![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
أبو بكر القاضي ــــ هل بالإمكان الاسترشاد بالتجربة الهندية في التعددية والتنوع؟
اقام المنتدى الثقافي السوداني ندوته الثقافية الخامسة بعنوان (نموذج التجربة الهندية في معالجة قضايا التعدد والتنوع الثقافي في اطار الحكم اللامركزي)‚ المعلومات الاساسية التي قام عليها الحوار تم اعدادها بواسطة رابطة خريجي الجامعات الهندية‚ وهي رابطة من السودانيين الذين تخرجوا من مؤسسات التعليم العالي الهندية‚ وأهم سمة لهذه الرابطة هي التسامح والترابط بين هؤلاء الخريجين بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية والمذهبية والعرقية والدينية‚ المعلومات التي وفرتها الرابطة غزيرة لا يسمح المجال بنشرها في هذا الحيز‚ وقد قمنا بنشرها في المواقع السودانية على الشبكة الدولية لمن اراد المزيد لذلك لن نتناول بالتفصيل السلطة التشريعية والقضائية في الهند‚ وانما سنركز على اللغات‚ والنظام الطبقي ودور الدين في الحكم اضافة للمعلومات الضرورية المتعلقة بالمساحة وعدد السكان ونبذة عن الدستور ثم نعطي ملخصا للافكار والمداخلات وملاحظات كاتب المقال‚ تعتبر الهند من اكبر دول العالم التي تنهج نهجا ديمقراطيا تعدديا‚ ويتكون نظام الدولة في الهند من 28 ولاية فيدرالية و7 وحدات ادارية‚ الهند دولة ذات سيادة‚ ونظام الحكم فيها اشتراكي ديمقراطي علماني‚ تغطي الهند 4‚2% من مساحة العالم‚ كما يشكل سكانها نحو 15% من سكان العالم‚ تتنوع الهند في شتى المجالات الثقافية والدينية والاثنية‚ حكم الفرس وشعوب آسيا الوسطى وافغانستان والعرب والغرب الهند منذ عهود قديمة‚ يعتبر الدين والطبقات وتنوع اللغات من السمات الاساسية للمكونات السياسية الحالية في البلاد‚ يدين 83% من سكان الهند بالهندوكية‚ اضافة الى 120 مليون مسلم وبعض الاقليات الدينية‚ يتوزع سكان الهند في القرى والمدن‚ حيث يسكن 70% من السكان في حوالي 000‚550 قرية‚ ويتوزع الباقون على ما يتجاوز 200 مدينة‚ نظام الحكم البرلماني تحكم الهند حاليا بدستور وطني تبناه اول برلمان وطني بعد الاستقلال من التاج البريطاني في 15/8/1947 بعد ان حكم البريطانيون البلاد لمدة خمسة قرون‚ الدستور الهندي يعتبر الدستور الهندي من اطول دساتير العالم‚ حيث يتكون من 395 بندا وثمانية جداول ملحقة بالدستور‚ رغم ان البرلمان قد صوّت على الدستور في 26/11/1949‚ الا انه اصبح ساريا في 26/1/1950‚ نظام الحكم في الهند فيدرالي يخول دستور الهند سلطات للمركز وللولايات على حد سواء‚ بينما تتوزع الصلاحيات التشريعية والتنفيذية بين المركز والولايات‚ تتبع صلاحيات الحكومة المركزية دائما للبرلمان القومي بينما تنضوي صلاحيات الجهاز التنفيذي تحت لواء الحكومة المركزية‚ يتكون المجلسان التشريعيان المركزيان من (راجا سبا) مجلس الشيوخ‚ و(لوكسبا) مجلس النواب‚ يتم اختيار رئيس الجمهورية من قبل اعضاء مختارين يحق لهم التصويت من المجلسين المركزيين والاعضاء المختارين من المجالس والولايات‚ مدة حكم الرئيس خمس سنوات‚ ويتمتع بصلاحيات واسعة فهو القائد العام للقوات المسلحة ويحق له حل البرلمان اذا فشل في اداء دوره كما ينص عليه الدستور‚ كما يحق له المشورة في المسائل القومية‚ اضافة الى حق تجميد الحكومات الولائية‚ تخضع السلطات الحكومية التنفيذية لرئيس الوزراء‚ وذلك باعتبار ان نظام الحكم برلماني وليس رئاسيا‚ الاحزاب القومية: وهي عبارة عن احزاب تتمتع بوجود قومي اي ان لها نشاطا فعليا في اكثر من 4 ولايات‚ من الاحزاب القومية الهندية حزب المؤتمر الوطني الذي تأسس عام 1885 وهو من اعرق الاحزاب الهندية‚ حزب بريهاتاجاناتا فارتي: الذي اسسه الدكتور شام فرساد مكرجي عام 1980‚ وذلك بعد عدة تحالفات وانقسامات في اجنحة اليمين الهندوسي‚ ويعتبر من اكبر الاحزاب الهندية‚ الحزب الشيوعي الهندي: تأسس بعد احداث الثورة الاشتراكية العظمى في 26/12/1925‚ الحزب الشيوعي الماركسي: وهو نتاج للانقسام الذي حدث في الحزب الشيوعي بالهند‚ ادى هذا الانقسام الى تكوين الحزبين الشيوعي الهندي والماركسي‚ ويعتبر هذان الحزبان من اعراق الاحزاب الشيوعية الديمقراطية في العالم‚ بجوان سماج فارتي (بي‚اس‚في) اسسه كنيش رام عام 1984‚ من اهداف الحزب المطالبة بحقوق الطبقات المهمشة في المجتمع الهندي‚ السكرتير العام للحزب هي السيدة مياواتي‚ يتمتع هذا الحزب بشعبية مذهلة في كل من ولايات البنجاب‚ اتر براديش‚ هاريانا ماضيا برايش (BSP)‚ اندمج الحزب لاحقا مع سمج وادي فارتي (SP) ليكونا حزبا جديدا يسمى باهوجان سماج اي (BS)‚ اللغات القومية في الهند من اهم سمات النظام الفيدرالي في الهند الاعتراف بالتنوع الديني والعرقي والثقافي والاثني‚ كما يوجد في الهند اكثر من 50 لغة معترف بها من قبل الدولة‚ ولكن 14 فقط من تلك اللغات المعترف بها تعتبر لغات قومية‚ اي يمكن استخدامها للحديث في البرلمان القومي ومرافق الدولة الاخرى‚ ومن الامثلة على تلك اللغات الهندية‚ الاوردو‚ الانجليزية‚ التاميل‚ المهراتية‚ الكونكوني‚ الملايلم‚ الكرناتكية‚ التلقو‚ البنجابية‚ الكشميرية‚ البنغالية‚ القوجراتي والاسامية‚ النظام الطبقي في الهند يتكون المجتمع الهندي تاريخيا وحتى يومنا هذا من طبقات اجتماعية متمايزة في صلب المجتمع الهندي‚ وعلى الرغم من ان القانون الهندي يمنع هذا النظام الطائفي البغيض‚ الا ان الطبقية ما زالت تمارس بشكل مخل بالقانون في بعض المجتمعات القروية المتخلفة وكذلك في اوساط اهل المدن‚ تستفيد بعض الفئات من استمرار هذا النظام اللاإنساني الذي تنتهجه اداة من ادوات القهر للمجتمعات الدنيا‚ وتنقسم الهند الى طائفتين رئيسيتين: الطبقة العليا: ويسمونهم (البرهمان) ويمثل هؤلاء 5% من سكان البلاد ويتمتعون بنفوذ ديني وسياسي واقتصادي في البلاد‚ ويخرج من هذه الطبقة الحكام وقادة الجيوش ورجال الاعمال والاطباء والمهندسون والقضاة ورجالات الدولة‚ الطبقة الدنيا: من المسحوقين (المهمشين) من ابناء الهند ويشكلون 95% من سكان البلاد وينقسم هؤلاء الى ثلاث فئات‚ حسب سياسات الحكومة المركزية فان هذه الفئات الثلاث تتمتع بما يسمى بالتمييز الايجابي‚ وتعرف هذه المجموعات الثلاث احيانا باسم المجموعات المتخلفة‚ ينتمي 15% من سكان الهند الى المجموعة الاولى‚ وعليه فقد انتهجت الحكومة سياسات مركزية معينة في التعامل معهم‚ وذلك بتخصيص 15% من الوظائف الحكومية و15% أخرى من فرص القبول في الجامعات والمعاهد العليا لصالحهم‚ تمثل المجموعة الثانية نسبة 5‚7 من تعداد السكان‚ ولذا يتمتعون بنفس النسبة في فرص العمل والقبول في