مقالات واراء حرة من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

في رحلة الأسبوع>>>>قصة قصيرة بقلم هلال زاهر الساداتي-القاهرة

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
4/19/2005 7:13 م

في رحلة الأسبوع
قصة قصيرة
هلال زاهر الساداتي-القاهرة

حث خالد الخطى إلى موقف البص في تلك القرية الهادئة التي تقبع مطمئنة بجانب النيل على مسافة ليست بالبعيدة من الخرطوم , والبص مثله كسائر الكثير من البصات التي يسمونها هنا بصات أهلية قد صمم أصلاً ليكون عربة نقل للبضائع ولكن تفتقت أذهان القوم عن فكرة عمل سقف لصندوق العربة الخلفي ورصه من الداخل بالمقاعد الخشبية المحشوة بكمية شحيحة من القطن والمكسوة بغطاء يشبه الجلد وكل مقعدين في جانب يفصلهما عن المقاعد التي أمامها فسحة صغيرة تسمح بالكاد للراكب أن يفرد ساقيه ويتكرفس كأنه جالس القرفصاء وذلك لكي تحمل العربة أكبر عدد من الركاب وتشحن بالبشر مثلهما رصيفتها غير المعدلة بالبضائع ! أسرع خالد إلى الموقف فقد سمع من بعيد آلة التنبيه في البص وهي تدوي وتملأ بزعيقها الأرض والسماء فقد جرت العادة في هذه القرية أن يطوف البص طرقها ويدخل بين أزقتها الضيقة كدروب الغابات في دأب لا يكل حتى يمتلأ جوفه بالركاب ومع ذلك لا يزال السائق يقول هل من مزيد , ومن ثم يطوف ويدور قاطعاً القرية من أقصاها حتى تمتليء المقاعد ويمتليء الممر الضيق الوحيد بين المقاعد . وأدرك خالد العربة عند أحد المنعطفات وأخذ مكانه بين الركاب بعد أن تخطي بحذر أنواعاً شتى من المتاع فاضت من تحت المقاعد في الممر محاذراً أن ينكفيء على وجهه أو يقع على أحد الركاب فقد غصت العربة بالناس وتكدسوا إلى بعضهم البعض كبالات القطن المضغوطة .. وخالد يعد الساعات لمجيء هذا اليوم في آخر الأسبوع ليذهب إلى أهله وأصدقائه في المدينة ليزيح عن نفسه منغصات الملل ومقلقات السأم في هذه الحياة القروية الراكدة التي تنام مع الدجاج في أول المساء , فقد أقتضى عمله أن ينقل إلى هذه القرية فافتقد أهله وأصحابه والسمار في ليالي المدينة .. تيت _ تيت تنطلق آلة التنبيه في العربة زاعقة معلنة عن الرحلة إلى المدينة ولا تتوقف عن الدوي وكأن السائق موكل بتنبيه الأحياء وإحياء الأموات كأنه نافخ الصور! ..(( يا زول حاسب أنت ما بتشوف )) صاح صوت غاضب , وتجاوب معه صوت امرأة ساخطة : (( يا راجل زح كدي . افتح السكة )) وارتفع فجأة بكاء طفل وصراخ طفلة , وعلت أصوات مشادة وتلاسن , (( على الطلاق ما بقوم لو قامت قيامتك )) ورد عليه آخر بعنف (( على الطلاق لو داير قيامتك تقوم بقومها ليك )) , وارتفع فوق أصوات الجميع صوت رجل كبير السن قائلاً : (( ياناس ختوا الرحمن في قلوبكم . انتوا ما صايمين ؟ استغفروا وروقوا , الدنيا ما طايره وبالمهلة كلكم يتركبوا وبتصلوا كدي صلوا على النبي )) واعقب ذلك همهمات بالصلاة على النبي وخفت الضجة متدرجة في الخفوت كتكسر الموجة على الشاطيء حتى تنداح .. وحقيقة كان الجو شديد القيظ في ذلك اليوم من رمضان وتكاد الحرارة تلهب أنفاس الناس وكل شيء ملمسه ساخن , أجسام الناس وجسم العربة والمقاعد وحتى الملابس .. وجلس خالد صابراً وقد تبلد فكره وارتخت أحاسيسه وظل يشاهد ويسمع في سكون .. وأخيراً تحركت العربة ميممة الخرطوم وهدأت الضجة وساد الهدوء وما هي لحظات وألا داعب النعاس أجفان البعض وصارت رؤوسهم تتمايل يمنة ويسرة وتقع إلى الأمام فينتفض النائم صاحياً لحظة ثم يعاود تلك الحركات ثانية .. واستعاد خالد يقظة حواسه مرة أخرى وأخذ يستوعب مجريات الأحداث أمامه , ولما كان جالساً في المقاعد الخلفية كان في موضع يشاهد منه جيداً ما يجرى أمامه وكان الصاحون من الركاب يلتفت الواحد منهم جانباً ويبصق من نافذة العربة غير آبه بما يصيب الركاب الآخرين الجالسين بجانب النوافذ من نثار ورشاش قذائف فمه من البصاق وبخاصة أن النوافذ فتحة بطول الجسم صندوق العربة ! وابرز ما شدّ أنتباه خالد وأثار استياءه امرأة جالسة على مقعد مواز لباب العربة ما فتئت تبصق وتبصق قاذفة ببصاقها على الباب وعلى السلم فكون شريطاً من السيل له رغوة اسفنجية كبيوت عنكبوت متجاورة , وتساءل في نفسه من أين تأتي هذه المرأة بكل هذا المخزون من البصاق وهي صائمة ؟! ولم يقدر أن يمسك نفسه فخاطبها قائلاً : (( بالله يا خاله التفاف ده بيزلق ليه زول )) , وألتفتت إليه وعلى وجهها شر وتحدي واستنكار وقالت : (( يا ولد يعني الصايم ما يتف , يعني أبلع ريقي وأضيع صومي ؟ )) ورد قائلاً : (( لكن ياخاله الكلام ده ما صحيح )) وقاطعته بإنفعال قائلة : (( هوى يا ولد أنت عايز توريني الصح من الغلط . والله حكم ! )) وألجم خالد وسكت على مضض موقناً انه لا فائدة من جدال هذه المرأة ولا سيما أنه رأى بعض الركاب قد ألتفت فيما يبدو متأهبين للخوض في هذا الجدال بجانب المرأة مآزرين لها فكلهم صائمون وكلهم بصاقون ! واغفى خالد مغمضاً عينيه في محاولة للهروب من مشاهد البص حتى نهاية الرحلة .

[email protected]

للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر الحر | دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر الحر

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |تعارف و زواج|سجل الزوار | اخبر صديقك | مواقع سودانية|آراء حرة و مقالات سودانية| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved