قرار مجلس الأمن رقم 1593 الخاص بتقديم المتورطين في الجرائم بدارفور الى محكمة لاهاي أظهر بجلاء أن الانقاذيين ليسوا حريصين على مستقبل السودان بقدر حرصهم على مناصبهم!.
فالرئيس أقسم ثلاثاً متذرعاً بالسيادة الوطنية، وتناسى قرار حكومته قبول دخول عشرة آلاف جندي ضمن قوات المراقبة لسلام جنوب السودان بموجب القرار 1590 الذي لم تفصله سوى أيام قلائل عن القرار 1593 الخاص بالمحاكمات في دارفور، بل ان النائب الأول قال في أكثر من مناسبة أن وجود القوات الأجنبية لا ينتقص من السيادة الوطنية، ناهيك عن تجاهل الرئيس ونائبه لبنود اتفاقية جبال النوبة التي سمحت بترسيخ الوجود الأجنبي في مناطق جنوب كردفان.
قيادات الانقاذ ذهبت الى أبعد ما يمكن تصوره بعد أن استحدثت خطاباً سياسياً يتناغم مع مهمة استقطاب المواطنين حولها فبدأت تخاطب حتى الذين عانوا الأمرين من بطشها، ولم يسلموا من اعتقالات جهاز أمنها فعذبوا وضربوا حتى الاعاقة والموت، كل هذه الأفعال لم تثن المسؤولين من التراجع عن نهج استقطاب المواطنين بحجة السيادة والكرامة ووحدة التراب و هلم جرا!، أرادوا لهم أن يبادلونهم حباً بقهر، ووفاءً بنسيان لمرارات الماضي ليصدوا عنهم عصا العدالة الدولية ويذبحوا بذلك مرتين، مرة بأيدي جلاديهم والثانية في دفاعهم عنهم!.
التاريخ حافل ببطولات أهل السودان، ولكن أية بطولات؟.. فهل من البطولة أن يُدفع العدل بالظلم.. والحق بالباطل.. أم الفضيلة بالفساد؟..
ثمة اسئلة تلقي بظلالها عند الحديث عن الموقف الوطني وما يقابله من موقف سياسي كما يروج أبواق الانقاذ، فهل من الوطنية أن يكون قَتَلة الشعوب حكاماً لها؟.. وهل من الحكمة بشئ في عالم السياسة أن تُمتطى دبابة للاطاحة بارادة أمة؟.. أيجوز للجلاد أن يستجدي ضحيته؟.
فالانقاذ ومنذ دقائقها الأولى مروراً بأعوامها الستة عشر مثلت مجموعة خطفت وطن، والمواطنون داخله رهائن لا حول لهم ولا قوة، سُلبت ارادتهم بفضل القهر والبطش الذي مارسته أجهزتها القمعية ضدهم، فأفقدتهم عنصر المبادرة في دفاعهم عن أنفسهم، ناهيك عن قدرتهم في مواجهة مؤسسة جلاديهم.
أذن القرار الأممي يحمل أملاً بعودة الروح لأجساد منهكة بعد أن مرضت وأعياها الوهن فلم يتداع لها أهل الانقاذ بالسهر أو الحمى، أجساد ظلت تعاني لسنوات متحملة خطايا قيادة لم تكتف بعجزها عن توفير لقمة العيش لشعبها فزادته قهراً وظلماً وأغتصاباً وتهجيراً وقتلاً.. وتهديداً صريحاً بعودته الى رحمة الاحتلال؟!..
فلتنقذنا الانقاذ برحيلها الى الأبد ليبقى الوطن حراً مستقلاً.
* صحفي بصحيفة الزمان اللندنية