الجامعات والمعاهد العليا‚ وتشكل المجموعة الثالثة 50% من سكان الهند‚ ولكنهم يمنحون 27% من الوظائف في الحكومة المركزية وعلى مستوى الجامعات ايضا‚ لكل من حكومات الولايات سياستها الخاصة بالتمييز الايجابي‚ وذلك حسب التوزيع السكاني في الولاية اضافة الى بعض الاعتبارات والتوازنات الاخرى‚ تتمتع المجموعة الثانية بسياسة ملكية الاراضي في الهند باعتبارهم من سكان البلاد الاصليين‚ ويمنحهم الدستور هذا الحق دون سواهم‚ من سيئات هذه السياسات استغلال هذا الوضع المتميز وفقا للمتغيرات السياسية والاجتماعية والقانونية‚ وعليه يمارس بعض ابناء تلك المجموعات ادوارا سلبية‚ مما يضطر السلطات المختصة الى اتخاذ قرارات قانونية قد تؤدي الى حرمان هؤلاء الاشـخاص المنتفعين من الامتيازات‚ على الرغم من اهتمام الدولة بهذه السياسات الايجابية‚ فان الهوة الاجتماعية ما زالت شاسعة وتزداد توسعا بين الطبقات‚ تتميز الطبقة العليا بأوضاع اجتماعية متميزة‚ كما يظهر ذلك ايضا بصورة جلية لدى المنتمين الى الطبقات الدنيا شعورا بالقهر الاجتماعي واضطرارا الى ممارسة بعض المهن والحرف المتواضعة التي لا يرضى غيرهم امتهانها‚ دور الدين في الحكم يوجد في الهند العديد من الديانات‚ يشكل الهندوس 85% من سكان الهند‚ بينما يمثل المسلمون 12% من السكان وتتوزع البقية ونسبتها 3% بين طوائف دينية متعددة مثل السيخ والمسيحيين والبوذيين والمجوس‚‚ الخ‚ اتخذت الهند نهجا ديمقراطيا علمانيا في الحكم فعلى الرغم من وجود هذا الكم الهائل من الهندوس‚ الا ان دستور الهند علماني يمنح كل قوميات البلاد حقوقا متساوية دون تمييز بسبب الدين او العرق او الجنس‚ لذا نجحت الهند منذ البداية ونتيجة حكمة الرعيل الاوائل من الحكام الوطنيين وتمكنت من وضع فلسفة عمل سياسية في الاتجاه الصحيح الى يومنا هذا‚ السؤال المطروح الآن هل من الممكن الاستفادة من التجربة الهندية في معالجة قضايا الاقليات القومية والدينية والثقافية والاجتماعية والسياسية في السودان دون اللجوء الى استخدام سياسات اقصاء الآخر وعدم الاعتراف بالتنوع في المكونات الدينية والثقافية والسياسية‚‚ الخ اذا كانت الاجابة بنعم فما السبب في عدم الاستفادة من تلك التجربة الفريدة مع مراعاة الخصوصيات الجيوبوليتيكية في السودان‚ اهم البنود والمحاور التي تناولها الحوار: 1- استعمار بريطانيا للهند استمر لمدة (500 سنة) في حين كان الاستعمار الانجليزي للسودان مدته (55 سنة)‚ ومن جهة اخرى كان الهند يحكم بواسطة وزارة المستعمرات في حين كان السودان يحكم من قبل وزارة الخارجية البريطانية‚ كان الانجليز يحكمون السودان بطريق غير مباشر حتى ان استرداد السودان عام 1898 كان باسم الخلافة الاسلامية وعلى نفقات الحكومة المصرية (دولة محمد علي باشا التابعة رمزيا للاستانة)‚ وقد ترك لنا الانجليز في السودان خدمة مدنية كان يفترض ان تكمل رسالة الانجليز الاستعمارية‚ باختصار هذا الرأي كأنما يريد ان يقول الاستعمار الطويل (500) سنة ساهم في نجاح الديمقراطية الهندية‚ 2- في فترة الديمقراطية الثالثة (1985-1989) قام حزب المؤتمر الوطني برئاسة مولانا عبدالمجيد امام وقد ارتعبت الاحزاب جميعها في السودان من هذا الحزب السوداني الوليد الذي قام على اساس فكرة (المؤتمر الوطني) في الهند وقد