في مستهل كلمته أمام مؤتمر الفيدرالية أشار رئيس برلمان جمهورية الكنغو الديمقراطية إلي أن الكنغو بصدد وضع دستور ديمقراطي بعد سنوات من الحرب الاهلية والتمزق مفيدا بان 3 مليون من الكنغوليين أصبحوا نازحين فيما بلغ عدد اللاجئين في الدول المجاورة حوالي مليون لاجئ . وهناك مئات الآلاف من الأطفال تم تجنيدهم في المليشيات المختلفة. وتحدث السيد وقال أن الكنغو في فترة الاستعمار كانت مقسمة إلى 6 وحدات إدارية تختلف من حيث التكوين والأهمية وأن الدولة الكنغولية تبنت بعد نيلها الاستقلال مباشرة نظاما فيدراليا ديمقراطيا برلمانيا. غير أن هذه التجربة أجهضت مبكرا بسبب مناداة أهالي اقليمي " كاتنقا " و " جنوب كاساي " عام 1960م بحق تقرير المصير. وهو وضع أدى إلى مواجهة بين رئيس الوزراء المنتخب آنذاك باتريس لوممبا ورئيس الجمهورية جوزيف كاسا والذي انحاز للانفصاليين. وذكرأن نظاما رئاسيا أقيم في الكنغو عام 1964م وزاد عدد المحافظات في هذه الفترة من 6 إلى 21 محافظة . وأضاف أن انقلابا عسكريا وقع عام 1965م ألغى آليات اللامركزية وأقام نظاما مركزيا قلص بموجبه المحافظات من 21 إلى 8 محافظات وأدى إلى خلق هوة بين سكان المدن والريف والعاصمة والمحافظات. وأشار الى الاصلاحات التى أجريت عام 1998م لاتخاذ اللامركزية كمنهج للحكم غير أن هذه الإصلاحات لم يتم تطبيقها على أرض الواقع.
وتحدث النائب الأول السيد على عثمان محمد طه عن ان الحكومة ظلت تبحث منذ فترة عن ما هي افضل الخيارات لحكم بلد في مثل حجم السودان متعدد الثقافات والاثنيات، نظام يعمل على إزالة الفوارق في التنمية ويحقق العدل والمساواة ويلبي طموحات مواطنيه كافة. واستعرض تجربة الحكم الإقليمي في الجنوب في الفترة 1972- 1983م . كما تناول الوضع الدستوري الخاص بإنشاء 9 ولايات كخطوة في طريق اقامة نظام حكم فيدرالي. والاستمرار على هذا النهج بإنشاء 26 ولاية عام 1993م واعتماد نظام فيدرالي يعطي صلاحيات أكبر للولايات . وتم في هذه الفترة أيضا إنشاء 137 محلية. واستمر هذا الوضع حتى يناير 2005م تاريخ التوقيع على اتفاقية السلام الشاملة. وقدم النائب الأول في كلمته شرحا مفصلا عن اتفاقية السلام الشاملة وما ورد فيها من تقسيم عادل للثروة والسلطة وتوفير نظام قانوني ودستوري وإجرائي يحقق تفاعل الوحدات المحلية. وأضاف أن هذا النظام استهدف في المقام الأول إزالة الفوارق والمساهمة في خلق تنمية اجتماعيه واقتصادية مستدامة تستأصل الفقر وتتيح الفرصة للوحدات المحلية للمشاركة في القرارات والخطط الخاصة بها. ووصفه بأنه نظام يستهدف تحديث إدارة الموارد المالية واللامركزية ، ويعمل على تطوير مساهمة مؤسسات المجتمع المدني في عملية التنمية. كما أنه يعمل علي تمكين الشفافية وروح المسئولية من خلال جعل القيادات المحلية مسئولة أمام الوحدات التي تتبع لها، نظام يخلق مناخ ملائم للاستثمار ويرفع من مستوى الإدارة العامة للمؤسسات المختلفة. وأشار السيد النائب الأول إلى أن اتفاقية السلام الشاملة وفرت قاعدة صلبة لحل مشاكل أخرى في دارفور وشرق السودان.
ثم تحدث العقيد جون قرنق رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان موضحا أن لموضوع الفيدرالية علاقة بالاتفاقية الشاملة للسلام غير انه أفاد بأنهم وخلال المفاوضات لم يستخدموا أية كلمة تدل علي طبيعة النظام الذى توصلوا إليه كصيغة مشتركة لحكم البلاد في المرحلة القادمة. وقال انه فى مفاوضات السلام التى جرت فى ابوجا قبل عشرة سنوات طرحت الحكومة الفيدرالية خيارا للحكم ولم تقبل به الحركة الشعبية وطرحت الحركة الكونفودرالية فرفضته الحكومة ثم اقترحت الحكومة النيجيرية المضيفة فيدرالية حقيقية تم رفضها من الحكومة والحركة. واتهم قرنق الأنظمة الموروثة عن الاستعمار في أفريقيا بأنها تجاهلت الدخول في عقد اجتماعي مع شعوبها وبحثت عن مصالحها الخاصة وهو الامر الذي نتج عنه كثير من الحروب الأهلية والفوضى. وقال أن هذا النهج يمكن ان يؤدي الى اعادة النظر في الحدود التي رسمها الاستعمار من اجل مواجهة تحديات التنمية في القرن الواحد والعشرين. وقال قرنق ان الحكومات التى تعاقبت منذ الاستقلال لم تمثل مصالح المجموعات العرقية والاقاليم المختلفة. وأوضح قرنق كيف استطاع المفاوضون في نيفاشا التوصل إلى اتفاق بشان خمسة موضوعــات معقـدة هى حق تقرير المصير وقوانين الشريعة الإسلامية والمشاركة في الحكم وتقسيم الثروة والترتيبات الأمنية. ثم اشار الى برتوكول مشاكوس الذي وقع في يـوليو 2002م وقال إنـه تم خـلاله اعتماد أنموذج " دولة واحدة بنظامين " نظام علماني في الجنوب واسلامى ثيوقراطي في الشمال . وأضاف قرنق أن بروتوكول مشاكوس عالج موضوعي قوانين الشريعة الإسلامية وحق تقرير المصير. وأكد على أن نجاح التجربة في استيعاب التنوع هو المقياس الحقيقي لبقاء السودان موحدا. وقال جون قرنق أن حكومات الولايات في الشمال والجنوب ستتمتعان بقدر كبير من الاستقلالية. وأضاف أن السلطة والسيادة سيتم تقاسمهما بشكل واضح بين الشمال والجنوب وبين الولايات نفسها وأن هذا النظام يحفظ بالفعل حقوق المواطنين كافة باختلاف مجموعاتهم العرقية والدينية المنتشرة فى بقاع السودان المختلفة. وأفاد قرنق أن الموضوع الرابع الذي عالجته اتفاقية السلام الشاملة هو موضوع تقسيم الثروة . وأكد أن الاتفاقية زودت حكومة الجنوب بثلاثة مصادر للدخل هى 50% من عائدات البترول المنتج في الجنوب و50% من العائدات غير البترولية في الجنوب إضافة إلى عائد الضرائب التي تتحصلها الحكومة في الجنوب . واضاف أن الاتفاقية أعطت حكومة الجنوب الحق في توقيع اتفاقيات دولية وإقليمية مع الحكومات الأجنبية والمنظمات غير الحكومية في مجالات الثقافة والرياضة والتجارة والاستثمار والقروض والمنح والعون الفني. وأضاف قرنق أنه وفي ذات الإطار تم الاتفاق على إنشاء قيادة عسكرية مشتركة لتدريب الوحدات المشتركة وكذلك القوات المسلحة لكلا الطرفين. وقال أن الوحدات المشتركة ستكون النواة لجيش المستقبل الموحد إذا ما كانت نتيجة الاستفتاء هي تأكيد الوحدة .
ولكن بعد استعراض كل هذه التجارب يبقى السؤال المهم: هل يستطيع أبناء السودان من الاعتبار بتجارب غيرهم وسلك طريق الحوار بدلا عن صراع الثيران فى مستودع الخزف بين أطراف النزاع؟ ولماذا يريد كل طرف لي ذراع الطرف الآخر لسماع كلمة "الروب"؟ وهل يجلب هذا الصراع الذى لا تعرف له أجندة ثابتة ولا سقف محدد منفعة عامة للمواطنين، وهم يموتون بالآلاف كلما تطاولت هذه الحرب ربما لتؤمن للمتحاربين فرصة كسب وزارة هنا أو منصب هناك لا يعيد لمن فقد روحه فى الحرب الحياة من جديد؟! وهل نستطيع بناء منظمات سياسية قادرة على استيعاب متطلبات النظام الفيدرالى أم نستمر فى الأغنية الحزينة القديمة بأنظمة شاخت ليس لها من هم الا التبضع فى بلاد الآخرين والاستنصار بالانس والشياطين؟!