القومية العالمية والاخوة الإنسانية مبدأ قوي وحقيقة واقعة والشعور بها بين طبقات الشعوب المختلفة شعور قوي وواقعي وبديهي إن الوحدة تستدعي الفكر والأيمان بحقوق الإنسان واحترام ثقافاته وتطلعاته بعيد عن النزاعات العنصرية وهي ليست رغبة آنية تنشط اليوم وتموت غدا وأيضا هي ليست دعوة المستضعفين من البشر فحسب لأقويائهم لتخليصهم من ما هم فيه من ظلم وانتهاك لحقوق الإنسان وضعف وانما أمل كل إنسان واعي كلما ازداد الشعب واعيا ازداد هذا الشعور قوة وهذه الرغبة متانة وهي لا تحتاج عند الشعب إلى دعوة خاصة او دعاية لأنها مستمدة من صميم تكوينه وصميم حياته وطبيعة وجوده ولا تحتاج إلى أسباب ومسببات لان الشعور الإنساني شعور عفوي مطلق قد يفسره المنطق بعد تكونه ولكن لا يقوم حيث يقوم علي منطق غير مدروس مع ذلك فان تحقيق الوحدة ليس حاجة ملحة لمجرد انه استجابة لشعور الإنساني بل هو حاجة ملحة كذلك لان مصلحة الإنسان العاجلة تستدعي هذه الوحدة وهذه المصلحة تتمثل في نواحي كثيرة ولكن أهمها ثلاثة
الأولى مصلحة اقتصادية
الثاني مصلحة سياسية
الثالث مصلحة عسكرية
ومن العبث حل هذه المشاكل من غير الرجوع إلى الوحدة لان التجزئة غير طبيعية اصطنعها الاستعمار الداخلي في المركز وابقت عليها المصالح الشخصية وبعثرت الجهود ولا يمكن ان تودي بنا إلا إلى الضعف والتخاذل والانحلال ويتعدي ما يسمي بالقصور الذاتي او قوة الاستمرار والعصبيات القبلية و العائلية والمصالح الطائفية هي عوامل تمنع تحقيق الوحدة والتطورات العالمية الاخيرة وسهولة الاتصال قد قربت الأمم وزادت روح التفاهم والتعاون وقربت حضارات وعقليات أمم كثيرة وهي قادرة مع الزمن ومع اكتمال التطور الاجتماعي نحو احترام حقوق الإنسان ان تقف الحروب وتجتث الأنظمة التي تعادي الإنسانية ولا تحترم حقوق البشر وقادرة إن تنتزع وتجتث أسباب النزاع وفي هذه الحالة لن تكون القوميات نقمة علي البشر بقدر ما تكون نعمة ورحمة وتقدم لأمم المتحدة وهنا لا معني لوطنية الغير مخلصة ان لم تكون عادلة ومنصفة وتحترم حقوق الإنسان , إما الوطنية بين الإقليمية والعالمية وظهور ونشؤ الثورات المحاربة لدعاة الوطنية الكاذبة والزائفة دليل بان لها اثر في نفوس الشعوب المستضعفة علما بان هذه التيارات كانت قوية قديما واليوم تبرز من جديد مرة أخرى في التاريخ اقوي وجبارة ومكتسحة وهذه الثورات تنبعث من جديد الآن ضد دعاة العقلية الواحدة والثقافة الواحدة الذين يعملون علي تذويب ومحاربة الثقافات الأخرى إقليميا وتريد نسق جميع هذه القوميات وعالميا النظام العالمي الجديد يرفض مبدا استخدام العنف ضد الإنسان ان كانت إبادة جماعية او تطهير عرقي او رفض قبول الأخر وتنادي باحترام حقوق الإنسان وقبول الأخر أما شماعة الاستعمار الأجنبي فهي ذريعة غير مفيدة وموضة قديمة واليوم نري ان الأنظمة ذي العقلية الواحدة المتعصبة التي تريد فرض ثقافتها علي الآخرين بالقوة تسقط واحدة تلو الآخرين ونلاحظ أن الذين يتحدثون باسم الوطنية المزورة دوافعهم دوافع استعمار داخلي سوي أن كانت عائلية فلا يمكن إن يكون عشرون وزيرا من قرية واحدة في السودان فهذا عنصرية وطائفية فعلي الانقاذيون ربط الحاضر المجزئ بالماضي البعيد ومحاولة أيجاد بديل مفيد يجمع القوميات مع بقية الشعب لا بالقتل والتشريد والإبادة تجمع الثقافات والقوميات والتيارات , والحضارات لا تقام الا بالاستقرار والعدالة والعقل الإنقاذي عقل أعلامي وسيطرة واضطهاد العلماء وزجهم في السجون .
