فى العام الماضى كتبنا فى هذا الموقع مقالاً بعنوان ((استراحة مقاتل من حركة تحرير السودان )وهوعبارة عن شريط كاسيت صغير أنشده مقاتل يدعى أحمد تاجوى فى احدى معسكرات الحركة ، بلغة الزغاوة .
والشريط كما قلنا يعد كوثيقة قيمة يستشف المرء من خلاله عن بدايات نشوء حركة تحرير السودان خصوصاً فى ظل غياب مصدر مهم وهو منفستوالحركة .
واليوم نسلط الآضواء على موضوع وهوالعامل الدينى ومدى تأثيرها فى حياة مقاتلى الحركة ونعد من الشريط كنموذج يمكن ان يعمم .
إن أول شيئ يشد انتباه المستمع فى الشريط و هى المقطوعة الجميلة التى يرددها أحمد فى أكثر من موضع ويعتبره كتوطئة لأى موضوع يريد ان يتناوله. ( الحياة كلها أيام .أيام سعيدة ، أيام حزينة ، أيام حلوة أيام مرة ، أيام مضحكة أيام مبكية) كان معجباً بهذه المقطوعة ومسيطراً علىعقله ووجدانه لأن فى كتابه ، القرأن الكريم يوجد مثل هذة النظرة للحياة ( الليل والنهار ، اليمين واليسار ، الجنة والنار ، المسلم و الكافر ..الخ ) والمقاتل هنا نتاج لثقافة دينية متأصلة .
والموضوع الثانى هو الوقت والزمن
كما وضحنا فى السابق ان التاريخ الهجرى والميلادى لامكان لهما فى الشريط لأنه يستخدم تواريخ أخرى مختلفة البعض منها من تأثير الثقافة الأفريقية كزغاوى و المعروف أن الزغاوة يؤرخون أيامهم بتواريخهم الخاصة ، والبعض الاخر من نتاج التأثير الدينى ، فمعركة الفاشر الوقت كان قبل صلاة الصبح . وديسا من الظهر حتى المغرب الصلاة موجود بكثرة والصلاة عماد الدين .
الملاحظة الثالثة والمهمة وهى خطبة القائد عبد الله أبكر فى مدينة الفاشر . يقول تاجوى على لسان عبد الله أبكر ( لاتقتلوا مدنيا ، لاتنهبوا بنكاً ولامتجراً ، فقط العسكر العسكر ) هذه الخطبة قائله قد قرأ الخطابة فى الاسلام أوسمع عنها فى أى مسجد من المساجد فى صلاة الجمعة مثلاً ، وهو شئ طبيعى كمسلم ولكن ما يستوقف الشخص هو تطبيقها من قبل مقاتلى الحركة ، كل اهالى الفاشر يشهدون بأن لايوجد مدنياً قتل فى المدينة أو فقد ممتلكاتة. على الطرف النقيض إذا قارناهذه الخطبة مع خطبة الشيخ موسى هلال فى سوق كبكابية نجد الفرق شاسع جداً ، خطبة هلال نقلته لنا منظمة هيومن ووتش راتش استهل خطبتة بقوله
{ لقد انتصرت قواتنا العظيمة على قطاع الطرق واللصوص } فهلال ايضاً مسلم مثل أى عضوفى التحرير إلاإنه لم يتحدث عن المدنيين والاغتصاب والنهب لأنه نتاج لثقافة جنجويدية ذا طابع استئصالى . أى نظرة هلال للأخر يختلف عن نظرة المقاتل تاجوى . وهى نظرة موجودة حتى لدى الكتاب الذين يروجون أفكار المستعمرين والجنجويد ألاخرلديهم{ يجب ان يسكت ويحكم باسم الدين والوطنيه . وهو من الزرقة ، انقذناه من براثن زبير باشا . ركع لمقالاتى }
الملاحظة الرابعة وهى مقطوعة أحمد عن زوجتة وهى رائعة جداً ويطرح المقاتل مجموعة من الأسئلة على لسان زوجته كلها تصب فىالغياب والأسرة والأطفال . فهذا شأن إنسانى بحت ولكن العامل الدينى كمسلم واضح جداً .
الملاحظة الأخيرة هو أن المقاتل لم يعش طويلاً بعد أن القى هذة المقطوعة كانه رهينا لفلسفته ، أيام سعيدة أيام حزينة ، وهى فلسفة الحياة والموت وموجود فى القران . كل ما نريد ان نؤكده ان الدين موجود بكثرة فى حياة مقاتلى الحركة وهذا الوجود يقودنا الى حيرة كيف نفصلها عن حياتهم الاجتماعية والسياسية والثقافية .والشريط يضعنا وجهاً لوجه امام سؤال دأب الاخوة من السودان والخارج يطرحونها لأعضاء الحركتين وهو ما الفرق بين التحرير والعدل والاجابة تاتى بكل بساطة الاولى حركة علمانية والاخيرة اسلامية اصولية ولكن الحقائق على ارض الواقع لاتحسم ذالك والامر بالنسبة للتحرير يرجع الى منفستو الحركة ولا احد منا يستطيع ان يدعى بان يعرف شيئاء عنها باستثناء فئة قليلة هم فى القيادة العليا او فى الخطوط الامامية .
اهمية الشريط تكمن فى كونه عملاً فنيا واهم من ذالك ان صاحبه انشده بلغته . كانه اراد ان يقول لنا {انا سودانى مسلم انتمى الى الشمال الجغرافى ولكننى رهين للغتى وثقافتى } ونقول كما قلنا فى العام الماضى وهو العمل الفنى الوحيد الذى وصلنا من الميدان حتى هذة اللحظة ويسجل بكل امانه لصالح حركة تحرير السودان .
شاكر عبد الرسول
امريكا – كنتاكى
__________________________________________________