السودان نموذج - كيف نقبل انفسنا
يبدوا تأطير اي بحث بحدود المصطلحات الوارده فيه ضروريا للمضي قدما في اتجة الغاية من ذلك البحث , وهذا ما حاولت أن أقوم به في هذا البحث للوصول الي الغاية وهي الدفع باتجاة التعايش السلمي بين المجموعات السودانية رغم الاختلاف والتضاد أحيانا الحقيقب منه والمتوهم , فالمقال يجعل الثقافة في خدمة المجتمع والمستقبل وعمل له أهداف وليس للمتعه وان لم يخلو منها كما أمل .
الانا والاخر وداخل :-
احتوى العنوان على ثلاث كلمات الانا وداخل و الاخر نفكك هذه الكلمات ,
الانا ( السوداني ) :
هي الاغلبية وهي في مفهوم علم الاجتماع الحديث ليست بالضرورة الاكثرية العددية دائما , بل يعلي علم الاجتماع من معايير مهمة أخري لتعريف الاغلبية الى جانب معيارا لعددية ومن أهم هذه المعايير القوة الاجتماعية والسيطرة في اشكالها السياسية والقتصادية والثقافية بتجاة التحكم في القرار واالسلطة والثروة .
فليست كل أقلية عددية هي أقلية فقد كان الاروبيون في جنوب أفريقيا أغلبية بحكم سيطرتهم علي السلطة والثروة غلى الرغم من قلة عددهم بالمقارنة مع الافارقة .
الاغلبية السودانية هنا هي الانتماء العربي الاسلامي المتركز في وسط السودان , فلكون الثقافة العربية الاسلامية هي المسيطرة ( من خلال الافراد او الاحزاب الذين تعاقبوا على حكم السودان بالمعنى السياسي والاقتصادي والثقافي ... ) نعبر عنها في هذا المقال بالاغلبية دون ان تحمل أي من هذه المصطلحات قيم في حد ذاتها فليست الاغلبية أفضل من الاقلية أو العكس بل نستخدم مصطلح أغلبية وأقلية لوصف حالة راهنة.
الاخر ( السوداني ) :
هنا هو الاقلية غير العربية وغير الاسلامية ويدخل عامل الجغرافية كعامل اضافي في رايي في تعريف الاقلية في السودان , فحتى بعض القبائل المسلمة اوالعربية يمكن ان تضاف الى الاقلية ( لناحية السيطرة السياسية والاقتصادية والثقافية ... ) اذا استوطنت أطراف السودان هل نحتاج الى ضرب أمثلة بقبائل الشرق والغرب ؟؟.
تحدثنا دراسات الاقليات وهي في رأي دراسات لم يلتفت اليها الاكادميون السودانيون بالشكل المطلوب بأن تمييز مجموعة ما لنفسها مرتبط بوجودها مع مجموعات أخري في نفس المكان , فبضدها تبدو الاشياء , فوجود مسلم و مسيحي وعربي وافريقي ومزارع وراعي في نفس الحيز المكاني يشعر كل منهما بنفسة وباختلافه عن الاخر .
لكن ما مدى أهمية هذه الاختلافات الدينية والعرقية واللغوية ( كبيرة كانت أم صغيرة ) تنجدنا مرة أخرى الدراسات الاجتماعية فأهمية هذه الاختلافات ليس في وجودها بحد ذاته أو مقدار الاختلاف بل في احسسنا بهذا الاختلاف وطريقة تعاملنا معه وما يترتب على ذلك من علاقات سياسية , اجتماعية , اقتصادية وربما عنفية بين المجموعات المختلفة عن بعضها .
نضرب أمثلة لتوضيح الفكرة , فقد يكون الاختلاف كبير دون ان يؤدي الى مشاكل كبير مثال ذلك تجاور الاسلام والمسيحية في الاندلس قديما لمئات السنين أو قد يكون الاختلاف أقل درجة ويؤدي الى عواقب وخيمة وصراعات دموية ( داخل دين واحد كالصراع بين الكاثوليك والبروتستانت في فرنسا فقد ذبح مئات الالاف في يوم واحد , او ما يحدث في درافور الان من قتال على خلفية تباين لغوي وأثني بين عرب وغير عرب رغم الانتماء للاسلام ( رغم ان محرضات القتال محرضات سياسية واقتصادية صراع على الارض بين مزارع راعي ) .
حتى في المكان الجغرافي الواحد وبين نفس المجموعات المختلفة عن بعضها قد يأخذ أحد عوامل الاختلاف أهمية قصوي في فترة تاريخية ما وتتراجع أهمية نفس العامل في فترة تاريخية أخري مثال على ذلك منطقة ابيي جنوب كردفان فقد وصلت العلاقة احيانا الى قيام احلاف عسكرية بين المسيرية الحمر( قبيلة عربية مسلمة ) ودينكا نقوك ( قبيلة وثنية افريقية ) في مواجهة بعض القبائل الشمالية الاخرى وانحدرت في فترات اخرى الى صراع بين القبيلتين يصل احيانا الي المواجهة المسلحة , يتعرض د. فرانسيس دينق الى ذلك في فصل ( علاقات الدينكا نقوك والمسيرية الحمر تجربة في التوافق وصراع المصالح ) من كتابه الهام دينامية الهوية , أسس للتكامل الوطني في السودان .
الداخل
كلمة مقصودة تماما بمعناها المباشر ليس بمعني داخل جغرافي أي وجود الاغلبية و الاقلية داخل حدود الوطن بل يتجاوز ذلك الى وجود الاقلية ثقافيا داخل الاغلبية و و جود الاغلبية ثقافيا داخل الاقلية وبكل ما تحمل كلمة ثقافة من معاني قيم واخلاق وممارسات حياتية او دينية أوفنية ..... الخ .
يمكن اعادة تعريف الداخل الثقافي بمفهوم التبني وهوتبني مجموعة ثقافية ما لمكونات ثقافية لغوية ا و دينية ا وقيمية ا وادوات حياتية ....الخ من مجموعات أخري واعادة انتاجها من داخل ثقافتها , فاذا تمت عملية التبني من جميع المجموعات السودانية وفي جميع الاتجاهات وان اختلف المقدار فسيكون ذلك من عوامل تقبلنا لا أقول للاخر بل لانفسنا كسودانين وخطوة كيبرة في الاحساس بامكانية التعايش ضمن وطن واحد , فهل حدث هذا التبني ؟؟؟ .
ونعيد طرح السؤال هل حدث تبني ديني في السوان ؟؟؟ , لكن لمذا اختيار الدين او ان شئنا الدقة الثقافة الدينية ( الثقافة الدينية او الدين الشعبي تحمل معنى أوسع من معنى العقيدة ) للتركيز على وجود تأثيرات متبادلة فيها ومحاولة اثبات ذلك , الرد هو ان الدين يحمل اكبر قدر من التباين وتميز الانا عن الاخر والاهم من ذلك أكبر قدر من الاثر على تعامل المجموعات مع بعضها فهو يمكن ان يكون عامل الفرقة الاكبر ان فكرنا فيه بطريقة خاطئة أو قاصرة ( وقد اكتسب الدين بهذه القدرة الفائقة على التأثير البعيد المدى في كل مجالات الحياة الفاعلة خاصية جعلته من أكثرعناصر البناء القومي حساسية وأشدها قدرة على الاثارة والالتهاب , اذ أنه بقدر د الكبير في تثبيت دعائم البناء الاجتماعي للامة يكون تأثيرة السلبي هدما لاسس هذا لبناء وتدميرا لمقوماته ) بروفيسر عون الشريف قاسم ( من ورقة الدين و الوحدة الوطنية قدمت للمؤتمر العلمي لديوان الحكم المحلي 1984جامعة الخرطوم .
بعد الاجابه على مشروعية السؤال ندخل الى الاجابة على السؤال نفسة , هل الاسلام و المسيحية والديانات المحلية في السودان بينها تاثيرات متبادلة , الاجابة على هذا السؤال تحمل قدرا كبيرا من الحساسية فاذا كان الجواب نعم فستنستنفر كل مجموعة نافية هذه التأثيرات لحماية الانا بتميزها عن الاخر, اشكالية هذا السؤال هو تناوله للدين بكل ما يحمل من قدسية , اذن فلنتحايل على السؤال بطرحه بطريقة مغايرة , هل المجموعات السودانية المختلفة ( قبليا وأثنيا ودينيا و لغويا او في أنماط الانتاج مزارع وراعي ) حدث بينها تبادلات في الادوات الحياتية والعادات والتقاليد واللغة يكون الجواب بالتأكيد نعم , السؤال الذي يلية هل سيتم التبادل والتأثير في كل شئ عدا الثقافة الدينية سيكون الجواب هذه المرة لا , بالمحصلة سيكون بالتأكيد سيكون هناك تأثيرات متبادلة في الثقافة الدينية بين المجموعات السودانية المختلفة .
يمدنا التاريخ بالوقائع العملية لما حاولنا اثباته منطقيا فقد قام الدينكا بعملية التبني الديني عندما حولوا المهدي الثائر الاسلامي والداعي لتكوين دولة اسلامية الى ( مادي ) ودخل الي دينهم كروح مقدسة ابن ل دينق الروح المقدسة التي يقدسها جميع ابناء القبيلة وكتبت عنه الاشعار والاغاني
" أنه المهدي بن دينق
نصلي له نحن النمل على الارض , دينقنا
نتضرع لالهة العشيرة وكذا دينق ....
قد ظل الرجال التعساء ثماني سنوات
ماضرنا واساءنا هو في الماضي
الذي تحدث عنه الاعظم , من أعلى
أنه المهدي بن دينق , نصلي له على الارض , دينقنا نتضرع لالهة القبيلة طويلا طويلا "
من كتاب دينامية الهوية , أسس للتكامل الوطني في السودان ل د. فرانسيس دينق ص38 .
مثال أخر يقدمة لنا أبيل لير وهو عن عادة تغطيس المولود الجديد في نهر النيل وهي عادة كانت تمارسها بعض القبائل النوبية في الشمال وهي تماثل التعميد المسيحي والذي ينسب هو نفسة لعاده نوبية قديمة ( عن ورقة في مؤتمر الاقليات في العالم العربي , جامعة الخرطوم , قاعة الشارقة 1988) .
يقدم لنا بروفيسر سيد حامد حريز في ورقته التراث الشعبي و الوحدة الوطنية ملامح عن التبني او تشارك القيم والافكار على صعيد الدين الاسلامي ( اذا امعنا النظر الى الاسلام الشعبي الشائع في السودان فاننا نجد فيه الكثير من عناصر الديانات الافريقية المحلية بما في ذلك فكرة القوى الروحية الوسطي . الفضل يرجع الى روح التسامح في الاسلام ) قدمت للمؤتمر العلمي لديوان الحكم المحلي 1984جامعة الخرطوم .
ويحدثنا ايضا عن القوي الوسيطة( الاولياء ) وهم يشكلون رابط بين الانسان العادي البسيط والاله الاعلى وفكرة القوي الوسيطة نجدها بقوة في الديانات المحلية السودانية في الجنوب وفي جبال النوبة ( الكجور ) , ملمح أخر يضيفه د.حريز في نفس الورقة وهي فكرة الاسلاف أو الاموات الاحياء وكيف أن هذه الارواح مسؤلة عن حماية المجتمع والاحفاد بشكل خاص وبالمقابل لديها حقوق على الاحفاد أهمها القرابين التي لهم والاحترام الذي يبلغ حد التقديس فبينما توجد هذه العقيدة بشكلها المكتمل في الديانات السودانية المحلية نجد بعض ملامحها في الاسلام الشعبي في السودان, يضيف , ( فتلك المعتقدات التي أشرنا اليها على سبيل المثال لا الحصر توجد في أقاليم السودان المختلفة في شرقه و غربة وشمالة وجنوبه . توجد بين المسلمين والمسيحين كما توجد بين معتنفي الديانات السودانية المحلية . فهي اذا تشكل تراثا مشتركا , لا شك انه يلعب دورا هاما في التقارب الفكري بين المجموعات السودانية المختلفة ) .
يقدم الاسلام اشارات قوية على الصعيد التنظيري لامكانية تبني وتشارك قيم من ومع مجموعات غير اسلامية ( هذا مجال يمكن ان يغني التجربة الفقهية السودانية ان التفت اليه ) فحديث " انما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق " يفتح الباب امام التبني فما من مجموعة سودانية قبلية او دينية او لغوية الا وفيها من مكارم الاخلاق أو العرف أو الخبرة الانسانية التي تقدم لنا كسودانين ( مسلمين ) اضافة نستطيع تقبلها دون ان يصطدم ذلك بثقافتنا الدينية .
خروجا من حساسية الدين الى فضاء العادات والتقاليد نجد عدد من العادات المشتركة مثل ( النفير ) منتشر في المناطق الرعوية والزراعية وجهات السودان الجغرافية وبل يخرج من النشاط الاقتصادي الى حياة العامة على مستوى القبيلة والاسرة والدولة , وكذلك عادة الشلوخ التي كانت منتشرة على طول البلاد وعرضها .
خلاصة هذا المقال :
هل نخلص من هذا البحث الى محاولة تذويب الفروق بين المجموعات السودانية بالطبع لا لتعارض ذلك مع الطبيعة البشرية والمجتمعية القاضية بان الاختلاف بين البشر هو الاصل , لكننا نريد ان نقول ان كثير من هذه الاختلافات ليست بذلك البعد الذي نعتقدة , فلا يمكنا ان نكون متأكدين من وجود قطيعة كاملة بين ماضي السودان وحاضرة الثقافي لناحية الدين وانماط الانتاج واللغات والعادات والتقاليد .. الخ .
فالاف السنين من الحضارات انمتشابكة والمتعاقبة والمتجاورة موجودة وثاوية داخلنا كثقافات سودانية حالية , والا كيف نبرر احتفاء السودانين بالغناء والرقص حتى وان انتموا الي الحركه الاسلامية الحديثة ( الجبهة الاسلامية ) او الطرق الصوفية القديمة الحديثة .
قدم لنا التاريخ والدراسات الفلكلورية من خلال ابرازبعض العناصر المشتركة ( وان اختلفت المسميات والاشكال ) بين المجموعات السودانية المختلفة الكثيرمن الدعائم التي يمكن بل ويجب ان يقوم عليها التشارك الوجداني والانتماء وهو حجر الزاوية في الحفاظ على تماسك المجتمع وبالتالي الدولة دن اغفال عامل مهم هوالعدالة في جميع اشكالها المجتمعية والاقتصادية والسياسية .... الخ .
كلمة ما بعد الاخيرة
لكن السؤال الاعمق هو كيف نتعامل مع الاختلافات السودانية مجتمعيا وسياسيا واقتصاديا بحيث لا يحس اي سوداني ان في خصوصيتة القبلية او اللغوية او الدينية سببا دون أن يحصل على كامل الحقوق والكرامة ليس فقط على المستوى القانوني على أهميته بل أعمق من ذلك بالمعنى المجتمعي .
هذا ما سأحاول ان اجيب علية في المقال التالي ان شاء الله
م. ناجي محمد نوراني
دبي – الامارات 2005