التاريخ الذي مرّ على درب الإنسان، أفراداً أو جماعات أو دولاً قال: ألقوا على أكتافي لونَ حياتكم ولون مسعاكم، وكيف فكرتم وكيف أمّلتم، وكيف ربحتم وخسرتم، فإني واعظ أمشي لعليّ أجد من يُصغى إليّ فيعتبر.
***
عبر برنامج في الواجهة بالفضائية السودانية (الجمعة 8 أكتوبر 2004) الذي خصصه أحمد البلال لزيارة رئيس الوزارء البريطاني توني بلير للسودان واستضاف خلاله وزير الخارجية مصطفى عثمان، كانت مشاركتي في ذلك البرنامج مثار جدل من قبل البعض، بعد أن عرضت أهم ما تناقلته الصحافة البريطانية عن زيارة بلير للسودان، وأبلغت في ختامها الوزير باعتباره ممثلاً لحكومة الانقاذ أن الظرف الذي تمر به البلاد دقيق ومناسب أكثر من أي وقت مضى لجمع الصف وتصحيح الأخطاء، لا سيما وأن اتفاقية سلام الجنوب كانت وقتها قاب قوسين أو أدنى من التوقيع النهائي.
السلام يومها كلمة التقى عندها كل أهل السودان بتنظيماتهم السياسية كافة والدول الصديقة في منظمة الايقاد ودول الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
كانت الحكومة آنذاك في وضع يؤهلها أكثر من أي وقت مضى لأن تكون صاحبة مبادرة من موقع القوي لا الضعيف، ينتظرها العالم المتطلع للسلام آملاً منها الايفاء بتعهدات قطعتها على نفسها في نيفاشا ممثلة في نائبها الأول بعد أن أختار قادتها بغير رضى طريق السلام الذي أصبح هماً للمجتمع الدولي أكثر منه عند السودانيين.
ناشدت الدكتور الوزير أن الظرف يستدعي تضافر الجهود لإيجاد صيغة يمكن بموجبها مشاركة قوى المعارضة في حكومة قومية تجنب البلاد ما هو قادم في مستقبل الأيام حيث لن يكون التراجع أمراً سهلاً.. وقد كان!.
الستة العظام في الانقاذ.. أوصلوا البلاد والعباد الى ورطة هي الأكبر منذ عهد الممالك السودانية القديمة، تسونامي القرارات 1590، 1591 و 1593 يعترض سبيل سفينة الانقاذ المندفعة على غير هدى بعد أن فقدت ربانها!.
منظرّوا النظام (مع قلتهم) يراهنون في تعاظم الجهلاء على تجارب سابقة، سيما فترة التسعينات من القرن الماضي.. وأن الذي أمامهم لا يعدو أن يكون حلقة من حلقات التأمر ضد الشريعة والاسلام.
كعادتهم!.. يآبى أهل الانقاذ طاعة (أعدائهم) الأمريكان في وضح النهار..
رجعت حليمه لعاداتها القديمة.. لن نذل ولن نهان ولن نطيع الأمريكان.. غير أنهم سلموا رفاقهم الاسلاميين والعرب المطلوبين.. بعد أن فعلوها من قبل مع الارهابي كارلوس.. ووقعوا في نيفاشا رغم أنفهم..
لم يحتكم أهل الانقاذ لتجربة على بعد بضع مئات من الأميال على الحدود الشمالية الغربية، (ليبياوود) القائد معمر وفحيمة والمقرحي ثلاثية دراما لوكوربي التي أطبقت على أنفاس الليبيين بجحيم الصواريخ والحصار لأكثر من عقد من الزمان وأخيراً المحاكمات والتعويضات..
كنت حينها في جزيرة مالطا أعمل في احدى الصحف العربية الصادرة هناك وقابلت غير مرة بعض رموز الانقاذ في فندق (جرمة) ذو الخمسة نجوم، ذاهبون وعائدون من والى الجماهيرية.
كعاداتهم لم يتعظ أهل الانقاذ من الدرس الليبي!
لا أظن أن دموية دراما غزو العراق وما تبعها من أحداث بسقوط صدام وقائمة المطلوبين والفظائع التي ارتكبت في أبو غريب وجحيم التفجيرات فيها من العبرة ما يهدي السبيل رشدا..
وما أشبه الليلة بالبارحة، فالزيارة التي قام بها وفد اتحاد الصحفين العرب برئاسة ابراهيم نافع رئيس تحرير صحيفة الاهرام الى الخرطوم هذا الأسبوع.. تُعد استنساخاً لزيارات جورج غالوي ونفر (كريم!) من مشجعين كثر دار حولهم لغط في شأن كوبونات النفط وتواروا ستراً عند الشدة في مقابر الركام، وتركوا صدام وحده يواجه مصيره خلف القضبان.
غير أن هنالك بعض الأسئلة لرئيس اتحاد الصحفين العرب وصحبه.. أين كنتم عندما أغلقت حكومة الانقاذ دور الصحف وحكّمت الرقابة وهددت المطابع وضربت الصحفيين؟.. أين كنتم عندما سُجنت الصحفية أمال عباس وآخرين؟
هل سيكون نفط أبيي السودان أجدى نفعاً من مثيله في كركوك العراق (حذراً.. مال الغلابة يدخل بالساحق والماحق.. والعبرة في من أعتبر.. ثلاثة قرارات لمجلس الأمن في أسبوع واحد؟.. ستلاحقكم لعنة حفظة القرآن في دارفور أينما حللتم و سينكشف السر في السودان كما كان حال البعض في العراق!).
ولأهل الانقاذ نسأل..
متى تتعظ قيادتكم وتخفض طرفها حياءاً قبل أن تُخرج من جحر للفئران ويقع ما تخافه وتخشاه في لاهاي؟
أمسيتُ أذكر ما مضى من صَبْوتي * والذِكْرُ آمال الزمانِ الغابرِ
ماشئتَ من صورِ الرجاء فَلُذْ بِهِ * بعضُ الغدِ الآتي كأمسِ الدابر
***