اشتركت الاحزاب كلها في المؤامرة على هذا الحزب لأن مشروعه كان سيهزم الاحزاب الاخرى‚ واخيرا سرق حزب المؤتمر الوطني الحاكم اسم الحزب وبذلك اجهز على المشروع في موضوعه وفي اسمه‚ 3- تناول الاجتماع موضوع العلمانية في التجربة الهندية وامكانية تطبيقها في السودان‚ وقد ورد اقتراح بتعريف العلمانية تعريفا دقيقا‚ وقد لوحظ ان علمانية الشيوعيين والعفلقيين ــ البعثيين ــ كانت ضد الدين لذلك تعرض (مصطلح العلمانية) لحرب لا هوادة فيها حتى اصبحت كلمة العلمانية مرادفة للكفر والزندقة واللادينية‚ 4- تناول الحوار موضوع الاقليات واللغات بخلاف (العربية) وورد رأي يقول بعدم وجود اقليات في السودان‚ بل ورد طلب صريح بعدم التعميم حول مسألة الاقليات بمعنى الاقليات انواع‚ اقلية عرقية‚ اقلية دينية الامر الذي ينتج عنه تداخل ومزج للامور‚ بحيث ان الشخص الواحد يمكن في جانب يشكل اغلبية وفي ذات الوقت يكون اقلية في جانب آخر‚ فالعربي في السودان من جانب يمكن ان يكون (اقلية) من حيث العرق مقارنة بالعنصر الافريقي الزنجي ولكن العربي من حيث الدين الاسلامي يشكل اغلبية في السودان‚ اعترض قطاع من الحضور على وصف اللغات غير العربية بكلمة (لهجات)‚ وقيل ان لهجة الشايقية لهجة داخل اللغة العربية‚ لكن لا يمكن وصف لغة النوير بأنها لهجة‚ بل هي لغة قائمة بذاتها‚ 5- ورد سؤال ينطوي على رفض لفكرة الاسترشاد بالتجربة الهندية‚ يقول: لماذا نهتدي بالتجربة الناصرية والهندية‚‚ الخ؟ لماذا لا نبحث عن تجاربنا في دولة الفونج والمهدية‚‚ لماذا نستجلب الافكار المعلبة من الخارج؟ 6- تعقيبا على ما ورد اعلاه افيد بالآتي: اعتقد ان التجربة الهندية في التسامح وقبول الآخر في اطار دولة فيدرالية مدنية (علمانية) تقوم الحقوق فيها على (المواطنة)‚ هذا النموذج‚ نحن في السودان بحاجة ماسة اليه ودون مثل هذه التجربة سوف يتجزأ السودان حتما‚ للاجابة عن السؤال هل بالامكان الاسترشاد بالتجربة الهندية في هذا الخصوص‚ اقول بكل اسف الاجابة (لا) اذا استمرت عقلية السودان القديم القائمة على الغاء الآخر ونفيه عن طريق (سياسة الاسلمة والتعريب)‚ ان احزابنا القومية (باستثناء الحزب الشيوعي) هي احزاب (اسلامية عروبية) والانقلابات العسكرية الثلاثة كانت (اسلامو عروبية)‚ هذه العقلية لا يمكن بأي حال من الاحوال ان يتقبلها الجنوبيون‚‚ بل لا يمكن ان يتقبلها اهل دارفور‚‚ واخشى ان يرتفع سقف مطالب اهل دارفور الى تقرير المصير خاصة مع دخول عنصر (بترول دارفور) كأحد محاور التفاوض في قسمة الثروة‚ الامل الاخير للحفاظ على كيان السودان موحدا ليس في تغيير الاشخاص والقيادات القديمة‚ وانما في تبني مشروع فكري سياسي جديد (السودان الجديد) بواسطة تحالف المهمشين (في الجنوب والمناطق الثلاث ودارفور والشرق)‚ هذا التحالف يقوم على اساس (الوحدة في التنوع)‚ والتسامح وقبول الآخر (كما هو)‚ لا يمكن ان نعول على القيادات والاحزاب التي صنعت الازمة‚ صحيح لن نلغيها بقرار‚ وانما تمردنا عليها بدءا بالحركة الشعبية بامتدادها الواسع‚ ثم حركتي التمرد في دارفور وفي الشرق‚ هذا التحالف الاستراتيجي (بين المهمشين) هو الذي يمكن ان يسترشد بالتجربة الهندية في التسامح والتعايش بين المجموعات المتعددة والمتنوعة فكريا وثقافيا ودينيا لبناء سودان جديد‚