتطلب التخطيط السليم والرؤية الثاقبة، يسخر لها المثقفون في المناطق المتأثرة بالحرب شيئاً كثيراً من وقتهم، لأن أي خطوات غير مدروسة في علاج هذه المشكلة (الجهل والتخلف) تكون نتائجها عكسية وسلبية كما لاحظنا في شمال أفريقيا إذ كلما إجتهد المثقفين لنشر الوعي بين الناس قوبلوا من قبل البعض بآذان صماء وكيل من الاتهامات اللا موضوعية .
ويجدر الإشارة هنا إلى أنني كنت أستغرب في السابق من كثرة الهجمات الموجهة الى المثقفين من أبناء جبال النوبا من قبل الطبقة الوسطي وبعض عامة الجماهير
( الموظفين ، العمال ، الطلاب ) وكنت أسمع دائماً اللوم يوجه إلى المتعلمين بحجة أنهم مقصرين في توصيل هموم الناس وعكس مشاعرهم إلى الآخرين، ولم أدرك الأسباب الحقيقية لذلك إلا عندما أصبحت أحد المتعلمين من أبناء المنطقة . حينئذٍ أدركت أن العلة أو الخطأ ليس في المتعلمين خاصة بعد أن سمعت النقد وسوء الفهم و اللبس الذي قوبلت به التوجيهات الصادرة من بعض قيادات الحركة الشعبية لتحرير السودان بالتحديد الذين حضروا إلى ليبيا في وقت سابق من أوائل الألفية الجارية. وأعتقد أن من غير المعقول أن يكون القياديون والمثقفون دائماً هم المخطئون . إن هذا التفسير على عكس نظرة العالم المتحضر الذي سلم زمام القيادة إلى أكثر أبناء مجتمعاتهم ثقافة وتعلماً .
يمكن أن نرجع هذه الظاهرة المتمثلة في رفض البعض للتوجيهات والإرشادات الصادرة من العناصر المتعلمة، وتمسكهم بآرائهم الخاطئة إلى التركيبة المعقدة للذهنية الأفريقية التي إرتبطت أشد الإرتباط بقيم ومثل للعلم فيها وجهة نظر، كالإيمان المطلق بالغيبيات وإبقاء مصير الإنسان برمته معلقاً على هذا الحبل . هذا السلوك قد تؤثر سلباً على نمط التفكير، حيث يجعل ملكة التفكير لدى الأفريقي أسيراً غير متحرر بالتالي يصعب عليه قبول الجديد بسهولة، مما يستدعي قضاء وقتاً طويلاً لغرس الجديد بين القديم المتراكم. وهذه النقطة يجب أن يعيها جيداً القائمون على زمام الأمور في السودان الجديد، ليبحثوا لها عن مداخل العلاج، من دون إثارة حفيظة المحافظين المتزمتين الذين سيقفون بشدة ضد تيار التحديث . كذلك مثل التمسك المفرط بالإثنيات أو القبلية والتشبث بالعادات والتقاليد الصارمة المعلقة على أهداب تلك القبلية.أشير هنا الى أنني لا أعترض على التزام الأفراد والجماعات الصارم بالنظم الموروثة عن السلف الأولين لكنني أدعوا الى التوفيق بين الخاص والعام وألا يكون قوة الانتماء الى السلالة أو القبيلة على حساب المجتمع ككل.لأن حرية الفرد تقف عند حدود حرية الفرد الآخر. كل ذلك لها جوانب سلبية تتمثل في تجذير الانغلاق، وعدم الانفتاح على الآخر، لحجج غير دقيقة مثل الاعتداد بالعرق(Ethnocentrism)؛و ادعاء الحفاظ على الأصالة . والواقع أن الركون إلى تاريخ الأجداد والإفتخار به لا يتناقض مع مواكبة أنماط الحياة الحديثة، وعلى العكس من ذلك يعتبر حافزاً ذاتياً يحث على الكد والاجتهاد لإضفاء الحقائق التاريخية على الشخصية السودانية المعاصرة، ونقول في هذا الشأن أن لأسلافنا ما إكتسبوا من العظمة حفظها لهم التاريخ ولنا ما سنكسب في وقتنا الحالي فشلاً كان أم نجاح ولا يشفع أحدنا للآخر شيئاً .
التحدي الحقيقي أمامنا الآن تتمثل في مدى قدرتنا على العمل، وتحقيق إنجازات كبيرة يضاف إلى ماضي الأجداد. فكل جيل مسئول عن الزمن الذي عاش فيه ، وعلى الأجيال المعاصرة أن تقدم شيئاً قريب الشبه عما وردنا عن أجدادنا السابقين(امبراطرية كوش،ممالك النوبة المسيحية ..الخ) لا الاكتفاء والتفاخر بهم .
ونعود إلى حكاية الذهنية الإفريقية، فقد وصف العقل الأفريقي بالغيبية والبساطة في التفكير، ووصف تصرفات الأفريقي بأنها كالطفل من شدة العفوية في أخذ الأمور والتعامل مع الحياة ،وقد إستغل البعض تلك الصفات للإساءة ، فمثلاً في القرن السادس عشر كتب الحسن المعروف بليون الأفريقي (أن سكان الأرض السوداء فطريون لأقصى درجة بلا إدراك ولا تجربة أو خبرة في أي شيء ويعيشون عيشة الحيوانات المتوحشة بدون قانون وبدون نظم )(8) . إنني لا أتفق مع ليون الأفريقي في رؤيته هذه كغيري من المثقفين والمهتمين الأفارقة إلا أن هذه المقولة أعطت انطباع سيئ عن الإنسان الأفريقي مما دعا بعض العنصريين إلى القول بعدم مساواة الأجناس البشرية مثل ( فرنسييه جوبينو) وليفي بول الذي تحدث عن عقلية البدائي الذي لا يساير المنطق . وإذا كانت لهذه الصفات في الماضي ما يبرره فلا مجال له في عصر المنطق والتجربة الذي نعيشه اليوم ولكي ننفي هذه الأوصاف والتهم عن أنفسنا كأفارقة يجب أن يكون الرد عملياً بامتطاء صهوة العلم والمنطق وبلورة الفكر والوعي وممارسته على أرض الواقع وتطبيق المعايير والممارسات السياسية والاقتصادية والعلمية في محيط القارة بصفة عامة وبؤر التوتر والنزاعات على وجه الخصوص بما في ذلك أقاليم السودان الجديد التابعة للحركة الشعبية .
الواقع أن النظم والتقاليد الأفريقية تحتوي في جوهرها على سلوك متطور، وقيم سمحة ينم عن ثقافة راقية لم ينفذ إلى باطنها الإنسان الأوروبي لماذا ؟ لأنه وضع ثقافته المتطورة كمنظار أو عدسة يرى من خلالها إلى الآخرين ومن ثم أطلق الأحكام الجائرة كعدم المساواة وجمود العقل الأفريقي بعض النظر عن صحة تلك الأحكام ولا شك أن المثقف الأفريقي بين أهله سوف يواجه تهماً كثيرة إذا حاول إحداث أي تعديل في بعض الموروثات الثقافية أو تجديدها لتساير العصر .
من خلال بقائي بين الأهل في جبال النوبة ومواكبتي لكل صنوف الثقافة الممارسة هناك لاحظت أن الناس كثيراً ما يفسرون الأمور بخلاف التفسير العلمي الصحيح مثلاً نزول الوباء أو آفة أو كارثة طبيعية كقلة هطول الأمطار في موسم الزراعة فإن البعض يفسرون ذلك بأنها من أفعال السحرة الملاعين فيلجاءون إلى تنشيط قوى روحية مضادة مثل الكجور وغيره من أولئك الزعماء الذين يقفون بالمرصاد ضد الأشرار وأفعالهم فما هي أنسب الوسائل لعلاج هذه الظاهرة ؟
هذا النمط من التفكير راسخ في الثقافة الأفريقية الموروثة ومن يقرأ تاريخ الفراعنة في مصر القديم وتاريخ كوش المجاور له جنوباً(السودان حاليا) يتأكد تماماً من قدم هذه العادات وارتباطها بالديانات التقليدية والمعتقدات القديمة لذلك نؤّمن على أن هنالك مشكلة تحتاج إلى علاج . النقطة الهامة فيما ذكرناه هي النتيجة التي تتمخمض عن عدم الإسراع في علاج هذه المسائل التي تحتاج الى دراسات متخصصة تقوم بتشخيص الداء و إيجاد العلاج الناجع له وهذا ما ننبه إليه المسئولين والقائمين على أمر السودان الجديد .
أهمية الوحدة:
وحدة الجماعة أو الأمة تشكل خطوة مهمة في توجيه مصيرها ،و تحديد نجاحاتها والوحدة من الشعارات الهامة التي رفعتها الحركة الشعبية لتحرير السودان منذ بداية تأسيسها في سنة 1983م ومن يدقق في الأختام الرسمية للحركة يجد كلمة الوحدة(unity) تشكل أحد ثلاث أقواس داخل الختم مما يعني أهميتها في برنامج السودان الجديد .
ولكي تتحقق الوحدة لابد من توفر بعض الشروط و المقومات حتى تصبح وحدة دائمة و مستمرة .منها ما أطلق عليها غوستاف لبون في كتابه (سر تطور الأمم) روح الأمة و يعني بها وحدة المشاعر،ووحدة المنافع ،ووحدة المعتقدات وهذه الشروط حسب رأيه تقوي من وحدة المزاج و تزيد من الثبات وتمنح أي أمة قوة و صلابة كنتيجة لأيمانهم بوحدة المصير.
ولاشك أن بلورة تلك المشاعر في أمة بعينها ليست سهلة ، بل تحتاج الى فترة طويلة من الزمن لتصل الى غايتها الحقيقية .ويذكر مثلاً أن الأمة الفرنساوية لن تتمكن من توحيد مشاعرها و أفكارها و إيجاد روح خاص بها إلا بعد عشرة قرون كاملة (ثلاثين جيلاً )(9) .نؤكد أن مشاعر الوحدة في التنوع بادية في السودان عموماً منذ زمن طويل لكن المعوقات التي أججت الصراع الحالي كان لها الدور الكبير في إعاقة نموها. الآن وقد تم توقيع عملية السلام الشامل في السودان، فقد اتجهت الأنظار لرؤية برنامج السودان الجديد القادم مع السلام المتفاءل به الآن .هكذا بدا أن الآمال المعقودة على عاتق دعاة السودان الجديد أو (السودانوية) حسب البروفسور أسامة النور ،كبيرة وتبقى المسئولية التي يجب أن يضطلع بها المعنيين ببرنامج السودان الجديد جسيمة و مكلفة.
السودان دولة متعددة الأعراق و الثقافات وقد اعتبر البعض أن هذا التباين العرقي عامل من عوامل تقويض وحدة الأمة وهذه الرؤية غير صحيحة و عكس الطبيعة التي جبل عليها الكون.
و التنوع الثقافي و التباين العرقي ظاهرة طبيعية و ميزة حميدة يبعث علي التجديد و الإبداع ،ويشجع على الابتكار إذا أحسن إدارتها ؛وقد أدرك الانثروبولوجيون ذلك حينما تحدثوا عن أهمية التثاقف( التعايش بين الثقافات) كأحد المعالجات لتجنب خطر النزاعات الاثنية .والأجدى أن يسمح للثقافات المتعددة في البوتقة الواحدة أن تتلاقح و تتعايش بحرية لأن ثمة ظروف تاريخية حتمت هذا الوضع واوجدت هذا التشكل و التركيبة المعقدة ومن الأفضل أن يترك هذا الواقع كما هو من دون تعديل قصري من أي جهة .
ويجدر أن نشير الى فكرة العقد الاجتماعي( Social Contract)الذي تحدث عنه المفكر جان جاك رسو أحد فقها عصر التنوير في أوروبا في القرن الثامن عشر .وأعتبر بعد ذلك أساساً لتعايش الأمم داخل الدولة الواحدة .تعلينا أن الأخذ بهذه النظرية قد يمنح الحق لأي فئة في المطالبة بالانفصال عن غيره و سيظل هذا مصدر قلق دائم للذين ترتبط مصالحهم بالوحدة .لذا نرى أن تصبح الموروث المتراكم هو الدافع لتقبل الاثنيات لبعضها البعض حتى تبقى المطالبة بالانفصال قرار طارئ أملته ظروف خارجية عملت على عكس الواقع المعاش داخل المجتمع الواحد ، كالسياسات الخاطئة التي اتبعتها الحكومات المركزية في الخرطوم منذ الاستقلال و نجم عنها الوضع المذري السائد في السودان من حروب طاحنة و صراعات لامبررلها . أقول أن الرعيل الأول قادة الاستقلال قد ضيعت فرصة ثمينة لخلق مشاعر متحدة بين أبناء الوطن الواحد .فقد دأب أولئك القيادات على خلق وحدة قائمة على وحدة اللغة، والتاريخ، والعرق،و الدين في دولة متعددة الأعراق و اللغات ،والأديان.فدفع المجتمع ثمن ذلك دماء أبناءها.
و الأمر كذلك فإنني أدعو كل مفكر حادب على مصلحة هذا الوطن أن يوظف ذكاءه و فكره في هذا الاتجاه .
وفي الختام نخلص إلى إن فاقد الشيء لا يعطيه بالإشارة إلى الذين تبنوا نظرية الوحدة من بين أعضاء الحركة الشعبية لتحرير السودان سواء في دول المهجر أو في الداخل ولم يمتثلوها في أنفسهم .

المراجع تم استشارتها:
1/إبراهيم السائح ،تاريخ اليونان، المكتب الجامعي الحديث،الإسكندرية،1998-1999م.
2/محمد رياض، الإنسان دراسة في النوع والحضارة،دار النهضة العربية،بيروت،1974م.
3/نخبة من أعضاء هيئة التدريس،الانثروبولوجيا مداخل وتطبيقات،دار المعرفة الجامعية،الإسكندرية،2001م.
4/مقدمة ابن خلدون، مكتب الهلال،الطبعة الأخيرة، بيروت،2000م.
5/حديث شريف .
6/بنيتو موسوليني، تعليق عام1924م على كتاب الأمير لمؤلفه نيقولو مكيافيللي.
7/آية من القرآن الكريم .
8/كلود فوتييه،أفريقيا للإفريقيين،ترجمة أحمد كمال يونس،دار المعارف، القاهرة.
9/غوستاف لبون،سر تطور الأمم،ترجمة أحمد فتحي زغلول،دار الفرجاني ،طرابلس_القاهرة_لندن.



للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر الحر | دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر الحر

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |تعارف و زواج|سجل الزوار | اخبر صديقك | مواقع سودانية|آراء حرة و مقالات سودانية| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved