حتي الآن لم يخطر نظام الأنقاذ رسميا بتسليم أي مطلوب للمحكمة الدولية بلاهاي. و لكن من الضجيج المنبعث من الخرطوم في أعقاب أصدار قرار الأمم المتحدة بأحالة مرتكبي جرائم ضد الأنسانية الي محكمة العدل الدولية بلاهاي, هذا الضجيج يعني شئ واحد: حتمية التصادم مع ألأرادة الدولية ممثلة في مجلس الأمن. الحالة الأستثنائية أن يقوم الأنقاذ في آخر لحظة من المهلة الممنوحة له للامتثال و تسليم كل المطلوبين و بحسب الشروط المقررة.
لكن حتي الآن و مع هوج الهستيريا التي تجتاح صقور الأنقاذ فأنه يبدو أنهم يقودون نظامهم الي الشراك المنصوب لهم في أصرار عجيب و بعيون مفتوحة. أنهم يسعون سعيا حثيثا بألقاء أنفسهم و السودان في التهلكة.
لنحاول أستقراء السيناريوهات المحتملة:
السناريو الأول بعيون و عقلية الأنقاذ (ما يتمني الأنقاذ حدوثه فعلا):
1 – سيتحدي الأنقاذ بالرفض طلب المدعي العام لمحكمة العدل الدولية بتسليم الذين وردت أسمائهم في
القائمة المبدأية.
2 – يحيل المدعي العام الأمر لمجلس الأمن.
3 – بما أن قرارات مجلس الأمن بشأن السودان صدرت تحت البند السابع (عقوبات), فأن هذا التحدي
سيثير غضب الدول الغربية و علي رأسها الولايات المتحدة. و يتفق الجميع علي أنه لابد من عمل شئ لأخضاع هذه الدولة المارقة للقانون الدولي و أرغامها علي تسليم مواطنيها للمحكمة الدولية.
4 - تصدر قرارات من مجلس الأمن بضرورة القبض علي المطلوبين. و تخول أعضائها بأستخدام
كل الوسائل لتحقيق ذلك. فتجيش أمريكا الجيوش و تنشئ أحلافا و تكون فرق خاصة.
و في الخرطوم تعبئ الأنقاذ الشعب السوداني للجهاد لحماية الارض و العرض من الغزو
المرتقب. و تملأ الأنقاذ الأثير و الفضائيات زعيقا …" سوف لن نسلم أي مواطن سوداني لدول الاستكبار. من أراد أي أحد القبض علي أي سوداني فليأتي و يأخذه من بيننا". و يندس كل المطلوبين في عمق الناس, بين الأطفال و النساء. و لترسل أمريكا فرق الكوماندوز و الصاعقة و المارينز و قواتها الخاصة. سيستفز هذا الشعب السوداني بأكمله و يعده تعديا علي سيادته و أستقلاله فيلتف حول قيادته. و سيحمل خمسة و ثلاثون مليونا من الوطنيين السلاح. و تتحول الخرطوم الي مقديشو أخري.
5 – ستعود الذاكرة بالأمريكان الي شوارع مقديشو و مناظر جثامين أبنائهم و هم يسحبون نصف عراة في شوارعها. فيقرروا أن المسألة لا تسوي هذه "الهيصة". و يتركوا الأنقاذ و شأنه … و تسير مسيرات الانتصار علي الكفار … و تذبح الذبائح و تعلو الزغاريد .. لقد بعث الانقاذ من جديد.
سيناريو الامم المتحدة (مجلس الأمن):
1 – ستجري الاحداث حسب سيناريو الانقاذ حتي النقطة الثالثة.
2 – تصدر قرارات من مجلس الأمن تدريجيا و تباعا لتكبيل نظام الانقاذ. و تتفاوت هذه العقوبات في حدتها من الأجراءات الرمزية الي الحظر الشامل. و ستمس بعض العقوبات القطاعات التالية:
أ – القطاع الديبلوماسي .. و تقليل التمثيل المتبادل.
ب – حظر الطيران المدني و حرمان الخطوط الجوية السودانية من الطيران خارجيا (طبق الأصل الحظر الليبى).
ج – الحظر التجاري .. و يشمل كل القطاعات و الانشطة مثل قطاع البترول و كل الصادر و
الوارد و قطع الغيار بكل انواعه و بصفة مطلقة. و يحظر علي جميع ألدول الاعضاء من
التعامل تجاريا مع حكومة الخرطوم.
د – قائمة ال 51 هي قائمة مبدأية… سيجمع المدعي العام أدلة و أسماء جديدة..و تضاف هذه الأسماء الي تلك القائمة. سيعاند النظام في عدم التسليم… يجيز مجلس الأمن مزيدا من
العقوبات التكبيلية (عراق صدام). من السهل أجازة هذه العقوبات و لكن من الصعب رفعها.
ز – زيادة قوات الأتحاد الافريقي بدارفور الي أعداد كبيرة و تفويضها بحماية المدنيين من اهل
دارفور. دعم هذه القوات بسخاء (ماليا و لوجستيا و تسليحا) اتسهيل أداء مهمتها. البدء في
حصر و حصار الجنجويد لنزع أسلحتهم و بالذات بعد ان فقدوا الغطاء الجوي و الدعم المباشر
من قبل حكومة الخرطوم.
و بالتزامن تنشط حركة البناء و أعادة تأهيل انسان دارفور و التصالح مع نفسه لتضميد
الجراح.
ع – دعم الحركة الشعبية من قبل المجتمع الدولي بوصفها الشريك الشرعي في الحكم و السعي
الي تمكنه من الخرطوم. و أذا أبدت الانقاذ أي نية للتنصل من اتفاقية نيفاشا أو عرضت أي
مضايقة لاعضاء الحركة و ممثلوها سيعد ذلك خرقا للاتفاقية و يزيد دعم الحركة في اخراج
حكومة الشمال من الجنوب (وجود عشرة الف من القوات الدولية لم يكن عبثا). و ستكون
الحركة الشعبية هي المسيرة لأمر الجنوب ببتروله و موارده الطبيعية (الزيارة الأخيرة للصين لم تكن سياحة و فرجة علي البني التحتية فقط).
ستشكل الحركة الشعبية حكومة انتقالية مع التجمع الوطني و حزب الامة مع الاحتفاظ بالجنوب
شبه مستقل, لان أركان الأنقاذ مشغولون بالركض في كل الاتجاهات للأحتماء.
و - ستنشط الجبهة الشرقية لكسب مزيد من الأراضى المحررة بمعاونة أرتريا و الدول
الغربية و الشروع في تقديم خدمات تنموية لمواطن الشرق.
س- تتدهور الاوضاع في باقي السودان (أقاليم الوسط و الشمال) و تسوء الخدمات شهرا بعد
شهر بالذات في قطاعات الكهرباء و البترول و النقل(السكة حديد و النقل البري) و تعود
الازمات و الأختناقات التموينة (العراق و صربيا أثناء الحظر و الحصار). و يقع عبء
العقوبات علي المواطن العادي.
سيكون الخيار حينها للحكومة الانتقالية و بالذات التجمع في القبض علي المطلوبين و
تسليمهم للمحكمة الدولية لتخليص البلاد من الانهيار الكامل و ألا ... سيتفتت السودان
و البدء في اخلاء أقاليم الوسط و الشمال.
الخلاصة:
محكمة العدل هي البداية في أنصاف أهل دارفور. ستتبعها محاكم تعويضات الضحايا.
مصيبة السودان أن أهل الأنقاذ مازالوا يفكرون بعقلية (كوسو) – اتحاد طلاب جامعة الخرطوم.
أنهم يجيدون لعب دور المعارضة الخبيثة و لكنهم في الحكم يعجزون عن بناء مجتمع معافي و متسامح ينعم بالحرية و الديموقراطية و الرخاء. مجتمع أساس التعايش فيه هو العدل و المساواة.
الآن يغامرون و يقامرون بمستقبل أمة .. مستقبل شعب و دولة. انهم يتحدون أمريكا و مجلس الامن و لكن من وراء جدر محصنة بالأطفال و النساء.
سوف لن تغزوا جيوش الامم المتحدة السودان بحثا عنهم و القبض عليهم. و لكن بالقرارات و العقوبات التي تصدر تباعا من مجلس الأمن سيجعل السودان ينزف بطيئا حتي الموت أو يتفتت و يتشظي. أنظروا لحال العراق في سنوات الحصار و مازال يعاني اليوم.
الزعماء الصادق المهدي و الميرغني ينتظرون أن تأتي اليهم زعامة البلاد طائعة الي حيث هم.
الزعامة هي القيادة و ليست السيادة. هي المبادرة في أتخاذ المواقف الشجاعة من أجل الوطن لا الأنتظار لمعرفة أي الاتجاهات تهب رياح الأحداث و من ثم تبدأ الهرولة.
نظام الانقاذ الآن و كما هو باد لكل ذي عقل قد وصل الي طريق مسدود. بل طريق يؤدي الي التجريم.
مالم يواجه السادة هذا النظام و أركانه مباشرة و أفهامهم أن لا مناص من تسليم انفسهم للعدالة سيكونون هم أيضا شركاء في رسم مصير السودان القاتم .. و نهايتهم كزعماء.
لقد أجاد مثقفو السودان دور المتفرج حيال مشكلة دارفور. بل سخر بعضهم كل خبراته و مواهبه في مدح الثوب الوهمي للأمبراطور العاري. و أعتقد الكثير ان مشكلة دارفور سيكتوي بنارها أهلها فقط.
ها هي تطال السنتها السودان كله و تضع الجميع أمام خيارين لا ثالث لهما: أن تكونوا أو لا تكونوا. و من لم يحزم أمره اليوم ... عليه أن لا يتباكي غدا.