مقالات واراء حرة من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة عامان

نحو منهج ديموقراطي (1 ) بقلم د. فاطمة حسن الشيخ

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
4/1/2005 9:35 ص

نحو منهج ديموقراطي (1 )
د. فاطمة حسن الشيخ *
إني يا أجدادي لست حزيناً مهما كان
فلقد أبصرت رؤوس النبت تصارع تحت الترب
حتماً ستطل بنور الخصب ونور الحب
((محمد المكي إبراهيم ))
بإلقاء نظرة سريعة لمناهجنا في السودان نجد أنها تقع تحت سيطرة المناهج التقليدية رغم التغيرات التي حدثت فيها بسبب التغيرات السياسية .
والمنهج التقليدي أو منهج المادة في مجمل محتواه وطرائق تدريسه ، يركز على إكساب التلاميذ للمعرفة والمعلومات ، حتى أصبحت المعلومات هدفاَ رئيسياَ في حد ذاته ، ولم تعد وسيلة لتحقيق الأهداف المنشودة في تطوير المجتمع ، فالمعلم يبذل كل جهده في الإلقاء و التلقين وشرح المعلومات وتبسيطها والربط بينها ، ويستخدم الوسائل التي تساعده على ذلك ، والتلميذ يسخر كل قدراته وإمكاناته لفهمها وحفظها واستيعابها ومن ثم استظهارها ، والامتحانات فيها تنصب عل قياسها ومدى استيعابها . وهذه العملية كلها بلغة المفهوم الحديث للمنهج تمثل مناهج (( القرون الوسطى في أوربا )) .
ونحن في السودان أصبنا بهزات ، أصابت مجتمعنا في مقتل نتيجة لضربات متلاحقة من الاستعمار ، والانقلابات العسكرية المتكررة وسيطرت الشمولية والديكتاتورية بنسبة 6 :7 من عمر الاستقلال والتي جعلت من مجتمعنا في قاع الدول المتخلفة وأصبحنا لم نكن قادرين على معرفة أنفسنا .
لذا فإن الحاجة ضرورية على رؤية أنفسنا برؤية جديدة وأفق جديد ، للخروج من هذه الانتكاسات ، ولابد من إعادة النظر في تشكيل هذا الإنسان الجديد وبنائه وتسليحه بروح العصر وأدواته . وليس هناك من سبيل إلا التربية ، كأداة لصنع الإنسان بجانب القوى الأخرى . والمجتمع السوداني يحتاج إلى إنسان تغلب على فكره عمق النظرة ، وأسلوب العلم والإيمان . لأن العلم هو أساس التحول الاجتماعي , ومع أن هناك جهود من الكفاءات البشرية تبذل لحل المشكلات إلا أن هناك الكثير والكثير منها المتراكم الذي يحتاج إلى كافة جهد الإنسان السوداني وفكره والكثير من المال الذي يجب أن ينفق في هذا المجال .
والسودان إذ يمثل رقعة تمتد عبر آفاق شاسعة من الأرض ، ويقع في موقع إستراتيجي من قلب العالم ، وبه من الكنوز والثروة ومصادر المياه والطاقة قل أن توجد في أماكن أخرى ، كما يملك قدراَ مقدراَ من القوى البشرية والعقول الذكية القادرة على الحركة والإبداع لتصنع حياتها ووجودها بنفسها . وفوق كل ذلك يحمل حضارات متنوعة وأمماَ وتاريخاَ عريقاً وبؤساً حاضراً ، وواقعاً يحتاج إلى دراسات فاحصة وبرامج وخطط لدفعه للأمام .
وبالملاحظة العادية التي لم تتبع الباحثة فيها الأسلوب العلمي في الوصول إليها ، يشير الواقع إلى انه مليء بالكوارث والهزات ، ما عاقه عن مسايرة ركب الحضارة المعاصرة ، مما يحتم علينا أن نكون سريعي التشخيص لهذه المشكلات ووضع تصور علمي للعلاج لها والعمل به .
ويمكن حصر هذه المشاكل في :
- حروبات طالت كل أنحاء الوطن حتى صار السودان جزيرة محاطة بالحروب من الجهات الأربع ، وهذه حالة فريدة في خارطة العالم اليوم ! .