وقيل ان تدخل بمناقشة الزيف الذي يحاول البعض إدخاله علي كلمة الوحدة والقومية السودانية يجب ان نسارع اولا ونحدد ما نعني بهذه الوطنية والوحدة فالوطنية هي هذه الشعور الجامع للثقافات والقوميات أما الأمم التي تسكن القطر الواحد المسمي بالسودان الممتد ما بين حدود ثمانية دول والتي تتكلم لغات متعددة وعلما بان في السودان اكثر من خمسمائة واثنين وسبعون قومية ومن اصعب الأمور وأشقها إن تحدد تماما مبأدي وأركان الوطنية وأركان أي قومية ,
فاللغة وحدة لا تصلح ان تكون ركن من أركان وحدة السودان ونحن نعلم ان بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية تشتركان في قومية واحدة بينما تتعدد لغات في سويسرا وفي بلجيكا وفي الهند ويشكل كل منها قومية ومع ذلك قومية واحدة وأيضا الدين لا تصلح ان تكون ركن من أركان الوطنية فمع ان بلغاريا واليونان ينتميان لمذهب ديني واحد لم يشكلا قومية واحدة والعكس ذلك في الهند مذاهب دينية متعددة لم يمنع تعددها من ان تكون أمة واحدة وقومية واحدة وامريكا فيها قوميات متعددة من آسيا وأفريقيا واروبا ولكنهم يتعاملون بحضارة ووعي عالي الا وهي كلمة أمريكي دون قبلية او طائفية او جهوية وان داخلي تثير فرحا مع انني وجدت في أمريكا معني الإنسان ومعني الوطنية والقومية والوحدة
بكل آسف وأنا لاجئ تركت بلدي لاسباب عنصرية وعدوانية , والبيئة والجغرافيا الواحدة لا تصلح ان تكون ركنا من أركان الوطنية او الوحدة وقد رأينا في شبه جزيرة ايبريا قوميتين مختلفتين هما الأسبان والبرتغال بينما رأينا في الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين علي اتساع أراضيها واختلاف بيئاتها الجغرافية قومية واحد لكل منهما والتاريخ كذلك لا يصلح وحدة فمع إن الأتراك والعرب قد عاشوا تاريخا واحد مدة تزيد علي خمسة قرون لم يندمجا في قومية واحدة بينما لا يزيد عمر الولايات المتحدة الأمريكية علي ثلاثة قرون ومع ذلك اكتسبت هذه الصفة أضف إلى إن المصالح المشتركة لا يمكن أيضا إن تشكل قومية واحدة بل قد علمنا التاريخ إنها قد تكون سببا من أسباب انقسام القوميات فمع ان نهر دانوب ليس نهرا كبيرا من انهار العالم الكبرى وان جميع القاطنين حوله علي الضفتين لهم مصالح مشتركة ولم توحد بينهم هذه المصالح بل لقد كان يمكن ان نقول إنها نفسها كانت سببا من أسباب الاختلاف بين الدول القائمة عليه
فإذا كان التاريخ والجغرافيا والمصالح المشتركة واللغة والدين لا يصلح لأي منهما لكي يكون قومية فمن ما تتكون القومية والوطنية ؟؟
الحقيقة هي إن الوطنية والقومية والوحدة تحدد بأي عامل من هذه العوامل وانما تحدد أولا واخيرا بشعور مجموعة من الناس بأنهم أبناء قومية واحدة باعترافهم وهؤلاء قد تجمعهم هذه العوامل التي ذكرتها وغيرها وجميعها او بعضها وقد لا يجمعهم إلا القليل ولكن العامل الأساس الأوحد الذي يفوق كل هذه العوامل قوة ومتانة هو شعور أبناء آدم وحواء بأنهم بشر في المقام الأول فإذا ضعف هذا الشعور فلن ينفع الوطنية او القومية أو الوحدة وإذا قوي هذا الشعور ما ضرها ان لا تشترك إلا في أسباب قليلة جد من أسباب الوطنية والقومية والوحدة ,