- هجرة للعقول السودانية الشابة والسواعد الفتية في العقدين الأخيرين حتى بلغ مجموع المهاجرين ما يقارب ال 5 ملايين ما يعني حوالي 1: 7 من سكان السودان وهذه حالة اغرب من سابقتها !! .و إذا علمنا أن جلهم من الشباب وخريجي الجامعات وفوقها والعاهد العليا والمدارس الثانوية تكون المصيبة أعظم .!! !
- نزوح داخلي نحو المدن والعاصمة حتى بلغ تعداد سكان العاصمة القومية 6-7 مليون ما يعادل 1 : 5 تعداد سكان بلد مساحته مليون ميل مربع و أصبحت الخرطوم تنافس نيويورك وطوكيو (( 13مليون)) وهذا ما يدعو للاندهاش والاستغراب أكثر .!!! !
- 50000 خريج جامعي عاطل عن العمل ، هذا على لسان أحد المسئولين وقد يفوق ذلك كثيراً ، هذا غير اللاجئين .!!!!!
- مشكلة التخلف الثقافي والتخلف العلمي والتردي الاقتصادي و انتشار الأمية في معظم أقاليم السودان و أطراف المدن وما يتبعها من انعدام الوعي .
- مشكلة نقص الخدمات الصحية والتربوية والرعاية الاجتماعية وغير ذلك من البنية التحتية التي يجب توافرها في أي مجتمع من المجتمعات .
وحيث أن التغيير في المجتمعات يرتبط بأمرين1 ، إما تهديد يعيشه المجتمع : وعندها يكون التغيير أداة للصراع والبقاء ، و إما رؤية يسعى المجتمع لتحقيقها : وعندها يكون التغيير أداة لتحقيق الرؤية . و أياً كان سبب التغيير والتطوير فهو أمر مطلوب في حالتنا هذه ، وهو طريق طويل ولكنه لابد و أن يبدأ اليوم فالتأخير له تبعاته خاصة ونحن نعيش في زمن لا مجال فيه للتأخير .
والسؤال من أين نبدأ ؟ وكيف ؟
الإجابة ليست بالأمر الهين ولكن على أية حال في هذا المنعطف الخطير الذي تمر به بلادنا لابد من ربط التعليم بالتنمية التي يلعب فيها المجتمع دوراً بارزاً في دعم التعليم ونجاح المدرسة في تحقيق التعليم النوعي الذي يتمناه مجتمعنا . وهذا الدور يتلخص في الدعم الثقافي والاجتماعي لمؤسسات التعليم ، واعتبار التعليم مسئولية مشتركة وليست قاصرة على وزارة التربية والتعليم ، ويتطلب هذا الأمر بالضرورة تعاون الأسرة والنخب والقطاع الخاص والقطاع الأهلي ، والمربين والعلماء المختصين بالثقافة والذين يدركون ميراثنا الثقافي وفلسفة المجتمع ، وكذلك مجموع التنظيمات المجتمعية غير الحكومية من جمعيات و أحزاب ومنظمات ووسائل إعلام حرة متعددة ونوادٍ ومؤسسات ، جوهرها الخيار الديمقراطي ، وعلماء النفس الذين يدركون طبيعة الطفل كما يتطلب الأخذ بمشورات أطباء النفس من واقع سجلات عياداتهم في الصحة النفسية ، وعلماء الاجتماع والأنثربولوجيا وعلماء الحيوان والكيمياء والطب الذين يمكن أن يقدموا إرشاداً في مجال الحاجات الاجتماعية وطبيعة الإنسان ، و كذلك مؤسسات البيئة ودور العبادة تقدم معلومات ذات قيمة في مجال الحاجات الروحية ، والرجوع للحقوقيين والمحاكم الجنائية والأحوال الشخصية . وكذلك أبناء الجهويات والأعراق المختلفة في السودان مطالبون بجمع حضارات وتاريخ وفنون تلك الجهات ووثائقها على المستوى القومي ، كما أن وزارات الثقافة والتخطيط مطالبة بان تمد وزارة التربية القومية بمعلومات جيدة .
كل هذه الجهود يمكن أن تقدم إسهامات في تشخيص وتشكيل نوعية من التعليم الجيد كما أنها يمكن أن تقدم أسساً تساعد في بلورة أهداف تتضمن إنعكاساً وتفكيراً متأملاً وتنقية للتراث السوداني العريض ، كما تتضمن طرق البحث الموضوعي للمشكلات الاجتماعية بين هذه الثقافات وتوازنها ، والتحليل العلمي للمجتمع السوداني ، و أنماط النشاط والعمل السائدة فيه و إبراز ما في هذا المجتمع من تقدم أو تخلف ودراسة للأخطاء والمعوقات والصعوبات التي يواجهها .
كما أن جهود هذه المؤسسات الاجتماعية التي تعمل بطرق مختلفة ، تقدم قائمة بالقيم الرئيسية والمعتقدات والحاجات الاجتماعية والعضوية ، كما تقدم قائمة بالتوترات وعدم التوافق والمتناقضات فيه ، ليتم ترشيحها وتنقيتها ، والخروج منها بخطط واضحة لتعليم نوعي فعال ، وكذلك لضمان شراكة فاعلة في التعليم وضمان الوصول لأهداف مشتركة ، ومن غير هذا النوع من التعاون والتعاضد يصعب على المدرسة أن تكون مدرسة مستقبل تخرج أجيالاُ قادرة على العطاء في المجالات التي يحتاجها المجتمع .
وعلى الرغم من أن التربية التقليدية قد تحافظ على وضعية المجتمع ، إلا أنها بالتأكيد تقف عائقاً أمام انطلاقه نحو مزيد من التطور وتحقيق المنجزات والمكتسبات في عهد الديموقراطية الذي نطمح له وفي ظل متطلبات وتحديات العولمة ، والتي لن تستطيع التربية التقليدية فيه أن تقود المجتمع نحو الأفضل بل قد يحدث العكس تماماً كما يقول (( باولوفرر في كتابه : تعليم المقهورين )) كما أن المجتمع هو الذي يشكل التربية لتحقيق طموحاته.
بذا يكون الخيار الطبيعي أمامنا : التربية ذات المناهج القائمة على النشاط وحل المشكلات والكشف عن الحقائق والتقصي من المصادر مباشرة ، والتعليم القائم على استخدام المعلومات في حل المشكلات و التي تعتمد على التكنولوجيا كمكون أصيل في المنهج ، وليس التعليم القائم على حفظ الحقائق والمعلومات خاصة ( وقد أثبتت الدراسات أن التعليم القائم على الحفظ والتلقي لا يتبقى منه للمتعلم سوى 25% فقط بعد التخرج ).
، والتربية التي تقوم على إتاحة الفرصة لكل فرد ليصل إلى أقصى ما تسمح به قدراته واستعداداته في ظل نظام مفتوح يسمح بالحركة والمرونة ، والقائمة على التفوق في نواحي الابتكار والمهارة في معالجة المشكلات ومعرفة الشؤون العالمية المعاصرة ، و تسليح التلميذ بالقدرة على التفكير الناقد ، و الحصول على الحقائق من مصادرها والقدرة على تفسيرها والتفوق في نواحي التعاون والقيادة والروح الطيبة في العمل ، والاعتماد على المعرفة العلمية وربط الحقائق بالسبب والنتيجة أكثر من الاعتماد على الأهواء والآراء المبتسرة .
ومنذ العام 1952م2 أثبتت الدراسات أن التربية التقليدية والتي لازالت مدارسنا تسير على نهجها أنها لا تلائم إلا قلة من التلاميذ ، لا تتجاوز نسبتهم 20% من مجموعهم ، وأن البرامج الفنية لا تلائم أيضاً 20% آخرين ، أما بقية التلاميذ (( 60%)) فلا تلائمهم هذه البرامج مطلقاَ . وقد عبر مكتب الولايات المتحدة الأمريكية للتعليم عن هذا الرأي في أحد تقاريره السنوية (( لمثل أولئك ال 60 % الذين لا يدرسون برامج أكاديمية أو برامج فنية ، ينبغي أن يكون للتعليم الثانوي أهداف تقابل حاجاتهم الخاصة . فالشباب يختلفون في قدراتهم وفي كفاياتهم للتعليم ، ولكنهم قادرون بالرغم من ذلك على النمو كأعضاء نافعين في المجتمع ، وتسبب التربية الأكاديمية الضيقة والبعيدة كل البعد عن مساعدة الشباب للنضج الصحيح ، عدم التوافق الاجتماعي ، كما تحبط الرغبة للتعليم ، وتخلق اتجاهات الفشل والتواكل ، وهي اتجاهات ذات اثر سيء على الشباب وعلى المجتمع بوجه عام . ولعل العدد الكبير من الشباب الذي يترك المدرسة الثانوية قبل الانتهاء من دراسته يشير إلى أننا قد فشلنا في تدبير تربية مناسبة لهم . )) .
وقد قامت لجنة (( تربية الشباب للتوافق مع الحياة ))4 بعقد عدة مؤتمرات منذ 1947م بحثت فيها شؤون البرامج القائمة في المدارس الثانوية . وأصدرت هذه اللجنة تقريراً تحت عنوان (( بعث الحياة في التعليم الثانوي )) 4 ذكرت فيه أن (( التربية للتوافق مع الحياة تعني إعداد الشباب الأمريكي للمعيشة الديمقراطية تضمن إرضائهم ، وتضمن استفادة المجتمع منهم كأعضاء عاملين وكمواطنين ، وهي تهتم بصفة خاصة بتلك النسبة الكبيرة منهم التي لا تحقق لهم مدارسنا أهدافهم . )) 5 .
ويلاحظ أن تلك اللجنة وضعت في صميم عملها محاولة تنبيه الأذهان إلى اعتناق وجهة نظر ، وطريقة للتدريس ، وعلاقات ، جديدة بين المدرسين والتلاميذ ، كما نبهت إلى ضرورة استخدام الخبرات والمشكلات المباشرة للتلاميذ في داخل المدرسة وخارجها ، وتدريبهم على حل هذه المشكلات ، وكان الغرض الرئيسي لها البعد عن التعليم اللفظي والبعد عن الاهتمام غير الضروري بالبرامج المتخصصة النافعة لعدد قليل من التلاميذ . ورأت أن يوجه الاهتمام للناحية العملية أكثر من الاهتمام بالأرقام والحقائق والتعليمات والقواعد ، وذلك لأن المدارس الحديثة تعتقد في وجوب الاهتمام بنمو الاتجاهات والقيم الديموقراطية الاجتماعية ، ولا يترك نمو هذه الاتجاهات والقيم للصدف . فالصلاحية للمواطنة ، والحياة الفعالة في العمل ، أصبحت لاحقاً ميادين ذات اهتمام كبرى للمهتمين بالتخطيط والنمو التربوي البناء .
وقد شددت المناهج الحديثة في الوقت الحاضر في أمريكا على برامج التربية للتوافق مع الحياة إذ تعد المشكلات العامة والشخصية والمشكلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية للأفراد والمجتمع المحلي والولايات والأمة بأجمعها أساساَ للدراسة والاهتمام يوجه فيها أساساً إلى التخطيط المباشر الذي يشترك فيه كل من التلميذ والمعلم ، وإلى الاشتراك في الخبرات الحقيقية أثناء البحث عن الحلول للمشكلات الفردية والاجتماعية والوطنية ، ويعود مثل هذا الاتجاه إلى ترك أنواع النشاطات الخارجة عن المنهج ، وجعل الرحلات القصيرة والطويلة ، والنشاط المتعلق بمسح المجتمع المحلي ، ونوادي الهوايات وحلقات الدراسة ، وأي أنواع من الخبرات المباشرة للتلاميذ ، كأندية الشعر والتمثيل والموسيقى والرقص والمناظرات والألعاب الرياضية والتمثيل والصحافة والتصوير ، وجمعيات النوابغ والموهوبين في المواد الأكاديمية والفنون الجميلة والمسرح ، والمطبوعات والأنشطة الاجتماعية والأنشطة الرياضية ككرة القدم والتنس والجولف والسباحة والمصارعة والرماية والملاكمة وغيرها . ويذكر جوردون لي أن النشاط السياسي يعود التلاميذ على تحمل المسئولية ، وتساهم البرامج المختلفة في التاريخ والجغرافيا والبرامج التي تبحث في المشكلات الاجتماعية والاقتصادية مساعدة الطلاب في تحمل هذه المسئولية ، كما تقوم التربية الوطنية على ممارسة المباديء والنظم الديمقراطية التي يدرسونها نظرياً ممارسة عملية .
لهذه الأسباب كثرت في المدارس الثانوية جمعيات المناقشة والمناظرة لبحث المشكلات المحلية والقومية والعالمية وتبادل وجهات النظر فيها ، وتقديم خدمات متنوعة للمجتمع . كما شجعت المدارس طلابها على تقديم الخدمات المتنوعة للمجتمع المحلي ، مما يعطيهم الفرصة للمواطنة الصحيحة ، كما انتشرت في المدارس أيضاً مجالس الطلبة ، حيث يشرف الطلاب فيها على النظام المدرسي ويساهمون في كل ما يرقى بمدارسهم ويقومون بمعالجة شؤونهم بما يتفق والروح الديموقراطية .
ونحن نتساءل ما سر تدهور هذه النشاطات والمواد في مدارسنا بعد أن كانت ضمن النشاطات المدرسية ، وليست مواد رئيسية في مناهجنا وحتى بداية السبعينات من القرن المنصرم ؟ وكان لها الأثر الملحوظ في تخريج الكثير من المبدعين في ساحتنا السودانية ! ألم نقل أن الانقلابات العسكرية أصابتنا في مقتل ؟؟ .
ومن منطلق دور التربية الديموقراطية في المحافظة على المنجزات والمكتسبات التي حققها المجتمع السوداني في جميع المحالات والميادين ، مع الأخذ في الاعتبار الدور المهم الذي يقوم به الفرد السوداني في تحقيقها بما يعود عليه وعلى المجتمع بالنفع والفائدة ، لذا تقع على المنهج المطور الذي نطمح إليه مسئولية إعداد الفرد ، و إمداده بمختلف المهارات للتكيف مع حاضره واستشراف مستقبله .
وإذا أردنا أن نحقق نمط الحياة المعاصر في ظل العهد الديموقراطي كنمط داخلي ، وفي ظل العولمة والمتغيرات الدولية كنمط سائد على المستوى الخارجي ، يجب أن يكون دور التربية هو تفكيك نمط التخلف السائد في مناهجنا ، بهدف الانطلاق إلى العالم الأوسع والأشمل وللإستفادة من مردودات ومنجزات عصر العولمة والتقدم التكنولوجي دون أن يكون ذلك على حساب المثل والقيم العليا . كل ذلك يتطلب إرادة قوية ، هدفها تنشيط الحركة الاجتماعية وتطوير العقول القوية القادرة على الإبداع والمنافسة والابتكار ، كما يتطلب حركة تنمية تشمل توسيع إطار الديموقراطية ونشر ثقافة السلام ، وتعزيز مؤسسات المجتمع المدني وتفعيل قيم الحوار والتعددية ، وحرية طرح الرأي وقبول الرأي الآخر والإستفادة منه احياناً ، وتوفير حرية التفكير والبحث العلمي ، وإنشاء نظام تعليمي مختلف في مادته وفلسفته ، يقوم على تأهيل الكوادر التعليمية ذات المهارات العالية في إبداع طرق التدريس الراقية التي تحترم عقل المتلقي ، كما يتطلب ذلك توفير الوسائل التي تمكن المتعلم من الاستيعاب الناقد للمعلومات والآراء واختصار الزمن في مناهجنا التعليمية لإطلاق الطاقات الشابة في كل المجالات لكي تفكر وتبدع وتعزز ثقتها بإمكاناتها .
إذا أردنا أن نكون أمة لها مكان في خريطة عالم اليوم والغد علينا أن نقوم بعملية إصلاح حقيقي يتمثل في :
1- أن نبدأ بأنفسنا : ويكون بنبذ العقلية الأحادية في التفكير التي لا تسمح بالحركة قيد أنملة عن المعتاد والمألوف ، وان نقتنع بأننا في عصر لا مجال فيه للضعفاء ، و أن ننبذ حركة التقهقر للخلف والسكون وعدم الحركة و أن نتقدم مع العالم الذي يتحرك للأمام ويجني ثمار تقدمه .