ان هذا الشعور ليس مجرد عواطف سطحية في الفراغ ولكنه شعور بمعني الإنسانية ووحدة المصالح ووحدة المركز الحيوي الذي تشغله معني الإنسانية فالفرنسيون يشعرون لكي يكونوا قوميين بان شيئا ما يجمعهم ويوحدهم ويميزهم عن غير الفرنسيين , سيئا في ماضيهم وفي بيئتهم ولغتهم وفي تقاليدهم وفي حياتهم اليومية وفي ثقافتهم وعقليتهم وما أدوه وما يمكن ان يؤدوه لحضارة شيئا ما فوق اللغة وفوق السلالة وفوق الدين فلم يجعل غير الفرنسيين فرنسيا إن تكون لغته فرنسية ,
أهل جنوب بلجيكا وغربها قوما يتكلمون الفرنسية ويعيشون في ارض مجاور لارض فرنسا وقد شاركوا تاريخ فرنسا في كثير من عصورهم ولكنهم ليسوا فرنسيين غلي الرغم من ذلك كله يشعرون بان شيئا ما يميزهم عن الفرنسيين بل يجمعهم الي قوم آخرين يخالفونهم في اللغة ولكن يشاركونهم في القومية .
هذا الشعور لا بدا ان يكتمل طبعا إلى أساس واسباب ولكن هذه الأسباب قد تختلف باختلاف كل امة وكل قومية .
أذن ما هي هذه الأسس التي تقوم عليها الوطنية والقومية ؟ وأنا باعتقادي اعتقد ان امة ما لم يجتمع لها من هذه الأسس التي تكون الأمة والاعتراف بالإنسانية وما اجتمع للوطنية في الحدود ووحدة الأرض وهذه الأرض التي تمتد شرقا وغربا وجنوبا وشمالا دفعة واحدة تكاد تأخذ شكل بحدود دول تحيطها لا تقل عن ثمانية دول وتختلف في بيئاتها ومكوناتها البشرية والجغرافية من سهول وجبال ورمال وقبائل مختلفة في لغاتها وثقافاتها فهي لوحة سودانية غنية بتراثها وثقافاتها وعاداتها اذا احسن قبولها وقبول الأخر لتعطي أنموذجا غنيا وثمينا والا فلا يقبل أبناء ايا من الثقافات تجاهلها ةالغائها وقبول الأخر هي الطريق المثلي لتعايش والتمازج لتسير ماكينة الحياة في السودان والي تجاوز أي حماقة او التعدي علي الخطوط الحمراء الحرب هو الفيصل والفاصل وقد نختلف في التفاصيل كما يختلف سهل البقاع من جبل في لبنان كما يختلف صعيد مصر عن الوجه البحري كما يختلف طبيعة جنوب السودان ودار فور عن شماله الصحراوي ,
وانقسام القوميات حسب اللغات والثقافات والتراث واللغة بين الأمم هي واسطة التفاهم العقلي بين الناس وهي الوسيلة الوحيدة التي تنتج بعقل ما ان تتحدث إلى عقل أخر إما اذا تم إدخال أفضلية لغة او قوم او قبيلة او قومية أو هيمنة علي أخري فهذه من الأسباب الرئيسية في قيام الحروب وصراع الحضارات والثقافات وحروب الرؤى وانتشار وازدياد الجهل وضعف الوعي القومي
والعالم ملئ بالأمم المختلفة التي لا تشترك معها القومية او الوطنية فاللغة عامل مميز لأصحابها لأنها نتاج حضاراتهم ولأنها وسيلة حضاراتهم لظهور ولا بدا ان يصيغ هؤلاء القوم الذين يفهمون هذه اللغة ويتداو لونها بصيغة خاصة تميزهم وتميز نتاجهم الفكري وعقائدهم الروحية لا ان يكون ثقافة اللغة تذويب لغات الآخرين او التعدي علي الغير بسبب الهيمنة او الاستعلاء .
في التاريخ نجد إن الإسلام قد ضم تحت لوائه أقطارا أخرى غير الدول العربية فما أسرع ما انفصلت هذه الأقطار انفصالا لا يكاد إن يكون تاما عن جسم التاريخ العربي وكتله الكبرى باستثناء آسيا الصغرى والهند والافغستان تركمستان وإيران كلها كانت تحت لواء الإسلام ولكن الانقسام فيها عن باقي التاريخ العربي ,
إما فارس قد احتفظت بلغتها ومذهبها الشيعي والكتلة الباقية من بلاد العرب قد انتمت الي مذاهب السنة ,
اما الدول التي تدين بالمذهب البروستاني كثيرة وتمثل قوميات مختلفة اشد الاختلاف والدول التي تدين بالمذهب الكاثلوكي كذلك كثيرة وتمثل مختلف القوميات وأيضا الإسلام يضم قوميات مختلفة اشد الاختلاف بينها الايراني والهندي والاندنوسي ولكن السوأل المهم ما الأسباب والعوامل لو اجتمعت كل هذه العوامل معا ولم تنتج هذا الشعور بالوطنية والقومية الواحدة .
ولا اشك ان منذ استقلال السودان سيطر عليه الحضارة الواحدة ونفس العقلية الواحدة ونفس الخرافات والآلام وربما اخطر من العقلية الاستعمارية
إما التيارات المتسلطة علينا فهي واحدة وتراث واحد والنتيجة واحدة وهو الفشل وعدم التقدم وغياب العدالة والمساواة بين القوميات من ما أدي ألي قيام حر وبات في الإطراف ضد المركز المتسلط ذو الإطار الفكري الواحد والعقلية الواحدة التي تقوم بتدريس وتلقين تلاميذ المدارس بنفس المادة وبعد أربعون ستة يقوم نفس الشخصية دارسا لأجيال الجديدة ان كان دكتورا او مهندسا او معلما او مدرسا فكيف نتقدم ؟
ومع الاعتراف المبدئي بان مصائر الأمم لا تتشابه تماما وان طبيعة الأمم وتاريخها وبيئتها لا بدا ان تكون لها اثر في مصيرها ومن البديهي ان ما يصلح لنا اليوم قد لا يصلح لنا غدا وبذلك إننا قد نخطئ في رسم الطريق ولكن التجربة باب الوصول والخطأ طريق الصواب وليس في الكون حقيقة عالمية الا وتحتمل الصدق والكذب وليس في التاريخ حقيقة واحدة لم يطرأ عليها التطور والتغيير وأخير أقول لكاذبين المتعنتون كما قال فولتير ( اكذبوا اكذبوا فلا بدا ان يبقي اثر من كذبكم ) والتاريخ لا يقبل الخطأ وسوف تتحملون أخطائكم طال الزمن او قصر والسودان ليس ملكا لانقاذيون السودان السودانيون وليخسي الخاسئون
والي إن تكتمل شمس الحرية نلتقي
حسن آدم كوبر
عضو التحالف الفدرالي الديمقراطي السوداني
الولايات المتحدة الأمريكية
22/4/2005