2- أن نتحرر من الخوف و أن نقرأ بطريقة جيدة وصحيحة منجزات من حولنا , الذين صعدوا الجبال ، وغاصوا البحار ، وارتادوا الفضاء ، ونكتشف الثقافة التي حركت تنميتهم ونفهم أدواتها ، ونضع الخطط المناسبة لعملية التبادل التي تقوم على مبدأ الأخذ والعطاء بيننا وبين الشعوب الحية و المتقدمة .
3- أن نسلم بان القضايا المعاصرة ذات الصبغة الاقتصادية أو السياسية أو الهوية أو الحراك الثقافي والاجتماعي والخصوصية المحلية والظاهرة الكونية ، أمور عادية يمكن أن نقبل عليها ونناقشها ونحللها ، فنوافق عليها جزئياً ونترك الجزء الذي لا يناسبنا .
4- أن نسارع الخطى في عملية التنمية والتي تبدأ بعملية الإصلاح التعليمي ، وفهم ظروف الراهن ، والمتغيرات المحيطة بنا ، والتفكير بواقعية في أزمات الحاضر ومشكلات المستقبل المتوقع حدوثها ، وأن ندرك بأن العمل للمستقبل يتناول جوانب عدة اقتصادية واجتماعية وصحية وعمرانية ، إلا أن نجاح المدرسة هو الضمان الأكيد لنجاح كافة برامج المستقبل التي توجه لخدمة الإنسان ، فالمدرسة صناعتها الإنسان معرفياً ووجدانياً ومهاريا وسلوكيا ، وبقدر ما أحسنا هذا البناء يكون المستقبل أكثر إشراقاً ، و أن نقر بأن أكثر الدول نجاحاً هي الدول التي استطاعت أن تجعل من التعليم قضية قومية يتعامل معها كل من يهمه أمر التنمية ، وبمشاركة جميع القطاعات والفئات الخاصة والحكومية ، وهي الدول التي لديها رؤية واضحة وخطة شاملة تسير عليها ويؤدي التعليم فيها دوراً مهماً ، وقدمت الدعم السياسي والمادي للتعليم بحيث أصبح التعليم لديها قضية قومية ومطلباً حضارياً وليس خدمة اجتماعية تقدم للأفراد ، فالتعليم هو الاستثمار الحقيقي وأي استثمار في البشر هو استثمار في الدولة على المدى الإستراتيجي .
أما إذا كنا نقدم دعماً مادياً متذبذباً خاضعاً لسياسات التقشف ، فلا يمكن أن نتوقع من التعليم أكثر مما نراه اليوم في حاضر مدارسنا وجامعاتنا وخريجيها .
وخلاصة القول أننا نريد نوعاً من المناهج تحقق طموحنا في تحقيق تربية قادرة على تخريج أجيالٍ مبدعة تتمتع بعقلية ذات أفق واسع في التعامل مع الأزمات و أخذ القرارات المناسبة في حل هذه الأزمات بطرق إبتكارية وليست اتكالية ، على المستوى الخاص والعام ، وعلى المستوى النظري والعملي ، وبذا يكون المنهج قد أسهم في تعليم الإبداع كظاهرة متعددة الوجوه ، أكثر من اعتباره مفهوماً نظرياً بحتاُ له تعريف محدد .
المراجع :.
*باحثة في المناهج الديموقراطية وطرق التدريس . ( الدمام )
1- Schlechty P, 1977 ,Inventing Better School : An Action Plan For Education Reform. San Francisco ; Jossey – Bass
2-Office Of Education ; Fedral Security Agency , Annual Report 1952 ( Washington ,D. C. 1952 P.15 ).
3- Commission On Life Adjustment Education For Youth .
4- Vitalizing Secondary Education .
5-Office Of Education , Federal Security , Vitalizing Secondary Education ( Washington , D.C. 1951, P. I.) .

6-أحمد إبراهيم اليوسف علاقة التربية بالمجتمع وتحديد ملامحها النوعية : مجلة عالم الفكر (الكويت ) المجلد التاسع والعشرون ، العدد الأول يوليو /سبتمبر 2000 ص 30 .

للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر الحر | دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر الحر

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |تعارف و زواج|سجل الزوار | اخبر صديقك | مواقع سودانية|آراء حرة و مقالات سودانية| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved